من أسماء وألقاب أمير المؤمنين عليه السلام : « الأشجع »
علي أصغر شكوهي قوچاني
منذ 3 سنواتالأشجع
وكان من ألقابه عليه السلام أشجع النّاس ، أشجع مَن ركب ، الكرّار غير الفرّار. (1)
قال فضل الله بن روزبهان الشافعيّ الإصبهانيّ : ومن ألقاب عليّ بن أبي طالب عليه السلام : الأشجع المتين، أسد الله الغالب الكرّار، وحيدر العَرين. (2)
ولا يخفى أنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، كان أشجع الناس بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وأنّه خاض الحروب ، وثبت في المواقف الّتي طاشت فيها الألباب ، وبلغت القلوب الحناجر ، وأنّه عليه السلام لم يُوَلِّ دُبُراً قطّ.
وقيل : إنّ درعه كان مقدّماً بلا مؤخّر ، وأنّ الملائكة تعجب من حملاته. أمّا بذله جهده في الذبّ عن وجه رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وحمايته للقرآن الكريم وخاتم المرسلين ، فشيء لا يخفى على الأمّة بل العالم عامّة ، وإنّما تشيّدت مباني الدّين ، وثبتت قواعده ، وظهرت معالمه ، ورُفع لواؤه بسيف مولانا عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، وإنّ الفتوح بأجمعها كانت على يده ، ولم يبرز إليه أحد إلّا قتله.
وفي الرواية ، أنّه عُرف قتلى عليّ عليه السلام مِن قتلى المسلمين ، أنّه ليس في المقتول إلّا ضربة واحدة من عليّ عليه السلام ، ومن قتلى المسلمين في الواحد منهم خمس ضربات إلى ستّ ضربات ، وهو الّذي قلع باب خيبر بيده وجعله جسراً ، واجتمع عليه عصبة من النّاس ليقلبوه فلم يقدروا ، وكان يفتحه يردّه عشرون رجلاً.
قال الخطيب الخوارزميّ عن جابر ، قال : حمل عليّ عليه السلام باب خيبر يومئذٍ ، فجُرّب بعده فلم يحمله إلّا أربعون رجلاً. (3)
وقال عليه السلام : ما قلعتُ باب خيبر بقوّة جسمانيّة ، بل بقوة ربّانيّة. (4)
وقال ابن أبي الحديد : أمّا القوّة والأيْد ، فبه يُضرب المثل فيهما ، قال ابن قتيبة في المعارف : ما صارع أحداً قطّ إلّا صرعه. (5)
وقال ابن الأثير : كان عليّ ابن أبي طالب عليه السلام ، أشجع النّاس ، لأنّ ضربات عليّ عليه السلام ، كانت مُبتَكرات لا عَواناً ، أي ، أنّ ضربته كانت بِكراً ، يقتل بواحدة منها
لا يحتاج أن بعيد الضربة ثانياً ، يقال : ضَرْبَةٌ بِكر. (6)
وقال أيضاً : إنّ عليّاً عليه السلام حمل على عسكر المشركين ، فما زالوا يبقّطون ، أي يتعادون إلى الجبل متفرّقين. بقَّطَ الرجل إذا صعد الجبل ، والبقط التفرقة. (7)
وقال أيضاً : في حديث عمر ، أنّه سأل الأسقُف عن الخلفاء ، فحدّثه حتّى انتهى إلى نعت عليّ عليه السلام فقال عمر : « صداء من حديد » أو يروى : صدع أراد دوام ليس الحديد ، لاتّصال الحروب في أيّام عليّ عليه السلام ، وما مُني به مِن مقاتلة الخوارج والبغاة ، وملابسة الأمور المشكلة ، والخطوب المعضلة ، ولذلك قال عمر : « وادفراه » تضجّراً من ذلك واستفحاشاً. ورواه أبو عبيد غير مهموز كأنّ الصدا لغة في الصدع وهو اللّطيف الجسم ، أراد أنّ عليّاً عليه السلام خفيف يخفّ إلى الحروب ولا يكسل ؛ لشدة بأسه وشجاعته. (8)
وقال أيضاً : ومنه حديث عليّ عليه السلام كان إذا تَطاوَل قَدَّ ، وإذا تَقاصَر قَطّ ، أي قطع طولاً ، وقطع عرضاً. (9)
