السيدة معصومة والإمام الرضا عليهما السلام والإرتباط العاطفي بينهما
السيد حسين الهاشمي
منذ أسبوعشهر ذي القعدة هو شهر الإمام الرضا عليه السلام وأخته السيدة فاطمة المعصومة سلام الله عليها. لأنهما ولدا في هذا الشهر. لم تسجل لنا الوثائق التاريخية القديمة يوم ولادة السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام، إلاّ أنّ المصادر المتأخرة سجلت لنا أنّ ولادتها كانت في المدينة المنورة بداية ذي القعدة الحرام سنة 173 هـ (1). ومع قرب حلول شهر ذي القعدة، قررنا أن نكتب لكم عن الإرتباط العاطفي والمعنوي بين السيدة معصومة سلام الله عليها والإمام الرضا عليه السلام.
هناك نماذج عديدة من الإرتباط العاطفي والمعنوي بين الأشخاص من صدر الإسلام إلى يومنا هذا. والإرتباط العاطفي بين السيدة معصومة والإمام الرضا عليهما السلام من أبرز النماذج في التاريخ الإسلامي. حيث يمكننا أن نرى المحبة والتعاطف والعفة والكرامة بين الإمام الرضا والسيدة معصومة عليهما السلام.
تتجاوز العلاقة بينهما حدود القرابة العائلية لتصبح نموذجًا يحتذى به في الصبر والتضحية. فقد عانت السيدة معصومة من الاغتراب والفراق، حيث انتقلت من المدينة المنورة إلى قم في رحلة محفوفة بالتحديات، وذلك بحثًا عن الأمان والنجاة لأهل بيتها. ومع ذلك، لم تفقد السيدة معصومة عليها السلام الأمل، بل كانت دائمًا تحتفظ بعلاقة روحية قوية مع أخيها الإمام الرضا عليه السلام، الذي كان يمثل لها الداعم الروحي والمساند في الأوقات العصيبة.
عدم زواجها إلا بإذن الإمام الرضا عليه السلام
يذكر البعض أن السيدة معصومة لم تتزوج وذلك لوصية أبيها الإمام الكاظم عليه السلام. فقد قال اليعقوبي: « أنّ عدم زواجها يعود إلى وصية من موسى بن جعفر الكاظم حيث أوصى بأن لا تتزوج بناته من أحد » (2). لكن هذا الكلام غير صحيح. لأن اليعقوبي هو الشخص الوحيد الذي ذكر هذه الوصية من الإمام الكاظم عليه السلام وهذه الوصية أيضا مخالفة لسيرة أهل البيت عليهم السلام من الحثّ على الزواج.
والصحيح ما ذكره الكليني في الكافي من أن موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام لم يمنع من الزواج وإنما أرجع ذلك إلى ولده علي بن موسى الرضا عليه السلام، حيث قال: « و لا يُزَوِّجُ بناتي أَحدٌ من إِخوتهنَّ من أُمَّهاتهنَّ ولا سلطانٌ ولا عَمٌّ إِلَّا برأْيِه- يعني علي الرضا- و مشورته فإِنْ فعلُوا غير ذلكَ فقدْ خالفُوا اللَّهَ ورسولهُ» (3). وهذا يوضح لنا مدى الإرتباط العميق بين الإمام الرضا عليه السلام والسيدة معصومة سلام الله عليها. لأن زواجها كانت بيد أخيها الإمام الرضا عليه السلام. وعدم زواجها ليس بأمر قبيح. لأننا حينما ننظر بتأمل إلى الأوضاع الجارية في ذلك الزمان والصعوبات التي جرت على العلويين نفهم علة عدم زواجها. فالسيدة المعصومة سلام الله عليها لم تتزوج لأجل هذا الإرهاب والقتل والاعتقال.
رسالة الإمام الرضا عليه السلام إليها وسفرها إلى إيران
المأمون العاباسي عندما شاهد مقام الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام بين الناس خصوصا الشيعة، خاف منه عليه السلام وعزم أن يأتي بالإمام عليه السلام إلى إيران ويجعله وليّ عهده حتى يكون الإمام بقربه ويراقب تحركات الإمام عليه السلام بشكل دقيق ويبعد الإمام عليه السلام عن الشيعة وبهذا يقلل من مقام الإمام عليه السلام عند الشيعة. فأرسل بريدا إلى الإمام عليه السلام وأمره أن يأتي إليه. روى الصدوق بسنده عن مخوّل السجستاني، قال:
« لما ورد البريد بإشخاص الرضا عليه السلام إلى خراسان، كنت أنا بالمدينة، فدخل عليه السلام المسجد ليودّع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فودّعه مراراً، كل ذلك يرجع إلى القبر ويعلو صوته بالبكاء والنحيب، فتقدّمت إليه وسلّمت عليه فردّ السلام وهنّأته، فقال: زرني، فإنّي أخرج من جوار جدّي صلى الله عليه وآله وسلم فأموت في غربة وأدفن في جنب هارون. ثم قام الإمام الرضا عليه السلام وجمع عياله فأمرهم بالبكاء عليه فإنه لن يعود إليهم فأقاموا المأتم عليه قبل سفره إلى خراسان. وكان خروج الإمام الرضا عليه السلام من المدينة سنة ۲۰۰ هـ وشهادته سنة ۲۰۳ هـ » (4).
