المرجعيّة عند الشيعة التقليد
الدكتور محمد التيجاني السماوي
منذ 11 سنةالتقليد والمرجعيّة عند الشيعة
لابدّ لكلّ مكلّف من المسلمين إذا لم يكن مجتهداً ، بمعنى أنّه قادرٌ على استنباط الأحكام الشرعية من الكتاب والسنّة أن يُقلّدَ مرجعاً جامعاً للشرائط من العلم ، والعدل ، والورع ، والزهد ، والتقوى ، وذلك لقوله تعالى : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) (1).
وإذا بحثنا هذا الموضوع نجد الشيعة الإماميّة قد واكبوا الأحداث ، فلم تنقطع عندهم سلسلة المرجعيّة أبداً من وفاة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وإلى يوم الناس هذا.
وقد واصل الشيعة تقليد الأئمّة الاثني عشر من أهل البيت عليهم السلام ، وقد استمرّ وجود هؤلاء الأئمّة أكثر من ثلاثة قرون على نسق واحد ، فلم يُخالف واحدٌ منهم قول الثاني (2) ؛ لأنّ النصوص الشرعيّة من الكتاب والسنّة كانت هي المتبعة عندهم جميعاً ، ولم يعملوا بقياس ولا باجتهاد ، ولو فعلوا لكان الاختلاف عندهم شائعاً ، كما وقع لأتباع « أهل السنّة والجماعة ».
ويُستنتجُ من هذا أنّ مذهب « أهل السنّة والجماعة » سواء كان حنفيّاً أم مالكيّاً أم شافعيّاً أم حنبليّاً ، فهو مبنيٌّ على رأي رجل واحد بعيد عن عصر الرسالة ، ولا تربطه بالنّبي أيّة صلة.
أمّا مذهب الشيعة الإماميّة فهو متواتر عن اثني عشر إماماً من ذريّة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ينقلُ الابنُ عن أبيه ، فيقول أحدهم : « حديثي هو حديث أبي ، وحديث أبي هو حديث جدّي ، وحديث جدّي هو حديث أمير المؤمنين علي ، وحديث علي هو حديث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وحديث رسول الله هو حديث جبريل عليه السلام ، وهو كلام الله تعالى » (3).
( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ) (4).
ثمّ جاءت مرحلة ما بعد غيبة الإمام المعصوم الذي أرجع الناس إلى تقليد العالم الفقيه الجامع للشرائط.
وبدأت سلسلة الفقهاء المجتهدين منذ ذلك العهد إلى اليوم تتوالى بدون انقطاع ، وفي كلّ عهد يبرز في الأُمّة مرجعٌ واحدٌ أو عدّة مراجع للشّيعة ، يقلّدونهم في أعمالهم حسب الرسائل العمليّة التي يستنبطها كلّ مرجع من الكتاب والسنّة ، ولا يجتهد إلّا في الأُمور المستحدثة التي عرفها هذا القرن بسبب التقدّم العلمي والتكنولوجي ، كعمليّة زرع القلب أو أيّ عضو جسدي من شخص لآخر ، أو الحمل الاصطناعي ، أو المعاملات البنكية وغير ذلك (5).
وقد يبرز من بين المجتهدين أعلمهم فيُسمّى المرجع الأعلى للشيعة ، أو زعيم الطّائفة والحوزة العلمية ، والذي يحظى بتقدير واحترام كلّ المراجع الآخرين.
ويقلّد الشيعة على مرّ العصور الفقيه الحيّ الذي يعيش مشاكل الناس ويهتمّ بهمومهم ، فيسألونه ويجيبهم.
وبهذا بقي الشيعة في كلّ العصور يحافظون على المصدرين الأساسيين للشريعة الإسلاميّة من الكتاب والسنّة ، والنصوص المنقولة عبر الأئمّة الاثني عشر من العترة الطاهرة ، وجعلت علماءهم يستغنون عن القياس والقول بالرأي ؛ لأنّ الشيعة اعتنوا بتدوين السنّة النبويّة من زمن علي بن أبي طالب الذي كان يحتفظ بالصحيفة الجامعة ، التي جمعت كلّ ما يحتاجه الناس إلى يوم القيامة ، وكان الأئمّة من ولده يتوارثونها كابراً عن كابر ، ويكنزونها كما يكنز الناس الذّهب والفضّة.
وقد نقلنا قول الشهيد آية الله الصدر في رسالته العمليّة ، والتي ذكر فيها بأنّه لم يعتمد إلّا على القرآن والسنّة.
وليس ذكرنا للشهيد الصدر إلّا مثالاً ، وإلّا فإنّ كلّ مراجع الشيعة بدون استثناء يقولون نفس القول.
