ما هو الاسلوب الصحيح للتعامل مع الاطفال؟
موقع مفتاح
منذ 7 سنواتصحيح ان موضوع تربية الاطفال من المواضيع التي لا يمكن استيعابها في مقالة
واحدة الا انه يمكن الاشارة الى بعض الامور منها: ان يعد الانسان المربي نفسه قبل الشروع في تربية الآخرين، رعاية حد الاعتدال في الحب و اظهار العواطف و الابتعاد عن حالتي الافراط و التفريط، الاهتمام بشخصية الطفل، توفير الارضية المناسبة ليمارس الاطفال تجارب الحياة بصورة مباشرة، بالاضافة الى رعاية اسلوب التدرج في العملية التكاملية للطفل.
صحيح ان موضوع تربية الطفل تحتاج الى بحوث مفصلة لايمكن استيعابها في ضمن هذه المقالة المختصرة، الا انه يمكن الاشارة الى بعض الامور و التوصيات المهمة في هذا المجال:
۱- الاعداد النفسي: يجب على المربي ان يبدأ بنفسه فيعدها اعدادا صحيحا قبل البدء في تربية الاخرين؛ فهناك الكثير من الناس يقعون في اخطاء تربية كبيرة حيث انهم بمجرد مواجهة ادنى المشاكل في محيط الاسرة نراهم يستعملون الالفاظ النابية و الكلمات البذيئة غافلين عن ان هذه الكلمات تعتبر بالنسبة الى الطفل من الامور الجديدة لذلك يسعى بدافع غريزة حب الاستطلاع للبحث عن معانيها و حفظها الامر مما قد يؤدي في المستقبل الى انحراف الطفل فكريا و سلوكيا بسببها.
من هنا نرى علماء النفس يرون ان الاسوة الصالحة و النموذج المثالي افضل بكثير من آلاف النصائح و المواعظ؛ و ليس هناك ما هو افضل للطفل من مشاهدة سلوك المربي و طريقة كلامه فلايصح ان يكون هناك انفصام بين الاسلوب و بين المواعظ و الارشادات لان ذلك يؤدي الى انعدام قيمة المثل العليا و المواعظ الاخلاقية.[۱]
فعلى الوالدين مراقبة سلوكهم في البيت و اظهار الاحترام المتبادل بينهما و الابتعاد عن كل ما يخل بحالة الاحترام بينهما، روي عن النبي الاكرم(ص) انه قال:"حَقُّ الْوَلَدِ عَلَى وَالِدِهِ إِذَا كَانَ ذَكَراً أَنْ يَسْتَفْرِهَ أُمَّهُ وَ يَسْتَحْسِنَ اسْمَهُ وَ يُعَلِّمَهُ كِتَابَ اللَّه وَ يُطَهِّرَهُ وَ..."[٢]
٢- رعاية حد الاعتدال في اظهار المحبة و ابراز العواطف و الابتعاد عن حالتي الافراط و التفريط.
ان من العوامل المؤثرة في شخصية الطفل و الباعثة على خلق حالة النشاط و الفعالية في حياته هي قضية العطف و المحبة و لا توجد اي طاقة مثل حب الوالدين للولد في بناء شخصيته و خلق حالة الاطمئنان و الاستقرار في نفسه و العكس صحيح فلاتوجد مصيبة تحل بالطفل اكثر من فقده لهذه الحالة التي تخلق عنده حالة من الاضطراب النفسي و القلق الروحي؛ فإذا نجح الوالدان في هذه القضية فانهما يساعدان ولدهما لا في فترة الطفولة فقط بل حتى في الفترات اللاحقة من حياته مما يؤدي الى ان يقوم الطفل برد فعل ممثالة و يبتعد عن كل ما من شأنة ايذاء الابوين و تعكير صفو عيشهما؛ فالعملية في الواقع عملية تبادلية عطف يجلب طاعة و انقيادا، من هنا نرى الباري تعالى يخاطب نبيه الكريم (ص) بالقول: " فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَليظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلين"[۳]
لكن لابد من الالتفات الى ان هذه المحبة لابد ان لاتصل الى حدي الافراط و التفريط لانه كما ان الحرمان و القساوة في التعامل مضرة بشخصية الطفل كذلك المحبة الزائدة و الزيادة في اظهار العواطف هي الأخري مضرة كذلك.
