سفراء ووكلاء ونواب الإمام المهدي عليه السلام في معاني السفير والسفارة
الشيخ مشتاق الزيدي
منذ 6 سنواتالسفير لغة :
السفير في اللغة : بالفتح ، الرسول والتابع والمصلح بين القوم ، وكذا السفارة ، والجمع السفراء. (١) وقيل : السفير الرسول والمصلح بين القوم ، والجمع سفراء ، وقد سفر بينهم يسفرُ سفراً وسفارة أصلح ، وفي حديث علي عليه السلام أنه قال لعثمان : إن الناس قد استسفروني بينك وبينهم. أي جعلوني سفيراً. وهو الرسول المصلح بين القوم. يقال سفرت بين القوم. إذا سعيت بينهم في الإصلاح. (٢) وقيل : السفير مأخوذ من السَفر بمعنى كشف الغطاء ، ومنه يطلق السفير على المصلح بين القوم؛ لأنه يستكشف ما في قلب كل من الطرفين ليصلح بينهما. ويطلق أيضاً على الرسول ؛ لأنه يظهر ما أمر به ، والذي يظهر من إمعان النظر أن إطلاقه على الرسول والرسول المصلح إنما هو لكشفه الغطاء عن حقيقة ما بين الطرفين. (٣)
السفير والسفارة في المصطلح الكلامي :
السفير : من نص عليه التوقيع من الإمام سلام الله عليه ، ليكون الواسطة بين الإمام وشيعته. بمعنى أن الإمام ينص على شخص معين يقول هذا وكيلي وقوله قولي ، وينقل عن الإمام مباشرة. وهم كل من : ( عثمان بن سعيد العمري وولده محمد بن عثمان والحسين بن روح وأبو الحسن علي بن محمد السمري ) ولم يقم أحد بعد السفير الرابع وذلك بنص من قبل صاحب الأمر عليه السلام.
قال الطبرسي : ( وأما الأبواب المرضيون والسفراء الممدوحون في زمان الغيبة : فأولهم الشيخ الموثوق به أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري ، نصبه أولاً أبو الحسن علي بن محمد العسكري ثم ابنه أبو محمد الحسن عليهما السلام فتولى القيام بأمورهما حال حياتيهما ( صلوات الله عليهما ) ، ثم بعد ذلك قام بأمر صاحب الزمان عليه السلام ، وكانت توقيعاته وجواب المسائل تخرج على يديه. فلما مضى لسبيله قام ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان مقامه وناب منابه في جميع ذلك. فلما مضى هو قام بذلك أبو القاسم الحسين بن روح من بني نوبخت. فلما مضى قام مقامه أبو الحسن علي بن محمد السمري. ولم يقم أحد منهم بذلك إلا بنص عليه من قبل صاحب الأمر عليه السلام ، ونص صاحبه الذي تقدم عليه ، ولم تقبل الشيعة قولهم إلا بعد ظهور آية معجزة تظهر على يد كل واحد منهم من قبل صاحب الأمر عليه السلام تدل على صدق مقالتهم وصحة بابيتهم. فلما حان سفر أبي الحسن السمري من الدنيا وقرب أجله قيل له : إلى من توصي ؟ فأخرج إليهم توقيعاً نسخته : بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك ، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام ، فأجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى ذكره ، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً. وسيأتي إلى شيعتي من يدعي المشاهدة ، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذابٌ مفتر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فنسخوا هذا التوقيع وخرجوا فلما كان اليوم السادس عادوا اليه وهو يجود بنفسه. فقال له بعض الناس : من وصيك من بعدك ؟ فقال : لله أمر هو بالغه ، وقضى ، فهذا آخر كلام سمع منه ). (٤)
في معاني الوكالة والوكيل :
الوكالة في اللغة :
