القرآن والمعاد في الشرائع السماوية
المعاد
2024 Sep 7المصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج٤ ، ص ١٦٢ ـ ١٦٥
(١٦٢)
القرآن والمعاد في الشرائع السماوية
قد بيّن الذكر الحكيم وجود تلك العقيدة في الشرائع السماوية من لدن آدم
إلى المسيح ، ولأجل أن يقف الباحث على نماذج من ذلك ، نأتي ببعض الآيات
الكريمات:
أ ـ إنّه سبحانه ـ بعدما اهبط آدم إلى الأرض ـ يخاطب الخليقة بخطابات
عامّة ، تعرب عن أنّ الهدف من إهباطه إليها هو استقرار الخليقة في الأرض
استقراراً مؤقتاً محدوداً ، ليعودوا بعد ذلك إلى النشأة الأُخرى ، وجاءت تلك
الخطابات في آيات مختلفة ، نذكر منها:
ـ { قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى
حِينٍ} (٢).
ـ { يَابَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنْ اتَّقَى
وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا
عَنْهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(٣).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(٢) - سورة الأعراف : الآية ٢٤.
(٣) - سورة الأعراف: الآيتان ٣٥ ـ ٣٦.
________________________________________
(١٦٣)
وهذه الخطابات العامة لجميع الخلائق ، تعرب عن أنّ المعاد هو الهدف
الأصيل لخلق الإنسان في الأرض ، وأنّ الله سبحانه أنزل آدم لهذه الغاية.
ب ـ نرى أنّ شيخ الأنبياء نوحاً ، الذي جاء لهداية قومه بشريعة بسيطة ،
يخاطبهم بخطابات فيها الدعوة إلى تلك العقيدة ، نذكر منها قوله:
ـ { وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنْ الأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ
إِخْرَاجًا} (١).
فالدعوة إلى المعاد في هاتين الآيتين صريحة ، كما أنّها في الآية التالية
بالإشارة.
ـ { قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي
أَكُنْ مِنْ الْخَاسِرِينَ} (٢).
ج ـ وهذا إبراهيم بطل التوحيد ، يذكر المعاد واليوم الآخر في غير واحد من
كلماته ، كما يحكيه عنه الذكر الحكيم:
ـ { مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ } (٣).
ـ { رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} (٤).
ـ { وَلاَ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ} (٥).
ـ { وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (٦).
و هو سلام الله عليه ، لم يكتف بذلك ، بل طلب من الله تعالى إحياءَ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(١) - سورة نوح : الآيتان ١٧ ـ ١٨.
(٢) - سورة هود : الآية ٤٧ ، وهذا التضرع صدر منه عندما علم بغرق ابنه في الماء ، فالمراد من الخسران
هو الخسران بعد الموت.
(٣) - سورة البقرة : الآية ١٢٦.
(٤) - سورة إبراهيم : الآية ٤١.
(٥) - سورة الشعراء : الآية ٨٧.
(٦)- سورة العنكبوت : الآية ١٧.
________________________________________
(١٦٤)
الموتى ، وحكاه الذكر الحكيم (١). وسيوافيك بيانه في المباحث الآتية.
د ـ وهذا موسى الكليم ، خاطبه سبحانه عند التنديد بأعمال قومه
بخطابات ، فيها الوعد والوعيد.
ـ { سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ... ذَلِكَ
بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ حَبِطَتْ
أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (٢).
ونرى أنّ موسى عندما يدعو على طاغية عصره فرعون مصر ، يطلب له
العذاب الأليم ويقول:
ـ { رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوْا
الْعَذَابَ الأَلِيمَ} (٣).
كما أنّه ـ عليه السَّلام ـ ، يخاطب من يفسّر معاجزه بالسحر قائلاً:
{ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لاَ
يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} (٤).
و يقول تنديداً بفرعون وملائه:
{ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لاَ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ} (٥).
وإنّ بني إسرائيل لما كانوا أشدّ الناس لجاجاً وعناداً ، قام موسى ـ بأمر منه
سبحانه ـ بإحياء الميت في قضية البقرة (٦) ، وسيوافيك بيانه في المباحث الآتية.
نعم ، كانت العقيدة بالمعاد ، عقيدة واضحة بين الشرائع السماوية ، حتى
ــــــــــــــــــــــــــــ
(١) - سورة البقرة : الآية ٢٦٠.
(٢) - سورة الأعراف : الآيتان ١٤٦ ـ ١٤٧.
(٣) - سورة يونس : الآية ٨٨.
(٤) - سورة القصص : الآية ٣٧.
(٥) - سورة غافر : الآية ٢٧.
(٦) - سورة البقرة : الآية ٧٢.
________________________________________
(١٦٥)
أنّ مؤمن آل فرعون أخذ يعظ قومه بكلمات فيها إخافتهم من يوم القيامة ،
ويقول:
ـ { وَيَاقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ} (١).
ـ { وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} (٢).
ـ { وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ } (٣).
هـ ـ وهذا المسيح عيسى بن مريم ، يخاطبه سبحانه بآيات فيها التذكير بيوم
القيامة ، يقول :
ـ { إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا
وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ
فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي
الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ *وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} (٤).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(١) - سورة غافر : الآية ٣٢.
(٢) - سورة غافر : الآية ٣٩.
(٣) - سورة غافر : الآية ٤٣.
(٤) - سورة آل عمران: الآيات ٥٥ ـ ٥٧.
التعلیقات