الصحة النفسية في الإسلام
السيد حسين الهاشمي
منذ 3 أيامالصحة النفسية تُعتبر من أهم جوانب الرفاهية الإنسانية، حيث تؤثر بشكل كبير على جودة الحياة، والعلاقات الاجتماعية، والقدرة على مواجهة التحديات اليومية. في سياق الدول الإسلامية، تأخذ الصحة النفسية بعداً خاصاً، حيث تتداخل القيم الثقافية والدينية مع المفاهيم العلمية والنفسية. يُنظر إلى الصحة النفسية في الإسلام ليس فقط كغياب الاضطرابات النفسية، بل كحالة من التوازن والسكينة التي تعكس الإيمان والرضا. يتجلى اهتمام الإسلام بالصحة النفسية في النصوص الدينية والتعاليم النبوية التي تحث على تعزيز الصحة النفسية من خلال العبادة، مثل الصلاة والصيام، والتي تُعتبر وسائل لتحقيق الطمأنينة النفسية. كما يشدد الدين الإسلامي على أهمية المجتمع والدعم الاجتماعي في تعزيز الصحة النفسية، حيث يُعد التعاون والتكافل بين الأفراد من القيم الجوهرية. ومع ذلك، تواجه الدول الإسلامية تحديات متعددة في مجال الصحة النفسية، بدءاً من وصمة العار المرتبطة بالاضطرابات النفسية، وصولاً إلى نقص الموارد والخدمات المتخصصة. تتطلب معالجة هذه القضايا فهماً عميقاً للجوانب الثقافية والدينية التي تؤثر على التصورات والسلوكيات المتعلقة بالصحة النفسية.
لهذا قررنا أن نكتب لكم عن الصحة النفسية في الدول الإسلامية ووجهة نظر الشريعة الإسلامية حول الصحة النفسية.
مفهوم الصحة النفسية في الإسلام
يقول الدكتور ماجد بن سالم الغامدي: « يُنظر إلى الصحة من المنظور الإسلامي على أنّها ضرورة إنسانية وحاجة أساسية لكلّ شخص، فهي ليست أمراً مُترفاً أو حاجة كمالية، حيث لا يتوقف مفهوم الصحة في الإسلام بالحفاظ على باطن الإنسان وعقيدته من الأمراض والأمور المشبوهة، بل يشمل مفهوم الصحة المحافظة على سلامة الإنسان من الأمراض، وأسبابها، والوقاية منها، ومن أجل ذلك وضع الإسلام القواعد العامة لدحر الضرر عن صحة الإنسان والحفاظ على حياته» (1).
الاهتمام بالصحة النفسية في الشريعة الإسلامية
يشير القرآن الكريم والأحاديث المروية عن المعصومين عليهم السلام إلى أهمية الصحة الروحية والنفسية بشكلٍ صريح. تتناول آيات القرآن موضوعات مثل سكينة القلب، والأمل، والتوكل على الله.
فعندما نراجع القرآن الكريم نشاهد الكثير من الآيات الموجودة في هذا الكتاب العظيم، تتحدث حول الصحة النفسية للإنسان. مثلا يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ﴾ (2). ففي هذه الآية يشير الله سبحانه وتعالى إلى أن تزكية النفس هي السبب في الفلاح. وأحد أهم الأمور في تزكية النفس، هي تزكيتها من حيث الصحة النفسية.
وفي آية أخرى يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ (3). فالرشد والصلاح والصحة قد إقترنت بالإيمان بالله سبحانه وتعالى وتبعية أوامره ونواهيه.
قد إهتم الإسلام والشريعة الإسلامية بالصحة النفسية بمقدار أن الأوامر المالية أيضا فيها وجهة في الصحة النفسية. فقد قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ ﴾ (4). فالإنفاق في سبيل الله سبحانه وتعالى وابتغاء مرضاته، يوجب التثبيت من أنفسهم. وأحد أهم المواضع في تثبيت النفس هي تثبيت النفس من حيث الأمور النفسية والصحة النفسية.