الوكالة لغة : بالفتح هو الحفظ والاعتماد. (٥)
وقال ابن منظور : الوكالة ووكيل الرجل : الذي يقوم بأمره ، سمي وكيلاً لأن موكله قد وكل إليه القيام بأمره فهو موكل إليه الأمر. والوكيل على هذا القول فعيل بمعنى مفعول. وفي الدعاء : اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا. وفي دعاء آخر اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين فاهلك. وفي الحديث من توكل بما بين لحييه ورجليه توكلت له بالجنة ، قيل بمعنى توكل. (6) وعرفه المشكيني : الوكالة : فتحاً وكسراً في اللغة اسم من التوكيل بمعنى تفويض الأمر إلى الغير وتسليمه له ، ووكل يكل وأوكل يوكل ووكل يوكّل ، بمعنى الإيكال والتفويض ، (٧) وفي المفردات : التوكيل ان تعتمد على غيرك وتجعله نائباً عنك ، والوكيل فعيل ، بمعنى المفعول. (٨) انتهى وحقيقة الوكالة تنزيل شخص منزلة آخر ، ويترتب عليه تنزيل العمل الصادر منه منزلة عمله. (٩)
الوكالة اصطلاحا :
الوكالة : تفويض التصرف في أمر شرعي إلى غيره ، أي إقامة الغير مقام نفسه في التصرف ممن يملك التصرف. (١٠)
نماذج من وكلاء الإمام المهدي عليه السلام :
ثبت لنا من خلال النقل التأريخي وجود وكلاء غير السفراء الأربعة السابقين ، مشتتين في مختلف البلدان الإسلامية التي فيها شيء من الولاء والاعتقاد بالإمام المهدي عليه السلام. وعلى هذا لابد من التمييز والفصل بين الوكيل والسفير ، وهناك جملة من الوكلاء أمثال : الأسدي ، حاجز بن يزيد ، أحمد بن إسحاق ، أحمد بن محمد بن عيسى ... وغيرهم.
ولقد ذكر الصدوق رضي الله عنه للإمام المهدي عليه السلام مجموعة من الوكلاء مع تسمية بلدانهم وقد ، بلغوا من الكثرة حدا يمتنع معه اتفاقهم على الكذب لاسيما وهم من بلدان شتى ، وإليك بعضهم ( وممن رآه من الوكلاء : فمن بغداد : العمري ، وابنه ، وحاجز ، والبلالي ، والعطار. ومن الكوفة : العاصمي. ومن أهل الأهواز : محمد بن إبراهيم بن مهزيار. ومن أهل قم : أحمد بن إسحاق. ومن أهل همدان : محمد بنصالح. ومن أهل الري : البسامي ، والأسدي ( محمد بن أبي عبد الله الكوفي ). ومن أهل آذربيجان : القاسم بن العلاء. ومن أهل نيسابور : محمد بن شاذان.
نظام الوكلاء والمعتمدين عند الأئمة عليهم السلام
ليس الإمام المهدي عليه السلام أول من سن هذا النظام وإنما كان موجوداً في زمان أبيه الإمام العسكري عله السلام ، بل من زمن الإمام الهادي عليه السلام وما قبله وكان ذلك أحد الطرق الرئيسية لإتصالهم عليهم السلام بشيعتهم وقضائهم لحوائجهم ، واتصال الشيعة بهم. وإرسال الأموال ، والحقوق الشرعية إليهم.
وحيث اتخذ الإمام المهدي عليه السلام مسلك الاحتجاب الذي عرفناه كان إلى نظام الوكالة أقرب وله الزم ، واتخذه بشكل يشمل أكثر الأمور أو جميعها ، مما يتصل بأمور المجتمع حتى في داخل المدن الشيعية. فكانت عامة اتصالاته وتوقيعاته والأموال التي تصل إليه ، ما عدا القليل .. يتم عن طريق الوكلاء.
الغرض من تنصيب الوكلاء :
أولاً : إعطاء القيادة العامة في زمن الغيبة إلى العلماء ، الذي يمثلون خط الإمام عليه السلام (11) .. ذلك المفهوم الذي أعطاه الإمام الصادق عليه السلام صيغته الشرعية بقوله : ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا ، فليرضوا به حكماً فإني قد جعلته عليكم حاكماً.
فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه ، فإنما استخف بحكم الله وعلينا رد ، والراد علينا راد على الله وهو على حد الشرك بالله. (١٢)
ثانياً : ان الخط الشرعي والسياسي الذي يستعمله الإمام المهدي عليه السلام في حركاته وبياناته ، هو اتساع الرقعة الجغرافية بالموالين والأنصار وتهيئة الأمة لنصرة الإمام وإنتظار الفرج وهذا يحتاج الى العديد من القادة الوكلاء الذين يمثلون التحرك الانتشاري في أرجاء المعمورة.
الفرق بين الوكيل والسفير :
فمن الفروق بينهما هي :
أولاً : أن السفير يواجه الإمام المهدي عليه السلام مباشرة ويعرفه شخصياً ويأخذ التوقيعات منه والبيانات. على حين أن الوكلاء ليسوا كذلك بل يكون اتصالهم بالمهدي عليه السلام عن طريق سفرائه ، ليكونوا همزة الوصل بينهم وبين قواعدهم الشعبية.
ثانياً : إن مسؤولية السفير في الحفاظ على إخوانه في الدين وقواعده الشعبية عامة وشاملة. على حين نرى مسؤولية الوكيل خاصة بمنطقته.
ثالثاً : ان السفير مصطلح لم يكن شائعاً ومألوفاً في زمن الأئمة عليهم السلام بخلاف الوكيل فإن الأئمة كانوا يوكلون بعض أصحابهم لشراء العبيد والجواري ونحوها وكذا في تبليغ بعض المسائل وإيصال الأموال إلى شيعتهم.
رابعاً : ان السفير لا يكون إلا في الأمور الخطيرة ( العظيمة ) كما في سفارة مسلم ابن عقيل عليه السلام والسفراء الأربعة ، بخلاف الوكيل فإنه يوكل في الأمور والمسائل اليسيرة كالشراء ونحوه. ومن هنا تعلم عظمة المعارف التي يحملها جبرائيل عليه السلام لأنه سمي السفير بين الله وأنبيائه.
الوكيل قد يكون له ارتباط مباشر بالإمام وقد يكون بالواسطة ، والسفير له ارتباط مباشر.
خامساً : مجرد توكيل بعض المعصومين لرجل لا يثبت عدالة ذلك الرجل ما لم يكن للوكالة جهة مشروطة بها (١٣) بل لا تدل بمجردها على شيء ، اللهم إلا أن تكون الوكالة على جهة معتد بها أي بالعدالة ، (١٤) بخلاف السفارة فإنها بنفسها حاكية عن التوثيق والعدالة.
الهوامش
1. دائرة المعارف الشيعية : ١٠ / ٤١٦.
2. لسان العرب : ٦ / ٢٧٩.
3. معجم مصطلحات الرجال والدراية : ٧٥.
4. الإحتجاج : ٢ / ٢٩١.
5. دائرة المعارف الشيعية : ١٨ / ٣٣٧.
6. لسان العرب : ١٥ / ٣٨٨.
7. المصطلحات الفقهية للمشكيني : ٥٧٠.
8. مفردات ألفاظ القرآن : ٨٨٢.
9. المصطلحات الفقهية للمشكيني : ٥٧٠ ، بتصريف.
10. دائرة المعارف الشيعية : ١٨ / ٣٣٧.
11. هذا الغرض مشترك بين الوكيل والسفير.
12. الوسائل ، كتاب القضاء ج ٣ ص ٤٢٤.
13. حاوي الأقوال ، ج ١ ، ص ١٠١ ، معجم مصطلحات الرجال والدراية : ١٩١.
14. نهاية الدراية ، ص ٤١٧ ؛ جامع المقال ، ص ٢٧.
المصدر : مجلّة الإنتظار / العدد : 9 / الصفحة : 104 ـ 107
التعلیقات