معركة الإمام المهدي مع اليهود
الشيخ علي الكوراني
منذ 14 سنة
حاصل الحالة السياسية في المنطقة التي تفهم من الروايات قبيل معركة القدس : أن الروم الغربيين يكونون في حالة تخوف من مواجهة الإمام المهدي عليه السلام بسبب انتصاراته المفاجئة ، وانتصارات أصحابه في اليمن والحجاز والعراق ، وربما انتصاره عليهم في معركة الخليج. وبسبب الموجة الشعبية العارمة له في الشعوب الإسلامية ، وخاصة مسلمي المنطقة.
ولابد أن الآيات الربانية التي تسبق ظهوره عليه السلام وترافقه تكون ذات تأثير على الشعوب الغربية أيضاً وتزيد في ارتباك حكوماتها ، فلاتقوم بأكثر من إرسال قواتها إلى ساحل أنطاكية وساحل الرملة في فلسطين أو مصر ، ويكون دور الغربيين في المعركة بشكل عام مساندة حلفائهم اليهود والسفياني.
أما وضع اليهود فيكون أكثر قلقاً ورعباً ، لأن المعركة مصيرية بالنسبة إليهم ولكنهم يفضلون أن لايواجهوا جيش المهدي مباشرة ، بل بواسطة خط دفاعهم ( العربي ) بقيادة السفياني ، وهذه قاعدة وسنة آلهية في الحكومات المترفة أنها تفضل أن يقاتل غيرها نيابة عنها ، وأن تبقى في الخط الثاني أو الثالث ، كما نشاهد في اليهود عموماً.
أما الحالة الشعبية في المنطقة فتبلغ شدة تأييدها للإمام المهدي عليه السلام أنها تكاد تطيح بالسفياني وتضم بلاد الشام إلى دولةالإمام المهدي عليه السلام ، لولا الإسناد الخارجي القوي للسفياني وجيشه من الروم واليهود.
ولا يبعد أن يرافق تراجع قوات السفياني أمام زحف جيش المهدي عليه السلام ، أن تكون بلاد الشام في حالة فراغ أو شبه فراغ سياسي.
وقد أورد ابن حماد في مخطوطته نحو عشرين حديثاً تحت عنوان : ( خروج المهدي من مكة إلى بيت المقدس ) وورد عدد منها في مصادرنا الشيعية أيضاً. منها ص 96 ، عن ابن وزير الغافقي أنه سمع علياً يقول : ( يخرج في اثني عشر ألفاً إن قلوا وخمسة عشر ألفاً إن كثروا ، يسير الرعب بين يديه ، لايلقاه عدو إلا هزمهم بإذن الله ، شعارهم أمت أمت ، لايبالون في الله لومة لائم ، فيخرج إليهم سبع رايات من الشام فيهزمهم ويملك ، فترجع إلى المسلمين محبتهم ونعمتهم وقاصتهم وبزارتهم ، فلا يكون بعدهم إلا الدجال. قلنا : وما القاصة والبزارة ؟ قال يقبض الأمر حتى يتكلم الرجل بأشياء لا يخشى شيئاً ).
وفيها : ( ويسير المهدي حتى ينزل بيت المقدس ، وتنقل إليه الخزائن ، وتدخل العرب والعجم وأهل الحرب والروم وغيرهم في طاعته ).
وفي ص 97 : ( فيقول ( أي المهدي ) أخرجوا إلي ابن عمي حتى أكمله ، فيخرج إليه فيكلمه ، فيسلم له الأمر ويبايعه : فإذا رجع السفياني إلى أصحابه ندمته كلب فيرجع ليستقيله ، فيقتتل هو وجيش السفياني على سبع رايات ، كل صاحب راية منهم يرجو الأمر لنفسه ، فيهزمهم المهدي ).
وفيها : ( فيستقيله البيعة فيقيله ، ثم يعبي جيوشه لقتاله فيهزمه ، ويهزم الله على يديه الروم ). والسفياني في النسب الظاهر ابن عم الإمام المهدي عليه السلام ، لأن أمية وهاشم كما هو معروف أخوان.
وإذا صح شئ من هذه الروايات فهي سياسة حكيمة وخلق عظيم من الإمام المهدي عليه السلام ، يريد بها أن يصرفه عن غيه ، أو يقيم عليه مزيداً من الحجة ، ولكن السفياني سرعان مايندم على تأثره الموقت بشخصية الإمام المهدي عليه السلام ، ويُندِّمه أقاربه بنو كلب ، بل قادة جيشه السبعة الذين يكون السفياني بالحقيقة قيادة اتحادية لهم ، ومن وراء ذلك أسيادهم الروم واليهود.
وفي رواية الملاحم والفتن عن أمير المؤمنين عليه السلام في وصف هذه المعركة قال : ( فيغضب الله على السفياني ، ويغضب خلق الله لغضب الله تعالى ، فترشقهم الطير بأجنحتها ، والجبال بصخورها ، والملائكة بأصواتها! ولا تكون ساعة حتى يهلك الله أصحاب السفياني كلهم ، ولايبقى على الأرض غيره وحده فيأخذه المهدي فيذبحه تحت الشجرة التي أغصانها مدلاة على بحيرة طبرية ).
