القداسة المزيّفة في معركة الجمل
الشيخ محمد كنعان
منذ 3 سنواتالقداسة المزيّفة في معركة الجمل
الجمل : الذي كان في واقعة الجمل ، وسمّيت المعركة باسمه الجمل كان اسمه عسكرا (1) ، وكان من الأبل القوية ، واختير خصيصاً ؛ لأنه كان قوي البنية. وجُعل لعائشة عليه هودج والهودج كان مُصفّح بالجلود التي لا تؤثر فيه النبال (2) ، وبقي هذا الجمل يشكّل راية لأصحابه. فالتفت لذلك أمير المؤمنين صلوات الله عليه.
فالآن من الذي يقود المعركة ضد أمير المؤمنين صلوات الله عليه فالزبير قد أعتزل الناس قبل بدء المعركة (3) ، وطلحة قُتل في اليوم الأوّل وقد رماه مروان بن الحكم بسهم ومات (4) ، فمن قاد المعركة لم يبقى من القيادات إلّا عائشة ، وكانت على جملها ، وهذا تاريخ لا يمكن لأحد أن يأكله أو يبتلعه ، أو يخفيه ، استمرّت المعركة عدّة أيام وإلّا أين سقط 17000 ألف قتيل (5).
الجمل كان يشكّل رمزية وأمير المؤمنين صلوات الله عليه كان يعلم إذا الجمل يسقط ينهار القوم ، وقد أحاط بالجمل بنو ضبة وهم من شجعان العرب ، واتّخذ لديهم الجمل حالة من القداسة بأنّ أمّهم كانت في ذلك الرمز ، ويريدون أن يستمرّ بقاؤه وقيامه ، وذلك لتجمع الجيوش من حوله ، حتّى لما وصل الإمام الحسن عليه السلام عنده وضربه وعَرقَبه ـ أي : ضرب رجل الجمل ، وقطعها ـ ، دخل رجل من بني ضبّة وأسند الجمل بكتفه حتّى بقي الجمل واقفاً (6).
هذه القداسة وهذا الحشد حول الجمل لماذا ؟
فكان لابدّ من إسقاط الجمل ؛ لذلك ركزّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى العتاد من أصحابه الأقوياء على أن يسقط الجمل ، وتولّى المهمّة الإمام الحسن عليه السلام حتى أسقط الجمل (7) ، ثمّ أمر به أمير المؤمنين عليه السلام فأحرق كي لا يتّخذ له رمزيّة ، كما صنع نبي الله موسى على نبيّنا وعلى آله وعليه السلام بعجل بني اسرائيل عندما حرقه ونسفه في اليم نسفاً (8).
شكّل الجمل رمزيّة كادت أن تتحوّل إلى صنميّة لاستجلاب الناس حول ذلك الجمل ، أراد أمير المؤمنين أن يسقط من ذاكرة هذه الأمّة هذه المئسات وهذه الرمزيّة التي شكّلها الجمل.
الهوامش
1. ولمّا عزمت عائشة على الخروج إلى البصرة طلبوا لها بعيراً أيّداً يحمل هودجها فجاءهم يعلى بن أمية [ منية « خ » ] ببعير يسمّى عسكراً وكان عظيم الخلق شديداً فلمّا رأته أعجبها وأنشأ الجمال يحدثها بقوّته وشدّته ويقول في أثناء كلامه « عسكر » فلمّا سمعت هذه اللفظة استرجعت وقالت : ردّوه لا حاجة لي فيه وذكرت حيث سئلت أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ذكر لها هذا الإِسم ونهاها عن ركوبه وأمرت أن يطلب لها غيره فلم يوجد لها ما يشبهه فغيّر لها بجلال غير جلاله وقيل لها : قد أصبنا لك أعظم منه خلقاً وأشدّ منه قوّةً وأتيت به فرضيت !!! [ بحار الأنوار « للمجلسي » / المجلّد : 32 / الصفحة : 138 / الناشر : مؤسسة الوفاء / الطبعة : 2 ]
2. وأضاف ابن أبي الحديد : وركبت عائشة يوم الحرب الجملَ المسمَّى عسكرا في هَوْدج ، قد ألبس الرّفْرف ، ثم ألبِس جلود النّمِر ، ثم ألبِس فوق ذلك دروع الحديد. [ شرح نهج البلاغة « لابن أبي الحديد » / المجلّد : 5 / الصفحة : 227 / الناشر: دار إحياء الكتب العربيّة / الطبعة : 2 ] ، [ راجع : الفتوح « لابن أعثم » / المجلّد : 2 / الصفحة : 456 ـ 457 / الناشر : دار الكتب العلميّة ـ بيروت / الطبعة : 2 ]
