أقربُ الناس إلى النبي… من كانَ خيراً لأهله
الاسرة في الاسلام
منذ 3 ساعات
المقدّمة: حينَ يكونُ الحبُّ في البيتِ طريقاً إلى الجنّة
في زحمة الحياة، بين صرخات الأطفال، وهموم المطبخ، والبيت، والواجبات اليومية التي لا تنتهي… قد تنسى المرأة أن خطواتها في هذا الطريق ليست عادية.
في كل لحظة صبر، في كل لمسة حنان، في كل ابتسامة تُخفي بها تعبها… هناك أحدٌ في السماء ينظر، يُسجّل، ويُقرّب.
وهل هناك أعظم من أن يكون هذا )الأحد( هو الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله؟
في ذكرى شهادته المؤلمة، حيثُ فقدَ العالم نوراً من أنوار الرحمة الإلهية، نتذكّر قوله ، الذي لا يُشبه إلا قلبه الكبير:
« أقرَبُكُم مِنّي مَجلِساً يَومَ القِيامَةِ أحسَنُكُم خُلُقاً وخَيرُكُم لأهلِه ». (1)
ليست الجوامع، ولا المجالس، ولا كثرة الصلوات ما يُقرّب الإنسان من الإمام، بل حُسن الخلق… في البيت!
فهل توقّفتِ يوماً لتفكّري: هل أنا قريبة من النبي… من الجنّة؟
فلنبدأ الرحلة.
1. النبي ومِعيارُ القُرب يومَ القيامة
حين نتأمّل هذا الحديث الشريف، نجد أن الرسول لا يربط القُرب منه بالعِلم أو العبادة أو حتى بالولاء المجرد، بل بالخُلق الحسن، وخاصّةً مع الأهل.
فما معنى أن يكون الإنسان « خيراً لأهله »؟
• أن يكون لطيفاً لا عنف فيه.
• أن يَصبِر على تقصيرهم، كما يصبرُ الله علينا.
• أن يكون كريم اليد، كريم الكلمة، كريم القلب.
النبي الاعظم لا يتحدّث عن مكانة اجتماعية، بل عن مكانة عند الله، لأن قربَه يوم القيامة، قربٌ من النور والرضا الإلهي.
2. البيتُ مِحكّ الأخلاق
الإمام علي علیه السلام يقول: « مَن ساءَ خُلْقُهُ مَلَّهُ أَهْلُهُ ». (2)
أي إنسان قد يستطيع أن يُظهر وجهاً جميلاً في الخارج، في العمل، بين الناس، ولكن داخل بيته… حيث لا أقنعة ولا مجاملات، يظهر الجوهر.
فإن كان الجوهر نقياً، صبوراً، متفهّماً، عرفَ أهلُه الراحة في قربه، وأحبّوه.
وإن كان متوتّراً، سريع الغضب، لا يحفظ لسانه، ضاقت بهم الحياة ولو وسِعت.
فالمرأة المؤمنة تعرف أن البيت مدرسة الأخلاق، وأنها أوّل من يُختَبر فيها.
3. معادلةُ النبي (ص): جَنّةٌ بِلا حساب
قال رسولُ الله صلّى الله عليه وآله: « حسِّنوا أخلاقَكم، والطفوا بجيرانِكم، وأكرِموا نساءَكم، تدخلوا الجنةَ بغير حساب ». (3)
ما أجمل هذا الترتيب النبوي!
• الأخلاقُ بوابة.
• اللطف مع الجيرانِ شعاعُ نور.
• إكرام النساءِ مفتاحُ الجنة!
وهذا الإكرام لا يعني فقط المال، بل الكلمة الطيبة، النظرة الحنونة، المشاركة في المسؤوليات.
كل امرأةٍ تبحث عن الحب، ولا تعلم أن هذا الحبّ نفسه طريق إلى الجنّة.
4. رسول الله: القدوة في اللُطف
من أروع ما قاله صلى الله عليه وآله: « أحسنُ الناسِ إيماناً أحسنُهم خُلقاً، وألطفُهم بأهلِه، وأنا ألطفُكم بأهلي ». (4)
رسول الله لا يكتفي بالكلام، بل يضع نفسه قدوة: « أنا ألطفكم بأهلي».
وهنا دعوةٌ عاطفية لكل زوج، ولكل امرأة، أن تسأل نفسها:
• هل أنا لطيفة مع زوجي؟
• هل أظهرُ أجمل ما عندي لمن يعيشون معي؟
• هل أمارس اللطف فعلاً أم فقط أطالب به؟
الإيمانُ ليس كلمات، بل سلوكٌ يوميٌّ في المطبخ، وغرفة النوم، وساحة اللعب مع الأطفال.
5. الطمأنينة العائلية… تطيل العمر!
روى الإمام الباقر علیه السلام: « مَن حَسُنَ بِرُّهُ بأهلِه، زيدَ في عمرِه ». (5)
هل تعلمين أن الحنان داخل الأسرة ليس فقط عبادة، بل سببٌ لطول العمر؟
الدراسات النفسية الحديثة تؤكد أن الاستقرار العاطفي يُقلّل من الأمراض، ويُطيل من عمر الإنسان.
وأهل البيت علیهمالسلام سبقوا العلم حين ربطوا طول العمر بـ« برّ الأهل ».
فهل هناك دافعٌ أعظم من أن تكوني محبوبةً… وصاحبة عمرٍ مبارك؟
6. كيف نُحسِّن خُلقنا مع أهلنا؟ (خطوات عملية)
إليكِ بعض الخطوات التي قد تُحدث فرقاً في حياتك الزوجية والعائلية:
١. ابدئي بالكلمة الطيبة
لو لم تغيّري شيئاً إلا نبرة صوتك، لكان ذلك كافياً.
