ما ينبغي للمؤمن رعايته في الغيبة الكبرى
الشيخ علي الدهنين
منذ 6 سنواتمن أهمّ ما ينبغي للمؤمن رعايته في عصر الغيبة الكبرى ، هي :
1 ـ العمل بالواجبات وترك المحرَّمات, فإنَّ تقوى الله تعالى ممَّا يُقرِّب الإنسان إلى الله تعالى وإلى الإمام عليه السلام ، وذلك لأنَّ الإمام المهدي عليه السلام هو كتاب الله الناطق ، وكتاب الله يهدي إلى التقوى. فعلى الإنسان أن يتَّقي الله ، ويُحاسب نفسه ، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ويُطيع الله في جميع أُموره.
2 ـ إقامة مآتم لأهل البيت عليهم السلام لاسيّما مأتم سيّد الشهداء وأُمّه الزهراء عليهما السلام ، فقد أكَّد العلماء بأنَّ مأتم سيّد الشهداء عليه السلام ممَّا يُقرِّب الإنسان إلى الإمام عليه السلام ، وهذا ما جاءت الإشارة إليه في الزيارة الناحية : « ... فلأندبنَّك صباحاً ومساءاً ، ولأبكينَّ عليك بدل الدموع دماً » (1) ، وكذلك ذكر ظلامة الزهراء عليها السلام ، فإنَّ الإمام المهدي عليه السلام يتذكَّر مصيبة جدَّته الزهراء صباحاً ومساءاً ، وعلى الإنسان أن يُشارك إمامه في ذكر ظلامتها عليها السلام.
3 ـ المواظبة على قراءة الأدعية كدعاء الندبة ودعاء العهد ، ودعاء : « اللّهُمَّ عَرِّفْنِي نَفْسَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفْ نَبيَّكَ ، اللّهُمَّ عَرِّفْنِي رَسُولَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي رَسُولَكَ لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ ، اللّهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي » (2).
فإنَّ هذه الأدعية الشريفة تبعث الشوق والحنين في القلوب ، إذ نقرأ في دعاء الندبة : « لَيْتَ شِعْري اَيْنَ اسْتَقَرَّتْ بِكَ النَّوى ، بَلْ اَيُّ اَرْضٍ تُقِلُّكَ اَوْ ثَرى ، أَبِرَضْوى أَوْ غَيْرها أَمْ ذِي طُوى ، عَزيزٌ عَلَيَّ أَنْ أَرَى الْخَلْقَ وَلَا تُرى وَلَا أَسْمَعُ لَكَ حَسِيساً وَلَا نَجْوى ، عَزيزٌ عَلَيَّ اَنْ تُحِيطَ بِكَ دُونِيَ الْبَلْوى وَلَا يَنالُكَ مِنّي ضَجيجٌ وَلَا شَكْوى ... ، إِلى مَتى أَحَارُ فِيكَ يَا مَوْلايَ ، وَإِلى مَتى وَأَيُّ خِطابٍ أَصِفُ فِيكَ وَأَيُّ نَجْوى ، عَزيزٌ عَلَيَّ أَنْ أُجابَ دُونَكَ وَأُناغى ، عَزيزٌ عَلَيَّ اَنْ أَبْكِيَكَ وَيَخْذُلَكَ الْوَرى ، عَزيزٌ عَلَيَّ أَنْ يَجْريَ عَلَيْكَ دُونَهُمْ ما جَرى ، هَلْ مِنْ مُعينٍ فَأُطِيلَ مَعَهُ الْعَويلَ وَالْبُكاءَ ، هَلْ مِنْ جَزُوعٍ فَأُساعِدَ جَزَعَهُ إِذا خَلَا ، هَلْ قَذِيَتْ عَيْنٌ فَساعَدَتْها عَيْني عَلَى الْقَذى ، هَلْ إِلَيْكَ يَا بْنَ أَحْمَدَ سَبِيلٌ فَتُلْقى ، هَلْ يَتَّصِلُ يَوْمُنا مِنْكَ بِعِدَةٍ فَنَحْظى ... » (3) ، وورد في بعض الروايات أنَّه عليه السلام ساكن في جبال رضوى ، فعن عبد الأعلى مولى آل سام ، قال : خرجت مع أبي عبد الله عليه السلام فلمَّا نزلنا الروحاء نظر إلى جبلها مطلّاً عليها فقال لي : « ترى هذا الجبل ؟ هذا جبل يُدعى رضوى من جبال فارس ، أحبَّنا فنقله الله إلينا ، أَمَا إنَّ فيه كلّ شجرة مطعم ، ونعم أمان للخائف مرَّتين. أَمَا إنَّ لصاحب هذا الأمر فيه غيبتين ، واحدة قصيرة ، والأُخرى طويلة » (4) ، وفي روايات أُخرى أنَّ له عليه السلام بيتاً في المدينة يُسمّى بيت الحمد ، فعن المفضَّل ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : « إنَّ لصاحب هذا الأمر بيتاً يُقال له : بيت الحمد ، فيه سراج يزهر منذ يوم وُلِدَ إلى يوم يقوم بالسيف لا يُطفأ » (5).