وبالجملة إنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام بلغ من القوّة والشدّة غايةً لم يبلغها أحد ، حتّى قيل : إنّه كان يقطّ الهام قطّ الأقلام. وبشجاعته العظيمة نال فضيلة أخرى كبرى هي الجهاد ، حتّى إنّ أكثر الفتوح كانت على يده بل كلّها ، ومنها ضربته لعمرو بن عبد وَدّ التي قال فيها النّبيّ صلّى الله عليه وآله : لَضربةٌ من عليّ لعمرو بن عبد وَدّ أفضل من عمل الثقلين. (10)
وهذه الشّجاعة هي الّتي أنامته على فراش النّبيّ صلّى الله عليه وآله حقتاً لدمه مع تظاهر العرب ورؤساء القبائل على محاربته وقتله. (11)
قال فضل الله بن روزبهان : هو الراقد في فراش الرسول الأمين حتّى باهى الله به الملائكة المقرّبين ، المُشْهِر لذي الفقار على الكَفَرَة المتمرّدين ، الكاسر لجيش قريش يوم بدر بقتل ثلاث من المشركين : الفالق بفتح ( بفرق ) كبش الكتيبة يوم اُحد بسيفه الرّصين ، الفارق رأس عمرو بن عبد وَدَّ يوم الخندق بالأيد المتين ، وأنزل الله تعالى في حقّه ( وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ) (12). وقال بعض القرّاء : وكفى الله المؤمنين القتال بعليّ ... ، وهو القالع لباب خيبر بعد قتل مرحبٍ بلا توهين ، ومحارب النّاكثين ، ومقاتل القاسطين ، وقاتل المارقين ، المُنزَل في مناقبه جلائل الآيات من الكتاب المبين. (13)
ولا يخفى أنّ الموافق والمخالف ، علموا أنّ عليّاً عليهالسلام كان أشجع الناس بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وأنّه بسيفه ثبتت قواعد الإسلام ، وتشيّدت أركان الإيمان ، وكانت الراية بيده يوم بدر وأحد ، ويوم الخندق ، ويوم خيبر بعد أن رجع غيره وانهزم.
روى ابن عساكر عن عبد الرحمان بن أبي ليلي عن أبيه ، أنّه قال لعليّ عليه السلام ، وكان يَسْمُر معه : إنّ النّاس قد أنكروا منك أن تخرج في البرد في الملاءتين ، وفي الحرّ في الحَشو والثّوب الثقيل ! قال : فقال عليّ عليه السلام : ألم تكن معنا بخيبر ؟ قال : بلى ، قال : فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله بعث أبا بكر ، وعقد له لواءً فرجع وقد انهزم ، فبعث عمر وعقد له لواءً، فرجع منهزماً بالنّاس ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لَأُعطينّ الرايةَ رجلاً يحبّه الله ورسوله ، ويحبّ الله ورسوله ، يفتح الله له ، ليس بفرّار. قال : فأرسل إليّ وأنا أرمد ، فقلت : إنّي أرمد ، فتفل في عيني ، ثمّ قال : اللّهمّ أكفِه أذى الحَرّ والبرد ، قال : فما وجدتُ حرّاً بعده ولا برداً. (14)
وقال ابن أبي الحديد : في شرح قوله عليه السلام : لابنه الحسن عليه السلام : « لا تَدْعُوَنّ إلى مُبارَزة ، فإن دُعيتَ إليها فأجب ، فإنّ الدّاعي إليها باغٍ ، والباغي مصروع ».
وقد ذكره الحكم ثمّ ذكر العلّة ، وما سمعنا أنّه عليهالسلام دعا إلى مبارزة قطّ ، وإنّما كان يُدعىٰ هو بعينه ، أو يُدعى مَنْ يبارز ، فيخرج إليه فيقتله. دعا بنو ربيعة بن شمس بني هاشم إلى البراز يوم بدر ، فخرج عليه السلام فقتل الوليد ، ودعا طلحة بن أبي طلحة إلى البراز يوم أُحد ، فخرج إليه فقتله ، ودعا مرحب إلى البراز يوم خيبر فخرج إليه فقتله.