٢. لا تُقيمي العدل المطلق في البيت!
أحياناً، التساهل والعفو أقربُ إلى الله من الحساب الدقيق.
٣. غيّري نظرتك للبيت
البيت ليس عبئاً، بل مسجداً صغيراً، فيه تُكتَب عباداتك وأجرك.
٤. الدعاء لأهل البيت
عندما تتعبين، قولي: يا رسول الله، دلّني على خُلقك مع أهلك.
7. حينَ تَصمُتينَ… وتغفرينَ… فأنتِ قريبة
كثيراً ما تمرّ المرأة بمواقف في بيتها تحتاج فيها إلى الصبر:
• زوجُها لا يُقدّر ما تقوم به.
• أولادُها يتذمّرون رغم تعبها لأجلهم.
• لا تجد من يسمعها أو يُمسك يدها بلُطف.
لكنّها تختار الصمتَ… لا عن ضعف، بل عن قوّةٍ داخلية تُشبه حُسن خُلق رسول الله.
تغفرُ الزلّة، وتُهدي الكلمة الطيبة، وتُمسِك قلبها عن الغضب.
هذه اللحظات التي لا يراها الناس، يراها النبي، ويجعل منها جسراً للقُرب.
قال رسولُ الله صلى الله عليه وآله: « أكثرُ ما يُدخل الناس الجنة: تقوى الله وحُسن الخُلق ». (6)
فلا تستهيني بلحظة حُسن خُلقٍ واحدة… فقد تكون هي التي تفتح لكِ باب الجنّة.
8. تربيةُ الأطفال على خُلق البيت
حين تكونين أنتِ قدوةً في الكلام الجميل، والصبر، واللُطف، فإنّ أولادك سيتعلّمون ذلك دون أن يشعروا.
لن يُحتاج إلى كثير من المواعظ… فتصرفاتك اليومية هي أعظمُ درس.
قولي لهم حين يخطئون: نحنُ من أهل النبي، وهو كان ألطفَ الناس بأهله. فكيف نكون غير ذلك؟
واجعلي صورة رسول الله في عقولهم، لا فقط في الكتب، بل في حركاتكِ وسلوككِ.
هذه التربية ليست فقط خلقية، بل بناءٌ لجيلٍ يكون قريباً من آل البيت في فكره وروحه وسلوكه.
9. العلاقة الزوجية تحت عدسة الحُسن
كثيرٌ من النساء يشعرنَ بالخذلان في علاقتهنّ الزوجية.
وقد يتحوّل ذلك إلى جفاء، أو ردود أفعال قاسية، أو حتى قطيعة.
لكن حُسن الخُلق لا يعني الضعف أو السكوت على الظلم، بل يعني اختيار الطريقة الأفضل في المواجهة.
أن تعبّري عن غضبك بلغةٍ لا تُهين.
أن تطالبي بحقك بلُطف، لا بعُنف.
حين تُحسنين التعامل، حتى مع من لا يُحسن، فقد تربحين قلبه… لا بالذلّ، بل بالحكمة.
وهذا هو جوهرُ خلق رسول الله في بيتِه.
10. لحظاتُ الوحدة… طريقُ التجديد الروحي
كل امرأة تحتاج إلى لحظةِ هدوء… بين صخب الأطفال، وطعام الغداء، والمواعيد.
في هذه اللحظة، حين تضعين رأسك على الوسادة، وتهمسين: يا رسول الله، دُلّني على رضاك، وعلى طريق الجنة من داخل بيتي.
هذه اللحظات هي التي تُعيدكِ إلى النور.
المرأة المؤمنة لا تحتاج إلى كثير من الكلام، بل إلى لحظة صادقة مع الله والنبي،
فتُعيد ترتيب نواياها، وتستقوي من الداخل.
وقفةُ قلبٍ في حضرة الرسول
في يوم شهادته، حين يُحيي الملايين ذكراه بالبكاء والزيارة والخدمة،
تُحييه أنتِ بطريقة مختلفة… بأن تعيدي لبيتكِ نوره،
أن تُصلحي العلاقة التي انكسرت،
أن تُقبّلي جبين ابنكِ النائم،
أن تدعي لزوجكِ بالسَّتر والتوفيق،
أن تقولي:
هذا البيت بيتُ رسول الله، وأنا خادمتُه فيه.
ولعلّكِ بذلك، تنالين ما وعد به النبي الاعظم:
« أقربُكُم منّي مجلساً… أحسنُكُم خُلُقاً… وخيرُكُم لأهلِه ».
1. عيون أخبار الرضا عليه السلام / الشيخ الصدوق / المجلد : 2 / الصفحة : 38
2. تصنيف غرر الحكم و درر الكلم / التميمي الآمدي عبد الواحد بن محمد / المجلد : 1 / الصفحة : 264.
3. أعيان الشيعة / الأمين، السيد محسن / المجلد : 1 / الصفحة : 296.
4. بحار الأنوار / العلامة المجلسي / مؤسسةالوفاء / المجلد : 71 / الصفحة : 387.
5. بحار الأنوار / العلامة المجلسي / مؤسسةالوفاء / المجلد : 78 / الصفحة : 278.
6. بحار الأنوار / العلامة المجلسي / دارالاحیاء التراث / المجلد : 68 / الصفحة : 372.
التعلیقات