المعصوم وجودٌ استثنائي
السيّد رياض الفاضليّ
منذ 6 ساعاتكثيرةٌ هي الآثار ، وعظيمةٌ هي المواقف ، غير أنّ المعصوم (عليه السلام) لا يُقاس بها ، ولا تُحدّد عظمته بما سُجِّل عنه ، فإنّ وجوده بذاته نور ، وحضوره في الزمان آية ، وصمته أبلغ من الكلام.
مأمورون بطاعتهم والتسليم لهم ، قال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ (سورة النساء : الآية 59) فتأمّل تعرف.
الامام المعصوم (عليه السلام ) هو الكلمة الطيبة، كما ورد في تفسير البرهان ج ٣: عَنْ عُمَرَ بْنِ سَالِمٍ بَيَّاعِ السَّابِرِيِّ ، قَالَ : « سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَصْلُهٰا ثٰابِتٌ وَ فَرْعُهٰا فِي السَّمٰاءِ قَالَ : أَصْلُهَا رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)، وَ فَرْعُهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ)، وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ ثَمَرُهَا، وَ تِسْعَةٌ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ أَغْصَانُهَا ، وَ الشِّيعَةُ وَرَقُهَا، وَ اللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ لَيَمُوتُ فَتَسْقُطُ وَرَقَةٌ مِنْ تِلْكَ الشَّجَرَةِ.
قُلْتُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : ﴿ تُؤْتِي أُكُلَهٰا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهٰا ﴾ قَالَ : مَا يَخْرُجُ مِنْ عِلْمِ الْإِمَامِ إِلَيْكُمْ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ حَجٍّ وَ عُمْرَةٍ ».
ونقل كذلك البرهان ج٣ عن الْعَيَّاشِيُّ : عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْحَلَبِيِّ ، عَنْ زُرَارَةَ وَ حُمْرَانَ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ) فِي قَوْلِ اللَّهِ : ﴿ ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهٰا ثٰابِتٌ وَ فَرْعُهٰا فِي السَّمٰاءِ ﴾.
قَالَ : يَعْنِي النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) وَ الْأَئِمَّةَ مِنْ بَعْدِهِ ، وَ هُمُ الْأَصْلُ الثَّابِتُ ، وَ الْفَرْعُ الْوَلاَيَةُ لِمَنْ دَخَلَ فِيهَا.
إنّ الأئمّة (عليهم السلام) حججُ الله على خلقه ، هم الميزان في كلّ عصر ، وإن غبت الطواغيت بعض آثارهم في ظاهر التاريخ.
والروايات التي تبيّن وتؤكّد عظمتهم وعصمتهم كثيرة يمكن الرجوع لها ، وفد نقلها الشخ في بحار الأنوار ج٢٥ بعد نقل اخبار أن المعصوم لا يلهو ولا يسهو ولا يلعب ، قال: .. ويدل عليه الأخبار الدالة عليه أنهم مؤيدون بروح القدس وأنه لا يلهو ولا يسهو ولا يلعب ، وقد مر في صفات الامام عن الرضا عليه السلام " فهو معصوم مؤيد موفق مسدد قد أمن من الخطأ والزلل والعثار ..".
وإنّما تُفهم آثار الإمام حين يُفهم دوره ، وتُدرك علّة وجوده ، فما تركه من أدعية أو كلمات ، لا يُدرَك معناها إلا إذا أُحكمت الرؤية إلى مقامه ، وفُهمت مسؤوليته في عصره.
وإذا أردنا أن نعرف وظيفتنا في زماننا ، فما علينا إلا أن نعي كيف كان الناس يفهمون الإمام ودوره ، فبقدر ما وعَوا منزلته ، نهضوا لتكليفهم ، وبقدر ما جهلوا ، تخلّفوا. إنّ وظيفة المؤمن في زمن الغيبة تبدأ من إدراك موقع الإمام، لا من عدّ آثاره الظاهرة.
عندما ننظر لسيرة الإمام السجاد (عليه السلام) ، حجة الله الجريح ، الذي عاش في زمنٍ تنوء الكلمات عن وصفه ، ومع ذلك أقام الحجّة بصبره ، وأحيى الشريعة بدعائه ، وجعل من التسبيحة مدرسةً ، ومن العبوديّة سمتا دائما ، ومن الدمع على سيدنا شباب اهل الجنة نهجاً .
ولو تأمّلنا بعظمته ومعها يعلمنا أن نقول كما قال في الصحيفة السجادية : ".. وسألتك مسألة الحقير الذليل ، البائس الفقير الخائف المستجير ، ومع ذلك خيفة وتضرعا وتعوذا وتلوذا ، لا مستطيلا بتكبر المتكبرين ، ولا متعاليا بدالة المطيعين ، ولا مستطيلا بشفاعة الشافعين ، وأنا بعد أقل الأقلين ، وأذل الأذلين ، و مثل الذرة أو دونها فيا من لم يعاجل المسيئين... ويتفضّل بإنظار الخاطئين..".
ما أعظمه من إمام ، يجعل من الصمت سيفا ، والصبر معجزة ، ونور العبوديّة سيفا قاطعا لعنق الطغيان.
أين البشرية عن الصحيفة السجّاديّة وعن ادعيتها ولو أخذنا دعاء مكارم الاخلاق وحده لأنار لنا طريقنا في هذه الدنيا والنجاة في الآخرة.
يبقى المعصوم (عليه السلام) ميزان الهداية وسبب النجاة، لا يُعرف قدره إلا بصدق تسليم المكلّف ونقاء فهمه للدور والتكليف ، فمن عرف الإمام ، عرف تكليفه ، وسلك إلى الله على صراطٍ مستقيم ، كما في إكمال الدين: أبو محمد الحسن بن أحمد المكتب قال : حدثنا أبو علي بن همام بهذا الدعاء وذكر أن الشيخ... وأمره أن يدعو به ، وهو الدعاء في غيبة القائم (عليه السلام): « اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف رسولك ، اللهم عرفني رسولك ، فإنك إن لم تعرفني رسولك ، لم أعرف حجتك ، اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ، ضللت عن ديني » فتأمّل.
التعلیقات