إبن خلدون السني و أحاديث المهدي عج

البريد الإلكتروني طباعة

لكي نسلط الضوء على هذا الموضوع أنقل خلاصة كلام ابن خلدون :

في مقدمته يقول : ( إعلم أنّ المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على مرّ الأعصار أنه لا بدّ في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين ويظهر العدل، ويتبعه المسلمون ويستولي على المملك الإسلامية ويحتجون بهذا الشأن بأحاديث خرّجها الأئمة ، وتكلم فيها المنكرون لذلك ، وربما عارضوها ببعض الأخبار . وللمتصوفة المتأخرين في أمر هذا الفاطمي طريقة أخرى في الإستدلال، وربما يعتمدون في ذلك على الكشف الذي هو أصل طرائقهم ، ونحن الآن نذكر هنا الأحاديث الواردة في هذا اشأن وما للمنكرين فيها من المطاعن وما لهم في إنكارها من الأدلة، ثم نتبعه بذكر كلام المتصوفة ورأيهم ليتبين لك الصحيح من ذلك إن شاء الله. إلاّ أنّ المعروف عند أهل الحديث أن الجرح مقدم على التعديل، فإذا وجدنا طعنا في بعض رجال الأسانيد بغفلة أو بسوء حفظ أو ضعف أو سوء رأي تطرق ذلك إلى صحة الحديث ، ولا يتطرق مثل ذلك إلى رجال الصحيحين ، فإنّ الإجماع قد اتصل في الأمة على تلقيهما بالقبول ، والعمل بها فيهما ، وفي الإجماع أعظم حماية وأحسن دفع ، وليس غير الصحيحين في ذلك ) (1)
وهذه خلاصة رأي ابن خلدون في الأحاديث ، حيث وثق بعضهم وضعف البعض الآخر .
ويختم ابن خلدون بحثه قائلا : ( والحق الذي ينبغي أن يتقرر لديك أنّه لا تتم دعوة من الدين والملك إلا بوجود شوكة عصبية تظهره وتطافع عنه من يدفعه حتي يتم أمر الله فيه ، وقد قررنا من قبل بالبراهين القطعية التي أريناك هناك.
وعصبية الفاطمين بل قريش أجمع قد تلاشت من جميع الآفاق، ووجدت أمم أخرى قد استعملت عصبيتهم على عصبية قريش إلاّ ما بقي بالحجاز في مكة وينبع بالمدينة من الكالبين من بني الحسن وبني الحسين وبني جعفر ،وهم منتشرون في تلك البلاد ، وغالبون عليها ،وهم عصائب بدوية متفرقة في مواطئهم وإماراتهم وآرائهم، يبلغون الآفا من الكثرة ، فإنّ صحّ ظهور هذا المهدي فلا وجه لظهور دعوته إلاّ بأن يكون منهم ، ويؤلف الله بين قلوبهم في إتباعه، حتي تتم له شوكة وعصبية وافية بإظهار كلمته وحمل الناس عليها ، وأما على غير هذا الوجه مثل أن يدعو فاطمي منهم إلى مثل هذا الأمر في أفق من الآفاق من غير عصبية ولا شوكة إلاّ مجرد نسبة لأهل البيت فلا يتم ذلك ولا يمكن ، لما أسلفنا من البراهين الصحيحة . (2)
وجوابه :
وللإجابة يمكن القول : إن من يريد القيام بثورة وتشكيل حكومة ، وسوف يحالفه النصر إذا ما إلتف حوله أنصار ومؤيدون يدافعون عنه ويبذلون الغالي والرخيص من أجله حتي تحقيق الهدف المنشود ، وهذه الشروط تنسحب على مسألة المهدي أيضا وثورته العالمية . ومن الخطأ أن نحصر أنصاره بالعلويين فقط، إلاّ إذا كان هدفه قوميا أو عرقيا أو طائفيا فإنّ فئة محدودة شوف تؤيده ، ذلك أنّ أي حكم ينهض على قاعدة ما ، فإنّ أنصاره يتألفون من الذين يدينون بالولاء لتلك القاعدة ، كما نلاحظ هذا في تاريخ الملوك والحكومات.
أما إذا كان الهدف عالميا، فهو يشمل البشرية بأسرها ، كما هو الحال في المهدي الذي سيظهر من أجل تطهير الأرض من الفساد، وتحرير البشر من الإستعباد والظلم ، ويكون الدين كله لله ، حيث لا فرق بين أسود وأبيض أو عربي وأعجمي إلاّ بالتقوي .
ومن هنا فإنّ ثورة عالمية كثورة المهدي لا يمكن أن ينهض بها جمع من العلويين في الحجاز أو المدينة، إنطلاقا من التعصب القومي، إنها حركة عالمية يلزمها استعداد عالمي بنفس المستوي.
وإن النصر سيكون حليف الرجال الذين سيؤمنون به وبأهدافه السامية ويدافعون عنه وعنها حتي النفس الأخير غير غافلين عن نصر الله الذي يهبه عباده المؤمنين. ومتي وجد القائد المعصوم والأمة المؤمنة فإنّ نصر الله سيتحقق ، وسيتحقق حلم البشرية في إقامة العدل الإلهي .
(1)  مقدمة ابن خلدن ص 311
(2)  مقدمة ابن خلدون ص 327