يوم دحو الأرض
السيد حسين الهاشمي
منذ 3 ساعاتتترسخ ذكرى عظيمة في وجدان المؤمنين في رحاب الكون الفسيح، وبين ثنايا الزمان المديد، ذكرى تجسد لحظة فارقة في تاريخ الوجود، إنها ذكرى يوم دحو الأرض. يومٌ ليس كباقي الأيام، بل هو نقطة تحول في مسيرة الخليقة، ومفتاح لفهم العلاقة الوثيقة بين الخالق والمخلوق، بين السماء والأرض.
إنّ يوم دحو الأرض هو يوم الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة لكنه ليس مجرد تاريخ عابر في التقويم، بل هو رمز لبداية انبثاق الحياة على كوكبنا، وإشارة إلى اللحظة التي امتدت فيها اليابسة لتستقبل الكائنات الحية، وتصبح مهداً للحضارات الإنسانية. إنه يوم يذكرنا بعظمة الخالق وقدرته، وبالنعمة التي أنعم بها علينا، حين جعل الأرض مستقراً لنا، وموئلاً نعيش فيه ونعمر.
تتعدد الروايات وتتنوع التفاسير حول هذا اليوم المبارك وحقيقة المسألة التي وقعت، ولكنها تتفق جميعاً على أنه يومٌ عظيم الأثر، جليل القدر. ففيه تتجلى مظاهر الرحمة الإلهية وتتجسد معاني العطاء والفضل. إنه يوم يدعونا إلى التأمل في بديع صنع الله وإلى التفكر في آياته الباهرة وإلى استشعار عظمة النعمة التي نعيش فيها.
ماذا تدرون أنتم حول يوم دحو الأرض وماذا سمعتم حول هذا اليوم من اصحابكم وآبائكم ومن المنابر والمجالس؟ شاركوا ماتدرون معنا حتى نستفيد منكم.
ففي هذه المقالة سنحاول أن نسلط الضوء على أهمية هذا اليوم العظيم ومعانيه الباطنية وأعماله والآيات والروايات حوله.
معنى دحو الأرض
الدحو في اللغة بمعنى البسط أو إزالة الشيء عن مكانه. قال خليل بن أحمد الفراهيدي: « المدحاة خشبة يدحى بها الصبي، فتمر على وجه الارض، لا تأتي على شئ إلا اجتحفته. ومطر داح يدحى الحصى عن وجه الارض. والدحو: البسط« (1). وقال الراغب الاصفهاني: « قال تعالى: وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها. أي: أزالها عن مقرّها. وهو من قولهم: دحا المطر الحصى عن وجه الأرض، أي: جرفها » (2).
وفي اصطلاح القرآن والحديث اصطلاح خاص بحادثة وقعت في أوائل خلق الأرض. فدحو الأرض عبارة عن: « أن سطح الأرض في البداية كان مغطى بالمياه المتجمعة من الأمطار الفيضانية. هذه المياه، تدريجياً، غارت في منخفضات الأرض وبرزت اليابسة من تحت الماء، وازدادت اتساعًا يومًا بعد يوم حتى وصلت إلى حالتها الحالية « (3).
دحو الأرض في القرآن
إن دحو الأرض مذكور في القرآن في سورة النازعات حيث قال الله تبارك وتعالى: ﴿ أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا. رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا. وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا. وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا. أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا. وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا﴾ (4).
أكثر العلماء يعتقدون أن الأرض خلقت قبل خلق السماوات إلا أن دحوها كانت بعد خلق السماوات (5). إلا المفسر الطباطبائي حيث قال إن آية دحو الأرض وهي: ﴿ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا ﴾ (6)، تدل على: « تأخر الأرض عن السماء خلقا. والاعتراض عليه بأن مفاده تأخر دحو الأرض عن بناء السماء ودحوها غير خلقها مدفوع بأن الأرض كروية فليس دحوها وبسطها غير تسويتها كرة وهو خلقها على أنه تعالى أشار بعد ذكر دحو الأرض إلى إخراج مائها ومرعاها وإرساء جبالها وهذه بعينها جعل الرواسي من فوقها والمباركة فيها وتقدير أقواتها التي ذكرها في الآيات التي نحن فيها مع خلق الأرض وعطف عليها خلق السماء بثم فلا مناص عن حمل ثم على غير التراخي الزماني» (7).
