اليوم العالمي للأسرة – دور المرأة في استدامة الأسرة
السيد حسين الهاشمي
منذ 10 ساعاتالأسرة هي الركيزة الأساسية في بنية المجتمعات الإنسانية، فهي البيئة الأولى التي ينشأ فيها الإنسان ويتعلم القيم والتقاليد، وتُعتبر الحاضنة الأولى للرعاية والتعليم والدعم النفسي والاجتماعي. ومن هذا المنطلق، أولت الأمم المتحدة أهمية خاصة للأسرة، وخصصت لها يومًا عالميًا يتم إحياؤه سنويًا، بهدف تسليط الضوء على القضايا المتعلقة بالأسرة، وتعزيز وعي المجتمعات وصناع القرار بدورها في التنمية المستدامة.
اليوم العالمي للأسرة
اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1993، قراراً أعلنت فيه يوم 15 مايو من كل عام اليوم العالمي للأسر، ليكون مناسبة سنوية للتأكيد على أهمية الأسرة في المجتمعات الحديثة، ودعوة الدول والمنظمات إلى اتخاذ إجراءات تعزز استقرار الأسرة وتدعم وظائفها الاجتماعية.
كانت هناك 4 أهداف متعالية لهذا القرار من قبل الأمم المتحدة وإنشاء يوم العالمي للأسر:
الأول: هي التوعية بدور الأسرة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
الثاني: هي تشجيع السياسات الأسرية الداعمة للتعليم، الصحة، الحماية، وتمكين المرأة.
الثالث: هي تحفيز الحوار بين الحكومات والمجتمع المدني حول التحديات التي تواجه الأسرة.
والرابع: هي تعزيز القيم الأسرية والتماسك الاجتماعي في مواجهة الضغوط الحديثة.
شعار اليوم العالمي للأسر لعام 2025 الذي تمّ إبلاغه من قبل الأمم المتحدة هو الأسرة والمجتمعات المستدامة: تعزيز التماسك والمرونة في عالم متغير. يركز شعار عام 2025 على الأدوار الحاسمة التي تؤديها الأسر في تعزيز الاستقرار الاجتماعي وبناء مجتمعات قادرة على التكيف مع التغيرات البيئية، والاقتصادية، والتكنولوجية. يشير الشعار إلى قدرة الأسر المتماسكة على مواجهة الأزمات مثل البطالة، الفقر، الكوارث الطبيعية، والنزاعات. يدعو هذا الشعار إلى تمكين الأسر من خلال التعليم والرعاية الصحية والعمل اللائق كي تكون ركيزة في بناء مجتمعات أكثر مرونة ويسلط الضوء على الترابط بين الأسرة والأهداف رئيسية من أهداف التنمية المستدامة، منها القضاء على الفقر، التعليم الجيد، والمساواة بين الجنسين.
الأسرة في السياسات الدولية
الأسرة من أبرز الوحدات الاجتماعية التي تؤثر بعمق في بنية المجتمعات واستقرارها. ولم تعد النظرة إلى الأسرة في المحافل الدولية محصورة في بعدها الثقافي أو الأخلاقي فحسب، بل أصبحت تُعامل كعنصر فاعل في عملية التنمية الشاملة. وقد تبنّت المنظمات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة، مقاربات جديدة تدمج الأسرة في صلب خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، إدراكاً لأثرها المباشر على مؤشرات الفقر، التعليم، الصحة، والعدالة الاجتماعية. فلنراجعها معا باقتصار.
الأول: الأسرة كفاعل تنموي
شهدت السياسات الدولية على مدار العقود الأخيرة، تحولًا نوعيًا في التعامل مع الأسرة، حيث انتقلت من كونها وحدة تتلقى الخدمات إلى شريك في التخطيط وصناعة القرار التنموي. وعلى هذا السياق تبرز ملاحم عديدة. منها الاعتراف بدور الأسرة في إنتاج رأس المال البشري. ودعم تمكين المرأة داخل الأسرة كوسيلة لتعزيز الاقتصاد. والتركيز على الأسرة في مكافحة الفقر والإقصاء الاجتماعي. والأسرة كوسيط رئيسي لتنشئة القيم المدنية والتضامن المجتمعي.
