شهر الضيافه الالهيه
موقع فاطمة
منذ 8 سنواتبسمه تعالى
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في خطبته في استقبال شهر رمضان المبارك: "هو شهر
دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجُعلتم فيه من أهل كرامة الله"
من الخصائص والمميزات الهامة لشهر رمضان هو كونه شهر الضيافة الإلهية.
والضيافة خُلق من أخلاق الله سبحانه وتعالى الذي استضاف مخلوقاته في عالم الوجود بالمعنى الواسع للكلمة، وهو يستضيف عباده كل يوم في مملكته، ويدعوهم إلى طيب أرزاقه، ويطعمهم على موائده الكريمة الممتدة، كما يستضيفهم في الطاعات والعبادات أثناء الليل والنهار، في كل ساعة وكل يوم، على مدى الأسابيع والأشهر، ومواسم السنوات، فمن أحبّ الله جلّ وعلا لبّى دعوته وإضافته، وتعلّم منه كيف-يحب الضيافة أولاً، وكيف يراعي آدابها ثانياً.
سواء كان هو ضيفاً أم مضيفاً، وقد استضافنا الله تعالى ويستضيفنا.. ضيافة خاصة في شهره المبارك العظيم، شهر رمضان الذي خطب في شأنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أخر جمعة من شهر شعبان، فقال: "أيها الناس! إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور،وأيامه أفضل الأيام، وساعاته أفضل الساعات، هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجُعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفساكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب".
ثم بيّن (صلى الله عليه وآله) ما ينبغي أن يُراعى في هذه الضيافة الشريفة فقال: "فأسألوا الله ربكم بنيّات صادقة، وقلوب طاهرة، أن يوفقكم لصيامه، وتلاوة كتابه، فإنّ الشقّي من حُرم من غفران الله في هذا الشهر العظيم، واذكروا بجوعكم وعطشكم جوع يوم القيامة وعطشه، وتصدّقوا على فقرائكم ومساكينكم، ووقّروا كباركم، وارحموا صغاركم، وصلوا أرحامكم، واحفظوا ألسنتكم، وغضوا أبصاركم عمّا لا يحلّ النظر إليه أبصاركم،وعمّا لا يحلّ الإستماع إليه أسماعكم، وتحنّنوا على أيتام الناس يتحنّن على أيتامكم، وتوبوا إلى الله من ذنوبكم، وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلواتكم..".
فكم يجدر أن تستجاب دعوة هذه الضيافة المقدّسة، ويستفاد من منا سبتها وفرصتها، وتراعى على حرماتها وآدابها وشروطها، وما أجلّ وأسمى شروطها!..
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوماً لجابر بن عبد الله الأنصاري:
"يا جابر! هذا شهر رمضان، من صام نهاره، وقام ورداً من ليله، وعفّ بطنه وفرجه، وكفّ لسانه، خرج من ذنوبه كخروجه من الشهر.
فقال جابر: يا رسول الله! ما أحسن هذا الحديث!
فقال (صلى الله عليه وآله): يا جابر: وما أشدّ هذه الشروط.".1
وفي الحديث عن الإمام علي (عليه السلام) قال: "الصيام إجتناب المحارم، كما يمتنع الرجل من الطعام والشراب"2
فهذه ضيافة الله تعالى، فكيف يا تُرى هي مواقعنا فيها؟ وما هي مسؤوليتنا عندها؟
فنحن جميعاً عباد الله ضيوف الله تعالى في شهر رمضان المبارك.
فهل فكرّنا في إصلاح أنفسنا؟ وهل توجّهنا إلى خالقنا؟ وهل استغفرناه من ذنوبنا؟ وهل توجّهنا إليه بالتوبة عن كل غيبة ونميمة أو أي ذنب؟
أم أننا أسئنا آداب الضيافة، ودّنسنا أنفسنا بالمعاصي إنّ ضيافة الله تعالى لا يمكن أن تتحقق إلاّ على بساط الطاعة، فيكون فيها الجوع نوعاً من التربية للنفس الأمارة بالسوء، وللصبر، وللرحمة، ويكون فيها الذكر المربّى للقلب على التعلّق بالله تعالى وعبادته، وفيها الإستغفار المربّى للروح على السمّو والصفاء والإرتقاء إلى درجات القرب منه سبحانه وتعالى.