ان المحبة الزائدة تخلق انسانا متميعا وضعيفا عديم الارادة..... ان مثل هؤلاء الاطفال سيعكرون حياة آبائهم من خلال افعالهم غير الصحيحة؛ ان الشخص المتميع يعيش حالتين الاولى انه يتصور انه يجب على كل افراد المجتمع- رجالا و نساء- ان يتعاملوا معه تعامل والديه من الدلال و الدلع و الافراط في احترامه و الاستجابة لاوامره بلا قيد او شرط؛ و عند ما يلاحظ ان المجتمع لا يقوم بذلك بل يرى العكس من ذلك حيث يتعرض للسخرية و الاستهزاء يصاب بألم نفسي كبير و يستشعر الحقارة و هذه الامور تخلق منه انسانا حاد المزاج شديد العصبية سريع الضجر ذا اخلاق سيئة ذليلا سيء الظن بالناس لا يتورع عن ازعاج الاخرين من خلال استعمال الكلام النابي و السلوك السيئ.[۴]
يذكر عالم النفس آلفرد آدلي قصة المرأة التي انتحرت بسبب ان جارها لم يلتفت الى اعتراضها المكرر على ارتفاع صوت المذياع و لما حقق آدلي في القضية وجد ان هذه المرأة كانت تعيش طفولة مدللة بحيث كان يتوفر اليها ما تريده في المنزل بلا ادنى تاخير او تعلل، من هنا لم تستطع تحمل الحياة في دنيا لا تستجاب فيها مطالبها.[۵]
كذلك يقول مك برايد: ان مدللة علامة اخرى لعقدة الحقارة، فلا بد من البحث عن جذورها في التربية الخاطئة في مرحلة الطفولة، فالطفل الذي يرى نفسه عزيز والديه و قرة عيونهم يتوقع ان يكون كذلك عندما يدخل عالم المجتمع حينما يكتمل رجلا او امرأة بحيث يتوقع ان تكون مكانته عند والديه هي نفسها في المجتمع فعلى الناس ان ينظروا اليه نظرة والديه، لكنه حينما يرى ان توقعاته و آماله لم تتحقق حينئذ يصاب بمرض نفسي و تضطرب روحه و يتشوش فكره حينئذ يلجأ الى الانتحار او يلجأ الى تشويه سمعة الاخرين، ان عقدة الحقارة هذه التي تظهر في وسط المجتمع تعتبر من المصائب الاجتماعية الكبرى.[۶]
فكما ان الافراط في المحبة يؤدي الى اصابة الطفل بامراض نفسيه خطرة كذلك العكس فان الاسلوب الخشن و التفريط في المحبة هو الآخر يؤدي الى نتائج عكسية ايضا فلا بد من اجتنابه؛ لقد اكتشف علماء النفس ان المعاملة القاسية مع الطفل تؤدي الى نتائج مضرة كثيرة منها:
الف) تؤدي الى التجرؤ على الوالدين، حينما يتعامل الابوان مع الطفل معاملة قاسية تعتمد على التوبيخ و الذم و التحقير دائما فهولاء الاباء لا انهم لايساعدون في تربية الولد و اصلاحه بل انهما يؤديان الى خلق روح العناد و اللجاج لدى الاطفال، روي عن امير المؤمنين(ع) انه قال:" الإفراط في الملامة يشب نار اللجاجة"[۷]
ب) ان الاسلوب الخشن يؤدي الى سلب الثقة بالنفس عند الطفل.
