إخراج النبي آدم عليه السلام من الجنة في الشرايع الإلهية
السيد حسين الهاشمي
منذ أسبوعيصادف اليوم الأول من ذي القعدة، يوم إخراج نبي الله آدم على نبينا وآله وعليه السلام والسيدة حوا عليها السلام من الجنة. لهذه المناسبة قررنا أن نكتب لكم حول قضية إخراج النبي آدم عليه السلام والسيدة حواء من الجنة واختلافاتها في الشريعة الإسلامية والمسيحية واليهودية.
أهمية قضية النبي آدم والسيدة حواء عليهما السلام في الأديان الإبراهيمية
حكاية إخراج النبي آدم والسيدة حواء عليهما السلام من أهم القضايا في الأديان الثلاثة الإلهية. لأن النبي آدم عليه السلام في هذه الشرائع هو نقطة إنطلاق للبشرية والخلق والعصيان.
في الأديان الإبراهيمية، يُعتبر النبي آدم عليه السلام أول إنسان خلقه الله، وهو نبي في نظر المسلمين. ففي اليهودية يُعتبر آدم رمزاً للبشرية جمعاء، ويُعلّم عن العلاقة بين الله والإنسان. أما في المسيحية، فإن آدم يمثل الخطيئة الأولى، ويُستخدم كمقدمة لفهم مفهوم الفداء من خلال المسيح. هذه القضية لديها أهمية كبيرة من حيث الإيمان بالله والمعصية والطاعة لله سبحانه وتعالى.
هذه القضية أيضا ذو أهمية من حيث المسائل الأخلاقية والإجتماعية. فإن هذه القضية تتناول العديد من المسائل الأخلاقية والإجتماعية كالمسئولية الفردية والإختيار الحر لكل شخص والتوجه إلى عواقب الأفعال. كما تعزز هذه القضية مفاهيم إجتماعية كالصبر والتعلم من الأخطاء والتوبة والإنابة إلى الله سبحانه وتعالى.
كما أن هذه القضية تُعدّ نقطة اتصال بين الأديان الإلهية الثلاثة، حيث تتحد هذه الأديان في أصل هذه الحكاية، مما يتيح لها التواصل والتقارب فيما بينها
حكاية إخراج النبي آدم حكاية حقيقية
قضية إخراج النبي آدم عليه السلام ليست مجرد حكاية تعليمية خرافية بل إنها قضية حقيقية يجب علينا أن نتعلم منها. هذه الحكاية ذكرت في آيات كثيرة من القرآن الكريم. منها آية 35 إلى 38 من سورة البقرة وآية 19 إلى آية 25 من سورة الأعراف التي سنذكرها لاحقا. وأيضا في الكتب المتعلقة باليهودية أيضا ذكرت هذه الحكاية بشكل مفصل ولديه باب مفصل بإسم (باب الخلقة) في العهد العتيق. في الكتب المسيحية أيضا ذكرت هذه الحكاية بتفصيل ويزعمون أن الذنب الأول كان ذنب النبي آدم عليه السلام. تُذكر هذه الحكاية بتفاصيل مختلفة في الكتب المنسوبة إلى الأديان الإبراهيمية، حيث يتفق الجميع على أصل خلق النبي آدم والسيدة حواء عليهما السلام، وأكلهما من شجرة ممنوعة من قبل الله سبحانه وتعالى. وهذا يدلّ على أن هذه القضية واقعة حقيقية وليست مجرد حكاية تعليمية خرافية.
حياة النبي آدم والسيدة حواء في جنة
نعم، هناك اتفاق بين الإسلام والمسيحية حول كون النبي آدم عليه السلام أول إنسان خلقه الله تعالى، وأنه خُلق من التراب، كما ورد في العديد من النصوص الدينية في كلا الديانتين. كذلك، يُعتقد أن السيدة حواء كانت أول امرأة خلقها الله، وجُعلت زوجة لآدم.
لقد عاش النبي آدم والسيدة حواء عليهما السلام في بداية الأمر في عالم غير أرض الدنيا، وفي الحقيقة، كانا يعيشان في جنة الدنيا. ولكن بعد وقوع مخالفة لأوامر الله تبارك وتعالى، كان ذلك سببًا في إخراجهما من الجنة وهبوطهما إلى الأرض.
لكن اليهودية لديهم إختلاف في مكان حياة النبي آدم والسيدة حواء إبتدائا. فهم يعتقدون أن الله سبحانه وتعالى بعد أن خلقهما، وضعهما في بستان في الأرض بإسم جنة عدن (1). فجنة عدن بإعتقاد اليهودية كانت مكانًا أرضيًا وليس من الجنان السماوية.
هبوط النبي آدم في نظر اليهودية
ورد في كتب اليهودية: « إن الله خلق آدم عليه السلام من التراب ثم خلق حواء وخلق له بستانا في الأرض بإسم جنة عدن وجعل آدم مسئولا على هذه الجنة وجعل شجرة الحياة وشجرة المعرفة في هذا البستان وقال لآدم: لا تأكل من هذه الشجرة. لأنك إذا أكلت من هذه الشجرة ستموت. بعد مضي زمان، شعر آدم بالوحدة في هذا البستان ولهذا خلق الله لآدم زوجة وهي حواء. عندما حصلت الألفة بين آدم وحواء، جاء إبليس بشكل ثعبانة إلى حواء وقال لها: إن الله لم يحرم لكما أكل شجرة الحياة والمعرفة إلا أن تعرفا الخير والشر وتنفتح أعينكما على الحقيقة. عندما سمعت حواء بمقالة هذه الثعبانة، أكلت من الشجرة وأكل آدم معها وحينها رأوا أنهما عريانان. فغضب الله بسبب عصيانهم، حكمَ على حواء بأن تكون محكومةً بحملٍ وآلامٍ في الولادة، وأن تكون دائماً تحت طاعة زوجها. وأما آدم فقال له: إن الأرض ملعونة بسببك، وستأكل من تعبك طوال أيام حياتك، وفي النهاية ستعود إلى التراب. كما أن الثعبان الذي أغوى حواء ملعونٌ أيضاً، وقد حُكم عليه بأن يمشي على بطنه ويأكل التراب، وسيسود العداء بينه وبين البشر إلى الأبد « (2).
