هل تجتمع الأسرة بأفرادها في الجنة؟
الاسرة في الاسلام
منذ 3 ساعاتسؤال يطرق القلوب قبل العقول، ويثير في النفس شوقاً لمعرفة مصير الأحبّة بعد الرحيل من هذه الدنيا الفانية. كثيرون يتساءلون: هل يبقى الرجل وزوجته معاً؟ هل يلتقي الأب بأبنائه، والأخ بأخيه؟ وهل ينعم المؤمن برفقة أهله وأصدقائه في دار الخلود؟
القرآن الكريم يفتح أمامنا نافذة من الأمل، ويعدنا بلقاءات لا يعتريها فراق، وبمحبّة تتجدّد وتصفو، لتكون الجنّة دار الاجتماع الأبدي، حيث يكتمل نعيم المؤمن بلقاء من أحبّ. في هذا المقال سنكشف أسرار هذا اللقاء المبارك كما ورد في الآيات والروايات.
الأسرة في الجنة: لقاء بلا فراق
إحدى جوائز الله لعباده في الجنة أنّه يجمعهم بأهاليهم في الجنة. أعضاء العائلة إذا كانوا صالحين يلتحق بعضهم ببعض في الجنة.
﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ ﴾ (1).
ليس فقط هذه الآية، بل بعض الآيات الأخرى من القرآن الكريم تصرّح بهذا المعنى أيضاً، وهو أنّ الآباء والأزواج والأبناء الذين كانوا صالحين يدخلون في جمع أهل الجنة، وذلك في الحقيقة لإتمام نعم الله عليهم، حتى لا يشعروا بأيّ نقصٍ بسبب فراق أحبّتهم، ومن هناك حيث الدار دارٌ جديدة وكاملة، يُجدَّد كلّ شيء، فيدخلون بوجوه جديدة ومحبّة أشدّ حرارة ودفئاً، محبّةٌ تضاعف قيمة نعم الجنّة.
وإنْ كانت الآية المذكورة اقتصرت على ذكر الآباء والأبناء والأزواج، لكن في الواقع جميع الأقارب داخلون في هذا الجمع، إذ حضور الآباء والأبناء لا يكون من دون حضور الإخوة والأخوات، بل وسائر الأقارب أيضاً، وهذا يتّضح بقليل من التأمّل، لأنّه إذا كان شخص في الجنة، فوالده الصالح يلتحق به، ومن حيث إنّ والده الصالح في الجنة، فإنّ جميع أولاده يلتحقون به، وبهذا يلتحق الإخوة بعضهم ببعض، وبنفس هذه المحاسبة يكون سائر الأقارب أيضاً في ذلك الجمع.
في الجنة يلتحق أعضاء العائلة بعضهم ببعض إذا كانوا أصحاب إيمان وعمل صالح.
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾(2).
وهذا أيضاً نعمة عظيمة، أن يرى الإنسان أبناءه المؤمنين وأحبّاءه بجانبه في الجنة، ويستمتع بالأُنس معهم، من غير أن يُنقَص شيء من أعماله.
وقد نقل ابن عباس عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله أنّه قال:
« إذا دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه وزوجته وولده، فيُقال له: إنّهم لم يبلغوا درجتك وعملك، فيقول: ربّ قد عملتُ لي ولهم، فيؤمر بإلحاقهم به » (3).
﴿ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ (4)
إنّ الآية 8 من سورة غافر تحمل بين طيّاتها معاني جليلة ودروساً بليغة، وقد تعرّض المفسّرون لجملةٍ من الإشارات التربوية والعقائدية المستفادة منها:
إنّ اجتماع المؤمن مع أهله الصالحين في الجنة هو من أجلّ نعم الله، فهو ليس دخولاً فردياً فحسب، بل عطاءٌ يجمع الأهل والأحبة معاً، كما جاء في قوله: «وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ...»، فالمؤمن يأنس بجوار أهله في دار الخلود.
إنّ دعاء الملائكة للمؤمنين لا يشمل جميع الناس بلا شرط، بل هو متوجّه إلى من توافرت فيه صلاحيّة الإيمان والعمل الصالح، ولذلك قال تعالى على لسانهم: «أَدْخِلْهُمْ... وَمَنْ صَلَحَ»، أي إنّ الدعاء مقرون بالاستحقاق، فلا ينال الشفاعة من لا يملك أساس الصلاح.
