النوروز ورأي أهل البيت عليهم السلام حوله
السيد حسين الهاشمي
منذ 3 أيامالنوروز، المعروف أيضاً بـ (اليوم الجديد)، من الأعياد التاريخية التي تحتفل بها شعوب عدة، وخاصة في إيران والمناطق ذات التأثير الثقافي الفارسي. يمتاز النوروز بجذوره العميقة في التراث والثقافة، حيث يُحتفل به في اليوم الذي يتزامن مع الاعتدال الربيعي، وهو يمثل بداية العام الجديد وفق التقويم الشمسي. وقد اكتسب هذا العيد مكانة خاصة في قلوب الناس، حيث يُعتبر رمزًا للتجديد، والأمل، والحياة. لكن، بجانب الجوانب الثقافية والاجتماعية، يثير النوروز تساؤلات حول وجهة نظر أهل البيت عليهم السلام تجاهه. يكتسب هذا الموضوع أهمية خاصة، حيث يعكس الموقف الديني والأخلاقي من الأعياد والتقاليد الاجتماعية. يعتبر أهل البيت عليهم السلام رمزًا للعلم والحكمة في الإسلام، ولذلك فإن آرائهم حول النوروز قد تقدم لنا فهمًا أعمق للممارسات الاجتماعية والدينية المرتبطة بهذا العيد.
لقد كان لأهل البيت عليهم السلام دورٌ بارز في تشكيل الثقافة الإسلامية وتوجيهها نحو القيم الأخلاقية والروحية. لذا، فإن فهم آرائهم حول النوروز والممارسات المرتبطة به يمكن أن يساعدنا في استكشاف العلاقة بين التراث الثقافي والدين. تُعدّ هذه الآراء أساسية لتحديد مدى توافق هذه الاحتفالات مع التعاليم الإسلامية، وكيفية تجسيدها للقيم الإنسانية التي دعا إليها أهل البيت. ففي هذه المقالة، سنستعرض بشكل منهجي وجهات نظر أهل البيت عليهم السلام حول النوروز، ونسلط الضوء على المراسم والطقوس المرتبطة بهذا العيد. سنناقش كيف يمكن لهذه الآراء أن تؤثر على فهمنا للاحتفالات الثقافية والاجتماعية في المجتمع الشيعي، وكيف تعكس هذه الممارسات القيم الإسلامية السامية.
الأهمية الثقافية لنوروز
نوروز هو رمز لتجديد الحياة. حيث يتزامن مع قدوم الربيع، وهو الوقت الذي تزهر فيه الطبيعة وتعود الحياة إلى الأرض. هذا الارتباط بالطبيعة يجعل من نوروز مناسبة تعكس روح الأمل والتفاؤل. وفي هذا السياق يعتبر من أهم الأمور الثقافية لأنه يجمع نوروز العائلات والأصدقاء، حيث يتبادلون التهاني والهدايا، مما يعزز الروابط الاجتماعية. يتم تنظيم الزيارات وتناول الوجبات التقليدية، مما يسهم في تعزيز العلاقات الأسرية والاجتماعية. يحتوي الاحتفال بنوروز على العديد من الطقوس والتقاليد، مثل إعداد هفت سين، وهو مائدة تتكون من سبعة أشياء تبدأ بحرف السين، تمثل عناصر من الحياة مثل الصحة، والثروة، والجمال. هذه الطقوس تعكس الهوية الثقافية الإيرانية وارتباطها بالقيم الروحية.
المكانة التاريخية لنوروز
يُعتقد أن نوروز يعود إلى حوالي 3000 عام، ويُعتبر مرتبطًا بالزرادشتية، الديانة القديمة في إيران. كان يُحتفل به في العصور القديمة كاحتفال بالخلق والنور. عبر العصور أصبح نوروز رمزًا للوحدة الوطنية والتضامن بين مختلف الأعراق والثقافات في إيران. استمر الاحتفال بهذا العيد حتى في فترات الاحتلال والتغيير السياسي، مما يعكس قوته في الحفاظ على الهوية الثقافية. في عام 2010، أدرجت منظمة اليونسكو نوروز في قائمة التراث الثقافي غير المادي للإنسانية، مما يعكس أهميته العالمية ويعزز من مكانته في الثقافة الإيرانية.
نوروز في روايات أهل البيت عليهم السلام
الروايات المروية عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وعن أئمة أهل البيت عليهم السلام حول نوروز كثيرة. فحين نراجع الروايات نرى أن نوروز في الكثير من الروايات ممدوحة من قبل الأئمة عليهم السلام. ولكن في القليل من الروايات نرى أن هذا اليوم قد ذمّ من قبل أهل البيت عليهم السلام. فلنذكر البعض من هذه الروايات حتى نستطيع أن نستنتج منها.
روي حول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: « أَنَّهُ أُهْدِيَ إِلَيْهِ فَالُوذَجٌ فَقَالَ مَا هَذَا قَالُوا يَوْمُ نَيْرُوزٍ قَالَ فَنَيْرِزُوا إِنْ قَدَرْتُمْ كُلَّ يَوْمٍ يَعْنِي تَهَادَوْا وَ تَوَاصَلُوا فِي اللَّهِ » (1). فهذه الرواية تدل على أن الاحتفال بيوم نوروز وتقديم الهدايا في هذا اليوم كان من الأمور الصحيحة والجميلة في رأي النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.
وأيضا روي حول يوم نوروز في زمن أميرالمؤمنين عليه السلام: « أُتِيَ عَلِيٌّ عليه السلام بِهَدِيَّةِ النَّيْرُوزِ فَقَالَ عليه السلام مَا هَذَا قَالُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْيَوْمُ النَّيْرُوزُ فَقَالَ عليه السلام اصْنَعُوا لَنَا كُلَّ يَوْمٍ نَيْرُوزاً. أو قال نَيْرُوزُنَا كُلُّ يَوْمٍ» (2). وهذه الرواية أيضا تدل على أن الاحتفال بيوم نوروز، مقبول وصحيح ومحبوب في رأي أهل البيت عليهم السلام.
