لماذا على الرجل أن يهتم بمظهره؟ دروس من الإمام الرضا عليه السلام لحياة زوجية عفيفة
الشيخ مهدي المجاهد
منذ ساعةلطالما دعا الإسلام إلى الجمال والنظافة والترتيب، لا من باب التفاخر أو المظهر الزائف، بل من باب السلوك الأخلاقي والتكامل الإنساني. ومن الأبواب التي تناولها أئمة أهل البيت عليهم السلام بدقّة وعناية، مسألة تأنّق الرجال وتهيئتهم لأزواجهم، باعتبارها عاملاً حيوياً في حفظ عفة المرأة وصيانة كرامة الأسرة.
وقد ورد عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام روايتان في هذا الشأن، تعكسان بوضوح البُعد التربوي والروحي للعلاقة الزوجية، وما ينبغي أن يلتزم به الرجل من استعداد ومراعاة للطرف الآخر، في تهيئته ومظهره.
1. رواية عن الزينة من الإمام الرضا عليه السلام بصبغ الشعر
عن الحسن بن الجهم قال: دخلت على أبي الحسن عليه السلام وقد اختضب بالسواد فقلت: أراك اختضبت بالسواد ؟
فقال عليه السلام : « إن في الخضاب أجرا والخضاب والتهيئة مما يريد الله عز وجل به عفة النساء، ولقد ترك نساء العفة بترك أزواجهن لهن التهيئة » (1).
في هذه الرواية نلاحظ أولاً سلوكًا عمليًا من الإمام الرضا عليه السلام، حيث لم يكن يكتفي بإصدار التوجيهات، بل كان يُجسّدها في نفسه. فقد استخدم الخضاب (أي صبغ الشعر) بالسواد، مما قد يُظن أنه أمر مظهريّ بسيط، ولكنه في الحقيقة يحمل بُعدًا تربويًا عميقًا.
يؤكد الإمام أن التهيئة للزوجة ليست فقط عملاً مستحبًا، بل هي عبادة لها أجر، ووسيلة لحماية المجتمع من الانحراف عبر الحفاظ على عفة النساء. هذا الربط بين السلوك الفردي (تهيئة الزوج) والنتيجة الاجتماعية (عفة المرأة) يعكس نظرة الإمام العميقة إلى ترابط عناصر الأسرة والمجتمع.
2. زينة الرجل سبب في تعزيز عفة المرأة
الرواية الثانية تعزز هذا المعنى بأسلوب واضح ومباشر، حيث قال الإمام الرضا عليه السلام :
« أخبرني أبي ، عن أبيه ، عن آبائه : أن نساء بني إسرائيل خرجن من العفاف إلى الفجور ما أخرجهن إلا قلة تهيئة أزواجهن وقال : إنها تشتهي منك مثل الذي تشتهي منها » (2).
في هذا النص الشريف يشير الإمام إلى تجربة سابقة في تاريخ بني إسرائيل، ليقدّم عبرها درسًا أخلاقيًا مهمًا. فالفجور لم يكن نتيجة فكر منحرف أو ميل ذاتي فقط، بل كان بسبب إهمال الرجال في القيام بواجب التهيئة. وهذا ما يؤكد أن المسؤولية الأخلاقية في العلاقة الزوجية مشتركة ، وأن التهاون في المظهر والرعاية النفسية والجسدية قد يؤدي إلى اختلال في العفّة.
ثم يضيف الإمام عليه السلام جملة عظيمة : «إنها تشتهي منك مثل الذي تشتهي منها »، وهذه العبارة تختصر مفهومًا بالغ الدقّة في النظرة الإسلامية للعلاقة الزوجية ، حيث لا يُنظر للمرأة ككائن ذو اتجاه عاطفي فقط ، بل هي إنسان كامل ، لها مشاعرها وتطلعاتها ، ويجب على الرجل أن يكون متفهمًا لهذا البعد الإنساني.