انه لايوجد شيء يؤدي الى اطفاء جذوة الثقة بالنفس لدى الطفل كعامل التحقير الذي يواجهه الطفل من قبل الاخرين.[۸]
ج) خلق حس الانتقام، لقد توصل علماء النفس بعد دراسة هذه القضية دراسة علمية الى حقيقة مفادها ان اكثر الجرائم الاجتماعية تصدر من اناس يعانون في مرحلة الطفولة من سوء التعامل المؤدي الى سلب شخصيتهم فحينما يستشعر الطفل بان المجتمع قد طرد و نفاه حينئذ يزيح كل الاستار و يلتجئ الى الاعمال المنافرة للعرف الاجتماعي من اجل تفريغ هذه العقد منتقما بذلك من المجتمع الذي طرده؛ فمن المسلم انه لو كان المجتمع قد راعى شخصية هؤلاء الاطفال لكانت النتيجة معاكسة حيث ان ذلك يؤدي الى وضع تلك الطاقات في مجراها الصحيح النافع بعيدا عن الاتجاهات الخاطئة.[۹]
۳- تعزيز شخصية الطفل: يجب على الوالدين ان يعززا شخصية الطفل و لقد اشارت الروايات الى ذلك حيث نرى أن النبي الاكرم (ص) يطيل سجوده عندما يرتقي ظهره المبارك أحد الاطفال، كذلك كان (ص) يخفف من صلاة الجماعة عند ما يسمع بكاء الاطفال مما يعطي الناس درسا عمليا في طريقة حفظ شخصية الطفل.
۴- توفير الارضية المناسبة ليمارس الطفل تجاربه الخاصة: ان منع الاطفال من ممارسة التجارب يؤدي اولا الى قتل روح الابداع و التفتح لديهم و ثانيا يؤدي الى ان يفقد الطفل الثقة بنفسه مستقبلا و يخلق منه انسانا اتكاليا على تجارب الاخرين؛ و ثالثا يخلق عنده حالة الخوف من الخوض في التجارب.[۱۰] فقد كان امير المؤمنين(ع) يمارس هذه الاسلوب التربوي مع ابنائه حيث كان يحيل اليهم الاجابة عن الاسئلة التي تطرح في المجلس و ما ذلك الا لتقوية شخصية الابناء.[۱۱]
۵- رعاية اسلوب التدرج في التربية و تكامل الشخصية فان من الضروري ان يكون الاسلوب التربوي يقوم على اساس التدرج التربوي المناسب لقدرات و استعدادات الاطفال و سنّهم.
المصادر:
[۱] دانشمند، مهدي، ارزش والدين و تربيت فرزند "دورالوالدين في التربية"، ص ۶۹-۷۰ ، انتشارات ياس نبي، ۱۳۸۰ه ش.
[٢] الكافي، ج ۶، ص ۴۹.
[۳] آل ميخبر، سيما، ريحانه بهشتي يا فرزند صالح، ص ٢٢۶، نور الزهرا(س) ، ۱۳۸۶ه ش.
عمران،۱۵۹.
[۴] آل ميخبر، سيما، ريحانه بهشتي يا فرزند صالح، ص ٢٢۶، نور الزهرا(س) ، ۱۳۸۶ه ش.
[۵] گفتار فلسفي، كودك از نظر وراثت و تربيت، القسم الثاني، ص ٢۴۷ ، هيئة نشر معارف اسلامي، ۱۳۴۶ به نقل از فرزندان ما، ص ۳۹.
[۶] نفس المصدر ص ٢۴۶ نقلا عن: عقدة الحقارة، ص ٢۷.
[۷] غررالحكم، ص ٢٢۳، حكمة رقم۴۵۰۷.
[۸] ريحانه بهشتي يا فرزند صالح، ص ٢٢۷.
[۹] رشيد پور ، مجيد، تربيت كودك از ديدگاه اسلام، ص۶۶، انتشارات كعبه ۱۳۶٢ه ش.
[۱۰] كاظمي، محسن، چگونه فرزند نابغه داشته باشيم، ص۱۵۶ ، نشر ميم، ۱۳۸۱ه ش.
[۱۱] ريحانه بهشتي يا فرزند صالح، ص ٢٢۳.
التعلیقات