أهمية احترام خصوصية المحارم والأجانب في الإسلام
الشيخ مهدي المجاهد
منذ يومفي عصر تتسارع فيه المؤثرات الإعلامية والاجتماعية، تبرز الحاجة إلى تربية الأطفال منذ الصغر على مفاهيم الحياء، وضوابط العلاقات بين الجنسين، كما أرستها الشريعة الإسلامية. من أبرز هذه المفاهيم : تمييز المحارم عن الأجانب، والالتزام بالحجاب الشرعي ابتداءً من سنّ التكليف، أي عند بلوغ الفتاة تسع سنوات قمرية.
هذا التأسيس لا يُبنى فجأة، بل يحتاج إلى تمهيد تربوي من الطفولة، باستخدام أساليب هادئة، وعبارات مفهومة، وأساليب تناسب عقل الطفل ونفسيته.
العمر المناسب لبدء تعليم الأطفال عن المحارم والأجانب
من المهم جدًا أن يبدأ الآباء والامهات بتعليم أطفالهم القيم المتعلقة بالحياء، والخصوصية الجسدية، والحدود التي يجب أن تُراعى بين الأفراد، في سن مبكرة وبأسلوب يتناسب مع مستوى فهم الطفل.
منذ الطفولة المبكرة (بين سن 4 إلى 6 سنوات):
في هذه المرحلة، يكون الطفل في بداية تكوين وعيه بالجسد وبالعلاقات من حوله. ولهذا، من الضروري تربية الطفل على الحياء الفطري، وتعزيز شعوره الطبيعي بخصوصية جسده. يمكن للوالدين أن يشرحوا للطفل أن جسمه ثمين ومكرم، وهو ملك له وحده، ولا يحق لأي شخص لمسه، باستثناء بعض المحارم مثل والده، أو شقيقه، أو جده، وفي حالات خاصة فقط، كالمساعدة في النظافة أو اللباس، وبموافقة الطفل نفسه.
يجب استخدام لغة بسيطة ومباشرة مع الطفل، مثل: « جسمك ملكك، لا أحد يلمسه إلا ماما أو بابا وقت ما تحتاج، وأنت لازم تقول (لا) إذا أحد حاول يلمسك وأنت ما تحب ». هذه الرسائل تزرع في نفسه احترام الذات، والوعي بالحماية الشخصية من غير إخافته أو إدخاله في تفاصيل لا تناسب عمره.
من سن 6 إلى 9 سنوات:
عندما يبلغ الطفل سن السادسة تقريبًا، يصبح أكثر قدرة على فهم المفاهيم الاجتماعية، والعلاقات العائلية، وحدود التعامل مع الآخرين. هنا يمكن أن يُعرّف الطفل بوضوح على من هم المحارم الذين يجوز لهم رؤيته أو لمسه في ظروف معينة، ومن هم الأجانب الذين لا يحق لهم ذلك.
نعلّمه أن « الرجل الأجنبي » أو « المرأة الأجنبية » هم الأشخاص الذين لا تجمعهم به علاقة محرمية أي ليسوا من المحارم الذين يُستثنون من أحكام النظر والاختلاء. ويجب على الطفل أن يفهم أن هؤلاء لا يجوز لهم النظر إلى عورته أو لمسه أو حتى الجلوس معه في مكان مغلق بدون وجود شخص ثالث.
وقد جاءت روايات أهل البيت عليهم السلام لتؤكد أهمية غرس هذا الوعي في الأطفال منذ سن مبكرة. فعن الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام قال : « إِذَا أَتَتْ عَلَی الْجَارِیَهِ سِتُّ سِنِینَ لَمْ یَجُزْ أَنْ یُقَبِّلَهَا رَجُلٌ لَیْسَ هِیَ بِمَحْرَمٍ لَهُ ، وَ لَا یَضُمَّهَا إِلَیْهِ » (1).
المقصود بهذه الرواية أن الفتاة عندما تبلغ سن السادسة، فإن جسدها لم يعد مستباحًا حتى في الإطار العفوي من الأقارب غير المحارم. القبلة أو الحضن من رجل أجنبي (حتى لو كان ابن خال أو جار) تُعتبر غير جائزة ، لأنها قد تهيئ لنوع من التعدي على خصوصية الجسد الذي يجب أن يُصان من سن مبكرة.
وفي رواية أخرى عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام : « إِذَا بَلَغَتِ الْجَارِيَةُ سِتَّ سِنِينَ فَلَا يُقَبِّلُهَا الْغُلَامُ ، وَ الْغُلَامُ لَا يُقَبِّلُ الْمَرْأَةَ إِذَا جَازَ سَبْعَ سِنِينَ » (2).
