هي ليست أمّنا
الشيخ مهدي المجاهد
منذ 6 سنواتالأحكام الإسلامية جميلة جداً كما أنها شاملة وجامعة لجميع حقوق أفراد المجتمع، منها: حق الوالدين وحق الزوج، وحقوق الأولاد على الوالدين؛ وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله، لَمّا سُئلَ عن حَقِّ الوَلَدِ قال: (تُحَسِّنُ اسمَهُ وأدَبَهُ،
وتَضَعُهُ مَوضِعا حَسَنا)،(1) وعن أمير المؤمنين صلوات الله عليه: (إِنَّ لِلْوَالِدِ عَلَى اَلْوَلَدِ حَقّاً، وَإِنَّ لِلْوَلَدِ عَلَى اَلْوَالِدِ حَقّاً، فَحَقُّ اَلْوَالِدِ عَلَى اَلْوَلَدِ أَنْ يُطِيعَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلاَّ فِي مَعْصِيَةِ اَللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَحَقُّ اَلْوَلَدِ عَلَى اَلْوَالِدِ أَنْ يُحَسِّنَ اِسْمَهُ، وَيُحَسِّنَ أَدَبَهُ، وَيُعَلِّمَهُ اَلْقُرْآنَ).(2)
وإنّ لكلّ إمرأة حقوقاً على زوجها وأبنائها كما عليها وظائف وتكاليف وواجبات تجاههم، وهناك أحكام خاصة لبعض الأفراد كنساء النبي صلى الله عليه وآله مذكورة في الكتاب والسُنّة والكتب الفقهيّة، منها: كونهنَّ أمهات للمؤمنين إلى يوم القيامة بمعنى يحرم الزواج منهنَّ بعد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، وهذا لا يثبت لهنّ أي فضيلة أخرى.
مما لا شكّ فيه، إنّ للأم حقوق من قبل أولادها، منها: حبّها وإطاعتها وإكرامها، إلّا أنّ هذا مشروط - قطعاً وبإجماع من المسلمين بل كافّة العقلاء- بالتزامها بأحكام الدين وامتثال أوامر النبي ونواهيه وحفظ حقوق الأبناء، فلو خالفت أحكام الشرعيّة وخرجت عن الحدود المقررّة لها، وضيّعت حقوق أبنائها سقطت حقوقها، بل وجب بغضها والبراءة منها.
وكانت عائشة، لكنها خالفت كتاب الله بنص الآية: (وَ قَرْنَ في بُيُوتِکُنَّ)،(3) وآذت رسول الله صلى الله عليه وآله في حياته وبعد استشهاده، وخرجت على إمام زمانها باتفاق جميع المسلمين خاصةً وعامةً، وكانت السبب في سفك دماء المسلمين و..... وكل ذلك مذكور في كتب الفريقين، فهنا ينقلب تكليف الأبناء تجاهها من وجوب الحب والاحترام إلى البغض والعداء، كما ورد عَنْ عَائِشة قالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله (وَهَلِ الدِّينُ إِلَّا الحب في الله والبغض في الله)،(4) وقد أكد على هذا المعنى روايات صحيحة وصلت إلى حد التواتر.
وقعت معركة الجمل سنة 36 للهجرة، ونصر اللَّه سبحانه أميرالمؤمنين عليه السلام على الناكثين في 15 من شهر جمادى الأولى في البصرة.
بدأت معركة الجمل بخروج طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام من المدينة بذريعة العمرة، والتحقوا بعائشة، وجاء عبد اللَّه بن عامر - الذي كان عامل عثمان بن عفان على البصرة، وقد عزله أمير المؤمنين عليه السلام - إلى مكّة واشترى لعائشة جملاً بمئتي دينار، فساروا إلى البصرة، ولمّا وصلوها انهالوا على دار عثمان بن حنيف والي الإمام علي عليه السلام وأوسعوه ضرباً، ونتفوا لحيته وشعر رأسه وحاجباه.
وسار إليهم أميرالمؤمنين، والحسنان عليهم السلام، وأخوهما محمّد بن الحنفية، وعبد اللَّه بن جعفر، وأبناء عقيل، وشبّان بني هاشم، وعمّار، وأبو أيّوب الأنصاري، ومحمّد بن أبيبكر، وعدّة من المهاجرين والأنصار، 80 فرداً من البدريّين، و 250 فرداً ممّن بايعوا الرسول تحت الشجرة، و 1500 فرداً من الصحابة عامّة.(5)
وأرسلوا مسلم المجاشعي رحمه الله للناكثين يدعوهم لحكم القرآن، فرشقوه بالسهام، وقتلوه.
وبعد موعظة عمّار وخطبة أميرالمؤمنين عليه السلام استمرّوا في إشعال الحرب التي بدأتها عائشة.
وتقدّم أميرالمؤمنين عليه السلام لمقابلتهم وجيشه في هذه المعركة 20 ألفاً، استشهد منهم خمسة آلاف، وجيش عائشة 30 ألفاً، قُتل منهم 13 ألفاً.(6)
وانتهت المعركة بانتصار أميرالمؤمنين عليه السلام عليهم، فوقف على هودج عائشة، وقال لها: «يا حميراء أوَ أمرك رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أن تخرجى لقتالي؟ أما أمرك أن تقرّي في بيتكِ ولا تخرجي؟ واللَّه ما أنصفك الذين ستروا نساءهم خلف الستائر وأخرجوك». وأخرج محمّد بن أبي بكر أخته من الهودج، وأمر أميرالمؤمنينعليه السلام أن يأخذوها إلى دار صفيّة بنت الحارث بن أبي طلحة، ثمّ إلى مكّة، ومنها إلى المدينة المنوّرة.(7)
وفي هذه المعركة استشهد زيد بن صوحان الذي كان من قادة الجيش وأعيان الشيعة، فوقف أميرالمؤمنين عليه السلام على رأسه، وقال: «رحمك اللَّه يا زيد، فقد كان تعلّقك بالدنيا قليلاً، وامدادك للدين كثيراً».
فهل تستحق من سببت هذا الظلم للمسلمين ان تكون أمّاً لهم؟ لا والله ما تفعل الأم هكذا بأولادها! فلا تكون أمّاً للمؤمنين؛ لأنّها خرجت عن الإيمان بفعلها هذا.
ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ ميزان الحكمه: ج13، ص504.
2ـ شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: ج19، ص365.
3ـ سورة الأحزاب: 33.
4ـ تفسير ابن كثير: ج2، ص 27.
5ـ مناقب آل أبي طالب عليهم السلام: ج3، ص 190.
6ـ بحار الأنوار: ج32، ص 174ـ 211.
7ـ تقويم الشيعة: ص 200.
التعلیقات