عدالة الصحابة بين العاطفة والبرهان
الشيخ جعفر السبحاني
منذ 6 أشهرعدالة الصحابة بين العاطفة والبرهان
عدالة الصحابة كلهم بلا استثناء ، ونزاهتهم من كل سوء هي أحد الأصول التي يتدين بها أهل الحديث وقد راجت تلك العقيدة بينهم حتى اتخذها الإمام الأشعري أحد الأصول التي يبتني عليها مذهب أهل السنة جميعاً (1) ونحن نعرض هذه العقيدة على الكتاب أولاً وعلى السنة النبوية الصحيحة ثانياً وعلى التاريخ ثالثاً حتى يتجلى الحق بأجلى مظاهره إن شاء الله تعالى ، ولكن قبل أن ندخل في صلب المسألة نقدم تعريف الصحابي فنقول :
من هو الصحابي ؟
إن هناك تعاريف مختلفة للصحابي نأتي ببعضها على وجه الإجمال :
1 ـ قال سعيد بن المسيب : « الصحابي ، ولا نعده إلا من أقام مع رسول الله ( صلی الله عليه وآله وسلم ) سنة أو سنتين وغزا معه غزوة أو غزوتين ».
2 ـ قال الواقدي : « رأينا أهل العلم يقولون : كل من رأى رسول الله وقد أدرك فأسلم وعقل أمر الدين ورضيه فهو عندنا ممن صحب رسول الله ، ولو ساعة من نهار ولكن أصحابه على طبقاتهم وتقدمهم في الإسلام ».
3 ـ قال أحمد بن حنبل : « أصحاب رسول الله كل من صحبه شهراً أو يوماً أو ساعة أو رآه ».
4 ـ قال البخاري : « من صحب رسول الله أو رآه من المسلمين فهو أصحابه ».
5 ـ وقال القاضي أبو بكر محمد بن الطيب : « لا خلاف بين أهل اللغة في أن الصحابي مشتق من الصحبة ، قليلاً كان أو كثيراً ثم قال : ومع هذا فقد تقرر للأمة عرف فإنهم لا يستعملون هذه التسمية إلا في من كثرت صحبته ولا يجيزون ذلك إلا فيمن كثرت صحبته لا على من لقيه ساعة أو مشى معه خطى ، أو سمع منه حديثاً فوجب ذلك أن لا يجری هذا الاسم على من هذه حاله ، ومع هذا فإن خبر الثقة الأمين عنه مقبول ومعمول به وإن لم تطل صحبته ولا سمع عنه إلا حديثاً واحداً ».
6 ـ وقال صاحب الغوالي : « لا يطلق اسم الصحبة إلا على من صحبه ثم يكفي في الاسم من حيث الوضع ، الصحبة ولو ساعة ولكن العرف يخصصه بمن كثرت صحبته ».
قال الجزري بعد ذكر هذه النقول ، قلت : « وأصحاب رسول الله على ما شرطوه كثيرون فإن رسول الله شهد حنيناً ومعه اثنا عشر ألف سوى الأتباع والنساء ، وجاء إليه « هوازن » مسلمين فاستنقذوا حريمهم وأولادهم. وترك مكة مملوءة ناساً وكذلك المدينة أيضاً وكل من اجتاز به من قبائل العرب كانوا مسلمين فهؤلاء كلهم لهم صحبة وقد شهد معه تبوك من الخلق الكثير ما لا يحصيهم ديوان وكذلك حجة الوداع وكلهم له صحبة » (1).
ولا يخفى أن التوسع في مفهوم الصحابي على الوجه الذي عرفته في كلماتهم مما لا تساعد عليه اللغة والعرف العام ، فإن صحابة الرجل عبارة عن جماعة تكون لهم خلطة ومعاشرة معه مدة مديدة فلا تصدق على من ليس له حظ إلا الرؤية عن بعيد أو سماع الكلام أو المكالمة أو المحادثة فترة يسيرة أو الإقامة معه زمناً قليلاً.
وأظن أن في هذا التبسيط والتوسع غاية سياسية لما سيوافيك أن النبي قد تنبأ بارتداد ثلة من أصحابه بعد رحلته فأرادوا بهذا التبسيط ، صرف هذه النصوص إلى الأعراب وأهل البوادي ، الذين لم يكن لهم حظ من الصحبة إلا لقاء قصير وسيأتي أن هذه النصوص راجعة إلى الملتفين حوله الذين كانوا مع النبي ليلاً ونهاراً ، صباحاً ومساءً إلى حد كان النبي يعرفهم بأعيانهم وأشخاصهم وأسمائهم فكيف يصح صرفها إلى أهل البوادي والصحاري من الأعراب فتربص حتى تأتيك النصوص.
وعلى كل تقدير فلسنا في هذا البحث بصدد تعريف الصحابة وتحقيق الحق بين هذه التعاريف غير أنا نركز الكلام على أن أهل السنة يقولون بعدالة هذا الجم الغفير المدعوين باسم الصحابة وإليك كلماتهم :
عدالة الصحابة جميعهم
قال ابن عبد البر : نثبت عدالة جميعهم (2).
وقال ابن الأثير : « ان السنن التي عليها مدار تفصيل الأحكام ومعرفة& الحلال والحرام إلى غير ذلك من أمور الدين ، إنما تثبت بعد معرفة رجال أسانيدها ورواتها . وأولهم والمقدم عليهم أصحاب رسول الله فإذا جهلهم الإنسان كان بغيرهم أشد جهلاً وأعظم إنكاراً ، فينبغي أن يعرفوا بأنسابهم وأحوالهم ، هم وغيرهم من الرواة حتى يصح العمل بما رواه الثقاة منهم وتقوم به الحجة ، فإن المجهول لا تصح روايته ولا ينبغي العمل بما رواه. والصحابة يشاركون سائر الرواة في جميع ذلك إلا في الجرح والتعديل فإنهم كلهم عدول لا يتطرق إليهم الجرح لأن الله عز وجل ورسوله زكياهم وعدلاهم وذلك مشهور لا نحتاج لذكره » (3).
وقال الحافظ ابن حجر في الفصل الثالث من الإصابة : « اتفق أهل السنة على أن الجميع عدول ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة. وقد ذكر الخطيب في الكفاية فصلاً نفيساً في ذلك فقال : عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم ، ثم نقل عدة آيات حاول بها إثبات عدالتهم وطهارتهم جميعاً إلى أن قال : روى الخطيب بسنده إلى أبي زرعة الرازي قال : إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله فاعلم أنه زنديق وذلك أن الرسول حق ، والقرآن حق ، وما جاء به حق ، وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة ، والجرح بهم أولى وهم زنادقة » (4).
هذه كلمات القوم وكم لها من نظائر نتركها طلباً للاختصار.
تقييم نظرية عدالة الصحابة كلهم
تقييم هذه النظرية يتم بتبيين أمور :
1 ـ إن البحث عن عدالة الصحابي أو جرحه ليس لغاية إبطال الكتاب والسنة ولا لإبطال شهود المسلمين ، لما سيوافيك من أن الكتاب شهد على فضل عدة منهم ، وزيغ آخرين وهكذا السنة ، إنما الغاية في هذا البحث هي الغاية في البحث عن عدالة التابعين ومن تلاهم من رواة القرون المختلفة ، فالغاية في الجميع هي التعرف على الصالحين والطالحين ، حتى يتسنى لنا أخذ الدين عن الصلحاء والتجنب عن أخذه عن غيرهم ، فلو قام الرجل بهذا العمل وتحمل العبء الثقيل ، لما كان عليه لوم فلو قال أبو زرعة ـ مكان قوله الآنف ـ هذا القول : « إذا رأيت الرجل يتفحص عن أحد من أصحاب الرسول لغاية العلم بصدقه أو كذبه ، أو خيره أو شره ، حتى يأخذ دينه عن الخيرة الصادقين ، ويحترز عن الآخرين ، فاعلم أنه من جملة المحققين في الدين والمتحرين للحقيقة » ، لكان أحسن وأولى بل هو الحسن والمتعين.
ومن غير الصحيح أن يتهم العالم أحداً ، يريد التثبت في أمور الدين ، والتحقيق في مطالب الشريعة ، بالزندقة وأنه يريد جرح شهود المسلمين لإبطال الكتاب والسنة ، وما شهود المسلمين إلا الآلاف المؤلفة من أصحابه ( صلی الله عليه وآله وسلم ) فلا يضر بالكتاب والسنة جرح لفيف منهم وتعديل قسم منهم ، وليس الدين القيم قائماً بهذا الصنف من المجروحين « ما هكذا تورد يا سعد الإبل ».
