فضائل الإمام الحسن عليه السلام وإمامته
السيّد سعيد كاظم العذاري
منذ 10 سنواتفضائل الإمام الحسن عليه السلام وإمامته
أولاً ـ من القرآن الكريم :
أهل البيت عليهم السلام عنوان مضيء في حياة الإنسانيّة وحركة التاريخ والمسيرة الإسلاميّة ، أراد الله تعالى لهم أن يكونوا أعلام الهدى وقدوة المتّقين ومأوى أفئدة المسلمين ، وروّاد الحركة الإصلاحيّة والتغييريّة في المسيرة الإنسانيّة ؛ ولهذا أبدى القرآن الكريم عناية فائقة بذكر دورهم وفضائلهم وسموّ مكانتهم ، وفيما يلي نستعرض جملة من آيات القرآن الكريم التي تطرّقت إلى ذلك لكونها شاملة للإمام الحسن عليه السلام كواحد من أهل البيت عليهم السلام.
١ ـ آية التطهير : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (1) : تظافرت التفاسير والروايات إلى أنّ المقصود بأهل البيت عليهم السلام هم أهل بيت النبي صلّى الله عليه وآله وهم : رسول الله صلى الله عليه وآله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام. فقد روي عن أمّ سلمة وبطرق عديدة أنّها قالت : « لمّا نزلت هذه الآية دعا رسول الله صلّى الله عليه وآله عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً فجلّل عليهم كساءً خيبرياً ، فقال : اللهمّ هؤلاء أهل بيتي أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً. قالت أمّ سلمة : ألست منهم ؟ فقال : أنت إلى خير » (2). وهذه الآية الكريمة تدلّ على عصمة أهل البيت عليهم السلام ومنهم الحسن عليه السلام كما ورد في تفسيرها عن رسول الله صلّى الله عليه وآله حيث قال : « أنا وأهل بيتي مطهّرون من الذنوب » (3). وقال الإمام الحسن عليه السلام في بعض خطبه : « وأنا من أهل البيت الذي كان جبرائيل ينزل إلينا ، ويصعد من عندنا ، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً » (4). وآية التطهير تؤكّد العناية والرعاية الإلهيّة الخاصّة والاستثنائيّة وذلك بإبعادهم عن الزلل والخطأ والإنحراف وهكذا أصبح أهل البيت عليهم السلام الميزان الثابت الذي توزن به الأفكار والعواطف والممارسات ، وتقوّم من خلاله الإشخاص والكيانات والأحداث والمواقف ، فهم المرجع العلمي والسياسي والاجتماعي للناس جميعاً.
٢ ـ آية المودّة : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) (5) : أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه من طريق ابن جبير عن ابن عباس ، قال : « لمّا نزلت هذه الآية ... قالوا : يا رسول الله من قرابتك الذين وجبت مودّتهم ؟ قال : علي وفاطمة وولدها » (6). وفي رواية أخرى عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قالوا : « يا رسول الله من هؤلاء الذين نودّهم ؟ قال : علي وفاطمة وأبناؤهما ». وعلّق القرطبي على ذلك قائلاً : « وكفى قبحاً بقول من يقول : إنّ التقرّب إلى الله بطاعته ومودّة نبيّه صلّى الله عليه وآله وأهل بيته منسوخ ، وقال : قال النبي صلّى الله عليه وآله : من مات على حبّ آل محمّد مات شهيداً ، ومن مات على حبّ آل محمّد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة ، ومن مات على بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس اليوم من رحمة الله ، ومن مات على بغض آل محمّد لم يرَ رائحة الجنّة ، ومن مات على بغض آل بيتي فلا نصيب له في شفاعتي » (7). وهذا يوجِّه العقول والقلوب نحو أهل البيت عليهم السلام ويشدّها لهم ، ويؤكّد على أنّ أجر الرسالة هو محبّتهم الحقيقيّة ، وهي دعوة للارتباط بهم فكريّاً وعاطفيّاً وسلوكيّاً.
٣ ـ آية الصلاة : ( إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) (8) : أخرج النسائي وغيره عن أبي هريرة ، أنّهم سألوا رسول الله صلّى الله عليه وآله : كيف نصلّي عليك ؟ قال : « قولوا اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد وبارك على محمّد وآل محمّد كما صلّيت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنّك حميد مجيد ، والسلام كما قد علمتم » (9). والصلاة بتلك الكيفيّة جعلت أهل البيت عليهم السلام مناراً وقدوة للأمّة ، فمنهم يتلقّى المسلمون مفاهيم العقيدة وقيم السلوك وموازين التقييم ، وهذا التلقّي هو مصداقٌ واقعي للصلاة عليهم ؛ لأنّ الصلاة واجبة كما ورد في آراء الكثير من العلماء ، حتّى قال الشافعي : « من لم يصلِّ عليكم لاصلاة له » (10). وقال الديلمي : « الدعاء محجوب حتى يُصَلَّىٰ على محمّد وأهل بيته » (11).
