المهدوية في التاريخ
شبکة الإمام المهدي العالمية للمعولمات
منذ 14 سنةأراني أمام حقيقة لا ذعة ، يسوقني إليها البحث في هذا الموضوع، وأراني مضطرا إلى الجهر بها وإن أساءت الدكتور حفظه الله ، وأساءت كثيرا من أصدقائه المخلصين وفي مقدمتهم صديقه الجديد محمد أمين زين الدين .
لست أكشف مستورا ولكني أكره أن أحرر كل شيء ، ولكن ما الحيلة إذا ألجأني الأستاذ أن أقول ، وماذا أصنع إذا اضطرني الحق أن أجهر ،وهل بإمكاني أن أغضب الحق لأرضي أحمد أمين أو محمد أمين أو أسكت عن الحق فأكون شيطانا أخرس كما يقول الحديث ، و كما يقول العقل أيضا .
ليس بإمكاني ذلك ولا بإمكان كل كاتب يتري الحقائق وإذن فلأقل ما شاء لي الحق أن أقول ، وليغضب من يغضب ، وليرض من يرضي .
علم كل باحث في الملل والنحل أنّ الشيعة تشمل على فرق متكثرة تتباين في العقيدة وتختلف في المذاهب والآراء اجتمعت على تقديم عليّ على غيره من الخلفاء ، وأضاف المفترون إليها فرقا خيالية موهومة لم يعرف لها الواقع إسما ولم يعين لها الزمان مسمي ، ولكن كتب الملل والنحل تذكر هذه الفرق ، وتدوّن لها آراء ومعتقدات ، وتعين لها الزعماء ومؤسسين ، ولد بعضهم الخيال ولم يلده التاريخ ، وسواء أصحّ هذا أم لم يصح ، فقد أصبحت الشيعة عند هؤلاء فرقا كثيرة العدد والأقوال وعلم كل باحث في المذاهب هذه الكثرة في فرق الشيعة ، وهذا التباين بين معتقداتها ، ولكن سعادة الدكتور يأبي له تتبعه إلاّ أن يجمع الشيعة على صعيد واحد ويخاطبهم بلسان واحد ، فكل عقيدة ثبتت لبعضهم فقد ثبتت للجميع وكل عمل يصدره بعضهم فقد أصدره الجميع، وكل تصرف وقع من بعضهم فقد وقع من الجميع ، ولذلك فالشيعة عنده متناقضون في عقائدهم وأعمالهم ، والشيعة مؤاخذون عنده بما ترتكبه أية فرقة من فرقهم ، وإن خرجت هذه الفرقة من خبر كان ودخلت في خبر ليس كما يقولون .
وإلاّ فأي شخص من المتعلمين يجهل أنّ الكيسانية غير الزيدية ، وإنّ الإسماعيليين غير البابيين ، وأنّ جميع هذه الطوائف غير الإمامية الإثني عشرية .
وأي شخص من المتعلمين يجهل أنّ هذه الفرق تتباين في عقائدها، وتختلف في مسالكها ، وإن كل واحدة من هذه الفرق تتميّز بعقيدة لا يصح لنا أن ننسبها إلى فرقة أخرى ، أي شخص يجهل ذلك .
وهل يصح لعاقل أن يقول : أنّ بعض المصريين يرتكب القبائح فيجب أن يكون جميع المصريين أو جميع العرب والمسلمين يرتكبون تلك الآثام ، أو يقول : أنّ بعض الغربيين يجهلون القراءة والكتابة فلا بد أن يكون جميع الغربيين أميين لا يقرأون ولا يكتبون .
لا أعتقد أنّ الدكتور يقول بهذا مطلقا ، وإن كان يقول به حين ما يكتب على الشيعة وعن أئمة الشيعة .
من الحرج على مؤلف كبير يكتب لملايين من البشر أن يعمل لنتائجه أقيسة هي أحط من أقيسة الأطفال، ثم يقدمها للناس على أنّها حقائق عملية .
أئمة أهل البيت يرتكبون الإثم في الخلفاء ، لأنّ الإسماعيليين يرتكبون الإثم علانية ، والإمام لا يمكن أن يكون معصوما ، لأنّ الفاطميين كانوا ظلمة مستهترين .