2 ـ إن هذه النظرية تكونت ونشأت من العاطفة الدينية التي حملها المسلمون تجاه الرسول الأكرم ( صلی الله عليه وآله وسلم ) وجرتهم إلى تبني تلك الفكرة وقد قيل : « من عشق شيئاً ، عشق لوازمه وآثاره ».
إن صحبة الصحابة لم تكن بأكثر ولا أقوى من صحبة امرأة نوح وامرأة لوط فما أغنتهما عن الله شيئاً قال سبحانه : ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) (5).
إن التشرف بصحبة النبي لم يكن أكثر امتيازاً وتأثيراً من التشرف بالزواج من النبي وقد قال سبحانه في شأن أزواجه : ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ) (6).
3 ـ إن أساتذة العلوم التربوية كشفوا عن قانون مجرب وهو أن الإنسان الواقع في إطار التربية ، إنما يتأثر بعواملها إذا لم تكتمل شخصيته الروحية والفكرية لأن النفوذ في النفوس المكتملة الشخصية ، والتأثير عليها والثورة على أفكارها وروحياتها ، يكون صعباً جداً ( ولا أقول أمراً محالاً ) بخلاف ما إذا كان الواقع في إطارها صبياً يافعاً أو شاباً في عنفوان السن ، إذ عندئذٍ يكون قلبه وروحه كالأرض الخالية تنبت ما ألقي فيها ، وعلى هذا الأساس لا يصح لنا أن نقول : إن الصحبة والمجالسة وسماع بعض الآيات والأحاديث ، أوجدت ثورة عارمة في صحابة النبي ( صلی الله عليه وآله وسلم ) وأزالت شخصياتهم المكونة طيلة سنين في العصر الجاهلي ، وكونت منهم شخصيات عالية تعد مثلاً للفضل والفضيلة.
مع أنهم كانوا متفاوتين في السن ومقدار الصحبة ، مختلفين في الاستعداد والتأثر ، وحسبك أن بعضهم أسلم وهو صبي لم يبلغ الحلم وبعضهم أسلم وهو في أوليات شبابه ، كما أسلم بعضهم في الأربعينات والخمسينات من أعمارهم إلى أن أسلم بعضهم وهو شيخ طاعن في السن يناهز الثمانين والتسعين.
فكما أنهم كانوا مختلفين في السن عند الانقياد للإسلام ، كذلك كانوا مختلفين أيضاً في مقدار الصحبة فبعضهم صحب النبي ( صلی الله عليه وآله وسلم ) من بدء البعثة إلى لحظة الرحلة ، وبعضهم أسلم بعد البعثة وقبل الهجرة ، وكثير منهم أسلموا بعد الهجرة وربما أدركوا من الصحبة سنة أو شهراً& أو أياماً أو ساعة فهل يصح أن نقول : إن صحبة ما ، قلعت ما في نفوسهم جميعاً من جذور غير صالحة وملكات ردية وكونت منهم شخصيات ممتازة أعلى وأجل من أن يقعوا في إطار التعديل والجرح ؟ !
إن تأثير الصحبة عند من يعتقد بعدالة الصحابة كلهم أشبه شيء بمادة كيمياوية تستعمل في تحليل عنصر كالنحاس إلى عنصر آخر كالذهب ، فكأن الصحبة قلبت كل مصاحب إلى إنسان مثالي يتحلى بالعدالة ، وهذا مما يرده المنطق والبرهان ، وذلك لأن الرسول الأعظم ( صلی الله عليه وآله وسلم ) لم يقم بتربية الناس وتعليمهم عن طريق الإعجاز ( فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ) (7) بل قام بإرشاد الناس ودعوتهم إلى الحق وصبهم في بوتقات الكمال مستعيناً بالأساليب الطبيعية والإمكانيات الموجودة كتلاوة القرآن الكريم ، والنصيحة بكلماته النافذة ، وسلوكه القويم وبعث رسله ودعاة دينه إلى الأقطار ونحو ذلك ، والدعوة القائمة على هذا الأساس يختلف أثرها في النفوس حسب اختلاف استعدادها وقابلياتها فلا يصح لنا أن نرمي الجميع بسهم واحد.
إلى هنا خرجنا بهذه النتيجة وهي : أن الأصول التربوية تقضي بأن بعض الصحابة يمكن أن يصل في قوة الإيمان ورسوخ العقيدة إلى درجات عالية ، كما يمكن أن يصل بعضهم في الكمال والفضيلة إلى درجات متوسطة ، ومن الممكن أن لا يتأثر بعضهم بالصحبة وسائر العوامل المؤثرة إلا شيئاً طفيفاً لا يجعله في صفوف العدول وزمرة الصالحين.
هذا هو مقتضى التحليل حسب الأصول النفسية والتربوية غير أن البحث لا يكتمل ، ولا يصح القضاء البات إلا بالرجوع إلى القرآن الكريم حتى نقف على نظره فيهم كما تجب علينا النظرة العابرة إلى كلمات الرسول في حقهم ، وملاحظة سلوكهم وحياتهم في زمنه ( صلی الله عليه وآله ) وبعده.
الصحابة في الذكر الحكيم
نرى أن الذكر الحكيم يصنف صحابة النبي الأكرم ( صلی الله عليه وآله وسلم ) ويمدحهم في ضمن أصناف نأتي ببعضها :
1 ـ السابقون الأولون
يصف الذكر الحكيم السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بأن الله رضي عنهم وهم رضوا عنه ، قال عز من قائل : ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ ، رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ، وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (8).
2 ـ المبايعون تحت الشجرة
يصف سبحانه جماعة من الصحابة الذين بايعوه تحت الشجرة بنزول السكينة عليهم ويقول في محكم كتابه : ( لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ) (9).
3 ـ المهاجرون
وهؤلاء هم الذين يصفهم تعالى ذكره بقوله : ( لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) (10).
4 ـ أصحاب الفتح
هؤلاء هم الذين وصفهم الله سبحانه وتعالى في آخر سورة الفتح بقوله : ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) (11).
الأصناف الأخر للصحابة
فالناظر المخلص المتجرد عن كل رأي مسبق ، يجد في نفسه تكريماً لهؤلاء الصحابة غير أن القضاء البات في عامة الصحابة يستوجب النظر إلى كل الآيات القرآنية الواردة في حقهم فعندئذٍ يتبين لنا أن هناك أصنافاً أخرى من الصحابة غير ما سبق ذكرها ، تمنعنا من أن نضرب الكل بسهم واحد ، ونصف الكل بالرضا وبالرضوان . وهذا الصنف من الآيات يدل بوضوح على وجود مجموعات من الصحابة تضاد الأصناف السابقة في الخلقيات والملكات والسلوك والعمل وإليك لفيفاً منهم :
1 ـ المنافقون المعروفون
المنافقون المعروفون بالنفاق الذين نزلت في حقهم سورة المنافقين ، قال سبحانه : ( إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ... ) (12).
فهذه الآيات تعرب بوضوح عن وجود كتلة قوية من المنافقين بين الصحابة آنذاك وكان لهم شأن فنزلت سورة قرآنية كاملة في حقهم.
2 ـ المنافقون المختفون
يدل بعض الآيات على أنه كانت بين الأعراب القاطنين خارج المدينة ومن نفس أهل المدينة ، جماعة مردوا على النفاق وكان النبي الأعظم لا يعرف بعضهم ، ومن تلك الآيات قوله سبحانه : ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ (13) لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ) (14).
لقد أعطى القرآن الكريم عناية خاصة بعصبة المنافقين وأعرب عن نواياهم وندد بهم في السور التالية : البقرة ، آل عمران ، المائدة ، التوبة ، العنكبوت ، الأحزاب ، محمد ، الفتح ، الحديد ، المجادلة ، الحشر ، والمنافقين.
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن المنافقين كانوا جماعة هائلة في المجتمع الإسلامي ، بين معروف ، عرف بسمة النفاق ووصمة الكذب ، وغير معروف بذلك ، ولكن مقنع بقناع التظاهر بالإيمان والحب للنبي ، فلو كان المنافقون جماعة قليلة غير مؤثرة لما رأيت هذه العناية البالغة في القرآن الكريم وهناك ثلة من المحققين كتبوا حول النفاق والمنافقين رسائل وكتابات وقد قام بعضهم بإحصاء ما يرجع إليهم فبلغ مقداراً يقرب من عشر القرآن الكريم (15) ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على كثرة أصحاب النفاق وتأثيرهم يوم ذاك في المجتمع الإسلامي وعلى ذلك لا يصح لنا الحكم بعدالة كل من صحب النبي مع غض النظر عن تلك العصابة المجرمة ، المتظاهرة بالنفاق أو المختفية في أصحاب النبي ( صلی الله عليه وآله وسلم ).
