في خوارق المهدي وكراماته التي ظهرت للناس
الشيخ سليمان الحسيني البلخي القندوزي
منذ 13 سنةقال الشيخ علي بن عيسى الإربلي في كتابه كشف الغمة : إن الناس ينقلون قصصاً وأخباراً في خوارق العادات ، للإمام المهدي رضي الله عنه ، يطول شرحها ، وأنا أذكر من ذلك قصتين ، قريب عهدهما بزماني وحدثني بهما جماعة من ثقات إخواني.
الأولى : إنه كان في بلد الحلة بين الفرات والدجلة ، رجل اسمه إسماعيل بن الحسن ، قال إخواني : حكى لنا إسماعيل : إنه خرج على فخذي الأيسر توتة مقدار قبضة الإنسان ، فعجزت الأطباء عن علاجها ، فجاء بغداد ورأى أطباء الإفرنج فقالوا : لا علاج لها ، فتوجه إلى سامراء وزار الإمامين علي الهادي والحسن العسكري رضي الله عنهما ، ونزل السرداب ودعا الله تعالى تضرعاً إليه ، واستغاث بالإمام المهدي رضي الله عنه ، ثم مضى إلى دجلة فتغسل ثم لبس ثوبه ، فرأى أربعة فرسان خارجين من باب سور البلد ، واحد منهم شيخ بيده رمح ، وشاب آخر عليه فرجية ملونة ، فصاحب الرمح يمين الطريق ، والشابان يسار الطريق ، والشاب صاحب الفرجية على الطريق ، فقال له صاحب الفرجية : أنت تروح غداً إلى أهلك ؟ فقال : نعم. قال صاحب الفرجية له : تقدم إلي حتى أُبصر ما يوجعك. فتقدم إليه ومد يده إليه فعصر التوتة بيده فأوجعه ، ثم استوى على سرجه فقال الشيخ صاحب الرمح : أفلحت يا إسماعيل هذا الإمام. ثم ذهبوا وهو مشى معهم فقال الإمام : إرجع ! فقال : لا أُفارقك أبداً. فقال الإمام : المصلحة في رجوعك ! فقال : لا أُفارقك أبداً ؛ فقال الشيخ : يا إسماعيل أما تستحي ؟ يقول لك الإمام إرجع مرتين فتخالفه ؟! فوقف وتقدم الإمام خطوات ثم التفت إليه وقال : يا إسماعيل إذا وصلت إلى بغداد ، فلا بد أن يطلبك أبو جعفر ـ يعني الخليفة المستنصر بالله ـ فإذا حضرت عنده وأعطاك شيئاً فلا تأخذه ، وقل لولدنا الرضا ، ليكتب لك إلى علي بن عوض ، فإنني أوصيه يعطيك الذي تريد. ثم صار مع أصحابه ، فلم يزل قائماً يبصرهم حتى غابوا. ثم قعد على الأرض ساعة متأسفاً محزوناً وباكياً على مفارقتهم ، ثم جاء إلى سامراء ، فاجتمع القوم حوله وقالوا : نرى وجهك متغيراً ، فما أصابك ؟ فقال : هل عرفتم الفرسان الذين خرجوا من البلد وساروا ساحل الشط ؟ قالوا : هم الشرفاء أرباب الغنم ! فقال لهم : بل هم الإمام وأصحابه الشابان ، وصاحب الفرجية هو الإمام ، مس بيده المباركة مرضي. فقالوا : أرناه ، فكشف فخذه فلم يروا له أثراً ، فمزقوا ثيابه وأدخلوه في خزانة ، ومنعوا الناس عنه لكيلا يزدحموا عليه.
