مصائب السيدة رقية بنت الحسين عليها السلام
السيد حسين الهاشمي
منذ 3 ساعاتتبرز لنا شخصية نورانية من صفحات التاريخ الملطخة بدماء الطف وأوجاع آل البيت عليهم السلام صغيرة في عمرها، عظيمة في مقامها ومصابها، إنها السيدة رقية بنت الإمام الحسين عليها السلام، الطفلة البريئة التي عاشت جزءًا من مأساتها في كربلاء، وتمت بقية فصولها الموجعة في خرائب الشام. ورغم أن عمرها لم يتجاوز السنوات القليلة، إلا أن ما تحملته من الآلام والمصائب يفوق الوصف، ويجعلها رمزًا خالدًا للبراءة المظلومة والمحنة العظيمة.
تُجسّد السيدة رقية عليها السلام بعدًا إنسانيًا وروحيًا عميقًا في كربلاء، فحكايتها ليست مجرد قصة طفلة فقدت أباها، بل هي قصة عقيدة وإيمان، وصرخة مظلومة أمام طغيان الظالمين. وفي موتها، كما في حياتها القصيرة، تركت أثرًا عظيمًا في وجدان المؤمنين، ورسخت حقيقة أن مظلومية كربلاء لم تستثنِ أحدًا حتى الأطفال.
ومع حلول شهر صفر الخير من عام 1447 للهجرة، تقترب ذكرى استشهاد هذه السيدة العظيمة الجليلة السيدة رقية بنت الحسين عليها السلام. فإنّ ذكرى استشهادها تصادف الخامس من شهر صفر الخير. ولهذا، ولأننا نرغب في تجسيد بعض من مصائب أهل بيت الكرامة عليهم السلام في واقعة الطف الأليمة والأسى الذي تلاها، سنكتب لكم مجموعة من الأمور التي وصلت إلينا عن هذه السيدة الجليلة، ومصائبها، وكيفية استشهادها. راجين من الله أن يرزقنا شفاعتها وشفاعة أبيها وجدّها عليهم السلام في يوم القيامة.
السيدة رقية بنت الحسين عليهما السلام
السيدة رقية هي أحد بنات الإمام الحسين عليه السلام وأمها كما ذكر في بعض الكتب التاريخية هي أمّ اسحاق بنت طلحة بن عبدالله التميمية. كانت هي زوجة للإمام الحسن المجتبى عليه السلام وبعد استشهاد الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، قد عقد الإمام الحسين عليه السلام عليها وأنجبت السيدة رقية. كان الإمام الحسين عليه السلام يحبّها حبّا كثيرا. (1).
قد اختلف المؤرخون في سنّها عندما حدثت واقعة الطف واستشهاد الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته وصحبه سلام الله عليهم. والبعض قال بأنّ عمرها الشريف كان 3 سنوات حينما شاهدت واقعة الطف واستشهاد أبيها عليه السلام بتلك الحالة. (2). والبعض الآخر يعتقدون أنها كانت أمّ أربع سنوات في سنة 61 للهجرة.
رغم أنّ البعض يدّعون أنّه لم تكن للإمام الحسين عليه السلام بنت تدعى رقية لكن حينما تدقق في كتب التاريخ والمقاتل نشاهد أنه يوجد إسمها ولقبها في بعض الكتب وهذه الشهرة التي حصلت عند المؤمنين بأنّ السيدة رقية بنت الإمام الحسين هي التي دفنت في الشام، كاف لنا في أن نعتقد بوجودها وحصول المصائب الكثيرة عليها وسنذكر البعض منها. من الذين ذكروا السيدة رقية هو إبن فندق. فقد قال: « لم يبق من أبناء الحسين بن علي إلا زين العابدين وفاطمة وسكينة ورقية » (3). ويذكر محمد بن طلحة الشافعي أنّ للإمام الحسين عليه السلام أربع بنات: « كان له من الأولاد ذكورا و إناثا عشرة، ستة ذكورا و أربع إناث ... و أما البنات: فزينب و سكينة و فاطمة هذا هو المشهور » (4). ولم يذكر إسما للبنت الرابعة. ويمكننا أن نستنتج من هذين الكلامين أنّ إسم السيدة رقية الحقيقي هو فاطمة وإنّ رقية لقبها.