هبوط النبي آدم في نظر المسيحية
وورد في كتب المسيحية وفي الإنجيل الموجود في هذا الزمان: « إن الله خلق آدم وخلق حواء ليستأنسوا في الجنة ورزقهما من الطيبات ما تتلذذ به كلّ نفس وأعطاهما الرخصة بأن يأكلوا ممّا في الجنة ويتنعّما بجميع النعم الموجودة فيها إلا شجرة المعرفة. فأمرهما الله تبارك وتعالى أن لا يأكلا من ثمار شجرة المعرفة. فلأجل أنهما لم يأكلا من شجرة المعرفة، لم يكونا يعرفان الخير من الشر. وأن الله قال لهما: إذا أكلتما من فاكهة هذه الشجرة، سوف تموتان بالمرة، حتى يمنعهما من أكل فاكهة شجرة المعرفة. وأنّ الله لم يرد أن يعرفا الحقيقة ويعرفا الخير والشّر لأجل أن لا يطمعا أن يصلا إلى مقام الربوبية. لكن بعد ذهاب بضع أيام، جاء الشيطان إلى الجنة بشكل ثعبان جميل. وذهب إلى السيدة حواء وقال لها أن الله لم يمنعكما من أكل فاكهة هذه الشجرة لأجل أن لاتموتا بل منعكما لأجل أن لاتصلا إلى المعرفة العالية بالخير والشر وتعاندا الله رب العالمين في أوامره ونواهيه. والسيدة حواء لأجل غرورها وطمعها إغترّت بكلام إبليس. وبعد ذلك ذهبت إلى آدم وألحّت عليه أن يأكل من الشجرة. لكن النبي آدم لم يقبل في المرّة الأولى وقال لها: إن الله تبارك وتعالى نهانا عن أكل فاكهة هذه الشجرة. فعند ذلك زعلت حواء واعتزلت عن آدم. وبعد بضعة أيام، عندما رأى آدم أنّ حواء قد زعلت منه ولاتتكلم معه، ذهب إلى شجرة المعرفة وأكل من ثمرتها لأجل أن يجلب رضاية حواء. وهذا العمل لم يكن مجرد عصيان أمر من الله تبارك وتعالى بل كان أمراً عظيماً من آدم. لأنّه قد إغترّ بكلام حواء وأراد أن يصل إلى مرتبة المعرفة وأن يكون بمقام الربوبية. وأراد بهذا الفعل أن ينقطع عن عبودية رب العالمين بل أراد أن يفعل ما يشاء ولايطيع أحدا في أي شخص. فعندما إطلع الله عن عمل آدم وأنه قد أكل من ثمار شجرة المعرفة وأنّ هذا الفعل كان بأمرٍ من حواء وبإغفال منها، غضب عليهما غضبا شديدا وأخرجهما من الجنة التي كانا فيها وأهبطهما إلى الأرض الدنيا حيث تكون المشاكل والمصاعب » (3).
حكاية هبوط النبي آدم في الإسلام
لكن عندما نراجع الآيات الحاكية عن قصة النبي آدم عليه السلام والسيدة حواء والروايات الصادرة عن أهل البيت عليهم السلام في هذا المجال، نشاهد قصّة مختلفة عن هذه القضية. فحينما نراجع الآيات، نشاهد أنّه لايوجد عبارة أو إشعار إلى أن السبب في إغفال آدم هي السيدة حواء وانها هي التي كانت تريد أن تصير ربّا وإلها ولاتطيع الله سبحانه وتعالى. بل الحقيقة أنّه لم يكن الغرض من أكل ثمار الشجرة، أن يصبحا أربابا من دون الله. بل أغفلهما الشيطان وحلف لهما أنه لهما لمن الناصحين وأن أكل فاكهة هذه الشجرة يجعلهما من الملائكة ويجعلهما من الخالدين. وأنهما قد غفلا عن وساوس الشيطان الرجيم وأكلا من الشجرة. وأن النبي آدم والسيدة حواء في هذا الفعل على حدّ سواء.
فقال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ. فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ ﴾ (4). وفي سورة الأعراف:﴿ وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ. فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ. وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ. فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ. ... قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ ﴾ (5).
هذه كانت تقارن بين إعتقاد الأديان الإبراهيمية في قضية هبوط النبي آدم عليه السلام في الجنة. أتمنى أنكم استفدتم منها.
1) الكتاب المقدس (لليهودية) / المجلد: كتاب الخلق / الصفحة: حكاية آدم وحواء / الناشر: جامعة آكسفورد – لندن / الطبعة: 3.
2) الكتاب المقدس (لليهودية) / المجلد: كتاب الخلق / الصفحة: حكاية آدم وحواء / الناشر: جامعة آكسفورد – لندن / الطبعة: 3.
3) ما هي المسيحية (لويليام ميلر) / المجلد: 1 / الصفحة: 16 / الناشر: الحياة الأبدي – طهران / الطبعة: 1.
4) سورة البقرة / الآية: 35 و 36.
5) سورة الأعراف / الآية: 19 إلى 24.
التعلیقات