ثم إن الناظر من طرف الخليفة جاء الخزانة ، وسأله عن هذا الخبر ، وعن اسمه ونسبه ووطنه ، وعن خروجه من بغداد أول هذا الأسبوع ، ثم ذهب عنه ، فبات إسماعيل في الخزانة ، فصلى الصبح ، وخرج مع الناس إلى أن بعد من سامراء ، فرجع القوم ووادعوه ، فسار منفرداً حتى وصل إلى موضع ، فرأى الناس مزدحمين على القنطارة العتيقة ، يسألون عمن ورد عليهم عن اسمه ونسبه وموضع مجيئه. فلما لاقوه عرفوه بالعلامات المذكورة فمزقوا ثيابه وأخذوها تبركاً. وكان الناظر كتب إلى بغداد وعرّفهم الحال ، وكان الوزير طلب السعيد رضي الدين ليعرّفه صحة الخبر ، فخرج رضيّ الدين الذي هو كان من أصدقاء إسماعيل ، وكان ضيفه قبل خروجه إلى سامراء ، فلما رآه رضي الدين وجماعة معه ، فنزلوا عن دوابهم ، وأراهم فخذه فلم يروا شيئاً ، فغشي على رضي الدين ساعة ، ثم أخذه بيده وأدخله عند الوزير القمي ، وهو يبكي ويقول : هذا أخي وأقرب الناس إلى قلبي ! فسأله الوزير عن القصة ، فحكاها فله فأحضر الأطباء الذين رأوا مرضه ، وسألهم متى رأيتموه ؟ قالوا : منذ عشرة أيام. فكشف فخذ إسماعيل فليس فيها أثر قالوا : هذا عمل المسيح عليه السلام ! فقال الوزير : نحن نعرف مَنْ عملها ! ثم أحضره الوزير عند الخليفة ، فسأله عن القصة فحكى له ما جرى ، فأعطاه ألف دينار فقال : ما أجسر أن آخذ منه ذرة ! فقال الخليفة : ممن تخاف ؟ فقال : من الذي فعل بي هذا ؛ قال لي : لا تأخذ من أبي جعفر شيئاً. فبكى الخليفة. ثم قال علي بن عيسى كنت أحكي هذه القصة لجماعة عندي ، وكان شمس الدين ولده حاضراً عندي ، لا أعرفه قال : أنا ابنه من صلبه فقلت : هل رأيت فخذ أبيك وهي مجروحة ؟ قال : إني كنت صبياً في وقت جراحة فخذه ، ولكن سمعت القصة من أبي وأُمي وأقربائي وجيراني ، ورأيت فخذه بعدما صلحت ولا أثر فيها ، ونبت في موضعها شعر. وقال أيضاً : سألت السيد صفي الدين محمد بن محمد ، ونجم الدين حيدر بن الأيسر رحمهما الله ، أخبراني بصحة هذه القصة ، وأنهما رأيا إسماعيل في مرضه وصحته ، وحكى لي ولده أن أباه ذهب إلى سامراء بعد صحته أربعين مرة ، طمعاً أن يعود له الوقت الذي رآه.
الثانية : حكى لي السيد باقي بن عطوة العلوي الحسني ، إن أباه عطوة لا يعترف بوجود الإمام محمد المهدي رضي الله عنه ويقول : إذا جاء الإمام وأبرأني من هذا المرض أُصدق قولكم ، ويكرر هذا القول. فبينا نحن مجتمعون وقت العشاء الأخيرة ، صاح أبونا فأتيناه سراعاً فقال : الحقوا الإمام في هذه الساعة خرج من عندي. فخرجنا فلم نر أحداً ، فجئنا إليه وقال : إنه دخل إليّ شخص وقال : يا عطوة ، فقلت : لبيك من أنت ؟ قال : أنا المهدي قد جئت إليك أن أشفي مرضك. ثم مد يده المباركة وعصر وركي ، وراح فصار مثل الغزال. قال علي بن عيسى : سألت عن هذه القصة غير ابنه فأقرّ بها.