وأيضا يوجد روايات حول إثبات وتصحيح الاحتفال بنوروز نذكرها إن شاء الله.
لكن في المقابل ورد رواية عن الإمام الكاظم عليه السلام تنهي الاحتفال بنوروز. فقد روي: « أن المنصور تقدم إلى موسى بن جعفر عليه السلام بالجلوس للتهنئة في يوم النيروز وقبض ما يحمل إليه فقال إني قد فتشت الأخبار عن جدي رسول الله صلى الله عليه واله فلم أجد لهذا العيد خبرا وإنه سنة الفرس ومحاها الإسلام ومعاذ الله أن نحيا نحيي ما محاها الإسلام فقال المنصور إنما نفعل هذا سياسة للجند فسألتك بالله العظيم إلا جلست فجلس » (3). لكن هذه الرواية مخالفة ومعارضة بالروايات الكثيرة التي ذكرناها وسنذكرها والعلماء لم يقبلوها. فالعلامة المجلسي رحمة الله عليه يقول في هذه الرواية: « هذا الخبر مخالف لأخبار المعلى ويدل على عدم اعتبار النيروز شرعا وأخبار المعلى أقوى سندا وأشهر بين الأصحاب. ويمكن حمل هذا على التقية لاشتمال خبر المعلى على ما يتقى فيه ولذا يتقى في إظهار التبرك به في تلك الأزمنة في بلاد المخالفين » (4).
الأعمال المروية في يوم نوروز
ورد عن أهل البيت عليهم السلام أعمال ليوم نيوروز يستحب فعلها. وهذه الأخبار أيضا تدل على أن يوم نوروز يوم مبارك في الشريعة الإسلامية. فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: « إذا كان يوم النيروز فاغتسل والبس أنظف ثيابك وتطيب بأطيب طيبك وتكون ذلك اليوم صائما» (5). وأيضا روى المعلى بن خنيس عن الإمام الصادق عليه السلام في يوم النيروز قال: « إذا كان يوم النيروز ... فإذا صلّيت النوافل والظهر والعصر فصلّ بعد ذلك أربع ركعات ، تقرأ في أوّل كلّ ركعة فاتحة الكتاب وعشر مرّات إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر، وفي الثانية فاتحة الكتاب وعشر مرّات قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وفي الثالثة فاتحة الكتاب وعشر مرّات قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ وفي الرابعة فاتحة الكتاب وعشر مرّات المعوّذتين ، وتسجد بعد فراغك من الركعات سجدة الشكر وتدعو فيها يغفر لك ذنوب خمسين سنة » (6).
تقارن نوروز مع المناسبات الإسلامية
يُقارن يوم نوروز بمناسبات إسلامية وعظيمة، فقد روى المعلى بن خنيس عن الإمام الصادق عليه السلام في حديث طويل: « إنّ يوم النيروز هو اليوم الذي أخذ فيه النبي صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام العهود بغدير خمّ ، فأقروا له بالولاية ، فطوبى لمن ثبت عليها ، والويل لمن نكثها ، وهو اليوم الذي وجّه فيه رسول الله صلى الله عليه وآله عليّاً عليه السلام إلى وادي الجنّ ، وأخذ عليهم العهود والمواثيق ، وهو اليوم الذي ظفر فيه بأهل النهروان وقتل ذي الثدية ، وهو اليوم الذي فيه يظهر قائمنا أهل البيت وولاة الامر ، ويظفره الله بالدجّال فيصلبه على كناسة الكوفة ، وما من يوم نيروز إلاّ ونحن نتوقّع فيه الفرج ، لأنّه من أيّامنا ، حفظه الفرس وضيّعتموه ، ثمّ إن نبيّاً من أنبياء بني إسرائيل سأل ربّه أن يحيي القوم الذين خرجوا من ديارهم وهم أُلوف حذر الموت فأماتهم الله فأوحى الله إليه أن صبّ عليهم الماء في مضاجعهم ، فصبّ عليهم الماء في هذا اليوم فعاشوا ، وهم ثلاثون ألفاً ، فصار صبّ الماء في يوم النيروز سنّة ماضية لا يعرف سببها إلاّ الراسخون في العلم ، وهو أوّل يوم من سنة الفرس » (7).
فظهر من جميع ما ذكرناه أن يوم نوروز والإحتفال بهذا اليوم، من الأمور المقبولة والمحبوبة في رأي الشريعة الإسلامية والنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وأهل بيته الكرام عليهم السلام. فينبغي علينا أن نغتنم هذه الفرصة ونتقرب إلى الله سبحانه وتعالى في هذا اليوم.
1) دعائم الإسلام (للقاضي النعمان المغربي) / المجلد: 2 / الصفحة: 326 / الناشر: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث – قم / الطبعة: 2.
2) من لا يحضره الفقيه (للشيخ الصدوق) / المجلد: 3 / الصفحة: 300 / الناشر: مكتب النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 2.
3) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 59 / الصفحة: 100 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 1.
4) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 59 / الصفحة: 100 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 1.
5) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 59 / الصفحة: 101 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 1.
6) وسائل الشيعة (للشيخ حرّ العاملي) / المجلد: 8 / الصفحة: 173 / الناشر: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث – قم / الطبعة: 1.
7) وسائل الشيعة (للشيخ حرّ العاملي) / المجلد: 8 / الصفحة: 173 / الناشر: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث – قم / الطبعة: 1.
التعلیقات