إشهاد الإمام عليه السلام على عقيدتنا
الشيخ علي الكوراني العاملي
منذ يومينمعنى الإشهاد على العقيدة
« أشهدك يا مولاي أني أشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له. وأن محمداً عبده ورسوله ، لا حبيب إلا هو وأهله ».
كان بعض المؤمنين يعرض عقيدته على الإمام عليه السلام ليتأكد منها.
قال إسماعيل بن جابر : « قلت لأبي جعفر عليه السلام : أعرض عليك ديني الذي أدين الله عز وجل به؟ قال فقال : هات ». « الكافي : ١ / ١٨٨ ».
وفي أمالي الصدوق / ٤١٩ ، قال عبد العظيم الحسني للإمام الجواد عليه السلام : « يا ابن رسول الله ، إني أريد أن أعرض عليك ديني ، فإن كان مرضياً ثبتُّ عليه حتى ألقى الله عز وجل. فقال : هات يا أبا القاسم ».
وكان بعضهم يُشهد الإمام عليه السلام على عقيدته ليَشهد له يوم القيامة.
وفي هذه الفقرة يُشهد المؤمن إمامه المهدي عليه السلام على توحيده لله تعالى ، وإيمانه بنبوة جده محمد صلى الله عليه وآله ، وأنه عبد الله ورسوله.
ويُشهده على أنه : لاحبيب إلا النبي وآله صلى الله عليه وآله. ومعناه أن حبهم وولاءهم هو الحب الأول ، ولا يقاس به غيره. فعندما تقول لاحبيب لي إلا فلان ، تجعله أول من تحبه ، وتخبر أن حبك له لا يقاس به غيره.
وقد استعمل العرب كلمة : حِبُّ فلانٍ ، بمعنى محبوبه ومعشوقه. وروى مخالفونا أن النبي صلى الله عليه وآله قال عن أسامة بن زيد ، إنه حِبُّه ، ولم تروِ ذلك مصادرنا ، ويظهر أنهم وضعوه مقابل حب أهل البيت عليهم السلام!
وقوله : لاحبيب إلا النبي وآله صلى الله عليه وآله : امتثالٌ لأمر الله تعالى في قوله : قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى.
وامتثالٌ لقول النبي صلى الله عليه وآله : « لا يؤمن رجلٌ حتى يحب أهل بيتي. فقال عمر بن الخطاب : ما علامة حب أهل بيتك؟ قال صلى الله عليه وآله : هذا وضرب بيده على علي بن أبي طالب ». « بشارة المصطفى للطبري / ١٥٠ ».
والمودة والحب فوق الطاعة ، لأنها تعني الطاعة والتقديس والإقتداء.
وإشهاد المؤمن إمامه على ذلك ، لأن الله سيسأله عنه يوم القيامة ، فهو يطلب أن يكون له شاهد مقبول الشهادة عند الله تعالى.
وقد نصت أحاديث الجميع على أن النبي صلى الله عليه وآله أيضاً سيسأل أمته عن طاعتها ومودتها لأهل بيته عليهمالسلام.
ففي الكافي « ١ / ٢٩٤ » : « إنكم ستردون عليَّ الحوض فأسألكم عما فعلتم في الثقلين ». ونحوه مسند أحمد « ٣ / ١٧ ».
فالإنسان يُسأل عن النبوة ، كما يسأل عن التوحيد ، ويسأل عن حب أهل البيت عليهمالسلام كما يسأل عن النبوة ، ولذلك يُشهد إمامه عليه السلام على ذلك ليشهد له عند ربه ، فتنفعه شهادته.
الشهادة للأئمة عليهم السلام بأنهم حجج الله تعالى
« وأشهد أن أمير المؤمنين حجته ، والحسن حجته ، والحسين حجته ، وعلي بن الحسين حجته ، ومحمد بن علي حجته ، وجعفر بن محمد حجته ، وموسى بن جعفر حجته ، وعلي بن موسى حجته ، ومحمد بن علي حجته ، وعلي بن محمد حجته ، والحسن بن علي حجته ، وأشهد أنك حجة الله ».