٤ ـ آية آل ياسين : ( سَلَامٌ عَلَىٰ إِلْ يَاسِينَ ) (12) : ورد في الكثير من التفاسير : إنّ المراد من « ياسين » النبي محمّد صلّى الله عليه وآله (13). وورد عنه صلّى الله عليه وآله أنّه قال : « إنّ الله سمّاني في القرآن بسبعة أسماء : محمّد وأحمد وطه ويس والمزمّل والمدثّر وعبد الله » (14). وتظافرت التفاسير على انّ المقصود من « آل ياسين » هم « آل محمّد عليهم السلام ». وعن الإمام علي عليه السلام قال : « يس محمّد ، ونحن آل يس » (15). وهنالك قولان في قراءة آل « يس » مفصولة : الأوّل : إنّه آل هذا النبي المذكور وهو يدخل فيهم. والثاني : إنّهم آل محمّد صلّى الله عليه وآله (16). وهذا السلام الصادر من الله تعالى إلى آل رسول الله صلّى الله عليه وآله هو توجيه للبشريّة نحو دورهم الريادي في حركة التاريخ ، وهو توجيه نحو مفاهيمهم وقيمهم وسيرتهم الممتدّة في كلّ زمان ومكان ، وهو توجيه للارتباط بهم فكريّاً وعاطفيّاً وسلوكيّاً.
٥ ـ سورة الإنسان وآية الإطعام : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّـهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ) (17) : عن ابن عبّاس رضي الله عنه : « أنّ الحسن والحسين مرضا فعادهما رسول الله صلّى الله عليه وآله في ناس معه ، فقالوا : يا أبا الحسن ، لو نذرت على ولدك ، فنذر عليّ وفاطمة وفضّة ـ جارية لهما ـ أن برءا ممّا بهما : أن يصوموا ثلاثة أيّام ، فشفيا وما معهم شيء ، فاستقرض عليّ من شمعون الخيبري اليهودي ثلاث أصوع من شعير ، فطحنت فاطمة صاعاً واختبزت خمسة أقراص على عددهم ، فوضعوا بين أيديهم ليفطروا ، فوقف عليهم سائل ، فقال : السلام عليكم أهل بيت محمّد ، مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنّة ، فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلّا الماء ، وأصبحوا صياماً ؛ فلمّا أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه ، ووقف عليهم أسير في الثالثة ، ففعلوا مثل ذلك ؛ فلمّا أصبحوا أخذ علي عليه السلام بيد الحسن والحسين وأقبلوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فلمّا أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع ، قال : ما أشدّ ما يسوءني ما أرى بكم ، وقام فانطلق معهم ، فرأى فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها وغارت عيناها ، فساءه ذلك ، فنزل جبرائيل وقال : خذها يا محمّد هنّأك الله في أهل بيتك فأقرأه السورة » (18).
٦ ـ آية المباهلة : ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّـهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (19) : والثابت في نزول هذه الآية ، هو أنّ نصارى نجران ، لمّا دعاهم رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى المباهلة قالوا : حتّى نرجع وننظر ، فلمّا تخالوا قالوا : للعاقب وكان ذا رأيهم : « يا عبدالمسيح ما ترى ؟ فقال : والله لقد عرفتم يا معشر النصارى أنّ محمّدا نبيّ مرسل ، وقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم ، والله ما باهل قوم نبيّاً قطّ فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ، ولئن فعلتم لتهلكنّ فإن أبيتم إلّا إلف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه ، فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم ، فأتى رسول الله صلّى الله عليه وآله وقد غدا محتضناً الحسين آخذاً بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعليّ خلفهما وهو يقول : إذا أنا دعوت فأمّنوا. فقال أسقف نجران : يا معشر النصارى ، إنّي لأرى وجوهاً لو شاء الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها ، فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة. فقالوا : يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك وأن نقرّك على دينك ونثبت على ديننا » (20) ... وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء عليهم السلام ، وبرهان واضح على نبوّة النبي صلّى الله عليه وآله. وهذه الآية دالّة على أنّ الحسن والحسين عليهما السلام كانا ابني رسول الله صلّى الله عليه وآله.
