شعر وأدب الامام الشافعي
جواد شبّر
منذ سنتينالامام الشافعي :
تأوَّه قلبي والفؤادُ كئيبُ |
وأرَّق نومي فالسهادُ عجيبُ |
|
فمن مبلغٌ ، عني الحسينَ رسالةً |
وإن كرهتها أنفسٌ وقلوبُ |
|
ذبيحٌ ، بلا جرم كأنّ قميصه |
صبيغ بماء الارجوان خضيب |
|
فللسيف إعوال وللرمح رنّة |
وللخيل من بعد الصهيل نحيب |
|
تزلزلت الدنيا لآل محمد |
وكادت لهم صمّ الجبال تذوب |
|
وغارت نجوم واقشعرّت كواكب |
وهُتِّك أستار وشُقّ جيوب |
|
يُصلّى على المبعوث من آلِ هاشم |
ويُغزى بنوه إنّ ذا لعجيب |
|
لئن كان ذنبي حبّ آلِ محمد |
فذلك ذنب لست عنه أتوب |
|
هم شفعائي يوم حشري وموقفي |
إذا ما بدت للناظرين خطوب (1) |
الشاعر :
هو محمد بن ادريس الشافعي المولود سنة 150 والمتوفي سنة 204 بمصر يوم الجمعة سلخ رجب .
نسبه : محمد بن ادريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب ابن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف فالشافعي قرشي النسب .
نشأ يتيما في حجر امه وتولت تربيته عندما خشيت عليه الضيعة فأرسلته الى مكة المكرمة وهو ابن عشر سنين ، اما ولادته فكانت بغزة وقيل بعسقلان وقيل باليمن في السنة التي توفي فيها أبو حنيفة سنة 150 ولقد زاد بعضهم فقال انه ولد في الليلة التي توفي فيها ابو حنيفة وجعلوا ذلك من البشائر فيه والاشارة لعظمته .
قدم الشافعي مكة المكرمة وهو يومئذ ابن عشر سنين فحفظ القرآن الكريم وتعلَّم الكتابة وكان حريصاً على استماع الحديث ، وكان يكتب على الخزف مرة وعلى الجلود اخرى ، واتجه لطلب الفقه وحضر على بعض علماء مكة ، ثم توجه الى المدينة وحضر على مالك بن انس واتصل به ، ثم بعد ذلك قدم بغداد ثلاث مرات . وقدم الشافعي الى مصر سنة 198 ونزل بالفسطاط ضيفاً كريماً على محمد بن عبد الله بن عبد الحكم فأكرم مثواه ووازره ، وكانت لمحمد بن عبد الله مكانة في مصر ورياسة علمية ، وكان أهل مصر لا يعدلون به احداً ، وتأكدت بينه وبين الشافعي مودة وإخاء وقام في معونة الشافعي ومؤازرته ونشر علمه وللشافعي شعر كثير في الحكم والنصائح .
قال ابن خلكان : ومن الشعر المنسوب الى الشافعي :
كلما أدبنى الدهر |
أراني نقص عقلي |
|
واذا ما ازددت علماً |
زادني علماً بجهلي |
وقال الشافعي : تزوجت امرأة من قريش بمكة ، وكنت امازحها فأقول :
ومن البليّة أن تحبَّ |
فلا يحبّك من تحبهْ |
فتقول هي :
وتصدُّ عنك بوجهه |
وتلحّ أنتَ فلا تُغِبّه |
وقال ابن خلكان : ومن شعره ما نقلته من خط الحافظ ابي طاهر السلفي :
إن الذي رُزق اليسار ولم يُصب |
حمداً ولا أجراً لغير موفّقِ |
|
الجدّ يُدني كل أمر شاسع |
والجدّ يفتح كل باب مغلق |
|
واذا سمعت بأن مجدوداً حوى |
عودا فاثمر في يديه فصدّق |
|
وإذا سمعتَ بأن محروماً أتى |
ماءً ليشربه فغاض فحقق |
|
لو كان بالحيل الغنى لوجدتني |
بنجوم أقطار السما تعلّقي |
|
لكن من رزق الحجا حُرِم الغنى |
ضدّان مفترقان أي تفرق |
|
ومن الدليل على القضاء وكونه |
بؤس اللبيب وطيب عيش الاحمق |
ومن قوله :
امطرى لؤلؤاً جبال سرنديب |
وفيضي آبار تكريب تبرا |
|
همتي همة الملوك ونفسي |
نفس حرٍّ ترى المذلة كفرا |
|
انا إن عشت لست اعدم قوتاً |
وإذا مت لست أعدم قبراً |
وهو القائل :
ولو الشعر بالعلماء يزري |
لكنتُ اليومَ أشعرَ من لبيد |
كان الامام الشافعي يتظاهر بمدح أهل البيت صلوات الله عليهم ويميل اليهم فيقول :
آل النبي ذريعتي |
وهموا اليه وسيلتي |
|
ارجو بأن اعطى غداً |
بيدي اليمين صحيفتي |
واشتهر عند قوله :
يا آل بيت رسول الله حبكموا |
فرضٌ من الله في القرآن انزله (2) |
|
يكفيكم من عظيم الذكر انكموا |
من لم يصلِّ عليكم لا صلاة له |