ومن صفات الأئمة من عترة النبي صلى الله عليه وآله : أنهم خلفاء رسول الله ، وأنهم أئمة ، معصومون ، أولياء الأمة ، حجج الله على خلقه.
وقد اختار هنا وصف الحجج للشهادة لهم عليهمالسلام ، لأنه مقام حقوقي يتناسب مع الشهادة والإشهاد ، والمحاكمة يوم القيامة.
ومعنى حجج الله : أن الله عز وجل نصبهم حججاً يحتج بهم على الناس. فكما يحتج عليهم بأني بعثت لكم رسولاً وبلغكم عني فتمت عليكم الحجة ، يحتج عليهم بأني نصبت لكم بعد رسولي أعلاماً حججاً هم الأئمة الإثنا عشر ، وبلغكم رسولي ذلك ورفع بيد الأول منهم وقال : هذا وليكم من بعدي ، ومن كنت مولاه فهذا مولاه. وقد فهمتم ذلك منه ، وهنأتم الحجة بعده ، وبخبختم له ، فتمت الحجة عليكم.
وقد بيَّنَ الله تعالى احتجاجه على الناس يوم القيامة فقال : قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ. « الأنعام : ١٤٩ ».
وقال : رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا. « النساء : ١٦٥ ».
فالمعنى : أشهدك ياسيدي أني أشهد أنكم حجج الله تعالى على الناس ، فاشهد عليَّ بذلك فإني قائمٌ بشروطه ، أتولاكم وأطيعكم ، وأتلقى معالم ديني منكم. فاشهد لي لتكون شهادتك لي حجة لي عند الله.
أنتم الأول والآخر
« أنتم الأول والآخر ، وأن رجعتكم حقٌّ لا شك فيها ، يوم : لايَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا. « الأنعام : ١٥٨ ».
استفاضت الرواية في أن أهل البيت عليهم السلام هم البدء والختام في مشروع الإسلام ، ففي كمال الدين / ٣٠ ٢ : « قال علي عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وآله : يا رسول الله أمِنَّا الهداةُ أم من غيرنا؟ قال : بل منا الهداة إلى الله إلى يوم القيامة ، بنا استنقذهم الله عز وجل من ضلالة الشرك ، وبنا يستنقذهم من ضلالة الفتنة ، وبنا يصحبون إخواناً بعد ضلالة الفتنة ، كما بنا أصبحوا إخواناً بعد ضلالة الشرك. وبنا يختم الله ، كما بنا فتح الله ».
وفي الكافي « ١ / ٤٧١ » قال الإمام الباقر عليه السلام : « أيها الناس أين تذهبون وأين يراد بكم ، بنا هدى الله أولكم وبنا يختم آخركم ، فإن يكن لكم مُلْكٌ معجل فإن لنا مُلكاً مؤجلاً ، وليس بعد ملكنا ملك ، لأنا أهل العاقبة يقول الله عز وجل : وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينْ ».
وفي بصائر الدرجات / ٨٣ ، عن الإمام الباقر عليه السلامقال : « ونحن الذين بنا يفتح الله وبنا يختم ، ونحن أئمة الهدى ».
وفي تحف العقول / ١١٥ ، من خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام : « بنا فتح الله جل وعز وبنا يختم الله ، وبنا يمحو الله ما يشاء ، وبنا يدفع الله الزمان الكَلِب ، وبنا يُنزل الغيث. فلا يغرنكم بالله الغرور.
لو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها ، ولأخرجت الأرض نباتها وذهبت الشحناء من قلوب العباد ، واصطلحت السباع والبهائم ، حتى تمشي المرأة بين العراق والشام لا تضع قدميها إلا على نبات ».
وقوله : وأن رجعتكم حقٌّ لا شك فيها : فإن رجعة الأئمة عليهم السلام تطلق على ظهور الإمام المهدي عليه السلام ، وعلى رجعة الأئمة عليهم السلام بعد حكمه.
أما آية : لايَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ ، فلا بد أن يكون ذلك مخصوصاً ببعض الظالمين ، أو عند قرب القيامة ، لأن باب التوبة يبقى مفتوحاً بعد ظهور الإمام المهدي عليه السلام.