إنّ الروابط العائلية بحدّ ذاتها لا تُغني عن شرط الصلاح، فالأبناء والآباء لا ينتفعون بمجرد القرابة ما لم يكن فيهم استعداد لذلك، غير أنّ الصلاح إذا تحقّق صار سبباً في اجتماع الأهل في رحمة واحدة، ولهذا قال: « مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ »، فالعلاقة إذا اقترنت بالاستحقاق كانت نعمة مضاعفة.
التحاق الأزواج في الجنة
المؤمنون والمسلِمون يدخلون مع أزواجهم الجنة وهم في حال من الفرح والسرور. كما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ ﴾ (5).
ومن الواضح أنّ وجود الأزواج المؤمنين والرحماء بجانب بعضهم بعضاً يكون لذّةً للرجل كما يكون لذّةً للمرأة، فإذا كانوا شركاء في أحزان الدنيا فهم شركاء أيضاً في أفراح الآخرة.
الزواج والاقتران بالزوج الدنيوي في البرزخ والآخرة أمر ممكن، لكن له شروط: أوّلاً أن يكون الطرف الآخر أيضاً من أهل الجنة، وثانياً أن يكون مائلاً إلى الاقتران بهذا الزوج، ولا يوجد مانع يمنع ذلك.
سأل شخص عن الامام الصادق عليه السلام : جعلت فداك أخبرني عن المؤمن تكون له امرأة مؤمنة يدخلان الجنة يتزوج أحدهما بالآخر؟
فقال عليه السلام: « يا أبا محمد إن الله حكم عدل ، إن كان هو أفضل منها خير هو فإن اختارها كانت من أزواجه ، وإن كانت هي خيرا منها خيرها فإن اختارته كان زوجا لها » (6).
فالنتيجة: إذا وُجد الميل من الطرفين إلى الزوجية في الجنة، ولم يكن هناك مانع كاختلاف المقام، فإنّ الله يجمعهما، لأنّه قال في وصف الجنة:
﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَٰلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ ﴾ (7).
النساء اللواتي لا أزواج لهنّ
وأمّا عن مصير النساء اللواتي لا أزواج لهنّ، أو اللواتي أزواجهنّ من أهل النار، كآسية زوجة فرعون، فيجب القول: إنّ كلّ ما يشتهيه أهل الجنة ويوجب لهم السرور فهو مهيّأ لهم، وطبقاً لهذا الأصل العام، فإنّ لهؤلاء النساء أيضاً أزواجاً صالحين من أهل الجنة، ليعيشْنَ معهنّ حياة طيّبة سعيدة.
فقد جاء في القرآن الكريم: ﴿ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ (8)، ولأنّ جملة (ما تشتهيه الأنفس) تشمل جميع أنواع اللذّات، فإنّ النساء في الجنة أيضاً يتمتّعن بأزواج صالحين من أهلها. وفي آية أخرى: ﴿ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ﴾ (9). وأوضح من ذلك قوله تعالى: ﴿ وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ﴾ (10).
ومن مجموع هذه الآيات يتّضح أنّ النساء المؤمنات كما الرجال المؤمنون يتمتّعون بكلّ لذّة مشتهاة، ومنها الحياة مع الزوج الذي يرغبن فيه.
مرافقة الأصدقاء في الجنة
جاء في القرآن الكريم أنّ أهل الجنة يسألون عن بعضهم بعضاً: ﴿ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ﴾ (11)
وفي تفسير هذه الآية قيل: إنّ هذه الآية تذكر الحوار الذي يجري بين أهل الجنة، فيسأل بعضهم عن أحوال بعض، ويذكر بعضهم ما جرى له في الدنيا. ويقول أحدهم: كان لي في الدنيا رفيق اخترته من بين الناس، وقد اتّخذني هو أيضاً رفيقاً.