وفي كتاب الغيبة عن أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري قال : دخلت على أبي محمد الحسن العسكري رضي الله عنه ، وأنا أريد أن أسأله عن الخلف بعده. قال لي قبل إظهاري : يا أحمد ، إن الله تبارك وتعالى لم يخلِ الأرض ، منذ خلق آدم عليه الصلاة والسلام ، إلى أن تقوم الساعة ، من حجة على خلقه ، به يدفع البلاء عن أهل الأرض ، وبه ينزل الغيث ، وبه تخرج بركات الأرض قال : فقلت له : يا ابن رسول الله جعلت فداك ! فمن الإمام والخليفة بعدك ؟ فنهض مسرعاً ودخل بيته ، ثم خرج وعلى عاتقه غلام كأن وجهه القمر ليلة البدر ، من أبناء ثلاث سنين فقال : يا أحمد ، لولا كرامة الله عليك ما عرضت عليك ابني هذا ! إنه سميّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وكنيته بكنيته ، وهو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ! يا أحمد مثله مثل الخضر ، في طول العمر وفي العلم اللدني. والله ليغيبن غيبة لا ينجو الناس من زمان غيبته من ضعف الدين ، إلا من ثبته الله عز وجل على القول بإمامته. فقال أحمد : قلت : يا مولاي هل من علامة له يطمئن قلبي ؟ فنطق الصبي وقال : يا أحمد أنا بقية خلفاء الله في أرضه ، وأنا المنتقم من أعدائه ، فلا تطلب إماماً غيري من بعد أبي ـ أنا أمرٌ من أمر الله ، وسرٌ من سر الله ، وغيب من غيبه ، فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين ، تكن غداً معنا في عليين. قال : ففرحت فرحة عظيمة وقلت : لله الحمد والمنة على إحسانه.
وفي كتاب الغيبة : كان في غيبته الصغرى ، النواب المنصوبون واحداً بعد واحد ، يخرج من عندهم توقيعاته وأوامره ونواهيه ، وأخباره عن مغيبات الأُمور ، إلى أن صار نائبه وكيله أبو الحسن علي بن محمد السمري ، فاستقام في النيابة إلى آخر عمره ، فدخل يوماً في بيت تظهر التوقيعات فيه ، رأى مكتوباً فيه : يا علي بن محمد ، إنك بعد ستة أيام تلقى الله عز وجل ، وتنقل من الدنيا. وأنت آخر نوّابي فلا أجعل بعدك نائباً إلى ظهوري. فمات بعد ستة أيام سنة تسع وعشرين وثلاثمائة رحمه الله. وفي كتاب الغيبة عن شقيق الأرزاني قال : أمرنا المعتضد بالله الخليفة العباسي ، ونحن ثلاثة نفر وقال لنا : إذهبوا إلى سامراء مختفين ـ ووصف لنا محلة وداراً ـ فإذا رأيتم في هذه الدار رجلاً آتوني به. فجئنا إلى سامراء ودخلنا الدار فلم نر فيها أحداً ، ثم رأينا فيها ستراً فرفعنا الستر ، فإذا بيت كبير كان فيه ماء ، وفي أقصى البيت حصير على الماء ، وفوقه رجل من أحسن الناس هيئة ، وهو قائم يصلي. فسبق أحمد بن عبد الله ودخل في الماء فغرق واضطرب ، فأخرجته بيدي وغشي عليه ساعة ثم أفاق ، ثم فعل صاحبي الثاني فعل صاحبي الأول ، فناله ما نال الأول ، وبقينا متحيرين فقلنا لصاحب البيت : المعذرة إلى الله وإليك وإنا تائبون إلى الله ، فما التفت إلى ما قلنا ، فهالنا ذلك وانصرفنا عنه. وكان المعتضد ينتظرنا فدخلنا عنده في الليل ، فحكينا ما رأينا فقال : هل لقيتم أحداً قبلي وجرى منكم إليه قول ؟ قلنا : لا بل كتمناه عن الناس والله ! وحلفنا بأشد أيمان أن لا نخبر أحداً ما دام المعتضد حياً ، لأنه لو بلغ إليه خبر ليضربن أعناقنا ! ولم نحدّث به إلا من بعده.
