الارتباط والعلقة بين الإمام المهدي عليه السلام وفاطمة الزهراء سلام الله عليها
السيد حسين الهاشمي
منذ 4 ساعاتتمثّل السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام قمّة النقاء الإنساني والصفاء الروحي في التاريخ الإسلامي، فهي بضعة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وروحه التي بين جنبيه، كما عبّر عنها في قوله المشهور: « إن فاطمة بضعة مني، وهي نور عيني، وثمرة فؤادي، يسوءني ما ساءها، ويسرني ما سرها » (1). لم تكن الزهراء عليها السلام مجرّد ابنةٍ للنبي، بل كانت الامتداد الرسالي له، والحلقة المركزية التي حفظت خطّ النبوّة من الانحراف والضياع بعد شهادة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. إنّ خطها المبارك هو الطريق الذي استمر حتى بلغ ذروته في الإمام المهدي المنتظر عجّل الله فرجه الشريف، خاتم الأوصياء وحامل لواء العدالة الإلهية في آخر الزمان.
يُمثّل الإمام المهدي عجّل الله فرجه الحلقة الأخيرة في سلسلة النور الإلهي الذي ابتدأ من النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم مروراً بفاطمة الزهراء عليها السلام والأئمة من ولدها. إن ظهوره الموعود ليس حدثاً منفصلاً عن تاريخ الرسالة، بل هو تتمة لها وتحقيق لوعد الله بظهور الحقّ واندحار الباطلز حيث قال الله تعالى: ﴿ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ﴾ (2). ولهذا فمن الجدير أن نعرف العلقة والارتباط بين الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف وفاطمة الزهراء سلام الله عليها.
العلاقة النسبية بينهما عليهما السلام
من أبرز الخصائص التي امتاز بها هذا الإمام المهدي عليه السلام أنّه من سلالة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، بنت النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا ليس بالأمر السهل. لأنّ الزهراء سلام الله عليها هي الطاهرة المطهرة والأئمة المعصومون عليهم السلام هم من سلالتها. ومن الطبيعي أن يرتبط الإبن بوالدته من جميع الجوانب الجسمية والروحية والنفسية والمعنوية. ويكفي في أهمية هذه العلقة النسبية بينهما ما ورد من أئمة أهل البيت عليهم السلام في نسب صاحب الزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداه. فقد روى الإمام الصادق عليه السلام: « خَرَجَ النَّبِيُّ ذَاتَ يَوْمٍ وَ هُوَ مُسْتَبْشِرٌ يَضْحَكُ سُرُوراً فَقَالَ لَهُ النَّاسُ أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَ زَادَكَ سُرُوراً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ يَوْمٍ وَ لَا لَيْلَةٍ إِلَّا وَ لِيَ فِيهِمَا تُحْفَةٌ مِنَ اللَّهِ، أَلَا وَ إِنَّ رَبِّي أَتْحَفَنِي فِي يَوْمِي هَذَا بِتُحْفَةٍ لَمْ يُتْحِفْنِي بِمِثْلِهَا فِيمَا مَضَى، إِنَّ جَبْرَئِيلَ أَتَانِي فَأَقْرَأَنِي مِنْ رَبِّيَ السَّلَامَ وَ قَالَ يَا مُحَمَّدُ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ اخْتَارَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ سَبْعَةً لَمْ يَخْلُقْ مِثْلَهُمْ فِيمَنْ مَضَى، وَ لَا يَخْلُقُ مِثْلَهُمْ فِيمَنْ بَقِيَ، أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ سَيِّدُ النَّبِيِّينَ، وَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَصِيُّكَ سَيِّدُ الْوَصِيِّينَ، وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ سِبْطَاكَ سَيِّدَا الْأَسْبَاطِ، وَ حَمْزَةُ عَمُّكَ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ، وَ جَعْفَرٌ ابْنُ عَمِّكَ الطَّيَّارُ فِي الْجَنَّةِ يَطِيرُ مَعَ الْمَلَائِكَةِ حَيْثُ يَشَاءُ، وَ مِنْكُمُ الْقَائِمُ يُصَلِّي عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ خَلْفَهُ إِذَا أَهْبَطَهُ اللَّهُ إِلَى الْأَرْضِ مِنْ ذُرِّيَّةِ عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ » (3).
