صناعة الطفل العبقريّ مهمّة صعبة لكنّها ضروريّة
مجلة الاسرة
منذ 7 سنواتكيف نربّي الطفل العبقريّ؟ كيف نفتح الأبواب أمام الطفولة المبدعة؟ ما هو دور الأسرة والمدرسة والمسجد والإعلام في صناعة الطفل الذكيّ، ورعايته والاهتمام بتكوينه النفسي والوجداني والبدني والعقلي؟
وهل لدينا أطفال أذكياء لكنّنا لا نحسن الاهتمام والارتقاء بهم؟ هذه الأسئلة وغيرها وجّهناها إلى الدكتور عبد الرحمن النقيب الخبير التربوي ، وهذه هي إجاباته:
• يردّد البعض أنّ الطفل العربيّ من أذكى أطفال العالم، فما مدى صحّة هذا من وجهة نظرك؟
ـ أعتقد أنّ هذا الرأي به كثير من الصحّة, ولكن للأسف هذا الذكاء وهذه العبقريّة يقتلهما نظام التعليم الفاشل والبيئة الأسريّة غير الواعية, و كذلك عدم وجود مؤسّسات ترعى الطفولة. فالدولة يجب أن تهتمّ بهذا الطفل الذكيّ وترعاه علميّا وصحّيا كما هو متوفّر للطفل في جميع الدول التي نهضت به. قطعا هناك فرق بين منزل يوفّر للطفل احتياجاته والبيئة المناسبة لنموّه السليم والصحيح، وبين منزل آخر في بيئة قد تكون قاتلة، وأسرة لا تتوفّر لها أيّ فرص لنموّ المواهب أو حتّى اكتشاف الموهبة ثمّ رعايتها بعد اكتشافها, الأسر العربيّة في معظمها لم يتعلّم فيها الأب ما واجبه ودوره ومسؤوليّته تجاه الابن، وكذلك الأمّ.
فالمدرسة قد تكون بيئة قاتلة ومعوقة لذكاء الأطفال، حتّى المدارس الأجنبيّة أو الأهليّة الراقية تقدّم قشورا وجماليّات وكماليّات, وهي في الغالب تنعزل وتنفصل عن الثقافة الوطنيّة والبيئة العربيّة، ومن ثمّ فإنّها قد تقتل الإبداع. فإذا تركنا المدرسة وذهبنا إلى المرحلة الجامعيّة، وجدنا أنّ التعليم الجامعي تحوّل -مع الأسف- إلى أداة لحفظ المعلومات فقط، ولم تصل الدراسة إلى مستوى ومعنى الجامعة، الذي يجمع بين العلوم ويناقش ويحاور, بل أخذت صيغة المحاضرات ومذكّراتها والامتحانات, وهي أيضا بيئة طاردة للتفكير الحرّ المنطلق.
• بعض الأمّهات لا يجدن الوقت الكافي للاهتمام بأطفالهنّ، وينشغلن أكثر بأمورهنّ الشخصيّة، فما هو الضرر الذي يمكن أن يؤثّر على الأطفال بسبب ذلك؟
ـ هذا يحدث بالفعل، والآباء في العصر الحالي ليس لديهم الوقت الكافي للتربية والتوجيه والتعليم كما كان في الماضي، فكيف يخرج لنا طفل مميّز إذا لم يكن لأبيه الوقت الذي يمنحه إيّاه؟ والأمّ هنا لا تتعلّم كيف تتعامل مع الطفل، بينما إذا نظرنا إلى الأمّ الغربيّة رأيناها تعامل ابنها ومعها مخزون معرفيّ يؤهّلها، مثلا: إذا تحدّثت مع طفلها نجدها تجلس على قدميها حتّى تكون في نفس مستواه وجها لوجه، فغالبيّة الأمّهات عندنا لا يعرفن فنّ التعامل مع أطفالهنّ، وليس عندهنّ علم بمراحل نموّ العواطف، ومراحل النضج والإبداع والتفكير. مثلاً إذا طرح طفلها أسئلة كثيرة تضربه، رغم أنّ هذه الأسئلة ربّما تكون مفتاح العبقريّة والنبوغ والتفوّق، وهناك أطفال يحبّون اللعب كثيرا، وأمثال هؤلاء يضربون على ذلك، وهكذا.
