احياء عزير
نماذج من إحياء الموتى في الشرائع السابقة
منذ 15 سنةالمصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج4 ، ص 211 ـ 212
(211)
2 ـ احياء عزير
يحكي الذكر الحكيم أنّ رجلاً صالحاً مرّ على قرية خربة ، وقد سقطت
سقوفها ، فتساءل في نفسه ، كيف يحيي الله أهلها بعدما ماتوا؟ ، ولم يقل ذلك
إنكاراً ولا تعجّباً ولا ارتياباً ، ولكنه أحبّ أن يريه الله إحياءها مشاهدة ، مثل قول
إبراهيم الّذي تقدم ، فأماته الله مائة سنة ثمّ أحياه ، فسمع نداءً من السماء:
{ كَمْ لَبِثْتَ } ؟، فقال : { لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } ؛ لأنّ الله أماته في أوّل
النهار ، وأحياه بعد مائة سنة في آخرالنهار ، فقال : يوماً ، ثمّ التفت فرأى بقية
من الشمس ، فقال : أو بعض يوم . فجاءه النداء بل لبثت مائة سنة ، فانظر إلى
طعامك وشرابك لم تغيّره السنون ، وقيل كان زاده عصيراً ، وتيناً ، وعنباً ، وهذه
الثلاثة أسرع الأشياء تغيّراً وفساداً ، فوجد العصير حلواً ، والتين والعنب جنيان لم
يتغيّرا ، ثمّ أُمر بأن ينظر إلى حماره كيف تفرقت أجزاؤه وتبدّدت عظامه ، فجعل
الله سبحانه إحياءه آية للناس ، وحجّة في البعث. ثمّ جمع الله عظام حماره وكساها
لحماً ، وأحياه .
يقول سبحانه : {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا
قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ
لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ
وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ
كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ} (1) .
والإمعان في قوله سبحانه : { فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ } ، يفيد أنّه أماته
سبحانه ، ثمّ أحياه بعد تلك المدة .
كما أنّ الإمعان في قوله : { وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ } ، سواء أُريد منه عظام
حماره أو غيره ، يفيد أنّه سبحانه كساها لحماً ثمّ أحياه ، فكان هناك إحياءٌ لميّتين .
وقد سلك صاحب المنار في تفسير الآية نفس المسلك السابق ، فحملها على
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) -سورة البقرة: الآية 259.
________________________________________
(112)
أنّ المراد من الإماتة هنا السُبات ، وهوالنوم المستغرق الذي سمّاه الله سبحانه :
وفاة ، واستعان في تقريبه بأنّه قد ثبت في هذا الزّمان أنّ من الناس من تُحْفَظُ حياته
زمناً طويلاً يكون فيه فاقد الحس والشعور ، فلبث الرجل الّذي ضُرب على سمعه
مائة سنة ، غير محال في نظرالعقل (1) .
يلا حظ عليه : إنّ تفسيرالموت بالسُبات يحتاج إلى دليل ، والظاهرمنه هو
الإماتة الحقيقية.
وقياس المقام بأصحاب الكهف ، قياس مع الفارق ، حيث إنّه سبحانه
يصرّح هناك بالسُبات ، ويقول : { فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ
عَدَدًا} (2) . ويقول : {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ } (3) ، بخلاف المقام.
على أنّه لا يتطّرق في العظام التّي أنشزها ، ثمّ كساها لحماً ، وأحياها . فلا
مصير لمفسّر كلام الله من الإذعان بالغيب ، والقدرة المطلقة لله جلّ وعلا ،
ومحاولة تفسيرالمعاجز بما ثبت في العلوم ، نوع انسحاب في الصراع مع الماديين
المنكرين لكلّ ما لايتّفق مع أصول العلم الحديث .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ـ المنار : ج 3، ص 50 .
(2) - سورة الكهف : الآية 11.
(3) - سورة الكهف : الآية 18.
التعلیقات