وتذكر بعض روايات هذه المعركة نوعاً آخر من الإمداد الغيبي للمسلمين فيها ، مضافاً إلى ما ذكرته الرواية المتقدمة : ( أنه يسمع يومئذ صوت من السماء منادياً ينادي : ألا إن أولياء الله فلان ، يعني المهدي ، فتكون الدبرة على أصحاب السفياني ، فيقتلون حتى لايبقى منهم إلا الشريد ). ( ابن حماد ص 97 ).
والظاهر أن الأحاديث الواردة في مصادر الفريقين عن قتال المسلمين لليهود في آخر الزمان تقصد هذه المعركة ، بدليل تشابه مضامينها وتعابيرها ، والروايات الواردة في تفسير قوله تعالى : بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً. بالإمام المهدي عليه السلام وأصحابه.
ومن أشهر أحاديثها في مصادر السنة ، الحديث الذي رواه مسلم وغيره عن النبي صلى الله عليه وآله قال : ( لاتقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهود من وراء الحجر والشجر ، فيقول الحجر والشجر يامسلم هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله ، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود ). ( التاج الجامع للأصول : 5/356 وأحمد : 2/417 ) ، ويشبهه ما رواه مسلم والترمذي في كتاب الفتن ، والبخاري في كتاب المناقب : ( يقاتلكم اليهود فتسلطون عليهم ).
كما ورد في أحاديث المهدي عليه السلام من طرق الفريقين روايات عديدة عن استخراجه عليه السلام تابوت السكينة ، وأسفاراً من التوراة ومحاجة اليهود بها. ويبدو أن ذلك يكون بعد انتصاره عليهم ودخوله القدس.
ولم أجد في الروايات تحديداً لعدد القوات التي تشترك في هذه المعركة سواء قوات المسلمين مع المهدي عليه السلام أو لعدد قوات السفياني واليهود والروم. وقد ورد في بعضها أن عدد قوات السفياني التي تنزل عند بحيرة طبرية يكون مئة وسبعين ألفاً. ولكن توجد عدة مؤشرات تدل على أن عدد قوات الجانبين تكون كبيرة جداً ، منها ، ما في الرواية المتقدمة عن الإمام الباقر عليه السلام : ( وقد ألحق به ناس كثير ). ومنها ، سعة جبهة المعركة التي تمتد من طبرية إلى القدس في أكثر الروايات ، وبعضها تذكر مرج عكا وصور ودمشق أيضاً.
أما ما ورد في بعض الروايات من أن جيش المهدي عليه السلام يكون بضعة عشر ألفاً فهو جيشه الذي يخرج به من مكة الى المدينة ، وربما اشتبه بعض الرواة بينه وبين جيشه الذي يتوجه به من العراق إلى القدس ، ويكون قائده شعيب بن صالح قائد قوات الإيرانيين ، فهذا الجيش قد يزيد عدده على المليون جندي ، لأنه يكون فيه قوات الإيرانيين واليمانيين والعراقيين وغيرهم من بلاد المسلمين ، ثم ينضم إليه أعداد من بلاد الشام ، وربما من غيرها.
ومع أن ابن حماد أورد روايات البضعة عشر ألفاً في عدد جيش المهدي عليه السلام في زحفه نحو القدس ص 95 وما بعدها ، إلا أنه أورد رواية في ص 106 تذكر أن حرسه عليه السلام عندما يدخل القدس يكون اثني عشر ألفاً : ( ينزل رجل من بني هاشم بيت المقدس يكون حرسه اثنا عشر ألفاً ).
ورواية ثانية ص 107 تقول : ( حرسه ستة وثلاثون ألفاً ، على كل طريق لبيت المقدس اثنا عشر ألفاً ). وهذا يدل على ضخامة جيشه عليه السلام.
كما أورد ص 110 ، رواية عن بناء المهدي عليه السلام للقدس تقول : ( ينزل خليفة من بني هاشم يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، يبني بيت المقدس بناء لم يُـبْنَ مثله ).
ومن الطبيعي أن يكون لانتصار الإمام المهدي عليه السلام المفاجئ والكاسح ودخوله القدس الشريفة وقع الصاعقة على الغربيين ، وأن يجن جنونهم لهزيمة حلفائهم اليهود وانهيار كيانهم.
وبمقتضى الحسابات السياسية ، وما نعرفه من عنفوانهم الحالي ، لابد أن يشنوا حملة عسكرية بحرية وجوية على الإمام المهدي عليه السلام وجيشه ، وأن يستعملوا كل ما يسنطيعون من أسلحة فتاكة.
ولكن يفهم من الأحاديث الشريفة أن عدة عوامل مهدئة تكون موجودة ، ولعل من أهمها نزول المسيح عليه السلام في القدس ، ثم حالة الرعب التي تتعمق في الغربيين من مواجهة الإمام المهدي عليه السلام.
ويضاف إلى ذلك وسائل الإمداد الغيبي التي يملكها الإمام المهدي عليه السلام ويستعمل بعضها في حركة ظهوره ، والتي تستحق استعراضها في فضل خاص ، وإن كان تأثيرها يكاد ينحصر بالشعوب الغربية ، ويكون على حكوماتها ضعيفاً أو معدوماً. وقد يضاف إلى ذلك امتلاك المهدي عليه السلام أسلحة متطورة تكافي أسلحة الغربيين ، أو تتفوق عليها.
(( ضمن كتاب عصر الظهور ))
التعلیقات