٧ ـ آية أهل الذكر : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) (21) : يقول الحارث : « سألت عليّاً عن هذه الآية ، فقال : والله إنّا لنحن أهل الذكر ، نحن أهل الذكر ، نحن أهل العلم ، ونحن معدن التأويل والتنزيل » (22).
٨ ـ آية الراسخون في العلم : ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّـهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) (23) : قال الإمام علي عليه السلام : « أين الذين زعموا أنّهم الراسخون في العلم دوننا كذباً وبغياً علينا أن رفعنا الله ووضعهم ، وأعطانا وحرمهم ، وأدخلنا وأخرجهم ، بنا يستعطى الهدى ويستجلى العمى » (24). إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الأخرى التي لا مجال في تفصيلها ، غير أن ما تقدّم منها يبيّن لنا دور الإمام الحسن عليه السلام ومقامه السامي في إمامة وقيادة الإنسانيّة ، فهو الطاهر المطهّر المعصوم كما ورد في آية التطهير ، وهو من الذين أمر الله تعالى بحبّهم وطاعتهم وموالاتهم كما في آية المودّة ، ومن المشمولين بالصلاة عليهم وتعظيمهم وتبجيلهم ، وهو من أهل الذكر ، والراسخين في العلم.
وإذا انضمّ هذا إلى ما تقدّم عن رسول الله صلّى الله عليه وآله بحقّ الحسن عليه السلام علم أنّه الإمام القدوة الذي ينبغي الإقتداء بأقواله وأفعاله لأنّه العارف بأسس وقواعد المنهج الإسلامي بجميع أبعاده ومجالاته ، والمعصوم الذي لا يميل مع الهوى ولا يتأثّر بالمؤثّرات الضيّقة كالمودّة والشنآن والعصبية ؛ فهو على ضوء ذلك يمثل المرجعيّة الحقّة التي يُرجع إليها في حال اختلاف المعايير واضطراب الموازين في أجواء التشكيك والبلبلة والإضطراب الفكري الذي أثارته بوجه الإمام الحسن عليه السلام الشجرة الملعونة بقيادة زعيم البغاة ابن آكلة الأكباد كما سنرىٰ.
ثانياً ـ من السنّة النبوية :
جاء رسول الله صلّى الله عليه وآله من أجل إيصال المجتمع الإنساني إلى قمّة التكامل والسموّ والارتقاء ؛ بتقرير المنهج الإلهي في واقع الحياة ، وجعله الحاكم على تصوّرات الناس ومشاعرهم ومواقفهم ، وقد عاش مع المجتمع يدعوه إلى عبادة الله تعالى وإلى إصلاح وتغيير العقول والقلوب والإرادات ، ويدعوه إلى الارتباط بالقدوة والأسوة الصالحة ، ولذا نجده يوازن بين الدعوة إلى الدين كمفاهيم وقيم وبين الدعوة لمن يمثّل هذا الدين في حركة الواقع ، ويأتي تبيانه لفضائل أهل البيت عليهم السلام ضمن هذا التوازن. وفي هذا المقام فإنّ تبيان فضائل الإمام الحسن عليه السلام لم يكن نابعاً عن الرغبة العاطفيّة المحضة نتيجة القرابة القريبة ، بل هو دعوة للإستمرار في حركة الرسالة وامتدادها في الإمام الحسن عليه السلام الذي جسّدها ويجسّدها في سكناته وحركاته وأقواله وأفعاله. فالإمام الحسن عليه السلام هو سيّد شباب أهل الجنّة ، كما ورد في حديث أبي سعيد الخدري قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة » (25). وقال أيضاً : « من سرّه أن ينظر إلى سيّد شباب أهل الجنّة ، فلينظر إلى الحسن بن علي » (26). وهذا التفضيل العظيم للحسنين عليهما السلام لم يكن على أساس القربى النسبيّة ، بل هو تفضيل رسالي ، فهما أفضل من الغير بدرجة قربهم من المفاهيم والقيم الإلهيّة التي جسّدوها ويجسّدونها في أفكارهم وعواطفهم وممارساتهم.