ويوضح في الابيات الآتية عن سبب اتهامه بالرفض أو التشيع :
قالوا ترفضتَ قلت كلا |
ما الرفض ديني واعتقادي |
|
لكن توليتُ دون شكٍ |
خير إمام وخير هادي |
|
إن كان حبُّ الوصي رفضاً |
فأنني أرفض العباد |
وروى شيخ الاسلام الحموي في فوائده في الباب الثاني والعشرين من طريق ابي الحسن الواحدي باسناده عن الربيع بن سلمان ، قال : قال النبهاني في الشرف المؤبد لآل محمد ص 99 روى السبكي في طبقاته بسنده المتصل الى الربيع بن سليمان المرادي ـ صاحب الامام الشافعي ـ قال خرجنا مع الشافعي من مكة نريد منى ، فلم ينزل وادياً ولم يصعد شعبا إلا وهو يقول :
يا راكباً قف بالمحصّب من منى |
واهتف بساكن خيفها والناهضِ |
|
سحراً اذا فاض الحجيج إلى منى |
فيضاً كملتطم الفرات الفائض |
|
إن كان رفضاً حبُّ آل محمد |
فليشهد الثقلان اني رافضي |
ورواها الفخر الرازي في مناقب الشافعي ص 15
وسئل الشافعي يوماً عن علي عليه السلام فقال : ما اقول في رجل أخفت أولياؤه فضائله خوفاً ، وأخفت اعداؤه فضائله حسداً وقد شاع من بين ذين ما ملأ الخافقين . وأخذ هذا المعنى السيد تاج الدين فقال :
لقد كتمت آثار آل محمد |
محبوهم خوفا وأعداؤهم بغضا |
|
فشاع لهم بين الفريقين نبذةٌ |
بها ملأ الله السماوات والارضا |
وقال محمد بن ادريس الشافعي ايضاً :
ولما رأيت الناس قد ذهبت بهم |
مذاهبهم في أبحر الغيّ والجهل |
|
ركبتُ على اسم الله في سفن النجا |
وهم آل بيت المصطفى خاتم الرسل |
|
وأمسكت حبل الله وهو ولاؤهم |
كما قد أُمرنا بالتمسك بالحبل |
|
اذا افترقت في الدين سبعون فرقةً |
ونيْفاً كما قد صحَّ في محكم النقل |
|
ولم يك ناجٍ منهم غير فرقةٍ |
فقل لي بها يا ذا الرجاحة والعقل |
|
أفي فرق الهلاك آل محمد |
أم الفرقة اللاتي نجت منهم قل لي |
|
فإن قلتَ في الناجين فالقول واحد |
وإن قلت في الهُّلاك حفت عن العدل |
|
اذا كان مولى القوم منهم فانني |
رضيت بهم ما زال في طلهم طلي |
|
فخلِّ عليا لي إماما ونسله |
وانت من الباقين في سائر الحلِّ |
اقول : وتعجبني كلمة للدكتور يعقوب صروف صاحب مجلة ( المقتطف ) ـ وهو من اكبر الشخصيات العلمية ـ قال : وليس ما يفتخر به محصوراً في الفوز السياسي وفتح البلدان ، بل ان للاخلاق . والفضائل مقاماً أرفع في حياة الامم ، وكل ما قرأناه في الكتب العربية والافرنجية التي تذكر تاريخ الممالك الاسلامية رأيناه ينوّه بفضائل اهل البيت ولو خفف من شأنهم في السياسة
قيل للشافعي ان قوماً لا يصبرون على سماع فضيلة لاهل البيت فاذا اراد احد يذكرها يقولون هذا رافضي قال فأنشأ الشافعي يقول :
اذا في مجلس ذكروا علياً |
وسبطيه وفاطمة الزكيه |
|
فاجرى بعضهم ذكرى سواهم |
فأيقن انه لسلقلقيه |
|
اذا ذكروا علياً أو بنيه |
تشاغل بالروايات الدنيّة |
|
وقال تجاوزوا يا قوم عنه |
فهذا من حديث الرافضيه |
|
برأت الى المهمين من اناسٍ |
يرون الرفض حبِّ الفاطميه |
|
على آل الرسول صلاة ربي |
ولعنته لتلك الجاهليه |
وقال ـ كما روى الفخر الرازي في المناقب ص 51 ـ ونحن اخذناه عن كتاب ( الامام الصادق والمذاهب الاربعة ) ج 3 ص 321
أنا الشيعي في ديني ، واصلي |
بمكة ثم داري عسقليه |
|
باطيب مولد وأعزّ فخراً |
وأحسن مذهبٍ سموا البريّة |
روى الشيخ القمي في الكنى والالقاب عن فهرست ابن النديم قال : كان الشافعي شديداً في التشيع ، وذكر له رجل يوماً مسألة فأجاب فيها ، فقال له : خالفتَ علي بن ابي طالب ، فقال له : ثبّت لي هذا عن علي بن ابي طالب حتى أضع خدي على التراب ، واقول : قد اخطأت وأرجع عن قولي إلى قوله . وحضر ذات يوم مجلساً فيه بعض الطالبيين ، فقال : لا أتكلم في مجلس يحضره احدهم هو أحق بالكلام ولهم الرياسة والفضل انتهى .