مصائب السيدة رقية بنت الحسين عليهما السلام
ينبغي على كل شيعي وكل موالٍ لأهل البيت العصمة والطهارة، بل وعلى جميع المسلمين، أن يعلموا ما حدث لأهل بيت نبيهم الأبرار الأخيار من قبل الطغاة والظالمين، وماذا فعلوا بهم بعد ذلك. وتلك هي الحقيقة السوداء في تاريخ الإسلام حيث يقول الإمام زين العابدين عليه السلام: « أيها الناس أصبحنا مطرودين مشردين مذودين شاسعين عن الأمصار كأنا أولاد ترك وكابل، من غير جرم اجترمناه، ولا مكروه ارتكبناه، ولا ثلمة في الاسلام ثلمناها، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين، إن هذا إلا اختلاق والله لو أن النبي تقدم إليهم في قتالنا كما تقدم إليهم في الوصاءة بنا لما ازدادوا على ما فعلوا بنا » (5).
وصية الإمام الحسين عليه السلام لها عند الوصول إلى كربلاء
يروي السيد بن طاووس في مقتله الملهوف على قتلى الطفوف حينما نزلوا بكربلاء: « وجلس الحسين عليه السلام يصلح سيفه ويقول:
يا دهر أفٍّ لك من خليل
كم لك بالإشراق والأصيل
من طالبٍ وصاحبٍ قتيل
والدهر لا يقنع بالبديل
وإنما الأمر إلى الجليل
وكل حيٍّ فإلى سبيل
فسمعت زينب ابنت فاطمة ذلك ... فقالت: واثكلاه ، ينعى إلي الحسين نفسه. وبكى النسوة ، ولطمن الخدود ، وشققن الجيوب. فعزاهن الحسين وقال: يا أختاه يا أم كلثوم ، وأنت يا زينب ، وأنت يا رقية وأنت يا فاطمة وأنت يا رباب أنظرن إذا أنا قتلت فلا تشققن علي جيباً ولا تخمشن علي وجهاً ولا تقلن علي هجراً » (6). وهذه أحدّ أهمّ المصائب أنّ الطفلة التي بلغت الثالثة من عمرها تسمع نعي أبيها إلى نفسه وتسمع وصيتها لها بعد شهادته.
وداعها مع أبيها
يقول هلال بن نافع: « كنت واقفًا في مقدمة الصفوف، فرأيت الإمام الحسين عليه السلام، بعد أن ودّع أهله، يتوجه نحو ساحة المعركة. وفي تلك اللحظة، إذا بفتاة صغيرة تخرج من الخيمة، تمشي بخطى متعثّرة وتُسْرع نحو الإمام الحسين عليه السلام، حتى وصلت إليه. ثم أمسكت بطرف ثوبه ونادت بصوت حزين: يا ابه! انظر الي فاني عطشان. فنظر الحسين إليها وعيناه تذرفان الدمع وقال: الله يسقيك فانه وكيلي. قال هلال: فسألت من حولي: من هذه الفتاة؟ وما علاقتها بالإمام الحسين عليه السلام؟
فقيل لي: إنها رُقيّة عليها السلام، بنت الإمام الحسين عليه السلام، وعمرها ثلاث سنوات » (7).
شعر السيدة زينب مع الرأس الشريف حول السيدة رقية
روى العلامة المجلسي في البحار: « فإذا هم أتوا بالرؤوس يقدمهم رأس الحسين عليه السلام ... فالتفتت زينب فرأت رأس أخيها فنطحت جبينها بمقدم المحمل، حتى رأينا الدم يخرج من تحت قناعها وأومأت إليه بخرقة وجعلت تقول:
يا هلالا لما استتم كمالا
غاله خسفه فأبدا غروبا
ما توهمت يا شقيق فؤادي
كان هذا مقدرا مكتوبا
يا أخي فاطم الصغيرة كلمها
فقد كاد قلبها أن يذوبا
ما أذل اليتيم حين ينادي
بأبيه ولا يراه مجيبا » (8).