وعن عبد الله بن عمر قال : « سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول : إنّ الحسن والحسين هما ريحانتاي من الدنيا » (27). وفي الحديث : « خير رجالكم علي بن أبي طالب ، وخير شبابكم الحسن والحسين ، وخير نسائكم فاطمة بنت محمّد » (28). وفيه أيضاً : « نحن ولد عبد المطّلب سادة أهل الجنّة : أنا وحمزة وعلي وجعفر والحسن والحسين والمهدي » (29). وفيه حديث آخر : « الحسن والحسين سيفا العرش وليسا بمعلّقين » (30). وعن عمر بن الخطاب أنّه قال : « قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : إنّ فاطمة وعليّاً والحسن والحسين في حظيرة القدس في قبّة بيضاء سقفها عرش الرحمن » (31). وعن أبي هريرة قال : « قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : يحشر الأنبياء يوم القيامة على الدّواب ليوافوا من يومهم المحشر ، ويبعث صالح على ناقته ، وأبعث أنا على البراق ، ويبعث ابناي الحسن والحسين على ناقتين من نوق الجنّة » (32). وعن زينب بنت أبي رافع ، عن فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّها أتت بالحسن والحسين إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله في شكواه الذي توفّي فيه ، فقالت : « يا رسول الله هذان ابناك فورثهما شيئاً ، فقال : أمّا الحسن فله هيبتي وسؤددي ، وأما حسين فله جرأتي وجودي » (33). وعن جابر قال : « قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : إنّ الله عزّ وجلّ جعل ذريّة كلّ نبي في صلبه ، وإنّ الله تعالى جعل ذريّتي في صلب علي بن أبي طالب » (34).
وعن عمر بن الخطّاب ، قال : « سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول : كلّ بني أنثى فإنّ عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة فإنّي أنا عصبتهم وأنا أبوهم » (35). وقال صلّى الله عليه وآله : « الحسن والحسين سبطان من الأسباط » (36). وقال صلّى الله عليه وآله : « حسن سبط من الأسباط » (37).
والأحاديث الشريفة المتقّدمة والتي تبيّن فضائل الإمام الحسن عليه السلام يراد منها : تنبيه المسلمين وتوجيههم للإرتباط بأرقى نماذج الشخصيّة الإنسانيّة لكي يقتدوا بها ويستسلمون استسلاماً واعياً متعقّلاً لمفاهيمها وقيمها ، ولكي يميّزوا بين الحقّ والباطل في معترك الأهواء والصراع والمنافسة بين التيّارات المتصارعة الآنية والمستقبليّة ، فجعل رسول الله صلّى الله عليه وآله أهل البيت عليهم السلام المقياس والميزان الذي تقاس وتوزن به المواقف والشخصيّات والتيّارات ، فمحاربتهم محاربة لرسول الله صلّى الله عليه وآله ومسالمتهم مسالمة لرسول الله صلّى الله عليه وآله كما ورد عن أبي هريرة ، قال : « نظر رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى عليّ وابنيه وفاطمة ، فقال : أنا حرب لمن حاربكم ، سلم لمن سالمـكم » (38). ونحوه عن زيد بن أرقم (39). وفي هذا الحديث الشريف ألقى رسول الله صلّى الله عليه وآله الحجّة على أعداء أهل البيت عليهم السلام وبيّن سلامة مواقفهم في خضمّ الأحداث الواقعة بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله كحرب الجمل وصفّين والنهروان ، وتمرّد معاوية الباغي الخبيث على دولة الإمام الحسن عليه السلام ، وقتل يزيد ـ لعنه الله ـ للإمام الحسين عليه السلام.
الإمامة بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله تعيّن بالنصّ ولا تترك لإختيار الأمّة ؛ فهي عهد من الله عزّ وجلّ للمصطفين من عباده ، وقد أكّد أهل البيت عليهم السلام تلك الحقيقة ، فالأمر ليس متروكاً للأمّة ولا حتّى لأهل البيت عليهم السلام أنفسهم ، فهم لا يستخلفون أو ينصّون على من بعدهم إلّا بعهد معهود من رسول الله صلّى الله عليه وآله وبأمر الله تعالى.
عن أبي بصير ، قال : « كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فذكروا الأوصياء وذكرت إسماعيل فقال : لا والله يا أبا محمّد ما ذاك إلينا وما هو إلّا إلى الله عزّ وجلّ ينزل واحداً بعد واحد » (40). وقال عليه السلام : « أترون الموصي منّا يوصي إلى من يريد ؟ لا والله ولكن عهد من الله ورسوله صلّى الله عليه وآله لرجل فرجل حتّى ينتهي الأمر إلى صاحبه » (41).