وتُظهر هذه الرواية اهتمام الإسلام بترسيخ الحدود بين الذكر والأنثى منذ الصغر. فالبنت إذا بلغت السادسة، لا يجوز لغلام – أي صبي – أن يقبّلها، حتى لو كان في إطار اللعب أو العفوية. والعكس صحيح، فالغلام إذا تجاوز السابعة لا يجوز أن يُقبّل امرأة أجنبية عنه. هذه القواعد تبني جدارًا أخلاقيًا مبكرًا يمنع الانزلاق إلى ما لا يُحمد عقباه، ويحمي البراءة الطفولية من الانتهاك.
عند بلوغ الفتاة تسع سنوات قمرية:
في هذا السن، تُصبح الفتاة مُكلّفة شرعًا، أي أن عليها الالتزام بالأحكام الشرعية الموجهة للبالغين، ومن أهمها:
وجوب ستر شعرها وسائر بدنها عن الرجال الأجانب.
الابتعاد عن الاختلاط المحرّم، خاصة في الأماكن الخاصة أو بدون مبرر شرعي.
الالتزام بالحجاب الكامل، بما يعبّر عن الحياء والاحترام للذات.
وقد ورد عن الإمام محمد الباقر عليه السلام قوله : « الجارية إذا بلغت تسع سنين ذهب عنها اليتم ، وزوجت ، واقيمت عليها الحدود التامة » (3).
وهذا الحديث يبيّن أن البلوغ في الشريعة ليس مجرد حدث جسدي، بل تحوّل معنوي وروحي، تتحول فيه الطفلة إلى مُكلفة، تُعامل كراشدة فيما يتعلق بالواجبات والحقوق.
استخدام الألعاب والقصص
يمكن سرد قصة عن طفلة تعلمت من والدتها من هو المحرم ومن هو الأجنبي، من خلال مشاهد يومية: زيارات، استقبال الضيوف، المدرسة.
كما يمكن استخدام دمى أو صور وتمثيل مواقف: هل يجوز أن يرى هذا الرجل شعرك ؟ هل هذا عمّك أم جاركم ؟.
استخدام أمثلة واقعية
مثل تشبيه الجسم بالخزانة المغلقة، لا يجوز لأحد فتحها إلا المصرّح له. أو مقارنة العلاقة بالمفتاح الصحيح الذي لا يُعطى لأي كان.
تجنب الترهيب أو التشدد الشديد
الأسلوب الصحيح هو غرس الثقة لا الخوف، والتوجيه لا التخويف. يُقال للطفلة: الله يحب من تصون نفسها، ويفرح عندما تحافظ على حيائها بدلاً من: الله يعاقب من لا تتحجب، أو سوف يضعك في النار، وأن صح الكلام ولكن يبدأ مع الطفل برفق ولا يخوفه ويبعده عن الله سبحانه وتعالى لأنه أرحم الراحمين.
كيف ومتى نرتدي الملابس والحجاب في الطفولة؟
الحجاب واجب شرعي على الفتاة عند بلوغ تسع سنوات قمرية، لكن التمهيد له يجب أن يبدأ قبل ذلك.
من 6 سنوات: البدء باستخدام اللباس الساتر في البيت أمام الأجانب، وتشجيع الطفلة على تجربة الحجاب في الصلاة أو في المناسبات الدينية.
من 9 سنوات: يصبح الحجاب الكامل واجبًا، ويجب أن تُعلَّم الفتاة أن هذا أمر من الله، وأنه رمز شرفها، وليس قيدًا أو عبئًا.
قال الفقهاء: تجب على الأنثى البالغة (وهي من أتمّت تسع سنوات قمرية) جميع التكاليف الشرعية، ومنها الحجاب.
توصيات للأهل
ابدؤوا التمهيد للحجاب مبكرًا، قبل سن التاسعة، ليصبح مألوفًا.
اجعلوا الفتاة تفخر بحجابها وتعرف أنه شرف، لا عقوبة.
اربطوا بين الحجاب وسيرة الزهراء وزينب عليهما السلام.
احذروا من استخدام أسلوب التخويف ( الله يعاقبك )، بل استخدموا أسلوب الحب والوعي ( الله يحب من تستر نفسها ).
اسئلة وأجوبة
هذه الأسئلة وُجّهت إلى مكتب سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد علي السيستاني دام ظله ، وقد تمّت الإجابة عليها، فنذكرها هنا للاستفادة منها.
