التبعل ومراعاة حال الأزواج في كلمات الإمام الصادق عليه السلام
السيد حسين الهاشمي
منذ شهر
قال الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام:
« أيّما امرأة باتت وزوجها عليها ساخط في حقّ ، لم تقبل منها صلاة حتى يرضى عنها ، وأيّما امرأة تطيّبت لغير زوجها ، لم تقبل منها صلاة حتى تغتسل من طيبها ، كغسلها من جنابتها » (1).
كان زمن حياة الإمام الصادق عليه السلام زمنًا خاصًا للأئمة عليهم السلام وللشيعة بالتبع، حيث كان مليئًا بالاضطرابات والصراعات السياسية بين بني أمية وبني العباس. بني العباس كانوا يسعون للوصول إلى السلطة وإنهاء حكم بني أمية على المسلمين، ولذلك تركوا الشيعة وأهل البيت عليهم السلام في حالهم دون تدخل كبير. في ظل هذا الفراغ النسبي، اغتنم الإمام الباقر عليه السلام والإمام الصادق عليه السلام الفرصة لنشر تعاليم و المعارف الإلهية للشيعة. من بين أهم المواضيع التي ركز عليها هذان الإمامان العظيمان عليهما السلام هو حسن التعامل في الحياة الزوجية، بما في ذلك حسن التبعل ومراعاة أحوال الأزواج. عند مراجعة الروايات المنقولة عن هذين الإمامين، نجد أن هناك عددًا كبيرًا من الروايات التي تتناول هذا الموضوع، مما يدل على أهميته الكبيرة. قررنا أن نشارك معكم بعض الروايات الواردة عنه عليه السلام حول موضوع التبعل ومراعاة أحوال الأزواج، مع تقديم شرح مختصر لها.
الأول: عمل الزوجة في البيت
روى أبو خالد الكعبي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال:
« أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: أيما امرأة رفعت من بيت زوجها شيئا من موضع إلى موضع تريد به صلاحا، نظر الله عز وجل إليها، ومن نظر الله إليه لم يعذبه. فقالت أم سلمة رضي الله عنها: ذهب الرجال بكل خير، فأي شئ للنساء المساكين؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: بلى، إذا حملت المرأة كانت بمنزلة الصائم القائم المجاهد بنفسه وماله في سبيل الله، فإذا وضعت كان لها من الاجر ما لا تدري ما هو لعظمه، فإذا أرضعت كان لها بكل مصة كعدل عتق محرر من ولد إسماعيل، فإذا فرغت من رضاعة ضرب ملك على جنبها، وقال: استأنفي العمل، فقد غفر لك» (2).
إن هذه الفقرة من الرواية « أيما امرأة رفعت من بيت زوجها شيئا من موضع إلى موضع تريد به صلاحا» تدلّ على أنّ أدنى عمل تعمله المرأة في البيت وتقصد بهذا العمل صلاح أمور المنزل أو صلاح أمور زوجها، يكون هذا العمل ذا أهمية كبيرة عند الله سبحانه وتعالى. وذلك لأهمية هذا القصد وهذه النية للزوجة. فإن صلاح الأمور في العلاقة الزوجية وفي المنزل من أحب الأشياء إلى الله سبحانه وتعالى. ولهذا، يكافئ الله سبحانه وتعالى المرأة على هذا الجهد بنيّة صالحة بثواب عظيم، كما جاء في الحديث الشريف عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: « نظر الله عز وجل إليها، ومن نظر الله إليه لم يعذبه ».
الثاني: الشكر والرضا
قال الإمام الصادق عليه السلام :
« خير نسائكم التي إن أعطيت شكرت ، وإن منعت رضيت» (3).
ينقل عن الإمام الصادق عليه السلام في هذه الرواية واقع حال للنساء المؤمنات اللاتي يؤمنّ بالله سبحانه وتعالى واليوم الآخر. فالزوجة المؤمنة بالتعاليم الدينية والإلهية لا تختار شريك حياتها بناءً على ماله أو مكانته الاجتماعية، بل تختاره بهدف تجنب المحرمات وتأسيس عائلة إسلامية صالحة. في هذا السياق، إذا كان الزوج يومًا ما غنيًا وينفق على زوجته من ماله، فإن الزوجة ستشكر الله وتقدّر هذه النعمة. أما إذا مرّ الزوج بظروف مالية صعبة وأصبح غير قادر على الإنفاق كما كان، فإن الزوجة المؤمنة ستصبر على هذا الابتلاء، وتقبل بالقسمة التي قدّرها الله سبحانه وتعالى، وترضى بقضائه وقدره. هذا النموذج من الشكر والصبر يعكس الإيمان العميق والرضا بقضاء الله، ويعتبر من أبرز سمات المرأة المؤمنة في الحياة الزوجية.
ومثل هذه الرواية، قوله عليه السلام:
« خير نسائكم التي إن أنفقت أنفقت بمعروف ، وإن أمسكت أمسكت بمعروف ، وتلك من عمال الله وعامل الله لا يخيب » (4).