وفكرة المهدي باطلة ، لأنّ من نجح من دعاة المهدوية لم يحقق عدلا ولم يرفع ظلما ، والشيعة يعتقدون بالحلول ، لأنّ البابية والحلاج يعتقدون ذلك .
وهم يقولون برجعة الإئمة بطريق التناسخ لأنّ الشلمغاني يقول بذلك ، ويقولون إنّ المهدي في جبل رضوي عنده عينان نضاختان فيهما عسل وماء لأنّ الكيسانيين يقولون بهذا ، ونظمها كثير عزّة في شعره .
فهل يريد القارئ مني أن أنقل له كتاب المهدي والمهدوية كله شاهدا على هذه الدعوي .
من الحرج على مؤلف كبير أن يعمل هذه الأقيسة ليلقي نتائجها دروسا على مئات من المثقفين الجامعيين ، ثم يحررها كتبا لملايين من القراء ، على أنّها حقائق علمية من الحرج عليه أن يكتب مثل هذا ثم يعتذر بقلة المصادر وكيف يسوغ لباحث أن يلج موضوعا خطرا مع قلّة إحاطة وعدم تتبع ، والخيال والتاريخ لا ينفعان الكاتب في جميع الأشياء .
يذكر الأستاذ لفكرة المهدي تاريخا مشوعا في الإسلام ويقول إنّ هذا التاريخ دليل على بطلان الفكرة ، ولو أردنا أن نجمع تاريخ النبوات الكاذبة ، والأرباب المزيفة ، لوجدنا تاريخا عجيبا هو أشد تشويها من هذا التاريخ الذي وضعه الأستاذ لفكرة المهدي ، فهل يصح لأحد أن يستدل على كذب النبوات كلها ، وإنكار الإله الحق بهذا التاريخ المشوه الذي وضعناه للكاذبين ، لا أعتقد أنّ الدكتور يصحح ذلك الدليل وإن كان يقول يصحته حين ما يكتب عن فكرة المهدي .
وبعد فإنّ الدكتور ينظر إلى المسلمين عامة نظرة سوداء فيها كثير من الإحتقار وكثير من الإزدراء ، لأنّ الشيعة في رأيه جمعية سرية ترتب أمورها بدقة وتسيرها باتقان ، وقد تمكنت بفضل هذه الدقة أن تدس في أحاديث المسلمين ما تشاء ، وإن تلون تاريخ المسلمين كيف تريد ، وأن تدخل في العلوم والفنون ما تختار ، ورؤساء المسلكمين وقياداتهم في غفلة عن هذا التصرف الذريع ، فأحاديث المسلمين وتاريخهم وتفسيرهم وعلومهم ألعوبة بأيدي هذه الفئة الدساسة ، ولعل أيدي هؤلاء امتدت إلى أشياء أخرى يحذر الأستاذ من الجهر بها .
والأدب .... والأدب ...، كيف لونه الشيعة القرمطيون بطابع الدم والثورة والحيرة والإضطراب ، ولا تعجب من هذه النسبة فهي عبارة واحدة عند الأستاذ لأنّه يقول عن المتنبي أنه يعلم في بعض مكاتب الشيعة ، ومن هؤلاء الشيعة كانت القرامطة ، ولذلك فالمتنبي شيعي قرمطي ، وكل شيعي قرمطي ، كما أنّ كل شيعي إسماعيلي ، وكل أديب باك أو متحير فهو شيعي قرمطي وإن كان في تسنن جرير ، وفي نصب مروان بن أبي حفصة ، وكل شعر دموي فشاعره شيعي قرمطي وإن كان من الجاهليين أو من المخضرمين .
أنا لا أنكر ما للأدب الشيعي من الروعة ، وما فيه من الجمال ، لأنّ هذه الظاهرة في الأدب الشيعي واضحة يجدها كل قارئ يتذوق الأدب .
أدب الشيعة صدى لعواطف ملتهبة ، أخمد الزمان لهبها أن يظهر ، وأطلق الأدب دخانها أن يثور ، ففاح كما يفوح الند حين يحترق ، وماء الورد حين يتصاعد ، وفي الأدب الشيعي رقة الدمع ، ورهبة الدم ، والحزن للقلوب والكئيبة كالنار حين تنفي خبث الحديد ، وتنقي الذهب الإبريزويستطيع الأديب الشيعي أن يبكي في ثورته ، وأن يثور في بكائه ، وأن يسيطر على الموقف في كلتا الحالتين ، لأنّه يلقي من شظايا فؤاده .