وبهذا البحث الوجيز في مسألة التقليد الشرعي والمرجعيّة الدينيّة يتبيّن لنا بأنّ الشيعة الإماميّة هم أهل القرآن والسنّة النبويّة المنقولة مباشرة عن علي « باب مدينة العلم » ، العالم الربّاني ، والمرشد الثاني للأُمّة بعد نبيّها ، من كان في القرآن كنفس النبيّ (6).
فمن جاء للمدينة ودخلها من بابها فقد وصل إلى المعين الصَّافي ، وأخذ بالكيل الوافي والعلاج الشَّافي ، وقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها ، لقوله تعالى : ( وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ) (7).
ومن أتى البيوت من غير أبوابها سمّيَ سارقاً ، فلم يتمكّن من الدّخول ، ولم يعرف سنّة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وسيُعاقبه الله على عصيانه.
الهوامش
1. النحل : ٤٣.
2. كيف يختلفون وقد جعلهم الله على لسان نبيّه صلّى الله عليه وآله وسلّم أحد الثقلين وعدل القرآن ، وأوصى بالتمسّك بهم وأنّه العاصم من الضلال ، فكما لا اختلاف ولا تناقض في القرآن ، كذلك لا اختلاف ولا تناقض في أقوال العترة المعصومين عليهم السلام ، وهذا هو مقتضى حديث الثقلين.
ثمّ إنّه لا ينتقض علينا بما ورد من الاختلاف والتناقض فيما نسب إلى الأئمّة عليهم السلام لأنّه أوّلاً : يرد هذا النقض على ما ورد عند أهل السنّة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أيضاً حيث كثرت الأحاديث المختلفة والمتناقضة فيها وثانياً توجد عدّة عوامل وأسباب لظهور هذا الاختلاف من قبيل الدسّ والوضع ، أو ما اختلف بحسب الزمان والمكان ، وإلّا فلا اختلاف في أقوال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم والأئمّة من عترته عليهم السلام.
3. نحوه في الكافي ١ : ٥٣ ح ١٤.
4. النساء : ٨٢.
5. في كتاب « الانتصار للصحب والآل : ١٦٨ » للدكتور إبراهيم الرحيلي في معرض ردّه على المؤلّف ذكر أن المؤلّف في الصفحات السابقة ذكر أنّ الشيعة تقيّدوا بالنصوص الشرعيّة الواردة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام ، بينما هنا يقرّر أنّ الفقهاء والمجتهدين يتولّون في كلّ عصر استنباط الأحكام الشرعيّة من النصوص ! وهذا تناقض ، إذ كيف يمكن القول بأنّهم تقيّدوا بالنصّ والقول بأنّهم استخدموا الاجتهاد في استنباط الأحكام ؟
وفي الجواب على هذا الكلام نقول : إنّه ليس هناك تهافت في كلام المؤلّف حيث إنّ استنباط الأحكام الشرعيّة من قبل الفقهاء لا ينافي تقيّد الشيعة بالنصوص الشرعيّة الواردة عن أهل البيت عليهم السلام ؛ لأنّ الفقيه يستنبط الحكم الشرعي من الكتاب الكريم والأحاديث الواردة عن أهل البيت عليهم السلام ، ودائرة عمله تكون في حدود فهم النصّ ودراسة الظروف والملابسات والقرائن الحافة به واستخراج الحكم الشرعي منه ، فهو الذي يقوم بعرض الروايات على الكتاب الكريم ، وتنقية الصحيح من السقيم ، والموافق للكتاب من مخالفه ، حتى يستخرج الحكم الشرعي الصحيح الوارد في النصوص الشرعيّة.
وهذا خلافاً لأهل السنّة والجماعة حيث إنّهم عند فقد النصّ يرجعون إلى القياس والاستحسان وسنّة الصحابة والمصالح المرسلة ممّا لم يرد دليل شرعي يجوّز الاعتماد عليها والرجوع إليها عند فقد النصّ الشرعي. فلا يوجد تخالف في كلام المؤلّف وإنّما التخالف في ذهن الرحيلي لا غير.
6. إشارة إلى الآية : ٦١ من سورة آل عمران في قوله تعالى : ( فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ) ، فدعا علي بن أبي طالب. أخرجه مسلم في صحيحه ٧ : ٢١ « كتاب الفضائل ، باب فضائل علي عليهالسلام ».
7. البقرة : ١٨٩.
مقتبس من كتاب : [ الشيعة هم أهل السنّة ] / الصفحة : 239 ـ 243
التعلیقات
١