كيف أعيش؟
السيد حيدر الجلالي
منذ 7 سنواتيمكن أن نعلم بنمط حياة أي شخص من خلال المبادئ والتعاليم التي يؤمن بها؛ لأن هذه التعاليم تمثل فلسفة حياة الفرد. والأئمة(ع) هم الأمثلة العليا للعلم العملي، وهم الذين أثناهم الله، وأحال الآخرين في جميع الأمور إليهم؛ لأنّ علمهم مُقتبس من علم الله، فكلمات الإمام
حسن العسكري(ع) بصفته أحد هذه الأمثلة العليا تمثل فلسفته وأسلوبه في حياته، والتي ينبغي أن تعتبر جيدة بعين الاعتبار من قبل الناس أجم، وبناء على ذلك، نقتبس بعض تعاليمه وفلسفته ونمط حياته؛ لكي نتعرّف على طُرق حياته التي تؤدي إلى الحياة السعيدة.
الأول: تجنب الحقد
الحقد تعني العداوة والكراهية، فإن باتت العداوة في قلب شخص، يُقال لها: "الكراهية"، وإن أبرز الشخص عداوته للآخرين، وأراد الانتقام يقال لها: "العداوة". ووفقاً للتعاليم الدينية، ليس من صفات المؤمن أن يكون حقوداً، كما أن جذور العديد من الرذائل الأخلاقية مثل الغيبة، والكذب، والبهتان، والفحش، والسخرية وغير ذلك من الصفات المذمومة، تعود إلى الحقد والعداوة والكراهية، وفي هذا المجال يقول الإمام الحسن العسكري(ع): أقل الناس راحة الحقود.(بحار الانوار،ج75،ص373) بمعنى أنّ الضحية الأولى لهذه الرذيلة الأخلاقية الحامل لهذه الصفة.
الثاني: الكذب مفتاح الذنوب جميعاً
يمكن تبيين الآثار الضّارة للكذب في أربعين مورداً منها: الأول: أنّ الكذّاب هو ملعون ومنفور عند الله وجميع الملائكة. الثاني: أنّ الكذب يضع بيضة العداء في قلوب الناس وغير ذلك من الموارد، فيقول الإمام الحسن العسكري(ع): جُعلت الخبائثَ في بیتٍ، وجعل مفتاحه الکذب.(میزان الحکمة،ج2،ص869)
الثالث: الأنس مع الله
عن الإمام الحسن العسكري(ع) أنّه قال: من أنس بالله، استوحش من الناس.(منتهی الآمال،ج2،ص628)، فلا يقصد الإمام(ع) من هذا الكلام الابتعاد عن الناس والعزلة والرهبانية، بل يقصد بأنّ في نفس الوقت الذي يعيش الشخص مع الناس، ويتعايش معهم بسلام، ليكن اهتمامه الرئيسي هو الله عزّ وجلّ وعدم الابتعاد منه.
الرابع: الهدف من الخلقة
في قصة وقع لبهلول: أنه رأى الإمام الحسن العسكري(ع) وهو صبي یبكی، والصبیان یلعبون فظنّ أنّه یتحسّر على ما في أیدیهم، فقال: أتريد أن أشتری لك ما تلعب به؟ فقال(ع): یا قلیل العقل ما للعب خُلِقنا! فقال له: فلماذا خلقنا؟ قال: للعلم والعبادة، فقال له: من أین لك ذلك؟ قال: من قول الله عز وجل: "أفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ(المؤمنون:115)".(مناقب اهل البيت(ع)،ص293)
الخامس: تجنب الإفراط في مزاح الآخرين
إن المبالغة في الفكاهة والمزاح هي عصيانٌ، ولا بأس به لو كان على مستوى منخفض، لكن بشرط أن لا يرافقه الكذب والغيبة وإيذاء وإحراج الآخرين، ولا يسبب أيّ مشاكل لا سمح الله، فيقول الإمام العسكري(ع): "ولا تمازح فیجتری علیك".( تحف العقول،ص615)
السادس: الجهل عدو الإنسان
قال الإمام العسكري(ع): "الجهل خصم".(میزان الحکمه ج1 ص312) في كثير من الأفكار الدينية يستخدم مفهوم الجهل ضد العقل، وليس معناه الأميّة، كما أن عادة، يفسر العلم، ويراد به عدم العلم الذي بمعنى الفكر. لذلك، قد يصل الشخص إلى مستوى عال من المعرفة العلمية والمعرفية، ولكن في الوقت نفسه، لديه ضعف من حيث الفكر.
السابع: التجنب من فعل الأعمال المذّلة
"ما أقبح بالمؤمن أن یکون له رغبه تذّله"،(تحف العقول،ص250) فالله عزّ وجلّ يُريد دائماً عزّة الإنسان، وأن لا يكون ذليلاً، وهذا هو ما يشير إليه أئمة الهدى(ع) أيضا.
الثامن: العبادة الحقيقية
إن الله عزّ وجلّ لم يخلق الإنسان للعبادة فقط، بل أراد منه أنّ يصل الإنسان إلى قمّة هدف خلقته الذي هو الكمال؛ ولهذا أعطاه العقل، وميّزه عن المخلوقات كلها، وبين له الطرق التي تؤدي إلى هذه الغاية، وإحدى هذه طُرُق الوصول هو الخُلق الحسن والتعامل مع الآخرين بطيب النفس والتفكر في أمر الله، كما يقول الإمام الحسن العسكري(ع): "لَيْسَتِ الْعِبَادَةُ كَثْرَةُ الصَّلَاةِ وَ الصِّيَامِ الْعِبَادَةُ التَّفَكُّرُ فِي أَمْرِ اللَّه، وَإِنَّمَا الْعِبَادَةُ كَثْرَةُ التَّفَكُّرِ فِي أَمْرِ اللَّه".(تحف العقول،ص815)
التاسع: العقل والدنيا
لعل مقصود الإمام العسكري(ع) من قوله:"لو عقل أهل الدنیا خربت"(منتهی الآمال،ج2،ص629) هو أنه عندما يكون العالم بكل جماله وسحره قاتلاً وعابراً، فلماذا لا يستخدم الرجل بحكمة كل الوسائل لإعماره؟ بمعنى أنّه لابد للإنسان أن يجعل العقل وسيلة للتقرب إلى الله والابتعاد عن الدنيا.
فجميع ما تقدم من كلمات للإمام الحسن العسكري عليه السلام دروس للحياة، فهو صلوات الله وسلامه عليه خير قدوة وأسوة للعيش المتعادل، نتعلم من أخلاقه الرفيعة كيف نعيش، وكيف نتعامل مع الآخرين؛ بغية الوصول إلى الكمال المطلوب التي يريد الله سبحانه وتعالى للإنسان.
التعلیقات