وأيضا روي عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في حديث تزويج الزهراء سلام الله عليها بأميرالمؤمنين عليه السلام: « أَتَى جَبْرَئِيلُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَأْمُرُكَ أَنْ تُزَوِّجَ فَاطِمَةَ مِنْ عَلِيٍّ أَخِيكَ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله إِلَى عَلِيٍّ عليه السلام فَقَالَ لَهُ: يَا عَلِيُّ إِنِّي مُزَوِّجُكَ فَاطِمَةَ ابْنَتِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ، وَ أَحَبَّهُنَّ إِلَيَّ بَعْدَكَ، وَ كَائِنٌ مِنْكُمَا سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَ الشُّهَدَاءُ الْمُضَرَّجُونَ الْمَقْهُورُونَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِي، وَ النُّجَبَاءُ الزُّهْرُ الَّذِينَ يُطْفِئُ اللَّهُ بِهِمُ الظُّلْمَ وَ يُحْيِي بِهِمُ الْحَقَّ وَ يُمِيتُ بِهِمُ الْبَاطِلَ عِدَّتُهُمْ عِدَّةُ أَشْهُرِ السَّنَةِ آخِرُهُمْ يُصَلِّي عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عليه السلام خَلْفَهُ » (4).
العلاقة النورية بينهما عليهما السلام
العلاقة بين السيدة الزهراء والإمام المهدي عليهما السلام لا تقتصر على رابطة النسب، بل هي علاقة نورٍ بنور، ورسالةٍ برسالة. كلاهما مخلوقان من نورٍ واحد، وهو نور النبوّة والإمامة. فقد جاء في الحديث القدسي: « يا مُحَمَّدُ إِنِّي خَلَقْتُ عَلِياً وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنَ وَالْحُسَينَ عَلَيهِمُ السَّلَامُ وَالْأَئِمَّةَ مِنْ نُورٍ وَاحِدٍ » (5). وهذا يعني أن خطّ الزهراء عليها السلام هو عين خطّ المهدي عجل الله فرجه، وأن رسالته في آخر الزمان هي إحياء لما بدأت به جدته الزهراء عليها السلام من جهادٍ وصونٍ للحقّ الإلهي. إن الارتباط بينهما ليس زمنياً فقط، بل هو جوهريّ، لأن كليهما يمثلان وجه الحقيقة الإلهية في الأرض. الزهراء عليها السلام في حفظ الرسالة من التحريف، والمهدي عجل الله فرجه في إظهارها إلى العالم بعد طول غيبةٍ وانتظار.
فاطمة الزهراء أسوة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه
جاء في أحد كتب صاحب العصر والزمان إلى الشيعة: « وَلَوْ لَا مَا عِنْدَنَا مِنْ مَحَبَّةِ صَلَاحِكُمْ وَرَحْمَتِكُمْ وَالْإِشْفَاقِ عَلَيْكُمْ لَكُنَّا عَنْ مُخَاطَبَتِكُمْ فِي شُغُلٍ فِيمَا قَدِ امْتُحِنَّا بِهِ مِنْ مُنَازَعَةِ الظَّالِمِ الْعُتُلِّ الضَّالِّ الْمُتَتَابِعِ فِي غَيِّهِ الْمُضَادِّ لِرَبِّهِ الدَّاعِي مَا لَيْسَ لَهُ الْجَاحِدِ حَقَّ مَنِ افْتَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَهُ الظَّالِمِ الْغَاصِبِ وَفِي ابْنَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله لِي أُسْوَةٌ حَسَنَة » (6).