3 ـ مرضى القلوب
وهذه المجموعة من الصحابة لم يكونوا من زمرة المنافقين بل كانوا يلونهم في الروحيات والملكات مع ضعف في الإيمان والثقة بالله ورسوله ( صلی الله عليه وآله وسلم ) قال سبحانه في حقهم : ( وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ) (16).
فأنى لنا أن نصف مرضى القلوب الذين ينسبون خلف الوعد إلى الله سبحانه وإلى رسوله ( صلی الله عليه وآله وسلم ) بالتقوى والعدالة ؟.
4 ـ السماعون
تلك المجموعة كانت قلوبهم كالريشة في مهب الريح تتمايل تارة إلى هؤلاء وأخرى إلى أولئك بسبب ضعف إيمانهم وقد حذر الباري عز وجل المسلمين منهم حيث قال عز من قائل ، واصفاً إياهم بـ « السماعون » لأهل الفتنة : ( إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ * وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ * لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ) (17) وذيل الآية دليل على كون السماعين من الظالمين لا من العدول.
5 ـ خالطوا العمل الصالح بغيره
وهؤلاء هم الذين يقومون بالصلاح والفلاح تارة ، والفساد والعيث مرة أخرى ، فلأجل ذلك خلطوا عملاً صالحاً بعمل سيیء قال سبحانه : ( وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا ) (18).
6 ـ المشرفون على الارتداد
إن بعض الآيات تدل على أن مجموعة من الصحابة كانت قد أشرفت على الارتداد يوم دارت عليهم الدوائر ، وكانت الحرب بينهم وبين قريش طاحنة فأحسّوا بعضهم وقد أشرفوا على الارتداد ، عرفهم الحق سبحانه بقوله : ( وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبْدُونَ لَكَ ، يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا ) (19).
7 ـ الفاسق
إن القرآن الكريم يحث المؤمنين وفي مقدمتهم الصحابة الحضور ، على التحرز من خبر الفاسق حتى يتبين ، فمن هذا الفاسق الذي أمر القرآن بالتحرّز منه ؟ اقرأ أنت ما نزل حول الآية من شأن النزول واحكم بما هو الحق :
قال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ ، فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) (20).
فإن من المجمع عليه بين أهل العلم أنه نزل في حق الوليد بن عقبة بن أبي معيط وذكره المفسرون في تفسير الآية فلا نحتاج إلى ذكر المصادر.
كما نزل في حقه قوله تعالى : ( أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ ) (21) ، نقل الطبري في تفسيره بإسناده أنه كان بين الوليد وعلي كلام ، فقال الوليد : أنا أبسط منك لساناً وأحد منك سناناً وأرد منك للكتيبة. فقال علي : « اسكت فإنّك فاسق » فأنزل الله فيهما : ( أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ ) (22).
وقد نظم الحديث حسان بن ثابت ( شاعر عصر الرسالة ) وقال :
أنزل الله والكتاب عزيز |
في علي وفي الوليد قرآناً |
|
فتبوّأ الوليد إذ ذاك فسقاً |
وعلي مبوّأ إيماناً |
|
ليس من كان مؤمناً عرف |
الله كمن كان فاسقاً خواناً |
|
سوف يدعى الوليد بعد قليل |
وعلي إلى الحساب عياناً |
|
فعلي يجزى بذاك جناناً |
ووليد يجزى بذاك هواناً (23) |
أفهل يمكن لباحث حر ، التصديق بما ذكره ابن عبد البر وابن الأثير وابن حجر ، وفي مقدمتهم أبو زرعة الرازي الذي هاجم المتفحصين المحققين في أحوال الصحابة واتهمهم بالزندقة.
8 ـ المسلمون غير المؤمنين
إن القرآن يعد جماعة من الأعراب الذين رأوا النبي وشاهدوه وتكلموا معه ، مسلمين غير مؤمنين وأنّهم بعد لم يدخل الإيمان في قلوبهم قال سبحانه : ( قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (24).
أفهل يصح عد عصابة غير مؤمنين من العدول الأتقياء ؟ !
9 ـ المؤلفة قلوبهم
اتفق الفقهاء على أنّ المؤلفة قلوبهم ممن تصرف عليهم الصدقات قال سبحانه : ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) (25).
والمراد من « المؤلفة قلوبهم » : الذين كانوا في صدر الإسلام ممن يظهرون الإسلام ـ يتألفون بدفع سهم من الصدقة إليهم لضعف يقينهم ـ ، وهناك أقوال أخر فيهم متقاربة والكل يهدف إلى الإعطاء لمن لا يتمكن إسلامه حقيقة إلا بالعطاء (26).
10 ـ المولون أمام الكفار
إن التولي عن الجهاد والفرار منه ، من الكبائر الموبقة التي ندد بها سبحانه بقوله : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) (27).
إن التحذير من التولي والفرار من الزحف ، والحث على الصمود أمام العدو ، لم يصدر من مصدر الوحي إلا بعد فرار مجموعة كبيرة من صحابة النبي في غزوة « أحد » و « حنين ».
أما الأول : فيكفيك قول ابن هشام في تفسير الآيات النازلة في أحد : قال : ثم أنبهم على الفرار عن نبيهم وهم يدعون ، لا يعطفون عليه لدعائه إياهم فقال : ( إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَىٰ أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ ) (28).
وأما الثاني : فقد قال ابن هشام فيه أيضاً : « فلما انهزم الناس ورأى من كان مع رسول الله ( صلی الله عليه وآله وسلم ) من جفاة أهل مكة ، الهزيمة تكلم رجال منهم بما في أنفسهم من الضغن فقال أبو سفيان بن حرب : لا تنتهي هزيمتهم دون البحر ، وصرخ جبلة بن حنبل ألا بطل السحر اليوم » (29) ...
أفبعد هذا يصح أن يعد جميع الصحابة بحجة أنهم رأوا نور النبوة ، عدولاً أتقياء ؟ !.
قال القرطبي في تفسيره : قد فر الناس يوم « أحد » وعفا الله عنهم وقال الله فيهم يوم حنين : « ثم وليتم مدبرين » ثم ذكر فرار عدة من أصحاب النبي من بعض السرايا (30).
هذا الإمام الواقدي يرسم لنا تولي الصحابة منهزمين ويقول : « فقالت أم الحارث : فمر بي عمر بن الخطاب فقلت له : يا عمر ما هذا ؟ فقال عمر : « أمر الله » وجعلت أم الحارث تقول : يا رسول الله من جاوز بعيري فأقتله » (31).
هذه هي الأصناف العشرة من صحابة النبي ممن لا يمكن توصيفهم بالعدالة والتقوى ، أتينا بها في هذه العجالة مضافاً إلى الأصناف المضادة لها ولكن نلفت نظر القاریء الكريم إلى الآيات الواردة في أوائل سورة البقرة وسورة النساء وغيرها من الآيات القرآنية فترى فيها أن الإيمان بعدالة الصحابة مطلقاً خطأ في القول ، وزلة في الرأي ، يضاد نصوص الذكر الحكيم ولم تكن الصحابة إلا كسائر الناس فيهم صالح تقي ، بلغ القمة في التقى والنزاهة ، وفيهم طالح شقي ، سقط إلى هوة الشقاء والدناءة.
ولكن الذي يميز الصحابة عن غيرهم أنهم رأوا نور النبوة وتشرفوا بصحبة النبي ( صلی الله عليه وآله وسلم ) وشاهدوا معجزاته في حلبة المباراة بأم أعينهم ولأجل ذلك تحملوا مسؤولية كبيرة أمام الله وأمام الأجيال المعاصرة لهم واللاحقة بهم ، فإنهم ليسوا كسائر الناس ، فزيغهم وميلهم عن الحق أشد لا يعادل زيغ أكثر الناس وانحرافهم ، وقد قال سبحانه في حق أزواج النبي ( صلی الله عليه وآله وسلم ) بقوله ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ... ) (32) فلو انحرف هؤلاء فقد انحرفوا في حال شهدوا النور ، ولمسوا الحقيقة ، وشتان الفرق بينهم وبين غيرهم.