دحو الأرض في الروايات
إن الروايات المذكورة عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة المعصومين عليهم السلام حول يوم دحو الأرض، قسمين. القسم الأول، الروايات التي ذكرت فيها فضل يوم دحو الأرض والمقارنة بينه وبين وقائع أخرى. والقسم الثاني، الروايات التي ذكرت فيها أعمال وأدعية لليلة دحو الأرض ويوم دحو الأرض. فلنراجع القسمين.
روايات فضل يوم دحو الأرض
روي عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم صلاة لليلة الجمعة أو يوم الجمعة وذكر النبي صلى الله عليه وآله بعد هذه الصلاة، دعاءا مفصلا. فمن جملة الفقرات المذكورة بالدعاء: « يَا مَنْ سَدَّ السَّمَاءَ بِالْهَوَاءِ وَ دَحَا الْأَرْضَ عَلَى الْمَاءِ وَ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ خَيْرَ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى » (8). فدحو الأرض من الوقائع العظيمة التي وصف النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، الله بها.
وأيضا وردت رواية من الإمام الرضا عليه السلام في فضل يوم دحو الأرض حيث قال: « يَوْمٌ نُشِرَتْ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَ دُحِيَتْ فِيهِ الْأَرْضُ وَ نُصِبَتْ فِيهِ الْكَعْبَةُ وَ هَبَطَ فِيهِ آدَمُ عليه السلام » (9). وأيضا روى الحسين بن علي الوشاء عن الإمام الرضا عليه السلام: « ليلة خمس وعشرين من ذي القعدة ولد فيها إبراهيم عليه السلام وولد فيها عيسى بن مريم عليه السلام وفيها دحيت الأَرْض من تحت الكعبة » (10).
وأيضا قال الإمام الرضا عليه السلام: « علة وضع البيت وسط الأرض أنه الموضع الذي من تحته دحيت الأرض، وكل ريح تهب في الدنيا فإنها تخرج من تحت الركن الشامي، وهي أول بقعة وضعت في الأرض، لأنها الوسط ليكون الفرض لأهل المشرق والمغرب في ذلك سواه» (11).
أعمال يوم دحو الأرض
أفضل الأعمال في يوم دحو الأرض هو الصوم. فقد روي عن الإمام الرضا عليه السلام: « من صام ذلك اليوم كان كمن صام ستين شهراً» (12). وأيضا روي: « أن صيامه يعدل صيام سبعين سنة ، وهو كفارة لذنوب سبعين سنة ، على رواية أخرى ، ومن صام هذا اليوم وقام ليلته فله عبادة مائة سنة ويستغفر لمن صامه كل شي بين السماء والأَرْض وهو يوم انتشرت فيه رحمة الله تعالى ، وللعبادة والاجتماع لذكر الله تعالى فيه أجر جزيل » (13).
وأيضا ورد صلاة ليوم دحو الأرض وكيفيتها: « ركعتان تصلى عند الضحى بـ الحمد مرة والشمس خمس مرات ويقول بعد التسليم: لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاّ بِالله العَلِيِّ العَظِيمِ. ثم يدعو وَيقول : يا مُقِيلَ العَثَراتِ أَقِلْنِي عَثْرَتِي يا مُجِيبَ الدَّعَواتِ أَجِبْ دَعْوَتِي يا سامِعَ الاَصْواتِ اسْمَعْ صَوْتِي وَارْحَمْنِي وَتَجاوَزْ عَنْ سَيِّئاتِي وَما عِنْدِي يا ذا الجَلالِ وَالاِكْرام » (14).
وأيضا ذكرت دعاء في الروايات يبدأ ب « اللّهُمَّ داحِيَ الكَعْبَةِ وَفالِقَ الحَبَّةِ وَصارِفَ اللَّزْبَةِ وَكاشِفَ كُلِّ كُرْبَةٍ...» (15).