إذن يجب على الكلّ أن يبعث الشوق للإمام عليه السلام في نفوس المؤمنين ، فإذا فقد أحدنا اليوم عزيزاًَ يحترق ألماً لفقده ، فما بالنا لا نتألَّم كثيراً بفقد إمام هو واسطة الفيض الإلهي وقطب رحى الكون ، فلنحترق شوقاً وألماً بفقده عليه السلام كما كان الصادق عليه السلام يتألَّم لذلك قبل ولادة الإمام المهدي عليه السلام ، فعن سدير الصيرفي ، قال : دخلت أنا ، والمفضَّل بن عمر ، وأبو بصير ، وأبان بن تغلب على مولانا أبي عبد الله الصادق عليه السلام فرأيناه جالساً على التراب وعليه مسح خيبري مطوَّق بلا جيب ، مقصِّر الكُمِّين ، وهو يبكي بكاء الواله الثكلى ، ذات الكبد الحرّى ، قد نال الحزن من وجنتيه ، وشاع التغيير في عارضيه ، وأبلى الدموج محجريه ، وهو يقول : « سيدي غيبتك نفت رقادي ، وضيَّقت عليَّ مهادي ، وابتزَّت منّي راحة فؤادي ، سيّدي غيبتك أوصلت مصابي بفجايع الأبد ، وفقد الواحد بعد الواحد يفني الجمع والعدد ، فما أحسُّ بدمعة ترقى من عيني وأنين يفتر من صدري عن دوارج الرزايا وسوالف البلايا إلَّا مثل بعيني عن غوابر أعظمها وأفظعها ، وبواقي أشدّها وأنكرها ، ونوائب مخلوطة بغضبك ، ونوازل معجونة بسخطك ».
قال سدير : فاستطارت عقولنا ولهاً ، وتصدَّعت قلوبنا جزعاً من ذلك الخطب الهائل ، والحادث الغائل ، وظنَّنا أنَّه سمت لمكروهة قارعة ، أو حلَّت به من الدهر بائقة ، فقلنا : لا أبكى الله ابن خير الورى عينيك ، من أيَّة حادثة تستنزف دمعتك وتستمطر عبرتك ؟ وأيَّة حال حتَّمت عليك هذا المأتم ؟
قال فزفر الصادق عليه السلام زفرة انتفخ منها جوفه ، واشتدَّ عنها خوفه ، وقال : « ويلكم نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم وهو الكتاب المشتمل على علم المنايا والبلايا والرزايا ، وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، الذي خصَّ الله به محمّداً والأئمّة من بعده عليهم السلام ، وتأمَّلت منه مولد غائبنا وغيبته وإبطاءه وطول عمره وبلوى المؤمنين في ذلك الزمان ، وتولّد الشكوى في قلوبهم من طول غيبته ، وارتداد أكثرهم عن دينهم ، وخلعهم ربقة الإسلام من أعناقهم التي قال الله تقدَّس ذكره : ( وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ) [ الإسراء : 13 ] ـ يعني الولاية ـ ، فأخذتني الرقَّة ، واستولت عليَّ الإحزان » (6).
4 ـ الوفاء بالعهد للأئمّة عليهم السلام بشكل عامّ وللإمام المهدي عليه السلام بشكل خاصّ ، ويكون الوفاء لهم عليهم السلام من خلال ذكر فضائلهم ومقاماتهم وأخلاقهم وإظهار البراءة من أعدائهم ، فقد روي عن إمامنا المهدي عليه السلام أَنَّه قال : « وَلَوْ أَنَّ أَشْيَاعَنَا وَفَّقَهُمُ اللهُ لِطَاعَتِهِ ، عَلَى اجْتِمَاعٍ مِنَ الْقُلُوبِ فِي الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ عَلَيْهِمْ ، لَمَا تَأَخَّرَ عَنْهُمُ الْيُمْنُ بِلِقَائِنَا ، وَلَتَعَجَّلَتْ لَهُمُ السَّعَادَةُ بِمُشَاهَدَتِنَا ، عَلَى حَقِّ الْمَعْرفَةِ وَصِدْقِهَا مِنْهُمْ بِنَا ، فَمَا يَحْبِسُنَا عَنْهُمْ إِلَّا مَا يَتَّصِلُ بِنَا مِمَّا نَكْرَهُهُ ، وَلَا نُؤْثِرُهُ مِنْهُمْ ، وَاللهُ الْمُسْتَعانُ ، وَهُوَ حَسْبُنَا وَنعْمَ الْوَكِيلُ ، وَصَلَوَاتُهُ عَلَى سَيَّدِنَا الْبَشير النَّذِير ، مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرينَ وَسَلَّمَ » (7).