3. تجربة بني إسرائيل: لماذا تخلّت النساء عن العفّة؟
من خلال استحضار تجربة بني إسرائيل، يقدّم الإمام الرضا عليه السلام نموذجًا واقعيًا لتفسير ظواهر الانحراف الاجتماعي ، ويُرجع السبب إلى أصل نفسي واجتماعي ؛ هو عدم اهتمام الأزواج بمظاهرهم وتهيئتهم لأزواجهم.
فالرجل الذي يهمل نفسه ، ولا يهتم بنظافته أو مظهره ، ولا يُظهر حبّه واهتمامه لشريكة حياته ، يخلق بيئة جافة في العلاقة الزوجية ، وقد يدفع الطرف الآخر دون وعي إلى البحث عن ما يفتقده في مكان آخر، خصوصًا في عصر الفتن والانفتاح الإعلامي.
وقد كانت النساء في بني إسرائيل ضحية هذا الجفاف العاطفي والوجداني ، مما يؤكد على أن العفّة لا تُحفظ فقط بالمواعظ والكلام ، بل بالسلوك والممارسة الحقيقية للرحمة والمودّة داخل البيت.
4. التهيئة المتبادلة: توقّعات المرأة من الرجل
الرسالة التي تُفهم من هاتين الروايتين هي أن المرأة كما تُطلب منها الزينة والنظافة والعناية، فإن الرجل أيضًا مخاطب بها، بل قد يكون تقصيره فيها سببًا لخلل في الحياة الزوجية.
كثيرًا ما يُطلب من النساء أن يتزيّنّ، أن يلبسن أجمل الثياب، وأن يُظهرن النعومة والرقة، ولكن قلّ من يلتفت إلى أن الرجل كذلك عليه مسؤولية شرعية وأخلاقية في أن يتهيّأ لزوجته.
الإمام الرضا عليه السلام يصرّح بذلك بوضوح : « إنها تشتهي منك مثل الذي تشتهي منها » ؛ فهي تفرح بجمال مظهر زوجها ، بابتسامته ، بعطره، بنظافته ، تمامًا كما يُسرّ هو بزينتها. وهذا الفهم المشترك للحاجات العاطفية والجسدية هو مفتاح التوازن الأسري.
5. الرسالة العملية للإمام الرضا عليه السلام إلى رجال اليوم
تأتي هذه التعاليم من الإمام الرضا عليه السلام كرسالة عملية للرجل المسلم ، خصوصًا في زمننا الذي كثرت فيه التحديات الأخلاقية والمغريات الإعلامية. الأسرة اليوم تحتاج إلى توازن داخلي ، وإلى علاقة يسودها الحب والتقدير والتفاعل النفسي والبدني.
والرجل الواعي ، هو من يفهم أن التزامه الديني لا يقتصر على الصلاة والصوم ، بل يشمل أدق التفاصيل في علاقته مع زوجته ، وأن التهيئة لها من العبادات المقرّبة لله ، ومن سُبل حفظ العفّة ، ومن وسائل بناء الثقة والاطمئنان داخل الأسرة.
6. التهيئة الرجولية: واجب ديني وأخلاقي في الأسرة
من خلال الروايات المتقدمة ، تتضح حقيقة أن التهيئة ليست فقط مسألة جمالية أو اختيارية ، بل هي مسؤولية:
دينية : لأنها عبادة يؤجر عليها الرجل.
أخلاقية : لأنها وسيلة لحماية الزوجة من الانحراف أو الاضطراب العاطفي.
اجتماعية : لأنها تسهم في استقرار المجتمع عبر حفظ العفّة وصون الأسرة.
عاطفية : لأنها تبني جسرًا من المودّة والتفاهم بين الزوجين.
