المراُة و العظماء
موقع راسخون
منذ 10 سنواتیُعترف للمرأة بدورها الخلفی المساعد فی صناعة العظماء وابرازهم ، حیث لاحظ العقلاء حضوراً
ممیّزاً للمرأة فی حیاة الکثیرین من العظماء والزعماء الناجحین ، فقالوا : ( خلف کلّ عظیم امرأة )
ولکن هل یعنی ذلک أن حظ المرأة من العظمة هو فی حدود دورها الخلفی ( اللّوجستیکی ) ؟ وأنها غیر مؤهلة للعظمة ذاتاً ؟ أم ماذا ؟
إن العظمة تعنی وجود مواصفات نفسیة عالیة ، وامتلاک کفاءات ذهنیة وعملیة متقدمة ، وإحداث تأثیر فعلی هام على ساحة الحیاة .
وبهذا المعنى للعظمة لا شیء یقصّر بالمرأة عن بلوغ درجتها . والتاریخ یخلّد لنا ذکرى العدید من النساء اللاتی ارتقین سنام العظمة ، وبلغن ذروتها ، کما لا یخلو حاضر البشریة من نماذج نسائیة عظیمة .
وتأتی السیدة زینب فی طلیعة ومقدمة النساء العظیمات فی تاریخ الإنسانیة .
واقع المرأة فی مجتمعاتنا یحکی عمق التخلف والأنحطاط الذی انحدرنا الیه ،
فمع أننا نعیش أدنى درجات التطور والنمو ، ومع حاجتنا إلى أقل وأبسط الطاقات والقدرات من أجل دفع عجلة التنمیة والتطور فی بلادنا ، إلا أن نصف مجتمعنا المتمثل فی المرأة قد فرضنا علیه حالة الشلل والعزلة والجمود .
وإذا ما عاشت المرأة جاهلة منغلقه على هامش الأحداث فإن تأثیرات وضعها الخاطیء سینعکس على کل المجتمع . وهل أبناء المجتمع إلا ثمرات أحشائها والمتربون فی أحضانها ؟ .
وأسوأ ما فی الأمر أن یتم تجهیل المرأة واحتقارها وتهمیشها بإسم الإسلام ، حیث یرى بعض المتدینین کراهة تعلیم المرأة ، واستحباب الأمّیّة والجهل لها ، ویرون أفضلیة انزوائها فی بیتها فلا تخرج حتى للمشارکة فی البرامج الدینیة کصلاة الجماعة .
وان صوتها عورة فلا یبلغ مسامع الرجال .
وان لا دخل لها فی الشؤن السیاسیة فجهاد المرأة حسن التبعل لزوجها فقط .
ویبالغ بعضهم أن على المرأة أن لا تخرج من بیتها الا مرتین فی حیاتها الأولى : من بیت ابیها إلى بیت زوجها عندما تتزوج . والثانیة : من منزلها الى القبر حینما تموت .
ویستندون فی نسبة هذه الآراء الرجعیة للدین على نصوص وروایات وفتاوی إما أن تکون مختلقة مصطنعة لا أساس لها ، وإما انهم أساءوا فهمها وحرّفوا تفسیرها بما یتناسب مع أفکارهم المتحجرة .
وأفضل رد یکشف زیف هذه الآراء ، ویفضح الواقع المتخلف للمرأة فی مجتمعاتنا ، ویثبت مخالفته للدین وبراءة الإسلام منه .
نقول : أفضل ردّ هو القراءة الواعیة لحیاة السیدة زینب .
وهل أحد یستطیع المزایدة على السیدة زینب فی الدین ، وهی ولیدة النبوة ، وخریجة بیت الوحی والرسالة ، وعقلیة بنی هاشم ؟ .
وحینما نقرأ شخصیتها العظیمة ، ونراها العالمة العارفة ، والمعلّمة المحدّثة ، التی کانت تعلّم النساء ، ویروی عنها الرجال .
ونراها الثائرة المجاهدة حیث غادرت بیتها العائلی الهادیء والتحقت بقافلة الثورة ، لتنتقل من المدینة إلى مکة ، ومنها إلى کربلاء ، ثم إلى الکوفة والشام .
ونراها الحاضرة الشاهدة فی جمیع أحداث النهضة الحسینیة ، تحاور أخاها الإمام ، وتحرض أصحابه الأبطال ، وتهرول الى ساحة المعرکة وتصرخ فی وجوه العسکر ، وتقود قافلة العائلة .
ونراها الخطیبة المفوهة ترتجل الخطاب أمام جماهیر الکوفة وفی مجلس ابن زیاد ومجلس یزید حیث رجالات الحکم والجمع الحاشد من الجند والأعیان .
هذه الصور الحیة التی نراها فی حیاة السیدة زینب تناقض ما نراه من واقع المرأة فی مجتمعاتنا فأین یقف الدین إذاً ؟ .
وأیُ من الواقعین یمثل رؤیة الإسلام ویجسد تعالیمه ؟ .