الصحابة في السنة النبوية
إذا راجعنا الصحاح والمسانيد نجد أن أصحابها أفردوا باباً بشأن فضائل الصحابة إلّا أنّهم لم يفردوا باباً في مثالبهم بل أقحموا ما يرجع إلى هذه الناحية في أبواب أخر ، ستراً لمثالبهم وقد ذكرها البخاري في الجزء التاسع من صحيحه في باب الفتن ، وأدرجها ابن الأثير في جامعه في أبواب القيامة عند البحث عن الحوض ، والوضع الطبيعي لجمع الأحاديث وترتيبها ، كان يقتضي عقد باب مستقل للمثالب في جنب الفضائل حتى يطلع القاریء على قضاء السنة حول صحابة النبي الأكرم.
روى أبو حازم عن سهل بن سعد قال : « قال النبي ( صلی الله عليه وآله وسلم ) : إني فرطكم على الحوض من ورد شرب ، ومن شرب لم يظمأ أبداً وليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم ... قال أبو حازم : فسمع النعمان بن أبي عياش وأنا أحدثهم بهذا الحديث فقال : هكذا سمعت سهلاً يقول ؟ فقلت : نعم قال : وأنا أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته يزيد فيقول : إنهم مني فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول : سحقاً سحقاً لمن بدل بعدي. أخرجه البخاري ومسلم » (33).
وظاهر الحديث أن المراد بقرينة « بدل بعدي » أصحابه الذي عاصروه وصحبوه وكانوا معه مدة ثم مضوا.
روى البخاري ومسلم أن رسول الله ( صلی الله عليه وآله وسلم ) قال : « يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي ـ أو قال من أمتي ـ فيحلؤون عن الحوض فأقول يا رب أصحابي فيقول : إنه لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى » (34).
ثم قال : وللبخاري : « أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : بينما أنا قائم على الحوض إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل بيني وبينهم فقال : هلم ! فقلت : أين ؟ فقال : إلى النار والله ، فقلت : ما شأنهم ؟ قال : إنهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرىٰ ثمّ إذا زمرة اُخرىٰ ، حتى إذا عرفتهم خرج رجل بيني وبينهم فقال لهم : هلم فقلت إلى أين ؟ قال : إلى النار والله ، قلت : ما شأنهم ؟ قال إنهم ارتدوا على أدبارهم فلا أراه يخلص منهم إلّا مثل همل النعم » (35).
وظاهر الحديث « حتى إذا عرفتهم » وقوله « ارتدوا على أدبارهم القهقرى » أن الذين أدركوا عصره وكانوا معه ، هم الذين يرتدون بعده.
الصحابة والتاريخ المتواتر
كيف يمكن عد الصحابة جميعاً عدولاً والتاريخ بين أيدينا نرى أن بعضهم ظهر عليه الفسق في حياة النبي وبعده ، كوليد بن عقبة ، أما الأول فقد عرفت نزول الآية في حقه وأما الثاني فروى أصحاب السير والتاريخ أن الوليد بن عقبة أيام ولايته بالكوفة شرب الخمر وقام ليصلي بالناس صلاة الفجر فصلى أربع ركعات ، وكان يقول في ركوعه وسجوده : اشربي واسقني ثم قاء في المحراب ثم سلم وقال : هل أزيدكم .. إلى آخر ما ذكروه (36).
وبعضهم ظهرت عليه سمة الارتداد عندما بدت علائم الهزيمة عند المسلمين فقال : « لا تنتهي هزيمتهم دون البحر » (37) ، وقال الآخر : « ألا بطل السحر » (38).
وهذا رسول الله يخاطب ذي الخويصرة عندما قال للنبي في تقسيم غنائم « حنين » : اعدل ، بقوله : « ويحك إن لم يكن العدل عندي فعند من يكون ؟ ثم قال : فإنه يكون له شيعة يتعمقون في الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية » (39).
وهذا أبو سفيان يضرب برجله قبر حمزة ( عليه السلام ) ويقول : « ذق عقق إن الملك الذي كنا نتنازع عليه أصبح اليوم بيد صبياننا » (40).
وهذا أبو سفيان عندما بويع عثمان ، دخل إليه بنو أبيه حتى امتلأت بهم الدار ثم أغلقوها عليهم فقال أبو سفيان : « أعندكم أحد من غيركم ؟ قالوا : لا. قال : يا بني أمية تلقفوها تلقف الكرة فوالذي يحلف به أبو سفيان ما من عذاب ولا جنة ولا نار ولا بعث ولا قيامة » (41).
أفهل بعد هذه الكلمات الكاشفة عن الردة الخبيثة يصح لمسلم أن يعد هؤلاء وأمثالهم من صنف العدول وطبقة الصالحين ويعد جرحهم إبطالاً للكتاب والسنة وتضعيفاً لشهود المسلمين ؟ !
آراء الصحابة بعضهم حول البعض
إن النظرة العابرة لتاريخ الصحابة تقتضي بأن بعضهم كان يتهم الآخر بالنفاق والكذب ، كما أن بعضهم كان يقاتل بعضاً ، ويقود جيشاً لمحاربته فقتل بين ذلك جماعة كثيرة ، أفهل يمكن تبرير أعمالهم من الشاتم والمشتوم ، والقاتل والمقتول وعدّهم عدولاً ومثلاً للفضل والفضيلة وإليك نزراً يسيراً من تاريخهم ممّا حفظته يد النقل غفلة عن المبادئ العامة لأصحاب الحديث :
1 ـ روى البخاري مشاجرة سعد بن معاذ مع سعد بن عبادة ـ سيد الخزرج ـ في قضية الإفك قال : « قام رسول الله ( صلی الله عليه وآله وسلم ) فاستعذر يومئذٍ من عبد الله بن أبي وهو على المنبر فقال : يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي ، والله ما علمت على أهلي إلا خيراً ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلّا خيراً وما كان يدخل على أهلي إلّا معي. فقام سعد بن معاذ ، أخو بني عبد الأشهل فقال : أنا يا رسول الله أعذرك فإن كان من الأوس ضربت عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ، ففعلنا أمرك ، فقام رجل من الخزرج : وهو سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً ، ولكن احتملته الحمية فقال لسعد كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله ولو كان من رهطك ما أحببت أن يقتل. فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين . فثار الحيان : الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله قائم على المنبر فلم يزل رسول الله يخفضهم حتى سكتوا وسكت » (42).
اقرأ فاقض فإن هؤلاء يتهم بعضهم بعضاً بالكذب والنفاق ، ونحن نعتبرهم عدولاً صلحاء ، والإنسان على نفسه بصيرة.
2 ـ إن الحروب الدائرة بين الصحابة أنفسهم والثورة التي أقامها أصحاب النبي ومن اتبعهم على عثمان بن عفان حتى جرت إلى قتله ، أفضل دليل على أنه لا يصح تعريف الصحابة وتوصيفهم بالعدالة والتقوى إذ كيف يصح أن يكون القاتل والمقتول كلاهما على الحق والعدالة ؟ !
وهذا هو طلحة وهذا الزبير قد جهزا جيشاً جراراً لحرب الإمام علي ( عليه السلام ) وأعانتهما أم المؤمنين فقتلت جماعة كثيرة بين ذلك فهل يمكن تعديل كل هذه الجماعة حتى الباغين على الإمام المفترض الطاعة بالنص أولاً ، وببيعة المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان ثانياً ؟ !
وهذا معاوية بن أبي سفيان يعد من الصحابة وقد صنع بالإسلام والمسلمين ما قد صنع مما هو مشهور في التاريخ ومن ذلك أنه حارب الإمام علياً عليه الصلاة والسلام في حرب صفين وكان علي مع كل من بقي من البدريين وهم قريب من مئة شخص ، فهل من حارب هؤلاء الصحابة جميعا بما فيهم سيد الصحابة علي ( عليه السلام ) يعد من أهل الفضل والصلاح والعدالة ؟ ! فاقض ما أنت قاض.
لقد نقل صاحب المنار : « أنه قال أحد علماء الألمان في « الآستانة » لبعض المسلمين وفيهم أحد شرفاء مكة : إنه ينبغي لنا أن نقيم تمثالاً من الذهب لمعاوية ابن أبي سفيان في ميدان كذا من عاصمتنا « برلين ». قيل له لماذا ؟ قال لأنه هو الذي حول نظام الحكم الإسلامي عن قاعدته الديمقراطية إلى عصبية الغلب ( الملك لمن غلب ) ولولا ذلك لعم الإسلام العالم كله ولكنا نحن الألمان وسائر شعوب أوروبا عرباً مسلمين » (43).