وزاد الطبري : أطافت ضبّة والأزد بعائشةَ يومَ الجمل ، وإذا رجال من الأزد يأخذون بعْرَ الجمل فيفتّونه ويُشمّونه ، ويقولون : بعر جملِ أمِّنا ريحُه ريحُ المسك ... [ تاريخ الطبري / المجلّد : 3 / الصفحة : 48 ـ 49 / الناشر : دار الكتب العلميّة ـ بيروت / الطبعة : 2 ]
3. کان أحد الأركان في معركة الجمل ، ففي بداية الأمر حث هو وطلحة على عائشة زوجة النبي صلی الله عليه وآله وسلم للخروج إلى البصرة ، فضربوا عثمان بن حنيف والي الإمام علي عليه السلام ، ونكلوا به تنكيلاً شديداً [ راجع : الاستيعاب في معرفة الأصحاب « لابن عبدالبر » / المجلّد : 1 / الصفحة : 366 ـ 367 / الناشر : دار صادر ـ بيروت / الطبعة : 1 ] ، ثمّ استنفر الإمام علي عليه السلام أنصاره ، فأتوا إلى البصرة ، ووقعت معركة الجمل ، وانتهت المعركة بمقتل الزبير وطلحة.
دعا الإمام علي عليه السلام الزبير في معركة الجمل وهو بين الصفين فقال الإمام له : أنت آمن ، تعال حتى أكلمك ، فأتاه حتى اختلفت أعناق دابتيهما ، فذّكر أمير المؤمنين عليه السلام الزبير بحديث النبي صلی الله عليه وآله وسلم حيث قال له : أتحب علياً ؟ قلت : ألا أحب ابن خالي وابن عمتي وعلى ديني. وإخباره عن قتاله للإمام عليه السلام ، فصدّقه الزبير ، فرجع عن القتال. [ راجع : بحار الأنوار « للمجلسي » / المجلّد : 18 / الصفحة : 123 / الناشر : مؤسسة الوفاء ـ بيروت / الطبعة : 2 ] ، [ راجع : تاريخ مدينة دمشق « لابن عساكر » / المجلّد : 18 / الصفحة : 408 و 409 / الناشر : دار الفكر ـ بيروت ]
بعد أن اعتزل الزبير المعركة نزل على قوم من بني تميم في منطقة تسمى بوادي السباع ، فقتله عمرو بن جرموز المجاشعي ، ودفن بوادي السباع ثمّ حوّل إلى البصرة. [ راجع : لوامع الأنوار البهيّة « للسفاريني » / المجلّد : 2 / الصفحة : 271 / الناشر : دار الكتب العلميّة ـ بيروت ] ، [ راجع : المناقب « للخوارزمي » / الصفحة : 114 / الناشر : مكتبة نينوى الحديث ـ طهران ]
4. فقُتل طلحة بن عبيد الله في المعركة ، رماه مروان بن الحكم بسهم فصرعه ، وقال : لا أطلب والله بعد اليوم بثأر عثمان ، وأنا قتلته ؛ فقال طلحة لمّا سقط : تالله ما رأيت كاليوم ، قطّ ، شيخاً من قريش أضيع مني ! إني والله ما وقفت موقفاً قطّ إلّا عرفت موضع قدمي فيه ، إلّا هذا الموقف. [ تاريخ اليعقوبي / المجلّد : 2 / الصفحة : 182 / الناشر : دار صادر ـ بيروت ]
5. وكان عدّة من قتل من جند الجمل ستّة عشر ألفاً وسبعمئة وتسعين إنساناً ، وكانوا ثلاثين ألفاً ، فأتى القتل على أكثر من نصفهم ، وقتل من أصحاب عليّ عليه السلام ألف وسبعون رجلاً ، وكانون عشرين ألفاً. [ كشف الغمة في معرفة الأئمّة « للأربلي » / المجلّد : 1 / الصفحة : 436 / الناشر : المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام ]
حدّثني عمر بن شبّة ، قال : حدّثنا أبو الحسن ، قال : حدّثنا محمد ابن الفضل بن عطيّة الخُراسانيّ ، عن سعيد القُطَعِيّ ، قال : كنّا نتحدّث أنّ قتلى الجمل يزيدون على ستّة آلاف. [ تاريخ الطبري / المجلّد : 4 / الصفحة : 545 / الناشر : دار سويدان ـ بيروت ].