الثالث: حق المرأة على زوجها في الأكل والأعياد
عن شهاب بن عبد ربه قال: قلت للإمام الصادق عليه السلام:
« مَا حَقُّ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا؟ » قال عليه السلام: « ... وَ لَا تَكُونُ فَاكِهَةٌ عَامَّةٌ إِلَّا أَطْعَمَ عِيَالَهُ مِنْهَا وَ لَا يَدَعْ أَنْ يَكُونَ لِلْعِيدِ عِنْدَهُمْ فَضْلٌ فِي الطَّعَامِ أَنْ يُسَنِّيَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً لَا يُسَنِّي لَهُمْ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ» (5).
يتحدث الإمام الصادق (عليه السلام) في هذه الرواية عن حقين من حقوق المرأة على زوجها. الحق الأول هو حقها في الطعام. فمن حق الزوجة أن تأكل من الفواكه العادية التي يأكلها عامة الناس. إذ إن توفير هذه الفواكه يُعدّ من أوسط الأمور التي ينبغي على الزوج السعي لتأمينها، وذلك حتى لا تشعر الزوجة بأنها محرومة من الأمور البسيطة والمعتادة في الحياة اليومية. الاهتمام بهذه التفاصيل يعكس واجب الزوج في رعاية زوجته وضمان توفير احتياجاتها الأساسية، مما يسهم في تحقيق الراحة والطمأنينة في الحياة الزوجية.
الحق الثاني الذي يذكره الإمام الصادق عليه السلام هو التوسعة على العيال في الأعياد. فالأعياد تُعدّ من أهم الأوقات التي ينبغي فيها على الزوج أن يوسع على أسرته، حتى تشعر العائلة بأن الأعياد تختلف عن بقية أيام السنة. هذه التوسعة من الأمور المستحبة التي وردت في الأعياد الإسلامية، حيث يُحثّ فيها على إدخال السرور والفرح على العائلة. على سبيل المثال، عند مراجعة أعمال عيد الغدير أو عيد الفطر، نجد أن التوسعة على العيال من المستحبات التي تعزز الشعور بالبهجة وتضيف طابعًا خاصًا لهذه المناسبات. فالمراد من « أَنْ يُسَنِّيَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً لَا يُسَنِّي لَهُمْ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ» هو أن يزيد لهم في الأعياد ما لايطعمهم في سائر الأيام.
الرابع: عدم قذف المرأة بالزنا
قال الإمام الصادق عليه السلام: « لا يقذف امرأته إلا ملعون أو قال : منافق ، فإن القذف من الكفر والكفر في النار ، لا تقذفوا نساءكم فإن في قذفهن ندامة طويلة وعقوبة شديدة » (6).
قذف المرأة بالزنا كان من الأمور المتداولة في زمن الجاهلية وكانوا لايبالون بأن يقذفوا أزواجهم بالزنا والفحشاء. وكان يصل الأمر إلى درجة أنه إذا صار مشكلة صغيرة بين الزوج والزوجة ورفع الصوت بينهما قليلا، يحزن الرجل ويقذف زوجته بالزنا من دون أيّ علم. وهذا الأمر يقلل من إحترام النساء ويقلل من مكانتهن الاجتماعية. فقد حارب الإسلام هذا العمل الشنيع. فمعنى قول الإمام: إن الذي يقذف المرأة بلا أيّ علم تفصيلي، فهو ملعون أو منافق. ويوجب الندامة للرجل فإنه سبب لإبتعاد الرجل عن زوجته وهذا يسبب في العقوبة الدنيوية والأخروية. لأن القذف إن لم يتم إثباته فهو محرم شرعي.
الخامس: السلام على الأهل حين دخول المنزل
روي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنه قال:
« يسلّم الرجل إذا دخل على أهله ، وإذا دخل يضرب بنعليه وينحنح يصنع ذلك حتى يؤذنهم أنه قد جاء حتى لا يرى شيئا يكرهه » (7).
من أهم الأمور التي أكدت عليها الشريعة الإسلامية هي السلام على أهل المنزل عند الدخول إلى البيت. لأن نفس السلام يوجب الحبّ والمودة بين أهل المنزل. وأيضا إن السلام يوجب أن يعلم أهل المنزل أن شخصا قد دخل الدار. وهذه الرواية ناظرة إلى هذا الوجه من خصوصيات السلام. لأن بعد أن ذكر السلام على أهل المنزل، قال عليه السلام: « وإذا دخل يضرب بنعليه وينحنح يصنع ذلك حتى يؤذنهم أنه قد جاء». حتى إذا كان أهل المنزل في حالة غير لائقة، كأنهم في حال تبديل ملابس أو ماشابه ذلك، لايراهم في تلك الحالة. وهذا أحسن وأصلح لبقاء الحب والمودة بين أهل المنزل.