هذا خال المؤمنين ومن يترحم عليه خطباء الجمعة والجماعة فكيف حال غيره أضف إليه ما له من الموبقات والمهلكات مما لا يمكن لأحد إنكاره ؟.
والاعتذار منه في تبرير أعماله القاسية باجتهاده في ما ناء به وباء بإثمه من حروب دامية وإزهاق نفوس بريئة تعد بالآلاف المؤلفة ، ليس إلا ضلالة وخداعاً للعقل فإنه اجتهاد على خلاف الله وضد رسوله ، وإلّا يصح أن يعد جميع المناوئين للإسلام مجتهدين في صدر الإسلام ومؤخره.
هذا مجمل القول في هذا الأصل الذي اتخذه أصحاب الحديث أصلاً من أصول الإسلام ثم أدخله الأشعري في الأصول التي يتبناها أكثر أهل السنة والجماعة.
التعذير التافه أو أسطورة الاجتهاد
وما أتفه قول من يريد تبرير عمل هؤلاء بالاجتهاد ، وأنهم كانوا مجتهدين في أعمالهم وأفعالهم ، أفهل يصح تبرير عمل القتل والفتك والخروج على الإمام المفترض طاعته ، بالاجتهاد ؟ ولو صح هذا الاجتهاد ( ولن يصح أبداً ) لصح عن كل من خالف الحق وحالف الباطل من اليهود والنصارى وغيرهم من الطغام اللئام.
أي قيمة للاجتهاد في قبال النص وصريح السنة النبوية وإجماع الأمة ؟
أي قيمة للاجتهاد الذي أباح دماء المسلمين ودمر كيانهم وشق عصاهم وفك عرى وحدتهم ، أي ، وأي ، وأي ؟.
إن القائلين بعدالة الصحابة يتمسكون بما يروون عن النبي أنه قال : « أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم » (44) غير أنّ متن الحديث يكذب صدوره عن النبي إذ ليس كل نجم هادياً للإنسان في البر والبحر بل هناك نجوم خاصة موجبة للاهتداء ولأجل ذلك قال سبحانه : ( وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) (45).
ولم يقل « وبالنجوم هم يهتدون » ولو كان كل نجم هادياً للضال لكان الأنسب الإتيان بصيغة الجمع . ولو افترضنا صحة الاهتداء بكل نجم في السماء ، أفهل يمكن أن يكون كل صحابي نجماً لامعاً في سماء الحياة ، هادياً للأمة ؟.
هذا قدامة بن مظعون صحابي بدري يعد من السابقين الأولين ومن المهاجرين هجرتين روي أنه شرب الخمر وأقام عليه عمر الحد (46) كما أن المشهور أن عبد الرحمن الأصغر ابن عمر بن الخطاب قد شرب الخمر (47).
وقد ارتد طليحة بن خويلد عن الإسلام وادعى النبوة ومثله مسيلمة والعنسي الكذابان وأمرهما أشهر من أن يذكر.
إن بعض الصحابة خضب وجه الأرض بالدماء فاقرأ تاريخ بسر بن أرطأة حتى إنّه قتل طفلين لعبيد الله بن عباس. وكم وكم بين الصحابة لدة هؤلاء من رجال العيث والفساد قد حفل التاريخ بضبط مساويهم أفبعد هذه البينات يصح لأي ابن أنثى أن يتقول بعدالة الصحابة مطلقاً ويتخذها مذهباً ويرمي المخالف له ، بما هو بريء منه ؟ !
الموقف الصحيح من الصحابة
والنظرية القويمة المستقيمة هي نظرية الشيعة المنعكسة في الدعاء المروي عن الإمام الطاهر علي بن الحسين ( عليه السلام ) ترى أن يدعو الله سبحانه في حق أصحاب محمد ( صلی الله عليه وآله وسلم ) لا لكلهم بل للذين أحسنوا الصحبة والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره والذين عاضدوه وأسرعوا إلى وفادته وإليك تلك الكلمة المباركة من الصحيفة السجادية :
« اللهم وأصحاب محمد رسول الله ( صلی الله عليه وآله وسلم ) خاصة الذين أحسنوا الصحبة ، والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره ، وكانفوه وأسرعوا إلى وفادته ، وسابقوا إلى دعوته ، واستجابوا له حيث أسمعهم حجة رسالاته ، وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته ، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوته وانتصروا به ، ومن كانوا منطوين على محبته ، يرجون تجارة لن تبور في مودته ، والذين هجرتهم العشائر إذ تعلقوا بعروته ، وانتفت منهم القرابات ، إذ سكنوا في ظل قرابته ، فلا تنس لهم ، اللهم ما تركوا لك وفيك ، وأرضهم من رضوانك وبما حاشوا الخلق عليك ، وكانوا مع رسولك ، دعاة لك إليك ، واشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم وخروجهم من سعة المعاش إلى ضيقه ، ومن كثرت في إعزاز دينك من مظلومهم ، اللهم وأوصل إلى التابعين لهم بإحسان الذين يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا . . » (48).
خاتمة المطاف
إن لأبي المعالي الجويني كلاماً حول الصحابة دعا فيه إلى أن الواجب ، الكف والإمساك عن الصحابة وعما شجر بينهم ، نقله الشارح الحديدي في شرحه على نهج البلاغة كما نقل نقد بعض الزيدية له الذي سمعه من أستاذه النقيب أبي جعفر يحيى بن محمد العلوي البصري في سنة إحدى عشرة وستمائة ببغداد وعنده جماعة وما نقله عن أستاذه رسالة مبسوطة في الموضوع فيها نكات بديعة لا يسعنا إيرادها في المقام ولذلك نقتبس بعضها وقد نقل فيها قضايا تعرب عن جريان السيرة على النقد والرد والمشاجرة وإليك بعضها :
1 ـ هذه عائشة أم المؤمنين خرجت بقميص رسول الله ( صلی الله عليه وآله وسلم ) فقالت للناس : « هذا قميص رسول الله لم يبل ، وعثمان قد أبلى سنته ثم تقول : اقتلوا نعثلاً قتل الله نعثلاً ثم لم ترض بذلك حتى قالت : أشهد أن عثمان جيفة على الصراط غداً ».
2 ـ هذا المغيرة بن شعبة وهو من الصحابة ، ادعي عليه الزنی وشهد عليه قوم بذلك ، فلم ينكر ذلك عمر ، ولا قال : هذا محال وباطل بحجة أن هذا صحابي من صحابة رسول الله ( صلی الله عليه وآله وسلم ) لا يجوز عليه الزنى كما أن عمر لم ينكر على الشهود ولم يقل لهم : ويحكم هلا تغافلتم عنه لما رأيتموه يفعل ذلك ، فإن الله تعالى قد أوجب الإمساك عن مساوي أصحاب رسول الله ( صلی الله عليه وآله وسلم ) وأوجب الستر عليهم ، وهلا تركتموه لرسول الله في قوله : « دعوا لي أصحابي » بل ما رأينا عمر إلا قد انتصب لسماع الدعوى وإقامة الشهادة وأقبل يقول للمغيرة : « يا مغيرة ذهب ربعك ، يا مغيرة ذهب نصفك ، يا مغيرة ذهب ثلاثة أرباعك حتى اضطرب الرابع فجلد الثلاثة » وهلا قال المغيرة لعمر : كيف تسمع فيَّ قول هؤلاء وليسوا من الصحابة وأنا من الصحابة ورسول الله ( صلی الله عليه وآله وسلم ) قد قال : أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ! ما رأيناه قال ذلك بل استسلم لحكم الله تعالى.
3 ـ وها هنا ، من هو أمثل من المغيرة وأفضل ، كقدامة بن مظعون ، لما شرب الخمر في أيام عمر فأقام عليه الحد وهو رجل من علية الصحابة ومن أهل بدر المشهود لهم بالجنة ، فلم يرد عمر الشهادة ولا درأ عنه الحد بحجة أنه بدري ولا قال قد نهى رسول الله ( صلی الله عليه وآله وسلم ) عن ذكر مساوي الصحابة وقد ضرب عمر أيضاً ابنه حداً فمات وكان ممن عاصر رسول الله ( صلی الله عليه وآله وسلم ) ولم تمنعه معاصرته له من إقامة الحد عليه.