يوجد أيضًا العديد من الآيات القرآنية التي تتحدث عن التوكل على الله سبحانه وتعالى، وتُبرز أهمية تفويض الأمور إليه. توضح هذه الآيات أيضًا أهمية الصحة النفسية في الشريعة الإسلامية، حيث يُعتبر التوكل على الله سبحانه وتعالى من المواضيع الأساسية التي تُعزز من قوة النفس وتُقوي الصحة النفسية لدى المسلمين. فقال الله سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ (5). ويقول في موضع آخر: ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ (6).
والصحة النفسية أيضا من الأمور التي ذكرت في الروايات المروية عن الأئمة عليهم السلام. فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام حول التواصل مع الآخرين وتأثيره في الصحة النفسية: « المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد إن اشتكى شيئا وجد ألم ذلك في سائر جسده، وإن روحهما من روح الله، وإن روح المؤمن لأشد اتصالا بروح الله من اتصال شعاع الشمس بها » (7). وأيضا روي عن الإمام الصادق عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال حول الحسد: « أقل الناس لذة الحسود » (8). فالحسد أيضا من أبرز العوامل للتقليل من الصحة النفسية.
تحديات الصحة النفسية في الدول الإسلامية
تواجه الصحة النفسية في الدول الإسلامية العديد من التحديات، التي تؤثر بشكل اجتماعي واقتصادي وثقافي على الصحة النفسية.
المشاكل الاجتماعية: واحدة من أكبر التحديات في الدول الإسلامية هي وجود وصمة اجتماعية تتعلق بالاضطرابات النفسية. يخشى الكثير من الأفراد من التعبير عن مشاكلهم النفسية، ولأنهم يخافون من الحكم عليهم أو نبذهم، فإنهم يمتنعون عن طلب المساعدة المهنية. يمكن أن تؤدي هذه الوصمة إلى العزلة وزيادة المشاكل النفسية. وأيضا في العديد من المجتمعات الإسلامية، لا يزال هناك نقص في الوعي حول الصحة النفسية والاضطرابات النفسية. إن عدم المعرفة بالأعراض والعلامات لهذه الاضطرابات يؤدي إلى تأخير الأفراد في السعي للحصول على العلاج، مما يجعل مشاكلهم أكثر حدة.
المشاكل الاقتصادية: يمكن أن تؤثر الأوضاع الاقتصادية السيئة، والبطالة، والفقر بشكل كبير على الصحة النفسية للأفراد. إن الضغوط المالية وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية يمكن أن يؤدي إلى القلق والاكتئاب. في الظروف التي يعجز فيها الأفراد عن تأمين احتياجاتهم، تزداد احتمالية ظهور المشاكل النفسية. كذلك في العديد من الدول الإسلامية، تكون خدمات الصحة النفسية محدودة وغير كافية بسبب نقص الموارد المالية والبشرية. إن عدم وجود مراكز علاج مناسبة وافتقار المتخصصين المؤهلين في هذا المجال تجعل الأفراد غير قادرين على الوصول إلى الخدمات اللازمة.
المشاكل الثقافية: في بعض المجتمعات الإسلامية، قد تؤثر المعتقدات الثقافية والدينية على نظرة الأفراد تجاه الصحة النفسية. قد يعتبر بعض الأفراد المشاكل النفسية علامة على ضعف الإيمان أو عدم القدرة على مواجهة تحديات الحياة، مما يمكن أن يمنعهم من الحصول على المساعدة اللازمة. يمكن أن تؤثر الضغوط الاجتماعية الناتجة عن التوقعات الثقافية والعائلية أيضًا على الصحة النفسية. قد يضع الأفراد أنفسهم تحت ضغط لتلبية التوقعات الاجتماعية والعائلية، وهذه الضغوط يمكن أن تؤدي إلى ظهور مشاكل نفسية.