الثاني: الأسرة في أجندة التنمية المستدامة 2030
أطلقت الأمم المتحدة عام 2015 خطة التنمية المستدامة 2030، والتي تتضمن 17 هدفًا عالميًا و169 غاية، وتم دمج الأسرة كمكون أساسي في تحقيق عدد منها، مثل:
(القضاء على الفقر): من خلال الدعم المالي والخدمات الموجهة للأسر ذات الدخل المحدود.
(الصحة الجيدة والرفاه): بضمان الرعاية الصحية للأمهات والأطفال.
(التعليم الجيد): من خلال إشراك الأسرة في دعم التعليم المبكر والتربية الأسرية.
(المساواة بين الجنسين): بتمكين النساء داخل الأطر الأسرية.
(الحد من أوجه عدم المساواة): بدعم الأسر الضعيفة والمتأثرة بالنزاعات أو الهجرة.
الأسرة في القرآن والروايات
تمّ التأكيد على أهمية الأسرة في القرآن الكريم والروايات المروية عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة المعصومين عليهم السلام. وهذا يبيّن لنا مدى أهمية الأسرة في العالم الواقع.
فقد أكد القرآن الكريم بكونه أكمل الكتب الإلهية وأتمها على أهمية الأسرة ودورها الأساسي في السعادة الفردية والإجتماعية لجميع البشر. فقد قال الله تبارك تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ (1).
فقد جعل الله سبحانه وتعالى الزوجة والأسرة سببا أساسيا للسكينة والرحمة. فكلنا نعلم إن السكينة والرحمة هما الدرّان والؤلؤان المفقودان في جميع المجتمعات الحالية. وهذا هو الذي أكد عليه القرآن في آية أخرى حيث قال: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ﴾ (2).
وأيضا صرّح الله تبارك وتعالى على أهمية الأسرة في جوانب أخرى. فقد قال: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ﴾ (3). وهذا تصريح واضح بأن تبارك وتعالى جعل الأسرة لباسا ومساعدا على الأمور المختلفة.
ولهذا قد أمر الله سبحانه و تعالى الرجال على أن يتقوا أهليهم من عذابه الأليم حيث قال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ (4). وأيضا قال: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ﴾ (5).
ويوجد في الروايات الشريفة المروية عن المعصومين عليهم السلام أيضا تأكيدات كثيرة في الإهتمام بالأسرة. فقد روي عن الإمام زين العابدين عليه السلام: « أَمَّا حَقُّ الزَّوْجَةِ فَأَنْ تَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ جَعَلَهَا لَكَ سَكَناً وَ أُنْساً فَتَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ عَلَيْكَ فَتُكْرِمَهَا وَ تَرْفُقَ بِهَا وَ إِنْ كَانَ حَقُّكَ عَلَيْهَا أَوْجَبَ فَإِنَّ لَهَا عَلَيْكَ أَنْ تَرْحَمَهَا لِأَنَّهَا أَسِيرُكَ وَ تُطْعِمَهَا وَ تَكْسُوَهَا فَإِذَا جَهِلَتْ عَفَوْتَ عَنْهَا ... وأما حق ولدك فتعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره وأنك مسؤول عما وليته من حسن الادب والدلالة على ربه والمعونة له على طاعته فيك وفي نفسه، فمثاب على ذلك ومعاقب، فاعمل في أمره عمل المتزين بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا، المعذر إلى ربه فيما بينك وبينه بحسن القيام عليه والاخذ له منه ولا قوة إلا بالله... وأما حق الصغير فرحمته وتثقيفه وتعليمه والعفو عنه والستر عليه والرفق به والمعونة له والستر على جرائر حداثته فإنه سبب للتوبة. والمدارأة له. وترك مما حكته فإن ذلك أدنى لرشده » (6). فبيان هذه الحقوق بهذه الدّقة والتفصيل يوضّح لنا مدة أهمية الأسرو العائلة في نظر الشريعة الإسلامية.
