التقدير وتشريع الأحكام
القضاء والقدر
2013 Apr 2المصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج٢، ص ٢١٦ ـ ٢١٨
(٢١٦)
التقدير وتشريع الأحكام
بقيت هنا كلمة وهي : إنَّ الإمام أمير المؤمنين ـ عليه السَّلام ـ فسّر
القضاء والقدر للشامي الّذي سأله عنهما بالأمر بالطاعة والنهي عن المعصية ،
وذلك عندما قال الرجل له : « فما القضاء والقدر الّذي ذكرته يا أمير
المؤمنين؟» .
فقال : « الأمر بالطاعة والنهي عن المعصية ، والتمكين من فعل الحسنة ،
وترك السيئة ، والمعونة على القربة إليه ، والخذلان لمَن عصاه ، والوعد والوعيد
________________________________________
(٢١٧)
والترغيب والترهيب ، كل ذلك قضاء الله في أفعالنا وقدره لأعمالنا ، وأمَّا غير
ذلك فلا تظنه ؛ فإنّ الظن له محبط للأعمال».
فقال الرجل : « فرّجت عني يا أمير المؤمنين فرّج الله عنك» (١).
وقد اختار هذا المعنى شيخنا المفيد ـ رحمه الله ـ في )تصحيح الاعتقاد )
فقال : « والوجه عندنا في القضاء والقدر بعد الّذي بيّناه أنَّ لله تعالى في خلقه
قضاءً وقدراً ، وفي أفعالهم أيضاً قضاءً وقدراً معلوماً . ويكون المراد بذلك
أنَّه قد قضى في أفعالهم الحسنة بالأمر بها . وفي أفعالهم القبيحة بالنهي
عنها... وفي أنفسهم بالخلق لها ، وفيما فعله فيهم بالإيجاد له ، والقدر
منه سبحانه فيما فعله إيقاعه في حقه وموضعه . وفي أفعال عباده ما قضاه فيها
من الأمر والنهي والثواب والعقاب ؛ لأنّ ذلك كله واقع موقعه» (٢).
وقد ذكره المحقق الطوسي ـ رحمه الله ـ وجهاً في تفسير القضاء والقدر
حيث قال : « والقضاء والقدر ، إن أريد بهما خلق الفعل لزم المحال ، أو
الإلزام صحَّ في الواجب خاصة ، والإعلام صحّ مطلقاً» (٣).
وأوضحه العلاّمة الحلّي ـ رحمه الله ـ بقوله : « ماذا يُعنى من القول بأنّ
الله قضى أعمال العباد وقدّرها ، فإن أرادوا به الخلق والإيجاد ، فهو باطل ؛
لأنَّ الأفعال مستندة إلينا . وإن أرادوا به الإلزام لم يصح إلاَّ في الواجب ،
وإن عُني به أنَّه تعالى بيّنها وكتبها وأعلم أنَّهم سيفعلونها ، فهو صحيح ؛ لأنّه
تعالى قد كتب ذلك أجمع في اللوح المحفوظ ، وبيّنه لملائكته ، وهذا المعنى
الأخير هو المتعين » (٤).
نقول : إنَّ القضاء والقدر ممَّا اتفق عليه جميع الملل ، لكن القدر لا
ينحصر في هذا فقط ، حسب ما عرفتَ من الآيات والروايات . وأمّا اكتفاء
ــــــــــــــــــــــــــــ
(١) بحار الأنوار : ج ٥، باب القضاء والقدر، ح ٧٤ ، ص ١٢٦ .
(٢) تصحيح الاعتقاد : ص ٢٠ .
(٣) كشف المراد : ص ١٩٤ .
(٤) المصدر السابق .
________________________________________
(٢١٨)
الإمام بهذا الجواب ، فهو لملاحظة حال السائل ، فلو كان مستطيعاً لأن يتحمل
بعض المعارف الإلهية لما اقتصر الإمام عليه.
ولأجل هذه الملاحظة كان الإمام ـ عليه السَّلام ـ يجيب بعض مَن
يسألوه عن القضاء والقدر بقوله : « طريقٌ مظلمٌ فلا تسلكوه ، وبحرٌ عميقٌ فلا
تلجوه ، وسرُّ الله فلا تتكلّفوه » (١).
وأمَّا البحث عن التقدير المحتوم وغير المحتوم الّذي يظهر من الآيات
والروايات ، فسيوافيك بيانه في الفصل التالي.
***
ــــــــــــــــــــــــــــ
(١) نهج البلاغة : قسم الحكم، الرقم ٢٨٧ .
التعلیقات