لم تستطع الشيعة أن تمل ، ولكنها استطاعت أن تقول ، والكبت حين يشتد يتصل بأعماق النفس ليمزج العقيدة بالعاطفة ، ثم يتصعد مع الزفرات أدبا يلهب ويلتهب ويبكي ويستبكي ، وفي آنة الحزين معان لا تستطيع أن تعبر عنها آنة المعافي ، وإن تشابهتا في التوقيع .
هذا ما يجعل أدب الشيعة في القمة من أدب المسلمين ، وفي الذروة من أدب العروبة ، وهذا بعض ما استفادته الشيعة من يوم الحسين ، وأيام العترة في التاريخ ، وأيامهم في التاريخ دموع ودماء .
والشيعة حين تكبر يوم الحسين فإنها تريد أن تعترف بالفضل لهذا المنقذ، لأنّه استطع أن يمزج العقيدة الإسلامية بلحومها ودمائها ، وأن تؤدي للرسول الأعظم أجر الرسالة بالولاء الصحيح ، والولاء الصحيح مشاركة في الأحزان والأفراح ، وإذا لم يستطيع التاريخ أن يحفظ للعترة يوم فرح فقد حفظ لها أيام أحزان .
أنا أعترف للأدب الشيعي بجميع ذلك ، ولكني أنكر أن يكون كل أديب باك شيعيا ، وكل شاعر ثائر قرمطيا ، لأنّ أكثر الشعر بكاء ، وأكثر الشعراء ثائرون ، وهل بإمكان الأديب أن لا يبكي وأن لا يثور ، وهو يصور الحياة ، وأكثر ما في الحياة آلام .
ولست أعتقد أنّ الدكتور لم يثر ولم يبك في يوم من الأيام ، وإذن فالدكتور أحمد أمين شيعي قرمطي لأنّه بكي وثار في أدبه ، ولعله أبكي واستثار .
ويعجبني كثيرا هذا التحقيق التاريخي لنقل كلمة المهدي الذي يذكره الدكتور ص 10 ( وأنّ المختار ابن أبي عبيد الثقفي نقل كلمة المهدي إلى معني آخر لزمها إلى اليوم ، وهو أنّ المهدي لم يمت ، وإنّما هو وأصحابه يقيمون في جبل رضوي وهو في الحجاز على سبع مراحل من المدينة ، وأنّه وأصحابه أحياء يرزقون ) .
تأمل بربك تأمل ، هل تصح هذه العبارة من المختار إلاّ حين يعتقد الناس الآخرون أنّ إمامه قد مات ، والمؤرخون مجمعون على أنّ المختار قتل في السنة السابعة والستين للهجرة وأنّ محمدا ابن الحنيفة مات بعده بخمس سنين على أقلّ التقادير [1] .
وهذا الجدول التاريخي الطويل الذي حشد فيه الدكتور كثيرا من وقائع الدهر ، وجعله فهرسا لنتائج فكرة المهدي أو للأحداث المتصلة بها كما يقول، كأنّ الدكتور قد لا حظ فيه أنّ كل حرقة قا بها شيعي أو كانت ضدّ حركة الشيعة ، وكل ثورة قام دعاتها باسم العدل ، فجميع هذه الحركات والثورات من الأحداث المتصلة بفكرة المهدي وإلاّ فأي علاقة لخلافة علي ، ومقتل الحسين ، وثورة المختار وبعض ثورات العلويين ، وسيف الدولة الحمداني ، و. و . و أي علاقة لهذه الأشياء بفكرة المهدي ، لو لم تكن هذه الحركات شيعية ، أو لم يكن تأسيسها باسم العدل ، ورفع الظلم ، ولهذا كان الواجب أن يضيف إلى هذه القائمة كل ثورة نهض زعماؤها باسم العدل ، وإن لم تكن في الشرق أو لم تكن عند المسلمين .
لا يشك أحد أنّ مصدر ابتلاء الشيعة بهذه التهم هو اختفاؤها بعقائدها أيام التقية والخوف .