السؤال: ما هو السن الذي يجب على المرأة فيه الالتزام بالحجاب وسائر التكاليف الشرعية؟
الجواب: إذا أكملت التاسعة القمرية ( وهو ما يُعادل ثمان سنين ميلادية وثمانية أشهر وعشرون يوماً تقريباً) وجب عليها ذلك.
السؤال: أنا مقتنع بان حجاب المرأة هو واجب شرعي ولكن بعض الاصدقاء من يقول انها عبودية واهانة للمراة ولم يرد الحجاب في القرآن الكريم بدلالة على غطاء الرأس وانما ورد في معاني اخرى تختلف عن هذا المفهوم.
فما هو رأي سماحتكم بذلك؟
الجواب: الحجاب فريضة شرعية ذكرت في القرآن الكريم (سورة النور : آية :٣١ و سورة الاحزاب: آية:٥٩) و هو من بديهيات التاريخ الاسلامي حيث كانت نساء النبي صلى الله عليه و اله و سائر النساء المؤمنات يواظبن عليها، كما هو واضح لمن اطلع على سيرة المسلمين منذ العصر الاول، بل هي من الفرائض المشتركة بين الاديان الالهية، حتى انّ المجتمعات المسيحية كانت تراعي ذلك على العموم الى عصر قريب و لا تزال صور مريم عليها السلام عندهم متضمنة لحجابها. والحكمة من فرضها ضمان العفاف في المجتمع بسلامة الاجواء الاجتماعية عن عناصر الاغراء من المرأة للرجل الاجنبي لان من شأن الاغراء ــ بحسب سنن الحياة ــ ان يكون لأجل جذب الرجل للعلاقة الخاصة فاذا لم تجز تلك العلاقة كان من الطبيعي تحريم مظاهر الاغراء، فهذه الفريضة تقي المجتمع عن منافيات العفاف و أضرار العلائق غير المشروعة و قد علم ان المرأة بطبيعتها هي الأكثر تضرراً من الممارسات اللاأخلاقية و من المشهود في المجتمعات التي لا تتقيد بالحجاب ما يؤدي اليه عدم مراعاته من المفاسد الاخلاقية و بعد فالحجاب موافق لفطرة المرأة فانها جبلت على الحياء عن الظهور أمام الرجال الاجانب بمظهر الاغراء، و تشعر بالحزازة فيه.
فعلى الانسان ان يلتفت الى مبادئ الامور و غاياتها و مضاعفاتها، و من يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً.
السؤال: ما هو الواجب ستره على المراة؟
الجواب: يجب على المرأة ان تستر شعرها وما عدا الوجه والكفين من بدنها عن غير الزوج والمحارم من البالغين مطلقاً ، بل الأحوط لزوماً ان تتستر عن غير البالغ أيضاً إذا كان مميزاً وأمكن ان يترتب على نظره اليها ثوران الشهوة فيه ، واما الوجه والكفان فيجوز لها ابداؤها إلاّ مع خوف الوقوع في الحرام أو كونه بداعي ايقاع الرجل في النظر المحرم فيحرم الابداء حينئذٍ حتى بالنسبة الى المحارم. هذا في غير المرأة المسنة التي لا ترجو النكاح واما هي فيجوز لها ابداء شعرها وذراعها ونحوهما مما لا يستره الخمار والجلباب عادة ـ من دون ان تتبرج بزينة
السؤال: ما هي حدود ونوع الألبسة التي تلبسها الفتيات في حفلة تخص الفتيات ؟
الجواب: يجوز للفتاة لبس ما تحب أمام النساء ما دام ساتراً للعورة غير مثير .
خاتمة
تعليم الطفل منذ الطفولة حدود العلاقة مع المحارم والأجانب ليس فقط واجبًا شرعيًا، بل هو حماية نفسية وسلوكية له. هذا التعليم يجب أن يبدأ مبكرًا، ويُبنى بأساليب تربوية ذكية، ويُتوّج بالتزام الحجاب الكامل عند سن التكليف، أي التاسعة القمرية، كما نصّت على ذلك روايات أهل البيت عليهم السلام.
1. تهذیب الأحکام /المجلّد : 7 / الصفحة : 461؛ وسائل الشیعه / المجلّد : 20 / الصفحة : 230.
2. وسائل الشيعة / الشيخ حرّ العاملي / المجلّد : 20 / الصفحة : 230 / ط ـ آل البیت.
3. وسائل الشيعة / الشيخ حرّ العاملي / المجلّد : 28 / الصفحة : 20 / ط ـ آل البیت.
التعلیقات