زينب الكبرى عليها السلام زينة أبيها
الشيخ مهدي المجاهد
منذ 6 سنوات
في غضون السنة السادسة من الهجرة استقبل البيت العلوي الفاطمي الطاهر ـ بكل فرح وسرور، وغبطة وحبور ـ الطفل الثالث من أطفالهم ، وهي البنت الأولى للإمام أمير المؤمنين والسيدة فاطمة الزهراء عليهما السلام.
ففي اليوم الخامس من شهر جمادى الأولى ولدت السيدة زينب، وفتحت عينها في وجه الحياة، في دار يشرف عليها خمسة هم أطهر خلق الله تعالى: محمد رسول الله ، وعلي أمير المؤمنين ، وفاطمة سيدة نساء العالمين، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة صلى الله عليهم أجمعين.(1)
لما ولدت السيدة زينب عليها السلام جاءت بها أمها سيدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام إلى أبيها أمير المؤمنين عليه السلام، وقالت سم هذه المولودة، فقال ما كنت لأسبق رسول اللّه صلى الله عليه وآله -وكان في سفر له - ولما جاء النبي صلى الله عليه وآله، وسأله أمير المؤمنين عليه السلام عن اسمها، فقال ما كنت لأسبق ربي تعالى، فهبط جبرئيل يقرأ على النبي السّلام من اللّه الجليل، وقال له سم هذه المولودة زينب، فقد اختار اللّه لها هذا الاسم، ثم أخبره بما يجري عليها من المصائب، فبكى النبي صلى الله عليه وآله، وقال: (من بكى على مصاب هذه البنت كان كمن بكى على أخويها الحسن والحسين).(2)
فإنّها عليها السلام هي المتربّاة في مدينة العلم النبوي صلى الله عليه وآله والمعتفكة بعده ببابها العلوي عليه السلام المتغذّاة بلبانة من أمّها الصدّيقة الطاهرة عليها السلام، وقد طوت عمراً من الدهر مع الإمامين السبطين عليهما السلام يزقّانها العلم زقّاً؛ فهي اغترفت من عباب علم آل محمّد صلوات اللَّه عليهم، وقد نصَّ لها بهذه الكلمة ابن أخيها الإمام عليّ بن الحسين عليهما السلام: أنتِ بحمد اللَّه عالمة غيرُ معلِّمة وفهِّمة غيرُ مفهِّمة، يريد عليه السلام إنّ مادة علمها من سنخ ما منح به رجالات بيتها الرّفيع أفيض عليها إلهاماً لا يتخرّج على أستاذ أو أخذ من مشيخة.
فكانت على جانب عظيم من العلم والحلم ومكارم الأخلاق، ذات فصاحة وبلاغة تفيض من يدها عيون الجود والكرم، فهي التي نقلت إلينا ما خطبت به أمها سيدة النساء عليها السلام في مسجد النبوي، وانتهجت بتلك المنهج حيث بعد واقعة الطف الحزينة قامت، وبيّنت بخطبها ما جرى في كربلاء، وأكملت المسيرة التي قام بها سيد الشهداء صلوات الله عليه من طلب الإصلاح في أمة جدهما النبي الأكرم صلى الله عليه وآله.
وجاء في التاريخ أن جمعاً من رجال الكوفة جاؤوا إلى الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام، وقالوا : إئذن لنسائنا كي يأتين إلى ابنتك، ويتعلمن منها معالم الدين وتفسير القرآن.
فأذن الإمام لهم بذلك ، فبدأت السيدة زينب عليها السلام بتدريس النساء.
والله هو العالم بعدد النساء المسلمات اللواتي كن يحضرن درس السيدة .. طيلة أربع سنوات أو أكثر.
وذات يوم دخل الإمام أمير المؤمنين عليه السلام الدار، فسمع ابنته زينب تتحدث للنساء ـ في درسها ـ عن الحروف المقطعة في أوائل السور، وعن بداية سورة مريم بشكل خاص.
وبعد انتهاء الدرس التقى الإمام بابنته، وقال لها: يا نور عيني أتعلمين أن هذه الحروف هي رمز لما سيجري عليك وعلى أخيك الحسين في أرض كربلاء، ثم بدأ يحدثها عن بعض تفاصيل تلك الفاجعة.(3)
فكانت عليها السلام زينة لأبيها المرتضى صلوات الله عليه وهو نفس رسول الله صلى الله عليه وآله بنص القرآن الكريم في آية المباهلة، فما عظمت هذه السيدة الطاهرة حتى كانت زينة لأبيها.
ـــــــــــــــ
1ـ زينب الكبرى عليها السلام من المهد إلى اللحد: 31.
2ـ وفيات الأئمه، ص 431.
3ـ الخصائص الزينبية: ص ٦٨ ، و رياحين الشريعة: للمحلاّتي ج3، ص 57.
التعلیقات