تأثير الفطرة في التربية
موقع الوارث
منذ 7 سنواتإن أهم واجبات الأنبياء هو إيقاظ الجوانب الفطرية عند الانسان واستغلال الثروات
الالهامية فيه. يقول الامام علي عليه السلام في هذا الصدد: "فبعث الله فيهم رسله، وواتر إليهم أنبياءه ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكروهم منسي نعمته ويجتمعوا عليهم بالتبليغ، ويثيروا لهم دفائن العقول"1.
الفرق بين التذكير والتعليم
ربما تكون قد حفظت قصيدة قبل عشرين سنة، ونسيتها على أثر الإهمال والغفلة، وليست لديك أية التفاتة إلى شيء منها أصلاً، ويصادف أن يقرأ شخص تلك القصيدة أمامك فبمجرد أن يبدأ بقراءة البيت الأول تحس بأنس وقرب إلى تلك القصيدة فتعمل حافظتك وتجتهد لتذكر الأبيات التي نسيتها... وفي الواقع ان الذي قرأ لك الأشعار نبهك إلى حقيقة موجودة في ضميرك لكنها منسية. هذا الشخص يسمى بـ (المذكر)، ويسمى عمله (تذكيراً). أما إذا نظم شخص قصيدة حديثة وقرأها لك وعلمها إياك بيتاً بيتاً، فيقال له المعلم ويسمى عمله تعليماً.
من هنا ندرك السر في تسمية النبي صلّى الله عليه وآله في القرآن الكريم باسم المذكر أحياناً، وباسم المعلم أحياناً أخرى. إذ أنه صلّى الله عليه وآله في عمله الديني والتهذيبي يقوم بكلا الدورين، فعندما يوقظ الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله الجوانب الفطرية في النفس الانسانية، وينبه الناس إلى ضمائرهم الباطنة، يعبر عنه القرآن الكريم بالمذكر: ﴿"فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ"﴾(الغاشية:21). وعندما يأتي بتعاليم جديدة ونظم غير موجودة في الفطرة الانسانية يسمى عمله تعليماً: ﴿وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ﴾(البقرة:151).
الأساس الرصين للفطرة
إن أولى الأمور الفطرية عند الانسان في نظر الاسلام هو معرفة الله فلقد جاء في القرآن الكريم والنصوص المتواترة عن المعصومين عليهم السلام اعتبار معرفة الله أوضح البديهيات في فطرة البشر.
وإن وجود المذاهب المختلفة والعقائد المتضاربة في جميع العصور بين جميع الشعوب والأقوام دليل واضح على وجود غريزة التدين في فطرة الانسان والكل يبحثون عن ضالتهم المنشودة:
﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾(الروم:30).
هذا هو الأساس الرصين للفطرة، ويظهر في الميل الغريزي للتدين ومعرفة الله جل وعلا، وعلى سبيل الاستشهاد نورد النصوص التالية:
1- عن زرارة قال: "سألت أبا جعفر عليه السلام: ما الحنيفية؟ قال: هي الفطرة التي فطر الناس عليها... فطرهم على معرفته"2.
2- عن الامام الصادق عليه السلام في قوله تعالى: "فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا"قال: " فطرهم على التوحيد"3.
3- عن الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله: "كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهودانه وينصرانه"4.
يستفاد من هذا الحديث أنه يوجد الأساس الأول لتقبل الدين في فطرة جميع الأطفال، ويستغل الأبوان ـ وهما القائمان على تربية الطفل هذه الثروة الفطرية ويربيان الطفل على الدين الذي يريدانه. فإن لم تكن غريزة التدين موجودة في فطرة الانسان لم يكن معنى لتأثير توجيه الوالدين في اعتناق الطفل لدين معين طيلة حياته.
4- عن الامام الصادق عليه السلام: "ستة أشياء ليس للعباد فيها صنع: المعرفة، والجهل، والرضا، والغضب، والنوم، واليقظة"5.
فحين يولد الطفل تكون صفحة خاطره بيضاء صافية لا يوجد فيها أي معرفة: ﴿وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا﴾(النحل:78) لكن الله تعالى قد جهز الطفل بالغرائز كالشهوة والغضب والنوم واليقظة لاستمرار حياته. ففي هذا الحديث يرى الامام الصادق عليه السلام أنه لما كان الطفل فارغاً من أي علم أو معرفة فإن فطرة المعرفة تعتبر من الافاضات الالهية في الطفل، ولذلك قد ذكرها في عداد الغرائز الفطرية.
5- عن محمد بن حكيم، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: "المعرفة من صنع من هي؟ قال: من صنع الله، ليس للعباد فيها صنع"6.
6- عن أبي ربيحة، قال: "سئل أمير المؤمنين عليه السلام: بما عرفت ربك؟ قال: بما عرفني نفسه!"7.
7- عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام أنه "سئل عن المعرفة أمكتسبة هي؟ قال: لا، فقيل له: فمن صنع الله وعطائه هي؟ قال: نعم، وليس للعباد فيها صنع"8.
يستفاد من النصوص المتقدمة، والروايات الأخرى الواردة في الباب أن الإسلام يعتبر ـ بكل صرا حة ـ معرفة الله أمراً فطرياً عند الانسان، ويرى أنها من الثروات الطبيعية فيه، شأنها في ذلك شأن بقية الغرائز.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
1- نهج البلاغة ص:37.
2- البحار للمجلسي ج 2ص87.
3- المصدر السابق ج 2ص88.
4- المصدر السابق ج 2ص88.
5- إثبات الهداة بالبراهين والمعجزات للشيخ الحر العاملي ج 1ص85.
6- الكافي لثقة الاسلام الكليني ج 1ص163.
7- الكافي لثقة الاسلام الكليني ج 1ص163.
8- المصدر السابق ج 1ص85.
التعلیقات