وفي كتاب الغيبة عن سعد بن عبد الله القمي قال : كنت رجلاً مشتغلاً بغوامض العلوم ، وأثبت في دفتر نيفاً وأربعين مسألة من صعاب المسائل ، على أن أسأل أحمد بن إسحاق صاحب مولانا أبي محمد الحسن العسكري ، وقد خرج قاصداً نحو سامراء ، فلحقته فدخلنا بالإذن عند مولانا ، وعلى عاتق أحمد بن إسحاق جراب فيه مائة وستون صرة من الدنانير والدراهم ، وعلى كل صرة منها ختم صاحبها ، وعلى فخذ الأيمن لمولانا غلام كالقمر ، وبين يدي مولانا رمانة ذهبية تلمع بدائع نقوشها وغرائب الفصوص المركبة عليها ، قد أهداها إليه رؤساء البصرة ، وبيده قلم يسطر. وقبض الغلام أصابعه ومولانا يدحرج الرمانة ويشغله بإدارتها كيلا يمنعه عن كتابته. فلما فرغ من الكتابة ، أخرج أحمد جرابه من كسائه فقال مولانا : يا بنيّ فض الخاتم عن هدايا مواليك ! فقال : يا مولاي أيجوز أن أمد يداً طاهرة إلى هدايا نجسة وأموال رجسة ؟ فقال مولانا : يا ابن إسحاق أخرج ما في الجراب ، فأول صرة أخرجها ابن إسحاق قال الغلام : هذه لفلان بن فلان من محلة كذا بقم ، تشتمل على اثنين وستين ديناراً من مال حرام ، لأن صاحبها وزن في شهر كذا من سنة كذا ، على حائك من جيرانه من الصوف مناً وربع منّ ، فسرقه سارق من عنده ، فأخبر به الحائك فكذبه ، فأخذ منه بدل ذلك منّاً وربع منّ غزلاً اتخذ منه ثوباً ، فباع الثوب وثمنه هذه الدنانير. فلما فتح الصرة وجد رقعة باسم من أخبر عنه ، وعددها مطابق لما قال ، فقال مولانا : صدقت يا بني ! ثم أخرج ابن إسحاق صرة أُخرى فقال الغلام : هذه لفلان بن فلان من محلة كذا بقم ، تشتمل على خمسين ديناراً لا يحل لنا مسها ، لأنها ثمن حنطة خان صاحبها ، أخذ بكيل وافٍ وباع بكيل بخس. فقال مولانا : صدقت يا بني ! ثم قال مولانا : يا بن إسحاق إحملها بأجمعها لتردها على أربابها ، وآتنا بثوب العجوزة.
فلما انصرف ابن إسحاق ليأتيه بالثوب قال لي مولانا : يا سعد ، ما جاء بك ؟ قلت : شوقاً إلى لقائك. قال : فالمسائل التي أردت أن تسألها ، سلهن قرة عيني ـ وأومى إلى الغلام ـ فقال الغلام : سل عما بدا لك ! فسألت مسائلي واحدة بعد واحدة ، فأجابني بجواب شافٍ. ومن جملة مسائله ، سأله عن تأويل كهيعص قال : فالكاف كربلاء والهاء هلاك العترة ، والياء يزيد الملعون ، والعين عطش العترة ، والصاد صبره. وسأله عن تأويل : ( فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) (1) قال : كان موسى عليه السلام شديد الحب لأهله ، فقال تعالى : فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ، أي انزع حب أهلك عن قلبك. ثم انصرفت عنهما ، فاستقبلني ابن إسحاق الوكيل باكياً وقال : فقدت ثوب العجوزة. فقلت : رأيته مبسوطاً تحت قدمي مولانا ! فدخل عليه وخرج متبسماً وقال : خبرك صحيح.
وفي كتاب الغيبة عن محمد بن علي القمي قال : إن علي بن الحسين بن موسى كان تحته بنت عمه ، ولم يرزق منها ولداً ، وكتب إلى الشيخ أبي القاسم بن روح ، الذي كان وكيلاً للإمام في غيبته ، بعد موت وكيله محمد بن عثمان العمري ، أن يسأل الإمام أن يدعو الله تبارك وتعالى ، أن يرزقه أولاداً من بنت عمه. فخرج الجواب : يا علي إنك لا ترزق ولداً من بنت عمك ، وستملك جارية ديلمية ترزق منها ولدين فقيهين ، وأوسطهما زاهد غير فقيه ! فرزق محمداً والحسين فقيهين باهرين ، وكان بينهما أخ زاهد لا فقه له.
الهوامش
1. سورة طه ، الآية : 12.
مقتبس من كتاب : [ ينابيع المودّة ] / الصفحة : 514 ـ 518 / الناشر : منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت / الطبعة : 1
التعلیقات