وماذا يصنع الشيعة إذا ألجأهم البرهان العلمي إلى الإعتقاد واضطرتهم الحكومة القائمة إلى الإستتار ، وماذا يصنع الدكتور نفسه إذا ابتلي بمثل ذلك ، فهل يترك عقيدته التي حتمها عليه البرهان ، أو يخاطر بدمه الذي عصمه القرآن على غير جدوي في هذه المخاطرة .
لست أشك في أنّ الطكتور يختار ما اختارته الشيعة إذا ابتلي بمثل بلائها ، يسر العقيدة ويساير الجمهور ، وهذه نتيجة لا بد منها إذا فرضها الزمن .
كان من المحتم على الشيعة أن يختفوا ، وكان هذا الإختفاء مصدر ابتلائهم بهذه التهم الكاذبة التي لا تتصل بهم ولا تشبه قواعد مذهبهم .
من الضروري لكل شخص يقوم بحركة انقلابية ضد حكومة رسمية قائمة أن تكون دعوته سرية في بدايتها وأن يستخدم بعض الفكر الصحيحة لتحقيق غايته ، كفكرة المهدي وما يشبهها ، وأن يموه على المغفلين ممّن اعتنق هذه الفكرة ليساعدوه على ما يريد ، لا بدّ له من ذلك ، وفي هذا ما يوهم المؤرخين والحكومة القائمة أنّ الحركة شيعية ، وفي الحقّ أنّ الشيعة منها براء ، والدليل على ذلك تبرء الشيعة وأئمة الشيعة من هذه الحركات ، ومن زعمائها ، وأخبار الأئمة في التنديد بهؤلاء الثائرين ، محفوظة في كتب الشيعة المعتمدة ولكن المؤرخين مصرون على أنّ هذه الحركات شيعية وأنّ زعماءها شيعيون.
تتبرأ الشيعة وأئمة الشيعة من الحلول والتجسيم ، وتكفر من يقول بهما ، ويأبي المؤرخون إلاّ أن يكون الحلاج والشلمغاني شيعيين ، وأن تكون ثورة القرامطة ثوة شيعية ، وارتكاباتهم أعمالا شيعية مهدوية .
وتحكم الشيعة وأئمة الشيعة بنجاسة من يدعي النبوة بعد نبي الإسلام وتبطل كل دين يظهر بعد دين الإسلام ، ويقول المؤرخون ومنهم الدكتور أحمد أمين أن نهضة البابية والقاديانية نهضتان شيعيتان مهدويتان .
وتحكم الشيعة بكفر القائلين بوحدة الوجود ، وتنزه اللع عن عوارض المكان والإمكان ، وتقول أن شريعة الإسلام كافية لتهذيب الظاهر والباطن ، ويقول العلامة ابن خلدون والدكتور أحمد أمين إنّ المتصرفة أخذت مذاهبها من عقائد الشيعة ، أرأيت أعجب من هذا .
نظير ما ينقلون في نوادر الأذكياء : أنّ رجلا بلغه موت أحد أصدقائه في السفر فحزن عليه حزنا شديدا وجزع لفقده ، واتفق أن صديقه عاد من سفره سالما ، فلقيه يوما في الطريق ، فسلم عليه وهو يبكي ، ويقول : عظم الله أجورنا فيك أيها الأخ العزيز فلقد شقّ علينا موتك ، فإنّا لله وإنا إليه راجعون .
فضحك صديقه وقال : ها أنا بحمد الله رجعت سالما فقال : إنّ الذب أخبرني بموتك أصدق منك أيها الأخ .
تبرأ الشيعة من هذه الآراء ومن معتقديها ، ويقول المؤرخون أنها آراء شيعية وإنّ المعتقدين بها شيعيون ، لأنّ الذي يخبرنا بذلك هو التاريخ ، وكتب الملل والنحل وهما شاهدان عادلان .
أنظروا كتب الشيعة مشحونة بالردّ على هذه الأهواء لعلكم تصدقون أنّ هذه الأهواء غير شيعية وأنها تباين قواعد المذهب الجعفري ، ولعل من كتب في ردّ هذه الأهواء من الشيعة أكثر من غيرهم ، أنظروا كتب الشيعة لعلكم تصدقون معي أنّ التاريخ لم يكتب للتاريخ وإنّما كتب للعقيدة ، وإذا قلت المصادر عن المذهب الإسماعلي فإنّ مصادر الإثني عشرية غير قليلة ، إقرأوا كتب الشيعة ثم انقدوا إن كنتم ناقدين ، وستعلمون من دون ريب أنّ السيعة لا تناصر فلسفة ولا تصوفا ، وإنّما تناصر الحق وتساند الدليل .