وفي هذا يقول الشاعر:
ومـغسلين ولا مـياه لـهم سوى
عـبرات ثـكلى حـرة الاحشاء
أصـواتها بـحت وهـن نـوائح
يـنـدبن قـتـلاهن بـالأيـماء
أنـى التفتن رأين ما يدمي الحشا
مـن نـهب أبـيات وسلب رداء
تـشكو الـهوان لـندبها وكـأنه
مـغض ومـا فـيه من الاغضاء
استشهاد السيدة رقية في خربة الشام
استشهدت السيدة رقية سلام الله عليها في خربة الشام وذكر بعض أصحاب التاريخ والرواية كيفية استشهادها. ونحن نذكر لكم عن كتاب المنتخب الطريحي. يقول الشيخ الطريحي: « وفي الشام أمر اللعين يزيد أن تُسكن الأُسارى في خربة من خربات الشام، وفي ليلة من الليالي قامت السيّدة رقية فزعة من نومها وقالت: أين أبي الحسين؟ فإنّي رأيته الساعة في المنام مضطرباً شديداً، فلمّا سمعن النساء بكين وبكى معهنّ سائر الأطفال، وارتفع العويل والبكاء. فانتبه يزيد من نومه وقال: ما الخبر؟ فأخبروه بالواقعة، فأمر أن يذهبوا إليها برأس أبيها، فجاؤوا بالرأس الشريف إليها مغطّىً بمنديل، فوضِع بين يديها، فلمّا كشفت الغطاء رأت الرأس الشريف نادت: يا أبتاه مَن الذي خضّبك بدمائك؟ يا أبتاه مَن الذي قطع وريدك؟ يا أبتاه مَن الذي أيتمني على صغر سنّي؟ يا أبتاه مَن بقي بعدك نرجوه؟ يا أبتاه مَن لليتيمة حتّى تكبر؟ ثمّ إنّها وضعت فمها على فمه الشريف، وبكت بكاءً شديداً حتّى غشي عليها، فلمّا حرّكوها وجدوها قد فارقت روحها الحياة، فعلى البكاء والنحيب، واستجدّ العزاء، فلم يُرَ ذلك اليوم إلّا باكٍ وباكية » (9).
وفي هذا المصاب يقول الشاعر:
في الشام في مثوى يزيد مرقد
ينبيك كيف دم الشهادة يُخلّد
رقدت به بنت الحسين فأصبحت
حتّى حجارة ركنه تتوقّد
هيّا استفيقي يا دمشق وأيقظي
وغداً على وضر القمامة يرقد
وأريه كيف تربّعت في عرشه
تلك الدماء يضوع منها المشهد
سيظلّ ذكرك يا رقية عبرة
للظالمين مدى الزمان يخلد
فعظم الله أجورنا وأجوركم بمصابنا باستشهاد أبي الأحرار أبي عبدالله الحسين عليه السلام وإبنته الحبيبة السيدة رقية سلام الله عليها.
1) المنتخب الطريحي (للشيخ فخر الدين الطريحي) / المجلد: 1 / الصفحة: 136 / الناشر: مؤسسة التاريخ العربي – بيروت / الطبعة: 1.
2) المنتخب الطريحي (للشيخ فخر الدين الطريحي) / المجلد: 1 / الصفحة: 136 / الناشر: مؤسسة التاريخ العربي – بيروت / الطبعة: 1.
3) لباب الأنساب (لإبن فندق) / المجلد: 1 / الصفحة: 355 / الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات – بيروت / الطبعة: 1.
4) مطالب السؤول (لمحمد بن طلحة الشافعي) / المجلد: 1 / الصفحة: 257 / الناشر: دار البلاغ – بيروت / الطبعة: 1.
5) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 45 / الصفحة: 148 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 1.
6) الملهوف على قتلى الطفوف (للسيد بن طاووس) / المجلد: 1 / الصفحة: 141 / الناشر: دار الأسوة – قم / الطبعة: 2.
7) الوقائع والحوادث (للملبوبي) / المجلد: 3 / الصفحة: 192 / الناشر: دار الأعلمي – بيروت / الطبعة: 1.
8) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 45 / الصفحة: 115 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 1.
9) المنتخب الطريحي (للشيخ فخر الدين الطريحي) / المجلد: 1 / الصفحة: 140 / الناشر: مؤسسة التاريخ العربي – بيروت / الطبعة: 1.
التعلیقات