4 ـ كيف يصح أن يقول رسول الله ( صلی الله عليه وآله وسلم ) : أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ؟ لأن هذا يوجب أن يكون أهل الشام في صفين على هدى ، وأن يكون أهل العراق أيضاً على هدى ، وأن يكون قاتل عمار بن ياسر مهتدياً ، وقد صح الخبر الصحيح أنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال له : تقتلك الفئة الباغية. وقال في القرآن : ( فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ) (49) فدل على أنها ما دامت موصوفة بالمقام على البغي فهي مفارقة لأمر الله ، ومن يفارق أمر الله لا يكون مهتدياً. وكان يجب أن يكون بسر بن أبي أرطأة الذي ذبح ولدي عبيد الله بن عباس الصغيرين ، مهتدياً ، لأن بسراً من الصحابة أيضاً وكان يجب أن يكون عمرو بن العاص ومعاوية اللذان كانا يلعنان علياً أدبار الصلاة وولديه ، مهتديين ، وقد كان في الصحابة من يزني ، ومن يشرب الخمر ، كأبي محجن الثقفي ، ومن ارتد عن الإسلام ، كطليحة بن خويلد فيجب أن يكون كل من اقتدى بهؤلاء في أفعالهم مهتدياً.
5 ـ إن هذا الحديث « أصحابي كالنجوم » من موضوعات متعصبة الأموية فإن لهم من ينصرهم بلسانه وبوضعه الأحاديث إذا عجز عن نصرهم بالسيف وكذا القول في الحديث الآخر وهو قوله « خير القرون القرن الذي أنا فيه » وممّا يدل على بطلانه أن القرن الذي جاء بعده بخمسين سنة. هو شرّ قرون الدنيا وهو أحد القرون التي ذكرها في النص وكان ذلك القرن هو القرن الذي قتل فيه الحسين ، وأوقع بالمدينة ، وحوصرت مكة ، ونقضت الكعبة وشربت خلفاؤه والقائمون مقامه المنتصبون في منصب النبوة ، الخمور وارتكبوا الفجور ، كما جرى ليزيد بن معاوية ولزيد بن عاتكة وللوليد بن يزيد وأريقت الدماء الحرام ، وقتل المسلمون وسبي الحريم ، واستعبد أبناء المهاجرين والأنصار ونقش على أيديهم كما ينقش على أيدي الروم ، وذلك في خلافة عبد الملك ، وإمرة الحجاج ، وإذا تأملت كتب التواريخ وجدت الخمسين الثانية ، شراً كلها ، لا خير فيها ولا في رؤسائها وأمرائها ، والناس برؤسائهم وأمرائهم. والقرن خمسون سنة فكيف يصح هذا الخبر ؟.
6 ـ فأما ما ورد في القرآن من قوله تعالى : ( لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ ) (50) ، وقوله : ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ . . . ) (51) وقول النبي ( صلی الله عليه وآله وسلم ) : « إن الله اطلع على أهل بدر » إن كان الخبر صحيحاً فكله مشروط بسلامة العاقبة ، ولا يجوز أن يخبر الحكيم مكلفاً غير معصوم ، بأنه لا عقاب فيه فليفعل ما شاء.
7 ـ من الذي يجتریء على القول بأن أصحاب محمد ( صلی الله عليه وآله وسلم ) لا تجوز البراءة من أحد منهم وإن أساء وعصى بعد قول الله تعالى للذي شرفوا برؤيته : ( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) (52) وبعد قوله : ( قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) (53) وبعد قوله : ( فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ) (54) إلا من لا فهم له ولا نظر معه ولا تمييز عنده.
8 ـ والعجب من الحشوية وأصحاب الحديث إذ يجادلون في معاصي الأنبياء ويثبتون أنهم عصوا الله تعالى ، وينكرون على من ينكر ذلك ويطعنون فيه ويقولون : قدري ، معتزلي ، وربما قالوا : ملحد مخالف لنص الكتاب ، وقد رأينا منهم الواحد والمائة والألف يجادل في هذا الباب ، فتارة يقولون : إن يوسف قعد من امرأة العزيز مقعد الرجل من المرأة ، وتارة يقولون : إن داود قتل أوريا لينكح امرأته ، وتارة يقولون : إن رسول الله ( صلی الله عليه وآله وسلم ) كان كافراً ضالاً قبل النبوة وربما ذكروا زينب بنت جحش وقصة الفداء يوم بدر ، فأما قدحهم في آدم ( عليه السلام ) وإثباتهم معصيته ومناظرتهم من ينكر ذلك ، فهو رأيهم وديدنهم ، فإذا تكلم واحد في عمرو بن العاص ومعاوية ، وأمثالهما ونسبهم إلى المعصية وفعل القبيح احمرت وجوههم ، وطالت أعناقهم وتخازرت أعينهم ، وقالوا : مبتدع رافضي ، يسب الصحابة ويشتم السلف ، فإن قالوا إنما اتبعنا في ذكر معاصي الأنبياء نصوص الكتاب قيل لهم : فاتبعوا في البراءة من جميع العصاة نصوص الكتاب فإنه تعالى قال : ( لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) (55) وقال : ( فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ) (56) وقال : ( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) (57) (58).
قتل الخليفة
قد تصافق أهل السير والتاريخ أن عثمان بن عفان قد حوصر ثم هوجم وقتل في عاصمة الإسلام ، قد قتله الصحابة والتابعون لهم بإحسان ، حتى منعوا عن تجهيزه وتغسيله ودفنه والصلاة عليه ، وهذا إمام المؤرخين يتلو علينا كيفية الإجهاز عليه والهجوم على داره بعد محاصرته قرابة أربعين يوماً :
يقول الطبري : دخل محمد بن أبي بكر على عثمان فأخذ بلحيته ... ثم دخل الناس فمنهم من يجأه بنعل سيفه ، وآخر يلكزه وجاءه رجل بمشاقص معه فوجأه في ترقوته ودخل آخرون فلما رأوه مغشياً عليه جروا برجله ، وجاء التجيبي مخترطاً سيفه ليضعه في بطنه فوقته نائلة فقطع يدها ، واتكأ بالسيف عليه في صدره وقتل عثمان رضي الله عنه قبل غروب الشمس ».
وفي نص آخر يقول : « طعن محمد بن أبي بكر جنبيه بمشقص في يده وضرب كنانة بن بشر مقدم رأسه بعمود ، وضربه سودان بن حمران المرادي بعد ما خر لجبينه ووثب عمرو بن الحمق فجلس على صدره وبه رمق فطعنه تسع طعنات إلى آخر ما ذكره » (59).
وقد وقعت الواقعة بمرأى ومسمع من معظم الصحابة وليس لأحد أن يتفوه أنهم لم يكونوا عالمين بها فإنها ما كانت مباغتة ولا غيلة حتى يكونوا في غفلة عنها وقد استمر الحوار أكثر من شهرين والحصر حوالي أربعين يوماً كل ذلك يعرب عن أنهم كانوا راضين بهاتيك الأحدوثة ، لو لم نقل إنهم كانوا بين مباشر لها ، إلى خاذل للمودى به ، إلى مؤلب عليه ، إلى راض بما فعلوا ، إلى محبذ لتلك الأحوال كما هو واضح لمن قرأ تاريخ الدار وقتل الخليفة ، متجرداً عن أهواء وميول أموية.
فعندئذٍ يدور الأمر بين أمرين ، بأيهما أخذنا يبطل الأصل المزعوم من عدالة الصحابة أجمع.
فإن كان الخليفة قائماً على جادة الحق غير مائل عن الطريقة المثلى فالمجهزون على قتله والناصرون لهم فساق إن لم نقل إنّهم مراق عن الدين لخروجهم على الإمام المفترضة طاعته.
وإن كان مائلاً عن الحق ، منحرفاً عن الطريقة ، مستحقاً للقتل فما معنى القول بعدالة الصحابة كلهم من إمامهم إلى مأمومهم.
وأما تبرير عمل المجهزين عليه ، المهاجمين على داره بأنهم كانوا عدولاً خاطئين في اجتهادهم ، فهو خداع وضلال لا يصار إليه ، ولا يركن إليه أي ذي مسكة من العقل إذ أي قيمة لاجتهادهم تجاه نصوص الكتاب ؟ قال عز من قائل : ( مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ) (60).