وعلّة النصّ هي أنّ الإمامة منصب عظيم وخطير ؛ لأنّ الإمام هو حجّة الله على خلقه ، وهو المقتدى به في أقواله وأفعاله ؛ ولذا فإنّ الامّة لا تستطيع أن تشخّص إمامها ، وهذا ما تؤكّده المسيرة الإسلاميّة وسير الأحداث ؛ فلابدّ وأن يكون الإختيار إلهيّاً للحفاظ على سلامة المفاهيم والقيم الإسلاميّة ، وحماية الإسلام من تحريف الضّالين وتأويل الجاهلين ، والنصّ سنة من سنن الله تعالى في تعيين الأئمّة والأوصياء من لدن آدم إلى خاتم الأنبياء والمرسلين. وقد نصّ رسول الله صلّى الله عليه وآله على إمامة الحسن عليه السلام في أقواله باعتباره أحد الأئمّة الإثني عشر ، فقد وردت روايات عديدة تنصّ على عدد الأئمّة نختار بعضها.
قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : « إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتّى يمضي فيهم إثنا عشر خليفة كلّهم من قريش » (42). وقال : « بعدي إثنا عشر خليفة » ، ثمّ أخفى صوته وقال : « كلّهم من بني هاشم » (43). وقال : « أهل بيتي عترتي من لحمي ودمي ، هم الأئمّة بعدي عدد نقباء بني إسرائيل » (44). وقال : « يا علي أنا وأنت وابناك الحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين أركان الدين ودعائم الإسلام ، من تبعنا نجا ، ومن تخلّف عنّا فإلى النار » (45). وقال للإمام الحسين عليه السلام : « أنت إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمّة تسعة تاسعهم قائمهم » (46). وقال في بيان أوصيائه من بعده : « أوّلهم أخي ووزيري ووارثي وخليفتي في أمّتي ، ووليّ كلّ مؤمن بعدي ... ثمّ ابني الحسن ثمّ ابني الحسين ، ثمّ تسعة من ولد الحسين ؛ واحد بعد واحد حتّى يردوا عليّ الحوض ، هم شهداء الله في أرضه ، وحجّته على خلقه ، وخزّان علمه ، ومعادن حكمته ؛ من أطاعهم أطاع الله ، ومن عصاهم عصى الله » (47). وقال بشأن الحسن والحسين عليهما السلام : « هذان ابناي إمامان قاما أو قعدا » (48). وقال في أهل بيته عليهم السلام : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدى ؛ أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما » (49). وقال أيضاً : « إنّما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق ، وإنّما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطّة في بني إسرائيل من دخله غُفِر له » (50). وقال : « النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأمّتي من الاختلاف ، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس » (51).
وما تقدّم يدلّ دلالة واضحة على إمامة الحسن عليه السلام فهو إمام مفترض الطاعة منصّب من الله تعالى ومن رسوله صلّى الله عليه وآله ، وهو المقتدى به في أقواله وأفعاله ؛ وعلى ضوء ذلك فهو المقياس الذي تقاس به أفكار ومواقف الآخرين ، فمن وافقه نجا ، ومن خالفه خسر وهوى ؛ ولهذا فلا يعذر من خالفه ومن قاتله كمعاوية ، فهو ليس مجتهداً فأخطأ ، كما يزعم أنصار الشجرة الملعونة (52) بل هو من البغاة العتاة المردة مع سبق الإصرار ؛ لأنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قد ألقى الحجّة على المسلمين بالنصّ على إمامة سبطه الحسن عليه السلام وعلى عصمته وصحّة أفكاره ومواقفه ، فلا تجوز مخالفته فضلاً عن التمرّد على خلافته بالعصيان العسكري.
الهوامش
1. سورة الأحزاب : ٣٣ / ٣٣.
2. جامع البيان / الطبرسي ٢٢ : ٦ ، الدرّ المنثور / السيوطي ٦ : ٦٠٣.
3. البداية والنهاية ٢ : ٢٥٧ ، دلائل النبوّة / البيهقي ١ : ١٧٠.
4. المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٧٢.
5. سورة الشورى : ٤٢ / ٢٣.
6. روح المعاني / الآلوسي ١٣ : ٣٢ ، الدرّ المنثور ٥ : ٧٨.
7. الجامع لأحكام القرآن / القرطبي ١٦ : ٢٣.
8. سورة الأحزاب : ٣٣ / ٥٦.
9. روح المعاني ١١ : ٢٥٣.
10. الصواعق المحرقة : ٢٢٨.