كتب إليّ السريّ ، عن شعيب ، عن سيف ، عن محمد وطلحة ، قالا : كان قتلَى الجمل حول الجمل عشرة آلاف ؛ نصفهُم من أصحاب عليّ ، ونصفهم من أصحاب عائشة. [ تاريخ الطبري / المجلّد : 4 / الصفحة : 539 / الناشر : دار سويدان ـ بيروت ]
قال أبو يعقوب إسحاق بن يوسف الفزاري : سألت أبا المنذر هشام بن محمد ابن السائب عمن قتل من أصحاب عليّ رضي الله عنه وعائشة رضي الله عنها في يوم الجمل ، فقال : أما علي رضي الله عنه فكان في عشرين ألفاً ، قتل من أصحابه ألف رجل وسبعون رجلاً ، وأما عائشة فكانت في ثلاثين ألفاً ويزيدون ، فقتل من الأزد خاصة أربعة آلاف رجل ، من بني ضبة ألف رجل ، ومن بني ناجية أربعمائة رجل ؛ ومن بني عدي ومواليهم تسعون رجلاً ، ومن بني بكر بن وائل ثمانمائة رجل ، ومن بني حنظلة سبعمائة رجل ، ومن سائر أخلاط الناس تسعة آلاف رجل. [ الفتوح « لابن أعثم الكوفي » / المجلّد : 1 / الصفحة : 495 / الناشر : دار الكتب العلميّة ـ بيروت / الطبعة : 1 ]
سعيدٌ عن قَتادة قال : قُتل يوم الجمل مع عائشة عشرون ألفاً ، منهم ثمانمائة من بني ضبّة. [ العقد الفريد « لابن عبد ربه الأندلسي » / المجلّد : 4 / الصفحة : 326 / الناشر : دار الكتاب العربي ـ بيروت ]
وكان جميع القتلى عشرة آلاف نصفهم من أصحاب عليّ ونصفهم من أصحاب عائشة ، وقيل غير ذلك ، وقُتل من ضبّة ألف رجل ، وقُتل من بني عدي حول الجمل سبعون رجلاً كلّهم قدر قرأ القرآن سوى الشباب ومن لم يقرأ. [ الكامل في التاريخ « لابن أثير » / المجلّد : 3 / الصفحة : 255 ـ 256 / الناشر : دار صادر ـ بيروت.
6. وشكت السهام الهودج حتى كأنه جناح نسر أو شوك قنفذ فقال أمير المؤمنين عليه السلام : ( ما أراه يقاتلكم غير هذا الهودج اعقروا الجمل ). وفي رواية : ( عرقبوه فإنه شيطان ). وقال لمحمد بن أبي بكر : ( انظر إذا عرقب الجمل ، فأدرك أختك فَوَارِها ). فعرقب رجل منه فدخل تحته رجلٌ ضبّيّ ثم عرقب أخرى عبد الرحمن فوقع على جنبه فقطع عمار نسعه فأتاه عليّ عليه السلام ودق رمحه على الهودج وقال : ( يا عائشة أهكذا أمرك رسول الله أن تفعلي ؟ ) فقالت : يا أبا الحسن ظفرت ، فأحسن وملكت فأسجح فقال لمحمد بن أبي بكر : ( شأنك وأختك فلا يدنُ منها أحد سواك ). [ مناقب آل أبي طالب « لابن شهر آشوب » / المجلّد : 3 / الصفحة : 189 / الناشر : دار الأضواء ـ بيروت / الطبعة : 2 ]
7. ودعا امير المؤمنين عليه السلام محمّد بن الحنفية يوم الجمل فأعطاه رمحه وقال له : اقصد بهذا الرمح قصد الجمل فذهب فمنعوه بنو ضبة ، فلما رجع الى والده انتزع الحسن رمحه من يده وقصد قصد الجمل ، وطعنه برمحه ورجع الى والده وعلى رمحه اثر الدم فتمعر وجه محمد من ذلك ، فقال امير المؤمنين لا تأنف فانه ابن النبي وانت ابن علي. [ مناقب آل أبي طالب « لابن شهر آشوب » / المجلّد : 4 / الصفحة : 21 / الناشر : مؤسسة علّامة ـ قم ] ، [ بحار الأنوار « للمجلسي » / المجلّد : 32 / الصفحة : 187 / الناشر : منشورات مطبعة وزارة الإرشاد الإسلامي / الطبعة : 1 ]
8. ( قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا ) [ طه : 97 ].
التعلیقات