في كتب اللغة، كلمة الأسوة بمعنى الشخص الذي يُقتدى به في القيام بالأفعال (7). لأجل أن نعرف معنى الأسوة في هذه الرواية يجب أن نعرف حكايتها. حكاية هذه الرسالة هي أن أحد الشيعة يدعي أنه بعد الإمام العسكري عليه السلام لا يوجد إمام. في هذه الرسالة، يذكر الإمام دلائل لإثبات الإمامة، ثم يذكر العبارة التي تم الإشارة إليها. مع الأخذ بعين الاعتبار ما قبل وما بعد الكلام، هناك عدة احتمالات حول كون فاطمة الزهراء سلام الله عليها قدوة للإمام المهدي عليه السلام. الأول المحبة للشيعة. كما أن فاطمة الزهراء سلام الله عليها كانت تذهب إلى أبواب منازل الناس لتوجيههم برغبة المحبة لأمة أبيها رغم الجروح والآلام، الإمام المهدي أيضاً هنا يقول: «نحن نساعدكم في اجتياز الامتحانات بسبب محبتنا لكم».
الثاني عدم استخدام الأسباب غير العادية. كما أن فاطمة الزهراء سلام الله عليها تم غصب حقها من قبل الظالمين لكنها لم تستخدم الأسباب غير العادية، الإمام المهدي أيضاً يقول هنا: «يجب على الشيعة أن يتجاوزوا هذه الامتحانات حتى يأتي يوم الظهور.
الثالث الأسوة والاقتداء في جميع الأمور. يعني أنّ فاطمة الزهراء سلام الله عليها هي أسوة الإمام المهدي عليه السلام في جميع الأمور. وهذا الاحتمال الثالث يناسب مع اطلاق عبارات الإمام عليه السلام.
تسلي فاطمة الزهراء بذكر الإمام المهدي
هناك روايات كثيرة تذكر أنّ الزهراء سلام الله عليها كانت تبكي عند مرض النبي الذي انجرّ إلى استشهاده. وفي هذا الحين، كان النبي صلى الله عليه وآله يسلّي الزهراء سلام الله عليها بالإمام المهدي عليه السلام. منها ما يروي علي بن هلال عن أبيه: « دخلت على رسول الله وهو في الحالة التي قبض فيها فإذا فاطمة عند رأسه. فبكت حتى ارتفع صوتها. فرفع رسول الله إليها رأسه فقال: حبيبتي فاطمة ما الذي يبكيك؟ فقالت : أخشى الضيعة من بعدك ، فقال : ياحبيبتي أما علمت أن الله عزوجل اطلع على الارض اطلاعة فاختار منها أباك فبعثه برسالته ثم اطلع اطلاعة فاختار منها بعلك وأوحى إلي أن انكحك إياه ... يافاطمة والذي بعثني بالحق إن منهما مهدي هذه الامة إذا صارت الدنيا هرجا ومرجا وتظاهرت الفتن وانقطعت السبل وأغار بعضهم على بعض فلا كبير يرحم صغيرا ولا صغير يوقر كبيرا، فيبعث الله عند ذلك منهما من يفتح حصون الضلالة وقلوبا غلفا يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت به في آخر الزمان ويملا الارض عدلا كما ملئت جورا » (8). وهذا الأمر يبيّن لنا بوضوح مدى الاتباط والعلقة بينهما عليهما السلام.
السرّ المستودع فيها
ورد توسل إلى فاطمة الزهراء سلام الله عليها وهي: « إلهى بحقّ فاطمة و أبيها و بعلها و بنيها و السّرّ المستودع فيها » (9). فما المراد من هذا السرّ المستودع في فاطمة الزهراء سلام الله عليها؟
أحد الاحتمالات القريبة إلى الذهن هي أنّ صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف هو السرّ الذي أودعه الله تعالى في جدته عليها السلام. فإننا ذكرنا أنّ الإمام المهدي عليه السلام من سلالتها. فمن القريب أن يكون الإمام المهدي هو السرّ المستودع في الزهراء سلام الله عليها. وهذا أحد أهم أوجه الارتباط والعلقة بين الإمام المهدي عليه السلام وفاطمة الزهراء سلام الله عليها.