11. الصواعق المحرقة : ٢٢٧.
12. سورة الصّافات : ٣٧ / ١٣٠.
13. تفسير سفيان الثوري : ٢٤٨ ، تفسير القرآن العظيم / ابن كثير ٤ : ٢٠ ، زاد المسير / ابن القيّم ٦ : ٣٢٣ ، البرهان في تفسير القرآن / البحراني ٦ : ٣٨٠.
14. تفسير النسفي ٢ : ٣٩٣ ، وتفسير الماوردي ٥ : ٥.
15. البرهان في تفسير القرآن ٦ : ٤٤٨.
16. زاد المسير / ابن القيّم ٦ : ٣٢٠ ، ونحوه في : تفسير الماوردي ٥ : ٦٤.
17. سورة الإنسان : ٧٦ / ٨ ـ ٩.
18. الكشّاف / الزمخشري ٦ : ٢٧٨ ـ ٢٧٩ ، التفسير الكبير / الفخر الرازي ٣٠ : ٢٤٤ ، روح البيان / البرسوي ١٠ : ٢٦٩.
19. سورة آل عمران : ٣ / ٦١.
20. الكشّاف ١ : ٥٦٥ ، ٥٦٦ ، التفسير الكبير ٨ : ٨٥ و ٨٦.
21. سورة النحل : ١٦ / ٤٣.
22. شواهد التنزيل / الحاكم الحسكاني ١ : ٤٣٢.
23. سورة آل عمران : ٣ / ٧.
24. نهج البلاغة / ترتيب د. صبحي الصالح : ٢٠٠ ، الخطبة : ١٤٤.
25 سنن الترمذي : حديث ٣٧٩٣ ، باب مناقب الإمام الحسن عليه السلام.
26. تاريخ مدينة دمشق / ابن عساكر ١٣ : ٢٠٩.
27. سنن الترمذي : حديث ٣٧٩٥.
28. تاريخ مدينة دمشق ١٤ : ١٦٧.
29. كنز العمال / المتّقي الهندي ١٢ : ٩٧ / ٣٤١٦٢.
30. كنز العمال ١٢ : ١١٤ / ٣٤٢٦٢.
31. تاريخ مدينة دمشق ١٣ : ٢٢٩.
32. المعجم الكبير ٣ : ٤٣ / ٢٦٢٩.
33. المعجم الكبير ٢٢ : ٤٢٣ / ١٠٤١.
34. المعجم الكبير ٣ : ٤٤ / ٢٦٣٠.
35. المعجم الكبير ٣ : ٤٤ / ٢٦٣١.
36. كنز العمّال ١٢ : ١١٩ / ٣٤٢٨٣.
37. أسد الغابة / ابن الأثير ١ : ٤٩٠.
38. سير أعلام النبلاء ٣ : ٢٥٨.
39. المعجم الكبير ٣ : ٤٠ / ٢٦٢٠.
40. الكافي ١ : ٢٧٧ / ١ ، كتاب الحجّة ، باب : إنّ الإمامة عهد من الله.
41. الكافي ١ : ٢٧٨ / ٢ ، كتاب الحجّة ، باب : إنّ الإمامة عهد من الله.
42. صحيح مسلم ٢ : ١٨٣ / ١٨٢١ ، كتاب الإمارة ، باب : الخلافة في قريش.
43. ينابيع المودّة / القندوزي الحنفي ١ : ٣٠٨.
44. كفاية الأثر في النصّ على الأئمّة الاثني عشر / الخزاز : ٨٩.
45. الأمالي / المفيد : ٢١٧ / ٤ ، مجلس ٢٥.
46. جامع الأخبار / السبزواري : ٦٢ / ٨.
47. فرائد السمطين ، / الجويني ١ : ٣١٨ / ٢٠٥.
48. إعلام الورى بأعلام الهدى / الطبرسي : ٢١٤.
49. سنن الترمذي : حديث ٣٨١٣ ، مناقب أهل بيت النبي صلّى الله عليه وآله.
50. مجمع الزوائد / الهيثمي ٩ : ١٦٨ ، ونحوه في الصواعق المحرقة / الهيتمي : ٢٣٤ ، ويُنظر : المستدرك على الصحيحين / الحاكم النيسابوري ٣ : ١٥١.
51. المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٤٩.
52. الصواعق المحرقة : ٣٢٨.
مقتبس من كتاب : [ الإمام الحسن السّبط عليه السلام سيرة وتاريخ ] / الصفحة : 20 ـ 31
التعلیقات