كلمة قيمة للإمام أمير المؤمنين عليه السلام
وهناك كلمة قيمة للإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) تمثل نظريته في حق الصحابة رواها نصر بن مزاحم المنقري ( المتوفى عام 212 هـ ) في حديث عمر بن سعد :
دخل عبد الله بن عمر ، وسعد بن أبي وقاص ، والمغيرة بن شعبة مع أناس معهم وكانوا قد تخلفوا عن علي. فدخلوا عليه فسألوه أن يعطيهم عطاءهم ـ وقد كانوا تخلفوا عن علي حين خرج إلى صفين والجمل ـ فقال لهم علي : « ما خلفكم عني » ؟ قالوا : « قتل عثمان ولا ندري أحل دمه أم لا ؟ وقد كان أحدث أحداثاً ثم استتبتموه فتاب ، ثم دخلتم في قتله حين قتل ، فلسنا ندري أصبتم أم أخطأتم ؟ مع أنا عارفون بفضلك يا أمير المؤمنين وسابقتك وهجرتك » . فقال علي : « ألستم تعلمون أن الله عز وجل قد أمركم أن تأمروا بالمعروف وتنهوا عن المنكر » ؟ فقال : ( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ) (61). قال سعد : يا علي أعطني سيفاً يعرف الكافر من المؤمن أخاف أن أقتل مؤمناً فأدخل النار ؟ فقال لهم علي : « ألستم تعلمون أن عثمان كان إماماً بايعتموه على السمع والطاعة فعلام خذلتموه إن كان محسناً ، وكيف لم تقاتلوه إذ كان مسيئاً . فإن كان عثمان أصاب بما صنع فقد ظلمتم ، إذ لم تنصروا إمامكم ، وإن كان مسيئاً فقد ظلمتم ، إذ لم تعينوا من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر. وقد ظلمتم إذ لم تقوموا بيننا وبين عدونا بما أمركم الله به فإنه قال : « فقاتلوا التي تبغي حتی تفيء إلی أمر الله » فردهم ولم يعطهم شيئاً.
وكان علي ( عليه السلام ) إذا صلی الغداة والمغرب وفرغ من الصلاة يقول : « اللهم العن معاوية وعَمراً وأبا موسى وحبيب بن مسلمة والضحاك بن قيس والوليد بن عقبة وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد » ، فبلغ ذلك معاوية فكان إذا قنت لعن علياً وابن عباس وقيس بن سعد والحسن والحسين (62).
وفي كلامه هذا دليل قاطع على أن هؤلاء الجائين إلى علي لأخذ عطائهم ، خونة ظلمة لا يمكن الحكم بعدالتهم ، لأنهم إما ظلموا إمامهم العادل إذ لم ينصروه وإما تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولم يعينوا الإمام القائم بالعدل.
أضف إلى ذلك أن الملاعنة من الطرفين أقوى شاهد على فساد إحدى الطائفتين وليس الحق خافياً على مبتغيه ، كما أن الصبح لا يخفى على ذي عينين.
وهناك كلام للشيخ التفتازاني في شرح مقاصده أخذته العصبية في الدعوة إلى ترك الكلام في حق البغاة والجائرين ومع ذلك كله فقد أصحر بالحقيقة فقال : « ما وقع بين الصحابة من المحاربات والمشاجرات على الوجه المسطور في كتب التواريخ والمذكور على ألسنة الثقات يدل بظاهره على أن بعضهم قد حاد عن طريق الحق ، وبلغ حد الظلم والفسق وكان الباعث له الحقد والعناد والحسد واللداد وطلب الملك والرئاسة والميل إلى اللذات والشهوات إذ ليس كل صحابي معصوماً ولا كل من لقي النبي (ص) بالخير موسوماً إلّا أن العلماء لحسن ظنهم بأصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، ذكروا لها محامل وتأويلات بها تليق ، وذهبوا إلى أنهم محفوظون عما يوجب التضليل والتفسيق صوناً لعقائد المسلمين عن الزيغ والضلالة في حق كبار الصحابة سيما المهاجرين منهم ، والأنصار ، والمبشرين بالثواب في دار القرار.
وأما ما جرى بعدهم من الظلم على أهل بيت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فمن الظهور بحيث لا مجال للإخفاء ومن الشناعة بحيث لا اشتباه على الآراء ، إذ تكاد تشهد به الجماد والعجماء ، ويبكي له من في الأرض والسماء وتنهد منه الجبال وتنشق الصخور ، ويبقى سوء عمله على كر الشهور ، ومر الدهور فلعنة الله على من باشر أو رضي أو سعى ولعذاب الآخرة أشد وأبقى.
فإن قيل : فمن علماء المذاهب من لم يجوز اللعن على يزيد مع علمهم بأنه يستحق ما يربو على ذلك ويزيد. قلنا : تحامياً عن أن يرتقى إلى الأعلى فالأعلى كما هو شعار الروافض على ما يروى في أدعيتهم ويجري في أنديتهم فرأى المعتنون بأمر الدين ، إلجام العوام بالكلية طريقاً إلى الاقتصاد في الاعتقاد ، بحيث لا تزل الأقدام على السواء ولا تضل الأفهام بالأهواء وإلا فمن يخفى عليه الجواز والاستحقاق وكيف لا يقع عليهما الاتفاق ، وهذا هو السر فيما نقل عن السلف من المبالغة في مجانبة أهل الضلال وسد طريق لا يؤمن أن يجر إلى الغواية في المآل مع علمهم بحقيقة الحال ، وجلية المقال ، وقد انكشف لنا ذلك حين اضطربت الأحوال واشرأبت الأهوال وحيث لا متسع ولا مجال والمشتكى إلى عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال » (63).
إن بعض المنصفين من المصريين المعاصرين قد اعترف بالحق وأراد الجمع بين رأيي السنة والشيعة في حق الصحابة فقال : إن منهج أهل السنة في تعديل الصحابة أو ترك الكلام في حقهم ، منهج أخلاقي وإن طريقة الشيعة في نقد الصحابة وتقسيمهم إلى عادل وجائر منهج علمي فكل من المنهجين مكمل للآخر . وهذا هو ما أعربنا عنه في صدر البحث وقلنا : « عدالة الصحابة بين العاطفة والبرهان » أي بين الأخلاق والموضوعية وإليك نص كلامه : « يرى أهل السنة : أنّ الصحابة كلهم عدول ، وأنّهم جميعاً مشتركون في العدالة وإن اختلفوا في درجتها.
وأنّ من كفر صحابياً فهو كافر ومن فسقه فهو فاسق.
وإن طعن في صحابي فكأنما طعن على رسول الله.
وأن من طعن على حضرة الرسول ( عليه السلام ) فهو زنديق بل كافر.
ويرى جهابذة أهل السنة أيضاً أنه لا يجوز الخوض فيما جرى بين علي ـ رضي الله عنه ـ ومعاوية من أحداث التاريخ.
وأن من الصحابة من اجتهد وأصاب وهو « علي » ومن نحا نحوه.
وأن منهم من اجتهد وأخطأ مثل معاوية وعائشة رضي الله عنها ومن نحا نحوهما.
وأنّه ينبغي ـ في نظر أهل السنة ـ الوقوف والإمساك عند هذا الحكم دون التعرض لذكر المثالب.
ونهوا عن سب معاوية باعتباره صحابيا ، وشددوا النكير على من سب عائشة باعتبارها أم المؤمنين الثانية بعد خديجة وباعتبارها حب رسول الله.
وما زاد على ذلك فينبغي ترك الخوض فيه وإرجاء أمره إلى الله سبحانه : وفي ذلك يقول أبو الحسن البصري وسعيد بن المسيب : تلك أمور طهر الله منها أيدينا وسيوفنا فلنطهر منها ألسنتنا ».
هذه آراء أهل السنة في عدالة الصحابة وفيما ينبغي أن نقف منهم.
أما الشيعة فيرون أن الصحابة كغيرهم تماماً لا فرق بينهم وبين من جاء بعدهم من المسلمين إلى يوم القيامة.
وذلك من حيث خضوعهم لميزان واحد هو ميزان العدالة ، الذي توزن به أفعال الصحابة كما توزن أفعال من جاء من بعدهم من الأجيال.
وإن الصحبة لا تعطي لصاحبها منقبة إلا إذا كان أهلاً لهذه المنقبة وكان لديه الاستعداد للقيام برسالة صاحب الشريعة ( صلی الله عليه وآله وسلم ).
وإن منهم المعصومين كالأئمة الذين نعموا بصحبة الرسول ( عليه السلام ) كعلي وابنيه ( عليهم السلام ).