وهذا الذكر الدائم للإمام عليه السلام يُعَدُّ من الأُمور التي تُعمِّق ارتباط المؤمن به عليه السلام ، إذ يستلزم الذكر معرفة الإمام من جهة ، والالتزام بأوامره ونواهيه من جهة أُخرى حتَّى لا يكون الإنسان مثل سهل بن حسن الخراساني الذي دخل على الإمام الصادق عليه السلام فسلَّم عليه ثمّ جلس ، فقال له : يا ابن رسول الله ، لكم الرأفة الرحمة وأنتم أهل بيت الإمامة ، ما الذي يمنعك أن يكون لك حقّ تقعد عنه وأنت تجد من شيعتك مائة ألف يضربون بين يديك بالسيف ؟ فقال له عليه السلام : « اجلس يا خراساني رعى الله حقّك » ، ثمّ قال : « يا حنفيّة ، اسجري التنّور » ، فسجَّرته حتَّى صار كالجمرة وابيضَّ علوّة ، ثمّ قال : « يا خراساني , قم فاجلس في التنّور » ، فقال الخراساني : يا سيّدي يا ابن رسول الله لا تعذّبني بالنار ، أقلني أقالك الله ، قال : « قد أقلتك ».
هذا الخلل معناه أنَّه لا يعتقد بنصرة الإمام عليه السلام ، بل لا يعتقد بعصمة الإمام وبوجوب طاعته. فهل الإنسان مستعدٌّ لنصرة إمام معصوم بأيّ نحو كان؟
يقول الراوي : فبينما نحن كذلك إذ أقبل هارون المكّي ونعله في سبّابته ، فقال : السلام عليك يا ابن رسول الله ، فقال له الصادق : « القِ النعل من يديك واجلس في التنّور » ، قال : فألقى النعل من سبّابته ثمّ جلس في التنّور ، وأقبل الإمام يُحدّث الخراساني حديث خراسان حتَّى كأنَّه شاهد لها ، ثمّ قال : « قم يا خراساني وانظر ما في التنّور ». قال : فقمت إليه فرأيته متربّعاً ، فخرج إلينا وسلّم علينا ، فقال له الإمام : « كم تجد بخراسان مثل هذا ؟ » , فقلت : والله ولا واحداً ، فقال عليه السلام : « لا والله ولا واحداً ، أمَّا إنَّا لا نخرج في زمان لا نجد فيه خمسة معاضدين لنا ، نحن أعلم بالوقت » (8).
إذن ينبغي للمؤمن أن يذكر الإمام عليه السلام دائماًَ وأن يُخصِّص كلّ يوم عدَّة دقائق يخاطب فيها إمامه عليه السلام ، وأن يزوره بالزيارة المختصرة الواردة بعد صلاة الفجر ليُؤكِّد ويُعمِّق ارتباطه به عليه السلام.
5 ـ كثرة اللجوء للإمام عليه السلام ، وطلب الحوائج منه والاستغاثة به وندبه من الأُمور التي تسهم في تقوية علاقة المؤمن بالإمام عليه السلام ، فهو عليه السلام مكلَّف من قِبَل الله تعالى برعاية أمر خلقه ، فقد ورد في الزيارة الجامعة الكبيرة : « يا وَليَّ الله إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَ الله عَزّوَجَلّ ذُنُوباً لَا يَأْتِي عَلَيْها إلَّا رِضاكُم ، فَبِحَقَّ مَنْ ائْتَمَنَكُمْ عَلى سِرَّهِ وَاسْتَرْعاكُمْ أَمْرَ خَلْقِهِ وَقَرَنَ طاعَتكُمْ بِطاعَتِهِ ، لَمَّا اسْتَوْهَبْتُمْ ذُنُوبِي وَكُنْتُمْ شُفَعائِي » (9).
6 ـ انتظار الفرج فإنَّ أصل الأعمال وأهمّ وظيفة للمؤمن في عصر الغيبة الكبرى هو انتظار فرج آل محمد عليهم السلام ، فعن أبي بصير ومحمّد بن مسلم ، عن أبي عبد الله ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليهم السلام ، قال : « المنتظر لأمرنا كالمتشحّط بدمه في سبيل الله » (10) ، وعن المفضَّل بن عمر ، قال : سمعت الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام يقول : « من مات منتظراً لهذا الأمر كان كمن كان مع قائم في فسطاطه ، لا بل كان كالضارب بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وآله بالسيف » (11).
الهوامش
1. المزار لابن المشهدي : 501.
2. الكافي 1 : 337 / باب في الغيبة / ح 5.
3. المزار لابن المشهدي : 581 و 582.
4. الغيبة للطوسي : 163 / ح 123.
5. الغيبة للنعماني : 245 / باب 13 / ح 31.
6. كمال الدين : 352 ـ 354 / باب 33 / ح 50.
7. الاحتجاج 2 : 325.
8. مناقب آل أبي طالب 3 : 362 و 363.
9. من لا يحضره الفقيه 2 : 616 / ح 3213.
10. كمال الدين : 645 / باب 55 / ح 6.
11. الإمامة والتبصرة : 122 / ح 118.
مقتبس من كتاب : [ المعارف المهدوية قراءة تمهيدية ] / الصفحة : 69 ـ 74
التعلیقات