فحين ذهب الإمام الرضا عليه السلام إلى خراسان، اكتنفت السيّدة المعصومة عليها السّلام حالةٌ من القلق الشديد على مصير الإمام الرضا عليه السّلام منذ أن استقدمه المأمون إلى خراسان. لقد كانوا في خوف بعدما أخبرهم أخوها أبو الحسن الرضا عليه السّلام أنّه سيُستشهد في سفره هذا إلى خراسان، خاصّة بعد ما رأوا من الأذى والمصيبة لمصابهم بالإمام الكاظم عليه السّلام الذي استُقدم إلى بغداد، فلم يخرج من سجونها وطواميرها إلاّ قتيلاً مسموماً. كلّ هذا يدلّنا على زاوية ممّا كان يحدث في قلب السيّدة المعصومة عليها السّلام، ممّا تسبب لها حسب رواية الحسن بن محمّد القمّي في تاريخ قم إلى شدّ الرحال، لتتحسّس عن أخيها الإمام.
وأيضا أحد الأسباب التي تسببت بخروج السيدة معصومة من المدينة المنورة وسفرها إلى خراسان هي رسالة وصلت إليها من أخيها الإمام الرضا عليه السلام. فقد روى صاحب تاريخ قم:
« إنّه لما أتى المأمون بـالإمام الرضا عليه السلام من المدينة إلى مرو لولاية العهد في سنة 200 من الهجرة، خرجت فاطمة المعصومة عليها السلام أخته تقصده في سنة 201 هـ . فلمّا تلقت كتاب أخيها الإمام الرضا عليه السلام، استعدت للسفر نحو خراسان. فخرجت مع قافلة تضمّ عدداً من إخوتها وأخواتها وأبناء إخوتها » (5).
لم يذكر لنا في الكتب التاريخية ما كان مضمون رسالة الإمام الرضا عليه السلام إلى أختها السيدة معصومة سلام الله عليها إلا أننا يمكننا أن نعرف أن هذا الكتاب كان أحد الأسباب المهمة في سفر السيدة المعصومة إلى خراسان. وأيضا لو قلنا بأن الإمام الرضا عليه السلام لم يذكر لها شيئا يهيجها إليه، إلا أن نفس خروج السيدة المعصومة إلى خراسان بنفسها يدلّ على الإرتباط العاطفي العميق بينهما. وهذا الكتاب أيضا يوضح لنا مدى الإرتباط العاطفي بين الإمام الرضا عليه السلام والسيدة فاطمة معصومة سلام الله عليها.
الروايات حول السيدة معصومة سلام الله عليها
هناك روايات مروية عن الإمام الرضا عليه السلام حول أخته السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام يوضح لنا الإرتباط العاطفي العميق بينهما. ومنها ما نقله المحدث القمي عن زيارة أحد أكابر قم للإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام:
« إنّ سعداً وهو من أجلاء قم دخل على الإمام عليه السلام فقال له الإمام: يا سعد عندكم لنا قبر. فقال سعد قلت: جعلت فداك قبر فاطمة بنت موسى؟ قال الإمام عليه السلام: نعم! من زارها عارفاً بحقها فله الجنة » (6).
وأيضا روي عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام حول السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام: « من زار المعصومة بقم كمن زارني » (7).
فهذه الروايات تدلّ على شدة الإرتباط والعلاقة والمحبة بين السيدة فاطمة المعصومة والإمام الرضا عليه السلام. لأن التقارن بين زيارة السيدة فاطمة المعصومة وزيارة الإمام الرضا عليه السلام ليس بمجاملة من الإمام عليه السلام بل إنها حكاية عن الواقع الموجود. ونحن ندري ما هو فضل زيارة الإمام الرضا عليه السلام وأن الإمام الرضا عليه السلام هو إمام معصوم افترض الله سبحانه وتعالى علينا طاعته وولايته. فهذا التقارن بين زيارتهما يبين لنا القرابة الشديدة بين الإمام الرضا عليه السلام والسيدة المعصومة عليها السلام.
هذه كانت جملة من الأمور التي يبين لنا الإرتباط العاطفي والمعنوي بين السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام والإمام الرضا عليه السلام. نتمنى أن يرزقنا الله سبحانه وتعالى في الدنيا زيارتها وزيارة أبيها وأخيها عليهم السلام وأن يرزقنا في الآخرة شفاعتهم والكون معهم في الجنان العُليا.
1) مستدرك سفينة البحار (للشيخ علي النمازي الشاهرودي) / المجلد: 8 / الصفحة: 261 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
2) تاريخ اليعقوبي (لأحمد بن إسحاق اليعقوبي) / المجلد: 3 / الصفحة: 151 / الناشر: دار صادر – بيروت / الطبعة: 2.
3) الكافي (لمحمد بن يعقوب الكليني) / المجلد: 1 / الصفحة: 317 / الناشر: مؤسسة الفجر للنشر والطباعة – قم / الطبعة: 1.
4) عيون أخبار الرضا (للشيخ الصدوق) / المجلد: 2 / الصفحة: 217 / الناشر: نشر الشريف الرضي – قم / الطبعة: 1.
5) تاريخ قم (لمحمد حسين ناصر الشريعة) / المجلد: 1 / الصفحة: 163 / الناشر: نشر رهنمون – قم / الطبعة: 1.
6) بحار الأنوار (للعلامة محمد باقر المجلسي) / المجلد: 48 / الصفحة: 317 / الناشر: إحياء الكتب الإسلامية – قم / الطبعة: 1.
7) رياحين الشريعة (للشيخ ذبيح الله المحلاتي) / المجلد: 5 / الصفحة: 35 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – قم / الطبعة: 1.
التعلیقات