وبعد :
قادنی التوفیق الإلهی منذ بضع سنوات لمجاورة السیدة زینب ( علیها السلام ) والعیش قرب مقامها الشریف فی المنطقة التی تعرف بإسمها جنوب دمشق الشام .
وقد افاض الله علیّ الکثیر من ألطافه ونعمه ببرکتها ، وکنت أهرع الى مقامها وأتوسل الى الله ( سبحانه ) بحقها وفضلها کلما واجهنی مشکل من مشاکل الحیاة ، فأعود مطمئناً برحمة الله واثقاً من عنایته وتسدیده .
وأداءً لبعض حقها الکبیر فکرت فی تقدیم خدمة متواضعة لساحة قدسها الشامخ بالکتابة عن شیء من حیاتها المجیدة وسیرتها المشرقة .
ورأیت آلاف الزائرین یتقاطرون على حرمها الشریف من مختلف بقاع الأرض یقصدون التقرب الى الله ( تعالى ) بزیارتها ، ویعبّرون عن عظیم حبّهم وولائهم لها ولأسرتها النبویة الکریمة .
لکن أکثر هؤلاء الزائرین کانوا یعانون من قلة المعرفة وضعف الاطلاع على حیاة السیدة زینب ( علیها السلام ) وأبعاد شخصیتها العظیمة .
بالطبع فإن مستوى الفائدة والثواب من الزیارة یترتب على مستوى المعرفة بشخصیة المزور کما ورد ذلک فی العدید من النصوص والروایات التی تتحدث عن ثواب وفضل زیارات قبور الأولیاء ومشاهد أئمة الهدى ( علیهم السلام ) حیث تجعل المعرفة شرطاً فی حصول کامل الفائدة والثواب کالحدیث الوارد عن الإمام الصادق ( علیه السلام ) حول زیارة الإمام الحسین ( علیه السلام ):
(من زار الحسین عارفاً بحقه کتب الله له ثواب ألف حجة )
وما ورد عن الإمام علی بن موسى الرضا ( علیه السلام):
( ما زارنی أحد من أولیائی عارفاً بحقی إلا تشفعت فیه یوم القیامة )
ومن الواضح ان المعرفة بالإمام أو الولی تدفع الانسان للاقتداء به واستلهام القیم الخیرة من حیاته .
وقد یرغب الکثیرون فی التعرف على شخصیة السیدة زینبت وخاصة زوار مرقدها الشریف ، لکن وسائل هذه المعرفة وأدواتها لیست فی متناول أیدی الجمیع .
فمن المتداول فی البلدان المتقدمة أنک حینما تزور متحفاً أو معلماً تاریخیاً أو مقاماً لتخلید شخصیة معینة ، فان وسائل التعریف بذلک المکان أو تلک الجهة متوفرة عند البوابة أو المدخل من کتب ونشرات مصورة وافلام ومرشدین سیاحیین یشرحون لک ما تشاهده وتتساءل عنه .
فلماذا لا یتوفر عندنا شیء من هذا القبیل لإفادة الزائرین لمقامات الأئمة والأولیاء ومعالم تاریخنا المجید ؟ .
من هذا المنطلق ، وبدافع الأداء لبعض حق السیدة زینب ، شرعت فی اعداد هذا الکتاب ، لاُقدم من خلاله صورة واضحة مبسطة عن حیاة السیدة زینب ( علیها السلام ) وابعاد شخصیتها العظیمة .
بالتأکید فان التاریخ لم یحتفظ لنا بکل تفاصیل حیاة السیدة زینب ( علیها السلام ) ، کما أن بعض جوانب سیرتها أصبحت مسرحاً لأختلاف الرواة والمؤرخین کتحدید زمان ومکان وفاتها وتعیین مدفنها وقبرها .
وقد اطلعت حین اعداد هذا الکتاب على مجموعة من المؤلفات والکتابات عن شخصیة السیدة زینب وحیاتها ، وکان فی بعضها جودة وفائدة ، لکن اعتماد بعض المؤلفین على الروایات غیر الموثوقة ، والمصادر الضعیفة واتباع طریقة السرد التاریخی والقصصی دون أی تحلیل أو استنتاج ، ودون ترکیز على المواقف والجوانب الأساسیة فی شخصیتها وسیرتها . . کل ذلک یجعل استفادة القارىء محدودة ، والمعرفة التی یکسبها عن السیدة زینب غیر وافیة .
واذا کان الالمام بسیرتها ، أو ابراز کامل حقیقة شخصیتها أمراً صعب المنال ، فان المطلوب هو بذل الجهد لرسم أجلى صورة عن ملامح شخصیتها العظیمة وسیرتها العطرة .
وهذا ما حاولته فی هذه السطور مع اعترافی المسبق بالقصور والتقصیر أسأل الله ( تعالى ) القبول .
وأن یجعلنا من السائرین على خطى السیدة زینب وعلى نهج اُسرتها النبویة الطاهرة . . وأن یکفینا الاسواء بحقهم وأن یحشرنا یوم القیامة فی زمرتهم إنه ولی التوفیق والحمد .
التعلیقات