ومن روائع اقواله :
واذا عجزت عن العدو فداره |
وامزح له إن المزاح وفاق |
|
فالماء بالنار التي هي ضده |
يعطي النضاج وطبعها الاحراق |
وله كما في خريدة القصر :
وما خرَّ نصل السيف إغلاقُ غمده |
إذا كان عضباً حيث انفذته برى |
وله :
يقولون اسباب الفراغ ثلاثة |
واربعة خلوّه وهو خيارها |
|
وقد ذكروا مالا وأمناً وصحة |
ولم يعلموا ان الشباب مدارها |
وذكر ابن خلكان في ترجمة ابي عمرو أشهب بن عبد العزيز الفقيه المالكي المصري المتوفي سنة 204 قال ابن عبد الحكم سمعت اشهب يدعو على الشافعي بالموت ، فذكرت ذلك للشافعي فقال متمثلاً
تمنى رجال أن اموت فان أمت |
فتلك سبيل لست بأوحد |
|
فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى |
تزوّد لأخرى غيرها فكأن قد |
قال فمات الشافعي فأشترى أشهب من تركته عبداً ، ثم مات أشهب فأشتريت انا ذلك العبد من تركته . قال المسعودي حدثني فقير ابن مسكين عن المزني ـ وكان سماعنا من فقير بمدينة أسوان بصعيد مصر ـ قال : قال المزني دخلت على الشافعي غداة وفاته فقلت له : كيف اصبحت يا ابا عبد الله ، قال : اصبحت من الدنيا راحلاً ، ولإخواني مفارقاً وبكأس المنية شارباً ولا ادري الى الجنة تصير روحي فاهنيها أم الى النار فأعزّيها ، وانشأ يقول :
ولما قسى قلبي وضاقت مذاهبي |
جعلت الرجا مني لعفوك سلَّما |
|
تعاظمني ذنبى فلما قرنته |
بعفوك ربي كان عفوك أعظما |
وللشافعي في مدح السفر :
ما في المقام لذي عقل وذي أدب |
من راحةٍ فدعِ الأوطان وأغترب |
|
سافر تجد عوضاً عمن تفارقه |
وانصب فان لذيذ العيش في النصب |
|
إني رأيت وقوف الماء يفسده |
إن سال طاب وإن لم يجر لم يطب |
|
الأسد لولا فراق الغاب ما افترست |
والسهم لولا فراق القوس لم يصب |
|
والشمس لو وقفت في الفلك دائمة |
لملها الناس من عجم ومن عرب |
|
والتبر كالترب ملقى في أماكنه |
والعود في أرضه نوعٌ من الحطب |
|
فان تغرّب هذا عزّ مطلبه |
وإن تغرب ذاك عزّ كالذّهب |
وله في المؤاخاة :
إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفاً |
فدعه ولا تكثر عليه التأسفا |
|
ففي الناس أبدال وفي الترك راحة |
وفي القلب صبر للحبيب ولو جفا |
|
فما كل من تهواه يهواك قلبه |
ولا خير في ود يجيء تكلفا |
|
إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة |
ولا كل من صافيته لك قد صفا |
|
ولا خير في خل يخون خليله |
ويلقاه به بصر المودة بالجفا |
|
وينكر عيشاً قد تقادم عهده |
ويظهر سراً كان بالأمس في خفا |
|
سلام على الدنيا إذا لم يكن بها |
صديق صدوق يصدق الوعد منصفا |
وله في عز النفس :
وعين الرضا عن كل عيب كليلة |
كما أن عين السخط تُبدي المساويا |
|
ولست بهيابٍ لمن لا يهابني |
ولست أرى للمرء ما لا يرى ليا |
|
فان تدن مني تدن منك مودتي |
وإن تنأ عني تلقني عنك نائيا |
|
كلانا غني عن أخيه حياته |
ونحن إذا متنا أشد تغانيا |
الهوامش
1. كذا في المناقب وفي ينابيع المودة للشيخ سليمان الحنفي القندوزي قال : وقال الحافظ جمال الدين المدني في كتابه ( معراج الوصول ) ان الامام الشافعي انشد :
ومما نفى نومي وشيب لمتي |
تصاريف ايام لهن خطوب |
الابيات . . .
2. اشارة الى الآية الشريفة : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَ )
مقتبس من كتاب : [ أدب الطف ] / المجلّد : 1 / الصفحة : 214 ـ 222
التعلیقات