مقوّمات الرعاية الأبوية
مجلة الزهراء عليها السلام
منذ 8 سنوات
ومن المفيد جداً ان يهتم الاب بالامور التالية:
1 ـ مشاركة الطفل في لعبه، لأن اللعب معه يدخل المسرّة الى نفسه، كذلك يشعر الطفل بأنه مهم بحيث يستحق اهتمام ابيه به.
2 ـ التقرّب الى الطفل والتحدّث اليه في اموره الحياتية ومناقشته ومصادقته وتوجيهه عن قرب، وهذا ما يزيده غبطة وسروراً وحافزاً على تكوين شخصيته المستقبلية وانضاج ميوله وهواياته.
3 ـ تنمية الحس الثقافي للاولاد: فالأب يستطيع ان يغذّي الطفل ببعض المسلّمات الثقافية والدينية خلال السنوات الثلاث من عمره، فاذا بلغ الرابعة حتى السابعة، يمكن للأب الاعتماد على مرحلة النمو الوجداني والاستفادة من تفتّح ذهنية الطفل في هذه المرحلة.
وباستطاعة الأب، تقديم الخطوات الاولي لغرس الحسّ الثقافي لدى اولاده، باشعارهم بما حولهم من حوادث ووقائع اجتماعية خاطئة وصحيحة عبر تعبيره عن الاستياء او الاستحسان لهذه الوقائع، وتنمية الحس الشعوري لديهم.
4 ـ على الأب أن يتجنب، قدر الامكان، النقد اللاذع، لأن الجو المشبّع بالاحترام، ينتقل تلقائياً الى الاطفال، فيتعلّمون كيف يحترمون، من هم اكبر منهم سنّاً.
5 ـ حريّ بكل أب أن يسوّي بين الابن والبنت، وكثيراً ما نجد زهو الاب بابنائه على حساب بناته، وهذه التفرقة بالذات هي بؤرة التفكك العائلي، اما المساواة فهي تغرس المحبة بين أطراف العائلة وهذه بدورها تساعد على تنمية الاحساس بالحياة الهادئة.
بهذه الخطوات وغيرها يستطيع كل أب أن يحقّق مساهمة معقولة له في العائلة.. فالمشاركة التربوية جنباً الى جنب مع الزوجة تؤتي ثماراً طيبة، اما استفراد أحد الابوين بالتوجيه والتربية والاشراف، وحرمان الطفل من توجيه الآخر، فانه يُفضي الى خلق فجوات عديدة لايسدها شيء، وهي بالتالي تربية ناقصة لا تسدّ احتياجات الطفل النفسية.
أضرار الاهتمام الزائد
ان الاهتمام المفرط بالاطفال، ينتج مساوىء لاتقل خطورة عن الاهمال المطلق لهم، خصوصاً إذا كانت رعاية الاب لابنه على حساب الزوجة وعواطفها حيث يكون مصيرها الاهمال والشعور بالعزلة وعدم الاهمية وانها عنصر منبوذ في الاسرة.. اذ بعض الازواج يجعل من ابنته موضعاً لثقته واسراره دون الزوجة المسكينة التي ربما تقدم على ممارسات تؤدي الى زعرزعة الكيان الاسري، كرد فعل موقف الزوج ولا اباليّته تجاهها.
وأدرج هنا قصة الفتاة التي كان والدها يهتم بها ويرعاها كثيراً دون الزوجة التي اخذت تعامل ابنتها معاملة قاسية للتنفيس عن الألم والاذى الذي اصابها من التمييز الزوجي.
هي فتاة، تحبّ أمها من كل قلبها لكن الام تكرهها وتصارحها بتلك الكراهية. وذلك بسبب تفضيل الاب لابنته واستشارتها في كل الامور وائتمانها على امواله، وهذا التصرُّف يثير الزوجة ويضطرها الى الخصومة مع الجميع والافصاح عن كراهيتها لهم، وبالذات مع ابنتها وفلذة كبدها.
وهكذا فإن ذنوب الآباء يتحملها الابناء احياناً. فالمشكلة ليست بين الفتاة وأمها، وانما المشكلة الحقيقية هي ان معنى العلاقة الزوجية قد ضاع بين الزوج وزوجته، فهو يبحث عن زوجته لدى ابنته، وهي تنفّس عن غضبها من الزوج في شخص الانسانة التي تنافسها في حبه وهي الفتاة البريئة.
فالاب يعامل ابنته معاملة الندّ، يكلّمها باحترام ويضع ثقته فيها دون الزوجة، ويأتمنها على ماله، وهي التصرفات التي يجب ان يمارسها مع الزوجة اولاً وآخراً، تعبيراً عن الوثاقة الزوجية والروابط المقدسة بين الاثنين، لكن يبدو أن الاب فقدَ تشخيص الأمور، فاستبدل زوجته بابنته، ومن غير ان تدري هي اصبحت في مكانة الضرّة لا الابنة.
وعندما يختلف الزوج مع زوجته، يضع ابنته في موضع الحكم وفي ذلك جرح لشعور الام كزوجة وكأمرأة.
والحل ان هذه الفتاة كلما عهد والدها اليها بمسؤولية هي في الحقيقة من اختصاص الزوجة، مثل حفظ المال واتخاذ القرار، ينبغي ان تبادر الى لفت نظر الأب الى انه يجب اشراك والدتها في الأمر وإشعاره بأن رأي امها مطلوب وضروري. ترى من يدفع ثمن الاهتمام الزائد لهذا الاب بابنته وتخويلها من الأمور ما تجاوز الحدود المعقولة؟
ان الذي يدفع الثمن، هم افراد الاسرة أجمع، الزوجة والبنت والأب كذلك.. وذلك نتيجة لعدم اتباع الموقف الوسط في تعامله مع ابنته وانما بالغ في رعايتها على حساب الزوجة الوفية.
التمسك بتوجيهات الدين
من هنا، نجد ان الدين لم يطلق يد الآباء في تربية ابنائهم، وتشكيل شخصياتهم وفق ما يريدون هم، وان حدث ذلك فانهم يحاسبون، ويطالبون بمقدار ما حرصوا على ترشيد نموهم وتقويم نشأتهم.
فكان الالزام الشرعي للآباء بجملة احكام شرعية ونظم تربوية تبدأ باختيار الام الصالحة وتربية الطفل بشكل يحدد الهدف المراد تحقيقه في كل مرحلة.
ان الدور الذي يؤديه الآباء ازاء ابنائهم، هو دور جميل، الا ان هذا الدور مثله مثل الزرع في الحقل، فقد يؤتي ثمراً طيباً وقد لا يؤتي الا شوكاً مضراً.
فالعاطفة لا تبرّر للآباء تملّك ابنائهم، لانها اذ ذاك حب اناني، في حين ان الحب الابوي الراشد هو الذي يوصل الولد الى حيث ما اراد الله تعالى، مسلماً يدعو الى الخير، ولعل الخلل الملاحظ في مسار الانسان عبر التأريخ تربوياً واجتماعياً، يعود الى ان بعض الاجيال من الآباء سلكوا في اداء مهمتهم الابوية نحو ذواتهم وغفلوا عن الله تعالى وعن القيم الكبرى في التربية.
التعلیقات