وأيضا روي عن الإمام الصادق عليه السلام: « إن المرء يحتاج في منزله وعياله إلى ثلاث خلال يتكلفها وإن لم يكن في طبعه ذلك: معاشرة جميل وسعة بتقدير وغيرة بتحصن » (7).
دور المرأة في استدامة الأسرة
في قلب الأسرة الفعالة تقف المرأة، ليس فقط كزوجة وأم، بل كركيزة للاستقرار العاطفي والاجتماعي والاقتصادي داخل الأسرة. لقد أثبتت الدراسات الاجتماعية والنفسية أن المرأة تؤدي دورًا محوريًا في استدامة الأسرة، وأن وجودها الفاعل والمتزن يضمن تماسك الأسرة في مواجهة التحديات الحديثة.
المرأة قلب الأسرة وعنصر التوازن
تشكل المرأة مصدر الحب، الحنان، والرعاية داخل الأسرة. فهي ترعى أفراد الأسرة نفسيًا وعاطفيًا، وتوفر بيئة من الأمان والدعم وكذلك تُغذّي الروابط العائلية وتُنعش العلاقات الإنسانية داخل البيت وتتحمل المسؤولية الأكبر في التنشئة الاجتماعية وتعليم القيم والمبادئ.
المرأة لا تُربي أطفالًا فقط، بل تُنشئ أجيالًا، وتُزرع في نفوسهم القيم والمبادئ التي تشكّل نسيج المجتمعات. فالمرأة الصالحة الفعالة، تنقل الثقافة والتقاليد والهوية للأبناء وترسّخ القيم الإنسانية كالمحبة، الاحترام، المسؤولية وتُعلّم التعاون والعمل الجماعي من خلال الحياة الأسرية.
الإسلام وتأثيرات المرأة في الأسرة
أكّدت الشريعة الإسلامية على أهمية المرأة في الأسرة وقد بيّن مسؤوليات لها. لأن أفعال المرأة ومسؤولياتها في الأسرة تأثر بشكل واضح على المجتمع. فقد قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم:« خير نسائكم التي إن غضبت أو غضب زوجها ، تقول لزوجها : يدي في يدك لا أكتحل عيني بغمض حتّى ترضى عنّي » (8).
وأيضا روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم: « لا يحلّ للمرأة أن تكلف زوجها فوق طاقته ، ولا تشكوه إلى أحد من خلق الله عز وجل ، لا قريب ولا بعيد » (9). وقال عليه السلام: « كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته ... والمرأة راعية على أهل بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم » (10).
النتيجة
الأسرة هي عماد خيمة المجتمع، فإذا انهارت، فإن أي سياسة تفقد فعاليتها. ويأتي اليوم العالمي للأسر ليذكّرنا بهذه الحقيقة: أن التنمية المستدامة، الإنسانية والهادئة، لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال سياسات منبثقة من الفطرة، ممزوجة بالرحمة الإلهية، ومبنية على القيم الإلهية والإنسانية.
الريحانات والنساء الصالحات يجب أن يُشرقن من جديد، ليحيا العالم من جديد.
أكتبوا لنا تجاربكم حول أن المرأة تسببت في حفظ أسرة أو عائلة كي نتعلم من تجاربكم.
1) سورة الروم / الآية: 21.
2) سورة الأعراف / الآية: 189.
3) سورة البقرة / الآية: 187.
4) سورة التحريم / الآية: 6.
5) سورة طه / الآية: 132.
6) تحف العقول (لإبن شعبة الحراني) / المجلد: 1 / الصفحة: 263 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 2.
7) تحف العقول (لإبن شعبة الحراني) / المجلد: 1 / الصفحة: 322 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 2.
8) مستدرك الوسائل (للمحدث الشيخ حسين النوري) / المجلد: 14 / الصفحة: 160 / الناشر: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث – قم / الطبعة: 1.
9) مستدرك الوسائل (للمحدث الشيخ حسين النوري) / المجلد: 14 / الصفحة: 242 / الناشر: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث – قم / الطبعة: 1.
10) إرشاد القلوب (لحسن بن محمد الديلمي) / المجلد: 1 / الصفحة: 348 / الناشر: انتشارات الأسوة – قم / الطبعة: 2.
التعلیقات
٣