ترجمة مالك بن نويرة
الشيخ محمّد جواد آل الفقيه
منذ سنةترجمة مالك بن نويرة
كان مالك بن نويرة ، رجلاً سرياً نبيلاً ، يردف الملوك ، وهو الذي يضرب به المثل فيقال : فتىً ولا كمالك !
وكان فارساً شاعراً مطاعاً في قومه ، وكان فيه خيلاء وتقدم ، وكان ذا لمّة كبيرة ـ شعر كثيف ـ وكان يقال له الجفول .
قدم على النبي ( ص ) فيمن قدم من العرب ، فأسلم ، فولّاه النبي ( ص ) صدقات قومه .
قال المرزباني : . . فلما بلغته وفاة النبي ( ص ) أمسك الصدقة وفرقها في قومه وقال في ذلك :
فقلت خذوا أموالكم غير خائف |
ولا ناظر فيما يجيء من الغد | |
فإن قام بالدين المخوّف قائم |
أطعنا وقلنا الدين دين محمد |
وقد ذكر هذه الأبيات السيد المرتضى رحمه الله في كتابه « الشافي » مع أبيات أُخر لمالك استدل بها على أنه حين بلغه وفاة النبي ( ص ) أمسك عن أخذ الصدقة من قومه قائلاً لهم : تربصوا حتى يقوم قائم بعده وننظر ما يكون من أمره .
النص والإجتهاد 131 ـ 134
« مقتله »
حين فرغ خالد من « أسد وغطفان » توجه نحو البطاح حيث مالك بن نويرة وقومه هناك فلما عرف الأنصار الذين كانوا مع خالد عزمه على ذلك ، توقفوا عن المسير معه وقالوا : ما هذا بعهد الخليفة إلينا ، إنما عهده إن نحن فرغنا من « البزاخة » واستبرأنا بلاد القوم ، أن نقيم حتى يكتب إلينا .
فأجابهم خالد : إنه ـ أي الخليفة ـ لم يكن عهد إليكم بهذا ، فقد عهد إلي أن أمضي وأنا الأمير ، وإليَّ تنتهي الأخبار ، ولو أنه لم يأتني كتابٌ ولا أمر ثم رأيت فرصةً إن أعلمته بها فاتتني ، لم أعلمه حتى انتهزها ، وكذلك إذا ابتلينا بأمرٍ لم يعهد لنا فيه لم ندع أن نرى أفضل ما يحضرنا ثم نعمل به ، وهذا مالك بن نويرة بحيالنا ، وأنا قاصدٌ له بمن معي .
وكان مالك قد فرق قومه ونهاهم عن الإِجتماع ، وقال : يا بني يربوع ، إنا دعينا إلى هذا الأمر فأبطأنا عنه فلم نفلح ، وقد نظرت فيه فرأيت الأمر يتأتى لهم بغير سياسة ، وإذا الأمر لا يسوسه الناس ، فإياكم ومناوآة قوم صنع لهم ، فتفرقوا وادخلوا في هذا الأمر .
فتفرقوا على ذلك وسار خالد ومن معه قاصدين البطاح ، فلم يجدوا فيها أحداً ، فأرسل خالد سراياه في أثرهم فجائته بمالك بن نويرة في نفرٍ من بني يربوع ، فحبسهم !
وقد روى الطبري بسنده إلى أبي قتادة الأنصاري ـ وكان من رؤساء تلك السرايا ـ قال : إنهم لما غشوا القوم راعوهم تحت الليل ، فأخذ القوم السلاح ! قال أبو قتادة ، فقلنا : إنا المسلمون ؛ فقالوا : ونحن المسلمون ! قلنا ، فما بال السلاح معكم ؟ فقالوا لنا : فما بال السلاح معكم ؟؟ فقلنا : فإن كنتم كما تقولون ، فضعوا السلاح ، فوضعوا السلاح ، ثم صلينا وصلّوا .
قال العقاد : وبعد الصلاة خفوا إلى الإستيلاء على أسلحتهم وشدّ وثاقهم ، وسوقهم أسرى إلى خالد ـ وفيهم زوجة مالك ليلى بنت المنهال أم تميم ـ وكانت من أشهر نساء العرب بالجمال ولا سيما جمال العينين والساقين ـ .
وقد تجادل خالد في الكلام مع مالك ـ وهي إلى جنبه ـ فكان مما قاله خالد : إني قاتلك ! قال له مالك : أو بذلك أمرك صاحبك ؟ ـ يعني أبا بكر ـ قال : والله لأقتلنّك .