ستعلمون أنّ الشيعة لا تقول أنّ في القرآن أدبا رمزيا يؤول بمشتهيات النفوس ولكنها تقول كما يقول القرآن : منه آيات محكمات هنّ أم الكتاب وأخر متشابهات ، وتقول إنّ المتشابهات يجب ردّها إلى السنة النبوة الصحيحة ، وإلى ما يقول العترة الذين جعلهم النبي قرناء الكتاب .
خاتمة المطاف :
العدل الخلقي والإجتماعي نتيجة طبيعية للدين الإسلامي الحنيف إذا عمل المسلمون بقواعد هذا الدين ، وطبقوا تعاليمه على ما يعلمون وما يعتقدون ، وكان من المحتم أن يصل المسلمون إلى هذه الغاية منذ يومهم الأوّل لو أحسنوا الإتباع واجتهدوا في التطبيق ، ولكن تزاحم الغايات يبعد عن المراد .
لم يصل السلمون إلى الغاية التي نهج إليها الدين حين تركوا اللباب من هذه التعاليم واكتفوا بالظواهر ، ونظرة الدين إلى الباطن سابقة على نظريه الظاهر ، ولذلك فهو يبدأ بالعقيدة قبل العمل .
( إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي ) [2] و( إنّ الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) [3] ( وأمرت لأعدل بينكم ) [4] وما أكثر الآيات الدالة على أن غاية الدين الأولي هي تحقيق العدل بجميع معانيه .
وإذا كان الإسلام هو الدين الذي شرعه الله ليكون دين البشر العام ، فإنّ غايته لا بدّ أن تكون هي تحقيق العدل العام الذي يملأ الأرض .
هذا ما أراد الله للبشر حين شرع لهم الدين ، وهذا ما تفاءلت به الأديان حين أخبرت بالعدل المنتظر .
والبرش الذي يسير إلى الكمال في العلم المادي بسرعة البرق ، وبقوة الذرة لا يمتنه عليه أن يسير إلى الكمال في العدل الخلقي بسرعة القدم .
سيصل البشر إلى هذه الغايةة من دون ريب حين يدركون سمو العدل ، وحين يفهمهم المصلح أنّ هذا العدل لا يتحقق إلاّ بدين الإسلام .
هذه الفكرة هي التي تقول بها الشيعة في المهدي ، وتقول : أنّ المهدي الذي يفهم الناس بهذه الضرورة هو آخر رجال العترة الذين خلفهو النبي في الأمّة ، وبقية ذوي القربي الذين أوجب الله مودتهم في الكتاب ، وهذه خلاصة رأي الشيعة في المهدي .
والشيعة ترحب بكل نقد نزيه يتعلق بمذهبها ، على أن يكون التفام للحق وحده ، وإذا كان المقصد هو الحق صغرت الوسيلة لعظم الغاية .
وعلى الناقد أن يتأكد من الراي قبل أن يتسرع في النقد فيدل من نفسه على ما لا يحمد ، فإنّ في السكوت سعة إذا لم تتضح للناطق مواضع النطق ، ورحم الله مؤيد الدين الطغرائي الذي يقول :
غالي بنفسي عرفاني بقيمتها ** فصنتها عن رخيص القدر مبتذل
وأنا حين أودع سعادة الدكتور أحمد أمين ، فإنّي أكبر منه جهاده المتواصل وتأليفه التي خدم بها الأدب ، وأرجو أن تكون صلتنا للحق وحده ، كما يريد هو وكما أريد أنا ، وله خالص التحيات من صديقه الجديد .
وآخر دعوانا عن الحمد لله ربّ العالمين .
[1] أنظر تاريخ الطبري في حوادث سنة 67 ، ووفيات الأعيان في ترجمة محمد ابن الحنيفة .
[2] سورة النحل آية 90
[3] سورة النساء آية 58
[4] سورة الشوري آية 15
التعلیقات