فأمّا الخَرجة الّتي خرجها يوم الخندق إلى عمرو بن عبد وَدّ ، ، فإنّها أجلّ من أن يقال جليلة ، وأعظم مِن أن يقال عظيمة ، وما هي إلّا كما قال شيخنا أبو الهذيل ، وقد سأله سائل : أيّما أعظم عند الله تعالى عليّ أم أبو بكر ؟ فقال : يا ابن أخي ، واللهِ لَمبارزة عليّ عَمْراً يوم الخندق تَعدِلُ أعمال المهاجرين والأنصار وطاعاتهم كلّها وتُربي عليها ، فضلاً عن أبي بكر وحده. (15)
وكان عليّ عليه السلام يقول : لو تظاهَرَت العربُ على قتالي ، لمّا ولّيت. ولقد أرى العالم نموذجاً منها في يَوم بدر وأحد حيث انهزم المسلمون ، وبقي عليّ عليه السلام وحده يحارب بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وآله ويذبّ عنه أعداءه مِن جميع أطرافه ونواحيه ، حتى نزل جبرئيل عليه السلام قائلاً :
لا سيف إلّا ذو الفقار |
ولا فتى إلّا علي (16) |
وقال أيضاً : لمّا دعا الإمام عليّ عليه السلام معاوية في صفّين إلى المبارزة ليستريح النّاس من الحرب بقتل أحدهما ، قال له عمرو : لقد أنصَفَك ، فقال له معاوية : ما غَشَشتَني منذ نصحتني إلّا اليوم ، أتأمرني بمبارزة أبي الحسن وأنت تعلم أنّه الشجاع المطرق ، أراك طمعت في إمارة الشام بعدي !! (17)
وقال الفقيه الشافعي ابن مغازليّ : كان المشركون إذا بَصُروا بعليّ عليه السلام في الحرب عَهِد بعضُهم إلى بعض. (18)
وقال الراغب : قيل : كانت قريش إذا رأت عليّ بن أبي طالب عليه السلام في كتيبة تَواصَت خوفاً منه. (19)
وقال الأبشيهيّ : وقال بعض العرب : ما لَقِينا كتيبة فيها عليّ بن أبي طالب عليه السلام إلّا أوصىٰ بعضنا إلى بعض. (20)
وشجاعة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام أشهر من أن تذكر ، وهو صاحب راية رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وفاتح خيبر ، وشهرته ببدر وأحد وغيرها من المشاهد بلغت حدّ التواتر ، حتى صارت شجاعته معلومة بالضرورة ويُضرب بها المثل، ولا يمكن جحودها مِن صديق ولا عدوّ.
وقبل لعليّ بن أبي طالب عليه السلام : ما أحبّ الأشياء إليك ؟ قال : إطعام الضيف ، والضرب بالسّيف ، والصوم في الصيف.
الهوامش
1. مناقب آل أبي طالب 3 / 323 ، 326 ، 330.
2. وسيلة الخادم إلى المخدوم 105 ، 106.
3. المناقب للخوارزميّ 172 ؛ وانظر تاريخ بغداد 11 / 345 ؛ فرائد السّمطين 1 / 261.
4. شرح المواقف 8 / 371.
5. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1 / 21.
6. النّهاية في غريب الحديث 1 / 149 « بكر ».
7. نفس المصدر 1 / 145.
8. النّهاية 3 / 15 « صد ».
9. نفس المصدر 4 / 21 « قطّ ».
10. التفسير الكبير للرازيّ 32 / 31 ، في تفسير سورة القدر ؛ المناقب للخوارزميّ 107 ؛ فردوس الأخبار 3 / 504 ، رقم 5445 ؛ المستدرك للحاكم 3 / 132 ؛ المنتظم 17 / 149 ؛ معارج النبوّة ، الركن الرابع 130 ؛ تنبيه الغافلين 49 ؛ الطّرائف 60.
11. تفسير الثعلبيّ 2 / 126 ؛ مسند أحمد بن حنبل 1 / 331 ؛ تفسير القرطبيّ 9 / 140 ؛ مروج الذهب 2 / 425 ؛ المستدرك للحاكم 3 / 132 ؛ تاريخ دمشق الكبير 23 / 52 ـ 54 ؛ المناقب للخوارزميّ 127 ؛ كفاية الطالب 209.
12. الأحزاب / 25.
13. وسيلة الخادم إلى المخدوم 109 ـ 117.
14. ترجمة الإمام عليّ عليه السلام لابن عساكر 1 / 220 ؛ تاريخ دمشق الكبير 23 / 79 ـ 86 ؛ مسند أحمد بن حنبل 1 / 34 ، 169 باختلاف ؛ مجمع الزّوائد 9 / 124 ؛ المستدرك للحاكم 3 / 111 ؛ المناقب للخوارزميّ 170 ؛ حلية الأولياء 1 / 65 ؛ البداية والنّهاية 4 / 189 ؛ صحيح مسلم 2 / 448 ؛ سنن ابن ماجة 1 / 45 ؛ سنن الترمذيّ 5 / 301 ؛ دلائل النبوّة للبيهقيّ 4 / 112.
15. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 19 / 60.
16. نفس المصدر 1 / 9 ، 2 / 23 ، 207 ـ 311 ؛ تاريخ الطبريّ 3 / 17 ؛ المناقب للخوارزميّ 167 ؛ المناقب لابن المغازليّ 117 ، 181 ؛ الفصول المهمّة 57 ؛ ذخائر العقبى 73 ؛ وقعة صفّين 478 ؛ فرائد السّمطين 1 / 251.
17. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1 / 20 ، 5 / 217 ؛ محاضرات الأدباء 1 / 131.
18. المناقب لابن مغازليّ 72.
19. محاضرات الأدباء 3 / 138.
20. المستطرف 1 / 19.
مقتبس من كتاب : [ أسماء وألقاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ] / الصفحة : 41 ـ 47
التعلیقات