ومنهم العدول وهم : الذين أحسنوا الصحبة لعلي بعد انتقال الرسول إلى الرفيق الأعلى.
ومنهم المجتهد المصيب ، ومنهم المجتهد المخطیء.
ومنهم الفاسق ، ومنهم الزنديق ـ وهو أقبح من الفاسق وأشد نكالاً ـ.
ويدخل في دائرة الزنديق المنافقون والذين يعبدون الله على حرف.
كما أن منهم الكفار وهم الذين لم يتوبوا من نفاقهم والذين ارتدوا بعد الإسلام.
ومعنى هذا أن الشيعة ـ وهم شطر عظيم من أهل القبلة ـ يضعون جميع المسلمين في ميزان واحد ولا يفرقون بين صحابي وتابعي ومتأخر.
كما لا يفرقون بين مغرق في الإسلام وحديث عهد به إلا باعتبار درجة الأخذ بما جاء به حضرة الرسول صلوات الله عليه والأئمة الاثنا عشر من بعده.
وإن الصحبة في ذاتها ليست حصانة يتحصن بها من درجة الاعتقاد.
وعلى هذا الأساس المتين أباحوا لأنفسهم ـ اجتهاداً ـ نقد الصحابة والبحث في درجة عدالتهم.
كما أباحوا لأنفسهم الطعن في نفر من الصحابة أخلوا بشروط الصحبة وحادوا عن محبة آل محمد ـ عليهم السلام ـ.
كيف لا ، وقد قال الرسول الأعظم : « إني تارك فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا : كتاب الله وعترتي آل بيتي ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما ».
وعلى أساس من هذا الحديث ونحوه يرون أن كثيراً من الصحابة خالفوا هذا الحديث باضطهادهم لآل محمد ، ولعنهم لبعض أفراد هذه العترة.
ومن ثمّ ، فكيف يستقيم لهؤلاء المخالفين شرف الصحبة ، وكيف يوسمون بسمة العدالة ؟ !
ذلك هو خلاصة رأي الشيعة في نفي صفة العدالة عن بعض الصحابة وتلك هي الأسباب العلمية الواقعية التي بنوا عليها حججهم.
والمتأمّل يرى أن الفرق بين هذين الموقفين كالفرق بين المنهج الأخلاقي والمنهج العلمي ، وأن كلا المنهجين مكمل لصاحبه » (66).
هذا غيض من فيض ، وقليل من كثير من تاريخ الصحابة وأحوالهم وهي مشحونة بالصواب والخطأ والهدى والضلال . ضعه أمام عقلك وفكرك فاقض ما أنت قاض ولا تتبع الهوى. ( وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) (65) ( وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ) (66).
* * *
( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ).
( الأنعام : 165 )
الهوامش
1. أسد الغابة : ج 1 ص 11 ـ 12 طبع مصر.
2. الاستيعاب في أسماء الأصحاب : ج 1 ص 2 في هامش « الإصابة ».
3. أسد الغابة : ج 2 ص 3.
4. الإصابة : ج 1 ص 17.
5. سورة التحريم : الآية 10.
6. سورة الأحزاب : الآية 30.
7. سورة الأنعام : الآية 149 .
8. سورة التوبة : الآية 100.
9. سورة الفتح : الآية 18.
10. سورة الحشر : الآية 8.
11. سورة الفتح : الآية 29.
12. سورة المنافقون : الآية 1.
13. مردوا على النفاق : تمرنوا عليه وتمارسوا عليه.
14. سورة التوبة : الآية 101.
15. النفاق والمنافقون : تأليف الأستاذ ابراهيم علی سالم المصري.
16. سورة الأحزاب : الآية 12.
17. سورة التوبة : الآية 45 ـ 47.
18. سورة التوبة : الآية 102.
19. سورة آل عمران : الآية 154.
20. سورة الحجرات : الآية 6.
21. سورة السجدة : الآية 18.
22. تفسير الطبري : ج 21 ص 62 ، وتفسير ابن كثير : ج 3 ص 452.
23. « تذكرة الخواص » سبط ابن الجوزي : ص 115 ، و « كفاية » الكنجي : ص 55 ، و « مطالب السؤول » لابن طلحة ، ص 20 ، و « شرح النهج » ، الطبعة القديمة : ج 2 ص 103 ، و « جمهرة الخطب » لأحمد زكي : ج 2 ص 23 ، لاحظ « الغدير » : ج 2 42.
24. سورة الحجرات : الآية 14.
25. سورة التوبة : الآية 60.
26. تفسير القرطبي : ج 8 ص 187 ، لاحظ : المغني لابن قدامة : ج 2 ص 556.
27. سورة الأنفال : الآية 15 ـ 16.
28. سورة آل عمران : الآية 153.
29. سيرة ابن هشام : ج 3 ص 114 ، وج 4 ص 444. ولاحظ التفاسير.
30. تفسير القرطبي : ج 7 ص 383.
31. مغازي الواقدي : ج 3 ص 904. إن تعليل الفرار من الزحف بقضاء الله يشبه تعليل عباد الأوثان شركهم به كما في قوله سبحانه حاكياً عن المشركين ( لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا ) ( الأنعام : الآية 148 ) وتلزم من ذلك تبرئة العصاة والكفار لأن أعمالهم كلها بقضاء منه.
32. سورة الأحزاب : الآية 32.
33. جامع الأصول لابن الأثير : ج 11 كتاب الحوض في ورود الناس عليه ص 120 رقم الحديث 7972 و « الفرط » : المتقدم قومه إلى الماء ويستوي فيه الواحد والجمع ، يقال رجل فرط وقوم فرط.
34. جامع الأصول : ج 11 رقم الحديث 7973 ص 120.
35. جامع الأصول : ج 11 ص 121 ، و « همل النعم » كناية عن أن الناجي عدد قليل وقد اكتفينا من الكثير بالقليل ومن أراد الوقوف على ما لم نذكره فليرجع إلى « جامع الأصول ».
36. الكامل لابن الأثير : ج 2 ص 52. أسد الغابة : ج 5 ص 91 وغيرهما. وقد أقام الإمام أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) عليه الحد في خلافة عثمان بإصرار من الناس وإلحاح منهم لئلا تتعطل الحدود.
37. سيرة ابن هشام : ج 4 ص 443 والقائل أبو سفيان.
38. سيرة ابن هشام : ج 4 ص 444 والقائل كلدة بن الحنبل فقال له صفوان : اسكت فض الله فاك.
39. سيرة ابن هشام : ج 4 ص 496.
40. قاموس الرجال : ج 10 ص 89 نقلاً عن الشرح الحديدي.
41. الشرح الحديدي : ج 9 ص 53 نقلاً عن كتاب السقيفة للجوهري.
42. صحيح البخاري : ج 5 ص 118 ـ 119 في تفسير سورة النور.
43. تفسير المنار : ج 11 ص 269 في تفسير سورة يونس.
44. جامع الأصول : ج 9 كتاب الفضائل ص 410 رقم الحديث 6359.
45. سورة النحل : الآية 16.
46. أسد الغابة : ج 4 ص 199 وسائر كتب التراجم.
47. أسد الغابة : ج 3 ص 312.
48. الصحيفة السجادية : الدعاء الرابع مع شرحه ، في ظلال الصحيفة السجادية ص 55 ـ 59.
49. سورة الحجرات : الآية 9.
50. سورة الفتح : الآية 18.
51. سورة الفتح : الآية 29 .
52. سورة الزمر : الآية 65.
53. سورة الأنعام : الآية 15.
54. سورة ص : الآية 26.
55. سورة المجادلة : الآية 22.
56. سورة الحجرات : الآية 9.
57. سورة النساء : الآية 59.
58. الشرح الحديدي : ج 20 ص 12 ـ 33 والرسالة مبسوطة مفصلة أخذنا المهم منها.
59. تاريخ الطبري : ج 3 ص 423.
60. سورة المائدة : الآية 32.
61. سورة الحجرات : الآية 9.
62. وقعة صفين : طبعة مصر . ص 551 ـ 552.
63. شرح المقاصد : ج 2 ص 306 ـ 307.
64. الاُستاذ حفني داود المصري : نظرات في الكتب الخالدة : ص 111.
65. سورة المائدة : الآية 42.
66. سورة الأنعام : الآية 132.
مقتبس من كتاب : بحوث في الملل و النحل / المجلّد : 1 / الصفحة : 201 ـ 233
التعلیقات