السادس: عدم إزعاج الزوج
قال الإمام الصادق عليه السلام :
« أَيُّمَا امْرَأَةٍ قَالَتْ لِزَوْجِهَا مَا رَأَيْتُ قَطُّ مِنْ وَجْهِكَ خَيْراً فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهَا » (8).
إن من طبع الرجل أن يعمل في خارج البيت ويأتي بالأمن والمال إلى البيت حتى يعيش أهله حياة جيدة. وهذا هو الذي أقره الله سبحانه وتعالى للرجال. وفي المقابل على المرأة أن تساعد زوجها وتسعد قلبه حين يأتي إلى البيت. فيجب عليها أن تصنع في المنزل أجواء جميلة حتى يرغب الرجل بالرجوع إلى المنزل وحتى يفرح قلبه حين يدخل إلى البيت. وهذا هو الذي تذكره هذه الرواية. فإن المرأة إذا قالت لزوجها: « ما رأيت قطّ من وجهك خيراً» يسبب في إزعاج الزوج وتأذيته وبالتبع يسبب في تقليل العواطف والمحبة بينهما وهذا بنوعه يسبب في ابتعاد الزوج عن زوجته. ويمكن أن تكون هذه هي الحكمة في قوله عليه السلام: « فقد حبط عملها ».
وفي مقابل هذه الرواية، رواية أخرى عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال:
« ملعونة ملعونة امرأة تؤذي زوجها وتغمه ، وسعيدة سعيدة امرأة تكرم زوجها ولا تؤذيه وتطيعه في جميع أحواله » (9).
السابع: سقي المرأة لزوجها
قال الإمام الصادق عليه السلام:
« مَا مِنِ اِمْرَأَةٍ تَسْقِي زَوْجَهَا شَرْبَةً مِنْ مَاءٍ إِلاَّ كَانَ خَيْراً لَهَا مِنْ عِبَادَةِ سَنَةٍ صِيَامٍ نَهَارُهَا ، وَ قِيَامٍ لَيْلُهَا وَ يَبْنِي اَللَّهُ لَهَا بِكُلِّ شَرْبَةٍ تَسْقِي زَوْجَهَا مَدِينَةً فِي اَلْجَنَّةِ ، وَ غَفَرَ لَهَا سِتِّينَ خَطِيئَةً» (10).
يعتبر سقي المرأة لزوجها علامة بارزة على الحنان والمودة بينهما. إذ يبذل الرجل جهدًا كبيرًا خارج المنزل ليحصل على الرزق الحلال لأسرته. وعندما تقدم الزوجة له شربة من الماء، يزول عن جسده وروحه ذلك التعب الشديد، حيث يشعر بمحبة زوجته وتقديرها له. يدرك الرجل حينها أن زوجته ممتنة لعطائه. ولذا، يكافئ الله تعالى المرأة على هذا العمل البسيط بأجر عظيم؛ إذ يصل الثواب إلى أن الله يبني لها بكل شربة تسقي بها زوجها مدينة في الجنة، ويغفر لها ستين خطيئة.
هذه كانت بعض الروايات الواردة عن الإمام الصادق عليه السلام في خصوص التبعل ومراعاة حال الأزواج. نسأل الله أن يبارك لنا هذا اليوم العظيم ويرزقنا شفاعة الإمام عليه السلام.
1) الكافي (لمحمد بن يعقوب الكليني) / المجلد: 5 / الصفحة:507 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
2) الأمالي (للشيخ الصدوق) / المجلد: 1 / الصفحة: 497 / الناشر: مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة – قم / الطبعة: 1.
3) بحار الأنوار (للعلامة محمد باقر المجلسي) / المجلد: 103 / الصفحة: 239 / الناشر: مؤسسة الوفاء – طهران / الطبعة: 2.
4) بحار الأنوار (للعلامة محمد باقر المجلسي) / المجلد: 103 / الصفحة: 239 / الناشر: مؤسسة الوفاء – طهران / الطبعة: 2.
5) الكافي (لمحمد بن يعقوب الكليني) / المجلد: 5 / الصفحة:512 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
6) بحار الأنوار (للعلامة محمد باقر المجلسي) / المجلد: 103 / الصفحة: 249 / الناشر: مؤسسة الوفاء – طهران / الطبعة: 2.
7) بحار الأنوار (للعلامة محمد باقر المجلسي) / المجلد: 76 / الصفحة: 12 / الناشر: مؤسسة الوفاء – طهران / الطبعة: 2.
8) من لايحضره الفقيه (للشيخ الصدوق) / المجلد: 3 / الصفحة: 440 / الناشر: جامعة المدرسين في الحوزة العلمية – قم / الطبعة: 2.
9) كنز الفوائد (لأبي الفتح الكراجكي) / المجلد: 1 /الصفحة: 63 / الناشر: دار الذخائر – قم / الطبعة: 1.
10) إرشاد القلوب (لحسن بن محمد الديلمي) / المجلد: 1 / الصفحة: 333 / الناشر: منشورات الشريف الرضي – قم / الطبعة: 1.
التعلیقات