الطرق الإسلامية لتحسين الصحة النفسية
يمكن أن يلعب الدين الإسلامي دورًا مهمًا في تحسين الحالة النفسية للأفراد والمجتمعات. في هذا السياق، يمكن أن تساهم الاقتراحات الدينية التالية في حل المشكلات النفسية على المستوى العالمي.
الاهتمام بالصلاة والدعاء: الصلاة أحد أركان الإسلام، ويمكن أن تعمل كعامل رئيسي في تعزيز الصحة النفسية للفرد. إن إقامة علاقة يومية مع الله من خلال الصلاة والدعاء يمكن أن يمنح الأفراد شعورًا بالهدوء والسكينة ويساعد في تقليل التوتر والقلق. الدعاء والاستغفار وسيلة لتحقيق الراحة الروحية والنفسية. يمكن أن يساعد طلب المساعدة من الله والتعبير عن المشكلات له الأفراد في تخفيف الأعباء النفسية.
تعزيز العلاقات الاجتماعية والعائلية: يؤكد الإسلام على أهمية العلاقات الأسرية والاجتماعية. يمكن أن تساعد إنشاء شبكات دعم وتعزيز العلاقات الأسرية الأفراد في مواجهة المشكلات النفسية. يمكن أن تساهم الاجتماعات العائلية والمجموعات الاجتماعية في تقوية هذه الروابط. تشجيع الاستشارة والتعاطف في المجتمعات الإسلامية يمكن أن يساعد الأفراد على عدم الشعور بالوحدة والعزلة. يمكن أن تساهم برامج الاستشارة ذات الطابع الديني في حل المشكلات النفسية.
الاهتمام بالصحة الجسدية: يؤكد الإسلام على الحفاظ على الصحة الجسدية، وهذا يؤثر بشكل مباشر على الصحة النفسية. يمكن أن يساعد تشجيع التغذية السليمة وممارسة النشاطات الرياضية في تحسين الحالة النفسية للأفراد. يعتبر الانتباه إلى النوم الكافي وجودة النوم من العوامل المهمة في تحسين الصحة النفسية. يمكن أن يساعد الوعي بأهمية النوم في التعاليم الإسلامية الأفراد على إعطاء المزيد من الاهتمام لهذا الموضوع.
إنشاء بيئات داعمة وصحية: يمكن أن يساعد إنشاء برامج اجتماعية وثقافية تعزز روح التعاون والتعاطف في المجتمع في تحسين الصحة النفسية للأفراد. يمكن أن تساهم الاحتفالات والمناسبات الاجتماعية في تعزيز العلاقات الاجتماعية. يمكن أن يسهم تشجيع المساعدة للمحتاجين والأفراد الذين يواجهون مشكلات نفسية في زيادة شعور الهدف والرضا لدى الأفراد. لا يساعد هذا العمل فقط في تحسين الحالة النفسية، بل يعزز أيضًا الروح الاجتماعية.
بالنظر إلى التعاليم الإسلامية والتأكيد على أهمية الصحة النفسية، يمكننا استخدام هذه الطرق لتحسين الصحة النفسية على المستوى العالمي. يمكن أن تعمل هذه الاقتراحات كأدوات فعالة في تعزيز الصحة النفسية للأفراد والمجتمعات، مما يساعد في خلق عالم أكثر صحة وسعادة.
هذه كانت جملة من النكات والمواضع المتعلقة بالصحة النفسية في الدول الإسلامية. نتمنى أنكم قد استفدتم منها.
1) https://www.alukah.net/culture/0/33868/
2) سورة الشمس / الآية: 7 إلى 10.
3) سورة البقرة / الآية: 186.
4) سورة البقرة / الآية: 265.
5) سورة الأنفال / الآية: 2.
6) سورة آل عمران / الآية: 159.
7) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 71 / الصفحة: 277 / الناشر: دار أحياء التراث – بيروت / الطبعة: 3.
8) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 70 / الصفحة: 250 / الناشر: دار أحياء التراث – بيروت / الطبعة: 3.
التعلیقات