أطيب الموائد في الشهر الكريم
لعل أطيب الموائد وأفضلها في ضيافة شهر الله تعالى، الإستغفار في أسحاره الشريفة، حيث صفاء الله وقداسة الوقت، والتوجه إلى الله تعالى بما قاله الإمام السجاد (عليه السلام): "اللهم إنّ لك حقوقاً فتصدّق بها عليّ، وللناس قبلي تبعات فتحمّلها عنّي، وقد أوجبت لكلّ ضيف قرى وأنا ضيفك، فاجعل قراي الليلة الجنة، يا وهاب الجنة، يا وهّاب المغفرة"3
ولا يفوتنا أن نذكر أنفسنا أنّ من شأن الضيافة أن يقدّم على سفرتها الطعام الشهي، والشراب الهنّي، ومأدبة الله تعالى في الشهر الكريم"الكتاب الحكيم" ففيه غذاء الروح والقلب، ومعاني الإيمان والتقوى، والمعارف النيّرة.
يقول رسول الله(صلى الله عليه وآله): "القرآن مأدبة الله، فتعلّموا مأدبته ما استطعتم"4.
وتزداد هذه المأدبة طيباً ورونقاً مع الطاعة الخالصة له تعالى.
ففي الحديث القدسي: "أهل طاعتي في ضيافتي، وأهل شكري في زيادتي، وأهل ذكري في نعمتي، وأهل معصيتي لا أويسهم من رحمتي، وإن تابوا فأنا حبيبهم، وإن دعوا فأنا مجيبهم، وإن مرضوا فأنا طبيبهم"5.
الضيافة العامة
لقد فتح الله تعالى أبواب جنانه وأغلق أبواب نيرانه في شهر رمضان، وجعله باباً لضيافة جميع مخلوقاته على موائد أرزاقه الكريمة،فيأكل منها الصغير والكبير، والمؤمن والكافر، والتقي والفاسق، والجاهل والعالم، وذلك حُلُم الله عزّ وجلّ، وعطفه على مخلوقاته.. فهو الرحمن جلّ وعلا، يرحم جميع خلقه: برهم وفاجرهم، ولما لا؟ وقد شملت رحمته كلّ شيء، ألم يقل تعالى في كتابه: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾6
ألم نقرأ في دعاء أمير المؤمنين (عليه السلام): " اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كلّ شيء"7
والضيف لا يخرج إلا بكرامة، وكرامة الله عزّ وجل هي المغفرة وللضيف حرمة، فكيف إذا كان المضيف من هو واسع المغفرة والرحمة، وفي الحديث القدسي: "يا ابن آدم! المال مالي وأنت عبدي والضيف رسولي، فإن منعت مالي من رسولي فلا تطمع في جنتي ونعمتي"
وختاماً:
مع هذه الإطلالة المباركة لشهر ضيافة الله وعنايته ليس لنا إلا أن نتوجه إلى الله تعالى بما دعا به الإمام السجاد(عليه السلام) في أول شهر رمضان المبارك: "اللهم أعِنّا على صيامه بكفّ الجوارح عن معاصيك، واستعمالها فيه بما يرضيك، حتى لا نصغي بأسماعنا إلى لغو، ولا نسرع بأبصارنا إلى لهو، و حتى لا نبسط أيدينا إلى محظور، ولا نخطو بأقدامنا إلى محجور"8
فلنعظّم هذا الشهر، ونحافظ على حرمته، ونحييه بالعبادة، والدعاء والإستغفار، والتقرّب إلى الله تعالى بفعل الخيرات، وبالعطف على المساكين والفقراء، وإشاعة الأخوّة والمحبّة، وتناسي الأحقاد والخصومات.
ها هي أبواب الجنان قد فُتحت، فلنسأل ربّنا بأن لا يُغلقها علينا، وأبواب النيران قد أُغلقت، فلنسأل ربّنا أن لا يفتحها علينا.
والحمد لله رب العالمين
التعلیقات