المؤمل الموعود
الشيخ مهدي المجاهد
2024 Oct 8لقد اتّفقت فكرة وجود المنجي لهذا العالم ، بعد ان يبتعد البشر عن الحدود التي رسمها الخالق عزّوجلّ له ، فيأتي المنجي لكي يحدث تغيير جذري ، ويجلب البشريّة نحو الخالق ، وينجيهم من الظلمة التي يعيشون فيها.
ولكن الاختلاف كيف حصل ؟ ولماذا حصل ؟ ألم تكن الأديان السماويّة كلّها تشير الى وجود هذا المصلح الذي يحكم بأمر الله بالعدل ، وينشر شريعة ربّ العالمين على هذه الأرض.
جاء في كتاب « مزامير داود » المزمور ٣٧ :
« ... لأنه سينقطع الأشرار ، وسيرث المتوكّلون على الله الأرض ، سوف لن يكون هناك شريراً بعد مدّة قليلة ، ستتأمّل مكانه وليس فيه ، أمّا الحكماء ـ الصالحون ـ فسيرثون الأرض » (١).
وورد في الفصل الثاني عشر من انجيل لوقا :
« اعقدوا أحزمتكم وأضيئوا مصابيحكم وكونوا كمن ينتظر سيّده ، حتّى تفتحوا له الباب متى جاء ودق بابكم » (٢).
وجاء في القرآن الكريم :
( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) (٣).
الظاهر أن المراد بالزبور ، كتاب داود عليه السلام ، وقد سمّي بهذا الاسم في قوله : ( وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ) (٤) ، والمراد بالذكر ، هو التوراة ، وقد سمّاها الله به في موضعين من هذه السورة ، وهما قوله : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) (٥) ، وقوله : ( وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ ) (٦).
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : « هُمْ أَصْحَابُ الْمَهْدِيِّ عَلَيْهِ السَّلاَم في آخِرِ الزَّمَانِ » (٧).
وتوجد روايات كثيرة في ظهور المنجي وأيّام خلافته على هذه الكرة الأرضيّة ، وحتّى انّه من ذريّة النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله ، كما قال : « لَو لَم يَبْقَ مِن الدُّنيا إلّا يَومٌ واحدٌ لَطوّلَ الله ذلكَ اليومَ حتّى يَبعَثَ فيهِ رجُلاً مِن وُلدي يُواطئُ اسمُه اسمِي يَملَؤها عَدلاً وقِسْطا كما مُلِئتْ جَورا وظُلما » (٨).
وقال الامام الحسن العسكري عليه السلام ـ حين ولد الحجّة عليه السلام ـ : « زعم الظلمة أنّهم يقتلونني ليقطعوا هذا النسل ، فكيف رأوا قدرة الله وسمّاه المؤمل » (٩).
عن الصقر ابن دلف ، قال : سمعت أبا جعفر محمد بن علي الرضا عليه السلام يقول : إنَّ الامام بعدي ابني عليٌّ أمره أمري ، وقوله قولي ، وطاعته طاعتي ، والامامة بعده في ابنه الحسن أمره أمر أبيه وقوله قول أبيه ، وطاعته طاعة أبيه ، ثمَّ سكت فقلت له : يابن رسول الله فمن الامام بعد الحسن فبكى عليه السلام بكاء شديداً ثمّ قال : إنَّ من بعد الحسن ابنه القائم بالحقِّ المنتظر فقلت له : يابن رسول الله ولم سمّي القائم قال : لأنّه يقوم بعد موت ذكره ، وارتداد أكثر القائلين بامامته ، فقلت له : ولم سمّي المنتظر قال : لأنَّ له غيبة تكثر أيّامها ويطول أمدها ، فينتظر خروجه المخلصون وينكره المرتابون ويستهزئ بذكره الجاحدون ويكثر فيها الوقّاتون ويهلك فيها المستعجلون وينجو فيها المسلمون (١٠).
في هذه الرواية ذكر الامام عليه السلام بعض الأسباب التي تظهر وتسبّب جحود الناس عن المؤمل ، وأمّا ما حدث في سائر الأديان من التلاعب والانحرافات التي حدثت في كتبها وبسبب تقادم الأيّام ، أوجدت هذه الأختلافات.
الهوامش
١. راجع : الكتاب المقدّس المزمور السابع والثلاثون / الصفحة : ٦٣٨ / الناشر : دار الكتاب المقدّس ـ مصر / الطبعة : ٣.
٢. راجع الكتاب المقدّس إنجيل لوقا / الفصل الثاني عشر / الصفحة : ٩٨ / الناشر : دار الكتاب المقدس ـ مصر / الطبعة : ٣.
٣. الأنبياء : ١٠٥.
٤. النساء : ١٦٣.
٥. الأنبياء : ٧.
٦. الأنبياء : ٤٨.
٧. البرهان « للبحراني » / المجلّد : ٣ / الصفحة : ٨٤٨ / الناشر : مؤسسة البعثة ـ طهران.
٨. روضة الواعظين « للفتال النيسابوري » / الصفحة : ٢٦١ / الناشر : منشورات الرضي ـ قم.
سنن أبي داوود / المجلّد : ٤ / الصفحة : ٣٠٦ / الناشر : دار ابن حزم ـ بيروت.
٩. الغيبة « للشيخ الطوسي » / الصفحة : ٢٣٣ / الناشر : مؤسسة المعارف الإسلاميّة ـ قم.
١٠. بحار الأنوار « للمجلسي » / المجلّد : ٥١ / الصفحة : ٣٠ / الناشر : مؤسسة الوفاء ـ بيروت / الطبعة : ٢.
التعلیقات
١