المجتمع يظلم الأطفال
• هل ترى أنّ الأطفال أكثر فئة يظلمها المجتمع العربي الآن؟
ـنحن في كثير من الأحيان لا نستطيع أن نفهمهم، وليس لدينا الوقت أيضا لكي نفعل ذلك، هناك في الغرب مثلا يقرأ ون الكثير عن الأطفال، منذ أن يكون الطفل جنينا في رحم أمّه، ثمّ وليداً فصبيّا، إلى آخر مراحل الطفولة. إنّهم في الغرب يفكّرون في كلّ شيء قبل أن يتكوّن الطفل في رحم أمّه، أمّا عندنا نحن العرب والمسلمين فإنّ عمليّة الإنجاب هي في الغالب مجرّد طقوس. إنّ الطفل المبدع مسكين في بلدنا، فالمعلّم يختنق منه لأنه يسأل أسئلة جديدة وكثيرة ومستفزّة لا يستطيع الإجابة عنها فيضربه، وأمّه ووالده يضربانه أيضا، وهذا الذي يحدث مصيبة! وهناك دراسات منتشرة تقول إنّ الذكاء لدى الطفل العربيّ يقلّ عاما بعد عام في المدارس، وأنا لست متأكّدا من صحّة النتائج التي توصّلت إليها هذه الدراسات ولكنّها موجودة، وأنا أعتقد أنّ الطفل يولد على الفطرة والتلقائيّة، وهذه التلقائيّة مرحلة من مراحل الإبداع، وما نسمّيه " لقافة الأطفال " بلغة أهل الخليج أو شقاوة الأطفال بلغة المصريّين هي نوع من أنواع عدم النمطيّة، وعدم النمطيّة مظهر من مظاهر الإبداع.
• الطفل المبدع أو العبقريّ الذي لا يكتشفه وينمّيه أحد، هل تستمرّ معه الموهبة أم تموت؟
ـ أحيانا يحدث تحوّل في نمط الشخصيّة لعدم وجود مثيرات أو محفّزات، ومن الممكن أن يحتفظ بها الإنسان إلى حين تتغيّر فيه الظروف فتظهر بوضوح, ولكن من يكون لديه موهبة ولم يجد من يخرجها فإنّها تموت بداخله, ورغم هذه البيئة السلبيّة فإنّ هناك بعض المبدعين الذين ظهروا وانتشروا. وأذكر أنّ هناك من وقف أمام قبر الأديب العالمي المعروف "وليم شكسبير" وقال: "كم من الموتى لم يجدوا فرصة شكسبير للإبداع"، والآن الصراع العلمي كلّه اليوم متّجه للأطفال, فمن يريد أن ينهض عليه أن يهتمّ بالأطفال.
صناعة الطفل المبدع
• ما الدور الواجب على كلّ من: الأسرة والمدرسة والمجتمع وصولا إلى السلطة تجاه صناعة الطفل المبدع؟
ـ بداية بالأسرة من الأب والأمّ والعلاقة بينهما، ومدى تماسك هذه الأسرة وقوّة مراعاتها للقيم الدينيّة والخلقيّة والاجتماعيّة، فالأسرة يجب أن تهيّئ للطفل ما يشجّعه على الابتكار من جوانب كثيرة، كالأسئلة المفتوحة والقراءة والحوار والألعاب المركّبة، وغيرها من الأشياء التي تساعده على الإبداع وسعة الخيال والمحاولة. أمّا المدرسة فيجب أن تكون مجالا خصبا لتربية الابتكار، وذلك عن طريق إنشاء وتكوين "النوادي العلميّة" على سبيل المثال, وأن تفتح الباب أمام تشجيع التلاميذ والطلاّب على القراءات المختلفة داخل المدرسة، وإتاحة فرص التعلّم والتدريب والتجريب والممارسة، خصوصا للطلاّب المتفوّقين، أكثر من عموم الطلاّب مثل إنشاء فصول للمتفوّقين، وتكوين الجماعات العلميّة، وتحسين العلاقة بين الطلبة والمدرّسين القائمة على الاستزادة من المعرفة والتجربة. أمّا دور المجتمع أو السلطة فهو التخطيط لتنمية واستثمار وتدريب هؤلاء الموهوبين وتهيئة الحقائق العلميّة والموادّ العلميّة لهم، وإعداد نظام تعليميّ خاصّ للموهوبين، حتّى لو كانت هناك ألعاب علميّة مركّبة يجب أن توفّرها الدولة, وتوفّر كذلك الحقائب العلميّة كما هو موجود في كثير من دول العالم، وغيرها من وسائل الترقية بالطفل وإخراج إبداعه للمجتمع.
• بالنسبة للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصّة، هل يمكن أن يتخرّج منهم أيضا مبدعون وعباقرة؟
ـالإبداع والعبقريّة ليسا مقصورين على الأصحّاء فقط، وقد رأينا في التاريخ نماذج من ذوي الاحتياجات الخاصّة كانت لهم إسهاماتهم الرائعة في مجالات عديدة مثل الأدب والفنّ، ولو حدث نفس الاهتمام بهم لوجدنا لديهم الكثير من التميّز والابتكار، ولكن -للأسف الشديد- هذه الفئة تكاد تكون محرومة كلّيا من الاهتمام العلمي بها وتنمية مهاراتها .
التعلیقات