ارتباط دحو الأرض مع صاحب العصر والزمان
عندما نراجع الروايات نرى أن ليوم دحو الأرض ارتباط بصاحب العصر والزمان. فقد جاء في الخبر : « ألا إن فيها يقوم القائم عليه السلام» (16). وأيضا دعاء يوم دحو الأرض مرتبط بصاحب العصر والزمان. لأننا بعد أن دعونا الله سبحانه وتعالى، نقول: « ان تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ المُنْتَجَبِ فِي المِيثاقِ...» ثم نقول: « اللّهُمَّ وَعَجِّلْ فَرَجَ أَوْلِيائِكَ وَارْدُدْ عَلَيْهِمْ مَظالِمَهُمْ وأَظْهِرْ بِالحَقِّ قائِمَهُمْ وَاجْعَلْهُ لِدِينِكَ مُنْتَصِراً وَبِأَمْرِكَ فِي أَعْدائِكَ مُؤْتَمِراً ، اللّهُمَّ احْفُفْهُ بِملائِكَةِ النَّصْرِ وَبِما أَلْقَيْتَ إِلَيْهِ مِنَ الاَمْرِ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ مُنْتَقِما لَكَ حَتَّى تَرْضى وَيَعُودَ دِينُكَ بِهِ وَعَلى يَدَيْهِ جَدِيداً غَضّا وَيَمْحَضَ الحَقَّ مَحْضا وَيَرْفُضَ االباطِلَ رَفْضا ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ وَعَلى جَمِيعِ آبائِهِ وَاجْعَلْنا مِنْ صَحْبِهِ وَاُسْرَتِهِ وَابْعَثْنا فِي كَرَّتِهِ حَتَّى نَكُونَ فِي زَمانِهِ مِنْ أَعْوانِهِ ، اللّهُمَّ أَدْرِكْ بِنا قِيامَهُ وَأَشْهِدْنا أّيَّامَهُ وَصَلِّ عَلَيْهِ وَارْدُدْ إِلَيْنا سَلامَهُ ، وَالسَّلامُ عَلَيْهِ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكاتُهُ» (17).
فهذا اليوم المبارك مرتبط بصاحب العصر والزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء بشكل وثيق. فينبغي علينا أن نذكره فيه حتى هو يذكرنا ويدعوا لنا.
هذه كانت جملة من الأمور المرتبطة بيوم دحو الأرض. إذا سمعتم شيئا حول هذا اليوم العظيم أو وقع لكم حادثة فيه، شاركوه معنا لأننا نستمتع ونستفيد من سماع تجاربكم ومعلوماتكم.
1) كتاب العين (لخليل بن أحمد الفراهيدي) / المجلد: 3 / الصفحة: 280 / الناشر: مؤسسة دار الهجرة – طهران / الطبعة: 2.
2) المفردات في غريب القرآن (للراغب الاصفهاني) / المجلد: 1 / الصفحة: 308 / الناشر: دار القلم – بيروت / الطبعة: 1.
3) تفسير النمونه (للشيخ ناصر مكارم الشيرازي) / المجلد: 20 / الصفحة: 245 / الناشر: مؤسسة جامعة المدرسين للحوزة – قم / الطبعة: 1.
4) سورة النازعات / الآية: 27 إلى 32.
5) منهاج الصادقين (للكاشاني) / المجلد: 10 / الصفحة: 145 / الناشر: المكتبة الإسلامية – قم / الطبعة: 1.
6) سورة النازعات / الآية: 30.
7) تفسير الميزان (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 17 / الصفحة: 365 / الناشر: اسماعيليان – قم / الطبعة: 1.
8) جمال الأسبوع (للسيد بن طاووس) / المجلد: 1 / الصفحة: 118 / الناشر: دار الرضي – قم / الطبعة: 1.
9) الكافي (للشيخ محمد بن يعقوب الكليني) / المجلد: 4 / الصفحة: 150 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
10) مفاتيح الجنان (للشيخ عباس القمي) / المجلد: 1 / الصفحة: 330 / الناشر: مجمع إحياء الثقافة الإسلامية – قم / الطبعة: 1.
11) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 54 / الصفحة: 64 / الناشر: دار إحياء التراث – بيروت / الطبعة: 4.
12) و 13) مفاتيح الجنان (للشيخ عباس القمي) / المجلد: 1 / الصفحة: 330 / الناشر: مجمع إحياء الثقافة الإسلامية – قم / الطبعة: 1.
14) و 15) مفاتيح الجنان (للشيخ عباس القمي) / المجلد: 1 / الصفحة: 331 / الناشر: مجمع إحياء الثقافة الإسلامية – قم / الطبعة: 1.
16) مفاتيح الجنان (للشيخ عباس القمي) / المجلد: 1 / الصفحة: 330 / الناشر: مجمع إحياء الثقافة الإسلامية – قم / الطبعة: 1.
17) مفاتيح الجنان (للشيخ عباس القمي) / المجلد: 1 / الصفحة: 332 / الناشر: مجمع إحياء الثقافة الإسلامية – قم / الطبعة: 1.
التعلیقات