انتقام الإمام المهدي من قاتلي الزهراء وحضورها عنده
روى الإمام الصادق عليه السلام لمفضل بن عمر حول الحوادث بعد ظهور صاحب الزمان عليه السلام: « لكأني أنظر يا مفضل إلينا معاشر الائمة بين يدي رسول الله نشكوا إليه ما نزل بنا من الامة بعده ، وما نالنا من التكذيب والرد علينا وسبينا ولعننا وتخويفنا بالقتل ... ثم تبتدئ فاطمة وتشكو ما نالها من أبي بكر وعمر ، وأخذ فدك منها ومشيها إليه في مجمع من المهاجرين والانصار ، وخطابها له في أمر فدك ، وما رد عليها من قوله: إن الانبياء لا تورث ، واحتجاجها بقول زكريا ويحيى وقصة داود وسليمان. وقول عمر : هاتي صحيفتك التي ذكرت أن أباك كتبها لك وإخراجها الصحيفة وأخذه إياها منها ، ونشره لها على رؤس الاشهاد من قريش والمهاجرين والانصار والعرب وتفله فيها ، وتمزيقه إياها وبكائها ، ورجوعها إلى قبر أبيها رسول الله باكية حزينا تمشي على الرمضاء قد أقلقتها ، واستغاثتها بالله وبأبيها رسول الله ... وتقص عليه قصة أبي بكر وإنفاذه خالد بن الوليد وقنفذا وعمر بن الخطاب وجمعه الناس لاخراج أمير المؤمنين من بيته إلى البيعة في سقيفة بني ساعدة ... وإدخال قنفذ يده لعنه الله يروم فتح الباب ، وضرب عمر لها بالسوط على عضدها ، حتى صار كالدملج الاسود ... وهجوم عمر وقنفذ وخالد بن الوليد وصفقه خدها حتى بدا قرطاها تحت خمارها ... » (10).
هذه كانت بعض أوجه العلقة والارتباط بين الإمام المهدي وفاطمة الزهراء سلام الله عليها.
الهوامش
1) الأمالي (للشيخ الصدوق) / المجلد: 1 / الصفحة: 575 / الناشر: مؤسسة البعثة – قم / الطبعة: 1.
2) سورة القصص / الآية: 5.
3) الكافي (لمحمد بن يعقوب الكليني) / المجلد: 8 / الصفحة: 49 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
4) كتاب الغيبة (للنعماني) / المجلد: 1 / الصفحة: 57 / الناشر: مكتبة الصدوق – طهران / الطبعة: 1.
5) كتاب الغيبة (للنعماني) / المجلد: 1 / الصفحة: 93 / الناشر: مكتبة الصدوق - طهران / الطبعة: 1.
6) كتاب الغيبة (للنعماني) / المجلد: 1 / الصفحة: 286 / الناشر: مكتبة الصدوق - طهران / الطبعة: 1.
7) المصباح المنير (لأحمد بن محمد القيومي) / المجلد: 1 / الصفحة: 15 / الناشر: المكتبة العصرية – بيروت / الطبعة: 2.
8) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 51 / الصفحة: 79 / الناشر: دار أحياء التراث – بيروت / الطبعة: 1.
9) فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفي (لأحمد الرحماني الهمداني) / المجلد: 1 / الصفحة: 252 / الناشر: المنير – قم / الطبعة: 1.
10) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 53 / الصفحة: 17 / الناشر: دار أحياء التراث – بيروت / الطبعة: 1.







التعلیقات