إنتهاء الأمور إلى الإِرادة الأزلية
العدل الإلهي
منذ 16 سنةالمصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج2، ص 383 ـ 385
(383)
السؤال الثالث
إنتهاء الأمور إلى الإِرادة الأزلية
لا شكّ أنَّ ما يوجد في الكون عن طريق الأسباب و العلل تنتهي 
تأثيراتها إلى الإِرادة الأزلية ، فهي المؤثر التام لما يوجد في الكون ، فيكون
 الوجود الإِمكاني معلولاً  لها ، وواجباً بوجودها ، و مع ذلك كيف يمكن أن 
يتصف بعض الوجود الإِمكاني كأفعال الإِنسان بالإِختيار ، و هذا ما اعتمد 
عليه المحقق الخراساني في بحث اتحاد الطلب و الإِرادة و قال :
« إنَّ الكفر و العصيان من الكافر و العاصي ، و لو كانا مسبوقين 
بإرادتهما، إلاَّ أنّهما منتهيان إلى ما لا بالإِختيار . كيف ، و قد سبقتهما
 الإِرادة الأزلية و المشيئة الإِلهية .  و معه كيف تصح المؤاخذة على ما لا يكون
 أخيراً بلا اختيار » (1).
تحليل الإِشكال
إنَّ ما ذكر يتحد جوهراً مع ما مرّ في أدلّة الأشاعرة على الجبر ، ولكن 
التقرير مختلف ؛ فإن مبدأ الإِشكال هناك أنَّ فعل العبد متعلق بمشيئته تعالى
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كفاية الأصول : ج 1، ص 100.
________________________________________
(384)
وما هو كذلك يكون متحققاً إلزاماً ، فكيف يوصف بالإِختيار. 
ومبدأ الإِشكال هنا هو أنَّ مجموع الوجود الإِمكاني معلول لوجود 
الواجب و إرادته ، فإرادته سبحانه هي العِلّة التامة لما سواه ، و معه كيف يتصف 
بعض الوجود الإِمكاني كأفعال الإِنسان بالإِختيار؟. فالإِشكالان متحدان 
جوهراً ، مختلفان صورة و صياغة.
ولكن الجواب عن كلا الإِشكالين واحد ، ولكي يكون الجواب 
مناسباً لهذا التقرير نقول :
إن فعل الإِنسان إنّما يتصف بالوجوب إذا نسب إلى جميع أجزاء العِلّة 
التّامة المنتهية إلى الواجب و إرادته ، و منها اختيار الإِنسان و إرادته ، فإذا لوحظ 
الفعل بالنسبة إلى جميع أجزاء العِلّة التامة يوصف بالوجوب ، و هذا ممّا لا 
كلام فيه . إلاَّ أنَّ الكلام ملاحظة الفعل قبل اجتماع أجزاء العِلّة التّامّة 
كالإِنسان قبل أن يريد ، فلا يوصف الفعل في هذه الحالة إلاَّ بالإِمكان ، و بما 
أن ذات الإِنسان و إرادته من أجزاء العلة أولا ، و بما أنَّ الإِنسان فاعل مختار
 بالذات في إيجاد الجزء الأخير من العلّة التامة ـ أعني الإِرادة ـ فلا يكون 
الفعل بالنسبة إليه فعلاً إيجابياً ، بل زمام الفعل بيده ، فله أن يوجد الإِرادة 
و له أن يترك ، و قد تعلقت إرادته على اختياره أحد الطرفين باختيار ذاتي .
و بذلك يظهر أنّ نسبة الفعل تختلف حسب اختلاف المنسوب إليه ، 
فلو نسب الفعل إلى مجموع أجزاء العِلّة التّامّة من الواجب سبحانه إلى إرادة
 العبد ، فالفعل متصف بالوجوب.
و إن نسب إلى نفس الباري سبحانه مع حذف الوسائط و العِلَل ، فالنسبة 
تنقلب إلى الإِمكان لعدم وجود العلّة التامة . كيف ، و قد تعلقت مشيئته على 
صدور الفعل عن طريق العِلَل و الأسباب.
و إن لوحظ الفعل بالنسبة إلى نفس الإِنسان بما أنَّه فاعل مختار بالذات 
في إيجاد الإِرادة في ضميره و عدمه ، فالفعل فعل إمكاني ، إختياري.
________________________________________
(385)
نعم ، بعدما أوجد الجزء الأخير من العلّة ـ أعني الإرادة ـ يتَّصف 
الفعل بالوجوب ، ولكن لا يخرج عن كونه فعلاً إختيارياً للإِنسان ؛ لأنّ 
الإيجاب بالإِختيار لا ينافي الإِختيار.
و كأنَّ الإِشكال نسج على منهج الأشعري القائل بعلة واحدة ـ أعني 
الواجب ـ و قيامه مكان جميع العلل ، و قد عرفتَ بطلانه.
***

التعلیقات