وكان عبد الله بن عمر . وأبو قتادة الأنصاري إذ ذاك حاضرين ، فكلّما خالداً في أمره ، فكره كلامهما .
فقال مالك : يا خالد ، ابعثنا إلى أبي بكر فيكون هو الذي يحكم فينا ، فقد بعثت إليه غيرنا ممن جرمه أكبر من جرمنا ! وألح عبد الله بن عمر وأبو قتادة على خالد بأن يبعثهم إلى الخليفة ، فأبى عليهما ذلك ! وقال خالد : لا أقالني الله إن لم أقتله ، وتقدم إلى ضرار بن الأزور بضرب عنقه .
فالتفت مالك إلى زوجته وقال لخالد : هذه التي قتلتني .
فقال له خالد : بل الله قتلك برجوعك عن الإِسلام . فقال له مالك : إني على الإسلام .
فقال خالد : يا ضرار ، اضرب عنقه ، فضرب عنقه ، وجعل رأسه أثفيةً لقدرٍ من القدور المنصوبة .
ثم قبض خالد على زوجته ليلى ، فبنى بها في تلك الليلة ، وفي ذلك يقول أبو زهير السعدي :
ألا قل لحيٍّ أوطئوا بالسنابك |
تطاول هذا الليل من بعد مالكِ | |
قضى خالدٌ بغياً عليه لعرسه |
وكان له فيها هوىً قبل ذلك | |
فأمضى هواه خالدٌ غير عاطفٍ |
عنان الهوى عنها ولا متمالك | |
وأصبح ذا أهلٍ وأصبح مالك |
على غير شيءٍ هالكاً في الهوالك | |
فمن لليتامى والأرامل بعده |
ومن للرجال المعدمين الصعالك | |
أصيبت تميم غثها وسمينها |
بفارسها المرجو سحب الحوالك |
وكان خالد قد أمر بحبس الأسرى من قوم مالك ، فحبسوا والبرد شديد ، فنادى مناديه في ليلةٍ مظلمة : أن أدفئوا أسراكم !! وهي في لغة كنانة كناية عن القتل ! فقتلهم بأجمعهم .
وكان قد عهد إلى الجلادين من جنده أن يقتلوهم عند سماع هذا النداء ، وتلك حيلة منه توصّل بها إلى أن لا يكون مسؤولاً عن هذه الجناية لكنها لم تخف على أبي قتادة وأمثاله من أهل البصائر ، وإنما خفيت على رعاع الناس وسوادهم .
والتفت أبو قتادة الأنصاري إلى خالد وقال : هذا عملك ؟!!
فنهره خالد ، فغضب ومضى .
وكان أبو قتادة ممن شهد لمالك بالإِسلام ـ كما قدمنا ـ وقد كان عاهد الله أن لا يشهد مع خالد بن الوليد حرباً بعدها أبداً .
حين وصلت أنباء البطاح ومقتل مالك إلى المدينة ، أثارت موجة سخط في أوساط كبار المسلمين . . . فحين بلغ ذلك عمر بن الخطاب تكلم فيه عند أبي بكر وقال : « عدو الله . عدا على امرىءٍ مسلم فقتله ، ثم نزا على امرأته . . » .
وأقبل خالد بن الوليد قافلاً ، حتى دخل المسجد وعليه قباءٌ له عليه صدأ الحديد ، معتجراً بعمامةٍ له قد غرز فيها أسهماً ، فلما دخل قام إليه عمر ، فانتزع الأسهم من رأسه فحطمها ـ ثم قال : أرئاءً . قتلت امرىء مسلماً . . الخ . . كما تقدم .
وقد كان بين خالد وبين عبد الرحمان بن عوف كلام في ذلك ، فقال له عبد الرحمن : عملت بأمر الجاهلية في الإسلام ؟ وأنكر عليه عبد الله بن عمر وسالم مولى أبي حذيفة . وقدم متمم بن نويرة أخو مالك إلى المدينة ينشد أبا بكر دمه ، ويطلب إليه رد السبي ، فكتب إليه برد السبي . وأنشده .
أدعوته بالله ثم غدرته |
لو هو دعاك بذمةٍ لم يغدرِ |
مقتبس من كتاب : عمّار ابن ياسر / الصفحة : 81 ـ 84
التعلیقات