الارتباط بين عالم الأموات والأحياء؟
لقد قيل إنّ الارتباط موجود، غير أنّ كيفيّته وكميّته تتعلّقان بالأحوال النفسيّة للأحياء والأموات. فقد يكون في بعض الموارد دائمًا، وفي موارد أخرى قليلًا جدًّا وبصعوبة. وبعبارة أخرى: تارةً يكون هذا الارتباط واضحًا جليًّا، وتارةً يكون غامضًا مظلمًا. وكلّ ذلك خاضع لمشيئة الله تعالى، وحالة الأرواح عند الأحياء والأموات. كما يظهر من بعض الروايات الواردة أنّه في أوقات معيّنة يكثر هذا الاتصال ويكون أقرب.
فعلى سبيل المثال، ورد في حديث عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام : ما مِنْ مُؤْمِنٍ وَ لَا كَافِرٍ إِلَّا وَ هُوَ يَأْتِي أَهْلَهُ عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْس (12) وفي حديث آخر عنه (عليه السلام) مِنْهُمْ مَنْ يَزُورُ كُلَّ جُمْعَةٍ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَزُورُ عَلَى قَدْرِ عَمَلِهِ (13).
وإذا أتى أحدٌ بعملٍ صالحٍ وأهدى ثوابه إلى روح أحد الأموات، فإنّ ذلك يوجب سرورهم ونزول البركة عليهم.
وفي حديث آخر عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عن الامام موسى بن جعفر عليه السلام : قَالَ: « سَأَلْتُهُ عَنِ الْمَيِّتِ يَزُورُ أَهْلَهُ قَالَ نَعَمْ فَقُلْتُ فِي كَمْ يَزُورُ قَالَ فِي الْجُمْعَةِ وَ فِي الشَّهْرِ وَ فِي السَّنَةِ عَلَى قَدْرِ مَنْزِلَتِهِ فَقُلْتُ فِي أَيِّ صُورَةٍ يَأْتِيهِمْ قَالَ فِي صُورَةِ طَائِرٍ لَطِيفٍ يَسْقُطُ عَلَى جُدُرِهِمْ وَ يُشْرِفُ عَلَيْهِمْ فَإِنْ رَآهُمْ بِخَيْرٍ فَرِحَ وَ إِنْ رَآهُمْ بِشَرٍّ وَ حَاجَةٍ حَزِنَ وَ اغْتَمَ » (14).
وهذا المعنى، أي أنّ أرواح الأموات في صورة طيور ـ بإذن الله تعالى ومع مرافقة ملكين ـ تعود إلى عالم الأحياء لتطّلع على أعمال من بقي بعدهم، قد ورد في روايات كثيرة عن الأئمّة عليهم السلام. ومن هنا يتبيّن بوضوح أنّ زيارة الأموات لعالم الأحياء أمر ثابت ومبرهن خاضع لإرادة الله تعالى.
وكذلك إذا عمل الإنسان عملًا صالحًا وأهدى ثوابه إلى روح أحد الأموات، فإنّ ذلك يجلب السرور ونزول الرحمة عليهم، كما أنّ دعاءهم بالخير قد يؤثّر أحيانًا في أحوال الأحياء. غير أنّ في مسألة أوقات حضور أرواح الأموات في عالم الأحياء اختلافًا في الروايات؛ إذ قد بيّن أنّ ذلك يتعلّق بمقدار الفضائل والكرامات ودرجة الروحانية عند الأحياء والأموات. فبعضهم يُتاح لهم اللقاء أكثر، وبعضهم لا يجدونه إلّا نادرًا.
1. الرعد : 23.
2. الطور : 21.
3. ينابيع المودة لذوي القربى / القندوزي / المجلد: ١ / الصفحة : ٣٢٥.
4. غافر : 8.
5. الزخرف : 70.
6. بحار الأنوار / العلامة المجلسي / مؤسسةالوفاء / المجلد : 8 / الصفحة : 105
7. النحل : 31.
8. الزخرف : 71.
9. فصلت : 37.
10. البقرة : 25.
11. الصافات : 50 و 51.
12. الكافي / ثقة الإسلام الكلينى / دار الكتب الإسلامية، 1365 / المجلد: 3 / الصفحة : 230.
13. الكافي / ثقة الإسلام الكلينى / دار الكتب الإسلامية، 1365 / المجلد: 3 / الصفحة : 230.
14. الكافي / ثقة الإسلام الكلينى / دار الكتب الإسلامية، 1365 / المجلد: 3 / الصفحة : 230.
التعلیقات