الشهادة بالآخرة والحساب
« وأن الموت حق ، وأن ناكراً ونكيراً حق. وأشهد أن النشر والبعث حق ، وأن الصراط والمرصاد حق ، والميزان والحساب حق ، والجنة والنار حق ، والوعد والوعيد بهما حق ».
وعندما يطلب المؤمن من إمامه عليه السلام أن يشهد عليه بأنه يعتقد بالمعاد والحساب والجنة والنار ، فهو يتعهد بأن يكون منسجماً مع ذلك ويدخله في حساب عمله ، فيتقي ربه ، ويخاف عقابه ، ويرجو ثوابه.
وإقراره على نفسه بذلك يؤثر على سلوكه ، ويزيد من تأثيره أنه أشهد إمامه على نفسه ، فإن انحرف فسيشهد عليه ، لا له!
الولاية المطلقة لأهل البيت عليهم السلام
« يا مولاي شقيَ من خالفكم ، وسَعِدَ من أطاعكم ، فاشهد على ما أشهدتك عليه ، وأنا وليٌّ لك ، برئٌ من عدوك ، فالحقُّ ما رضيتموه ، والباطل ما سخطتموه ، والمعروف ما أمرتم به ، والمنكر ما نهيتم عنه.
فنفسي مؤمنة بالله وحده لا شريك له ، وبرسوله صلى الله عليه وآلهوبأمير المؤمنين ، وبأئمة المؤمنين عليهمالسلام. بكم يا مولاي ، أولكم وآخركم ، ونصرتي معدة لكم ومودتي خالصة لكم ».
الولاية والبراءة أصلان في كل دين
قوله : وأنا وليٌّ لك ، برئٌ من عدوك :
تطبيقٌ لمبدأ الولاية والبراءة الشرعي. والبعض يتخيل أن البراءة تتنافى مع التسامح ومحبة الناس ، ويريد أن يكون الدين ولاية بلا براءة.
لكن توحيدك لله تعالى لا يتحقق إلا بالبراءة من الشرك ، فلا يكفي أن تقول : أشهد إلا الله ، بل تقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، فالبراءة ونفي الشريك مقدم على الولاية وإثبات التوحيد ، لأن التوحيد لا يتحقق إلا به ، كما أن حبك للخيرلايتحقق إلا ببغضك للشر والبراءة منه. ولهذا قام مذهبنا على ولاية النبي وآله صلى الله عليه وآله والبراءة من ظالميهم.
عن أبي الجارود قال : « قلت لأبي جعفر عليه السلام : إني امرؤ ضرير البصر كبير السن ، والشقة فيما بيني وبينكم بعيدة؟ وأنا أريد أمراً أدين الله به وأتمسك به وأبلغه من خلفت. قال : فأعجب بقولي فاستوى جالساً فقال : يا أبا الجارود كيف قلتَ رُدَّ عليَّ ، قال : فرددت عليه ، فقال : نعم يا أبا الجارود : شهادة ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم شهر رمضان ، وحج البيت ، وولاية ولينا ، وعداوة عدونا ، والتسليم لأمرنا وانتظار قائمنا ، والورع والاجتهاد ». « دعوات الراوندي / ١٣٥ ».
وقال يونس بن عبد الرحمن : « دخلت على موسى بن جعفر عليه السلام فقلت له : يا ابن رسول الله أنت القائم بالحق؟ فقال : أنا القائم بالحق ولكن القائم الذي يطهر الأرض من أعداء الله عز وجل ويملؤها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، هو الخامس من ولدي ، له غيبة يطول أمدها خوفاً على نفسه ، يرتد فيها أقوام ويثبت فيها آخرون.
ثم قال عليه السلام : طوبى لشيعتنا المتمسكين بحبلنا في غيبة قائمنا الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا ، أولئك منا ونحن منهم ، قد رضوا بنا أئمة ورضينا بهم شيعة ، فطوبى لهم ثم طوبى لهم ، وهم والله معنا في درجتنا يوم القيامة ». « كمال الدين : ٢ / ٣٦١ ».
مقتبس من كتاب شرح زيارة آل ياسين للشيخ علي الكوراني العاملي / المجلّد : 1 / الصفحة : 13 ـ 131 / الطبعة الأولى.
التعلیقات