ولهذا ينبغي للرجل المؤمن أن يسأل نفسه دائمًا : هل أنا أتهيّأ لزوجتي كما أطلب منها التهيئة لي ؟ هل أُراعي حاجاتها النفسية والعاطفية والجمالية كما أريد منها أن تُراعي حاجتي ؟
الإمام الرضا عليه السلام، وهو المعصوم العالم ببواطن الأمور، لا ينطق إلا عن حكمة، وقد ركّز على هذا الجانب لأن فيه علاجًا جذريًا لمشاكل كثيرة تعاني منها الأسر.
خاتمة
لقد علّمنا الإمام الرضا عليه السلام أن الدين ليس طقوسًا جامدة تُؤدى في المساجد فحسب، بل هو منهاج حياة شامل، يتغلغل في تفاصيل يومياتنا، ويتجلى في التعامل الإنساني، والعلاقة الأسرية، والعواطف المشتركة بين الزوجين.
حينما نقرأ رواياته عليه السلام عن التهيئة والتزيّن، لا نجدها مجرد دعوات شكلية للمظهر، بل هي نداء صادق لإحياء روح العفّة في البيوت، وحفظ كرامة النساء، وتعزيز الاستقرار العاطفي والنفسي داخل الأسرة.
إن كثيرًا من الأزمات التي نراها اليوم ـ من فتور في العلاقة الزوجية، أو تفكك أسري، أو برود عاطفي ـ تعود في جزء كبير منها إلى تجاهل هذه القيم الصغيرة في ظاهرها، الكبيرة في أثرها. فكم من امرأة شعرت بالإهمال لأن زوجها لم يعد يهتم بمظهره ولا يبادلها أدنى عناية ؟ وكم من رجل خسر حبّ زوجته لأنها لم تعد تجد فيه التقدير الذي تستحقه ؟
لقد أخبرنا الإمام عليه السلام بحكمة بليغة : « إنها تشتهي منك مثل الذي تشتهي منها » ، فهل وعينا حقًا هذا المعنى ؟ وهل أدرك الرجال أن المرأة إنسانة مثلهم، تحب الجمال والاهتمام والتهيئة، كما يحبّون ؟
من هنا، فإن مسؤولية التزيّن ليست ترفًا، بل هي عبادة وسلوك حضاري وأخلاقي، تُحافظ على العفّة وتغلق أبواب الانحراف، وتبني علاقات قائمة على الحب والاحترام والمودة.
وختامًا، لا يسعنا إلا أن نرفع صوتنا بنداءٍ إلى كل رجل :
اهتم بمظهرك، بخلقك، بحضورك، كما تحب أن تهتم زوجتك بنفسها من أجلك. اجعل من هذا التوجيه النبوي والإمامي منهجًا لحياتك، لا لحظة عابرة في مناسبات محددة.
وكذلك نتوجّه بكلمة محبّة وتقدير إلى النساء الكريمات، القارئات الواعيات، اللواتي يحملن همّ بناء أسر مستقرة وعفيفة:
شاركن هذا المقال مع أزواجكن، وأقاربكن، وصديقاتكن، وكونّ جزءًا من نشر ثقافة التهيئة المتبادلة في البيوت.
ونحن بدورنا ندعوكن بكل محبة أن تكتبن لنا في التعليقات أو الرسائل: ما رأيكن بهذه الروايات ؟ وهل تجدنها تعكس واقع العلاقة الزوجية في زمننا ؟ وما هي أبرز الحاجات النفسية أو الجمالية التي تتمنين من الأزواج الالتفات إليها ؟
ننتظر منكن كلمات صادقة تعبّر عن واقعكن، وتغني هذا الموضوع بروح أنثوية شفافة، علّنا بذلك نكون قد فتحنا نافذة حوار بنّاء يعود بالخير على الجميع.
1. وسائل الشيعة / الشيخ حرّ العاملي / المجلّد : 1 / الصفحة : 404 / ط الإسلامية.
2. بحار الأنوار / العلامة المجلسي / المجلّد : 76 / الصفحة : 102 / ط مؤسسة الوفاء.
التعلیقات