المعطيات الإيجابية للزواج
عبّاس الذهبي
2024 Sep 20ومن ضمن أُسلوب « الترغيب » نجد من خلال نظرتنا الفاحصة للنصوص أنّ الإسلام يبرز
ـ بوضوح ـ المعطيات الإيجابية للزواج ، ويمكن تبويبها في النقاط التالية :
١ ـ الدخول في ولاية الله :
فلاشك أنّ من أقدم من الشباب على الزواج أو من قدّم خدمة في هذا الشأن ، امتثالاً لأمر الله تعالى ، ورغبة في رضاه ، سوف يدخله الله تعالى في ولايته ، وقد ورد عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : « من نكح لله وأنكح لله استحق ولاية الله » (١).
ويفهم من ذلك بالدلالة الالتزامية أن من يُحجم عن الزواج بدون سبب شرعي ، أو من يضع العراقيل في هذا السبيل ، فسوف يكون أقرب إلى ولاية الشيطان. ولعل ذلك ما يفسر قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : « أيّما شاب تزوج في حداثة سنّه عجّ شيطانه : يا ويله! عَصَمَ مني دينه » (٢).
٢ ـ امتثال سُنّة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم :
وهي سُنَّة هادية راشدة تدفع من عمل بها نحو الصلاح ، وتؤدي إلى الفوز والفلاح ، وقد تجسدت بأقوال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم العديدة ، التي حث فيها الشباب على نبذ حياة العزوبية ، كما جسدت في أفعاله ، فقد تزوج مرات عديدة ، وزوج بناته أيضاً ، كما تمثلت في تقريره ، فلم يكتف بالسكوت عمن يتزوجون ، بل كان يسأل أصحابه ومن يحيط به عن أخبار الزواج ، فيبارك لمن تزوج منهم ويدعو له ، كما ويسأل العزاب منهم عن سبب عزوفهم عن الزواج ، ويحاول حل مشاكلهم ويشفع أو يتوسط لتسهيلها ، وقد زوج « جويبر » مع فقره المدقع من « الزلفاء » مع ما هي فيه من الجاه والثراء.
فالزواج ـ إذن ـ اضافة إلى أنّه آية ربانية فهو سنّة نبوية يتوجب اتباعها ، والعمل بها ، قال صلى الله عليه وآله وسلم : « النكاح سنتي ، فمن رغب عن سنتي فليس مني ... » (٣).
وانطلاقاً من هذا التوجه النبوي ، قال أميرالمؤمنين عليه السلام موصياً : « تزوجوا ، فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كثيراً ماكان يقول : من كان يحبُّ أن يتّبع سنّتي فليتزوج ، فإنَّ من سنّتي التزويج » (٤).
٣ ـ إكتساب الفضيلة العالية :
فالمتزوج أفضل عند الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم من الأعزب درجةً ، وأجزل ثواباً ، قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : « المتزوج النائم افضل عند اللهم من الصائم القائم العزب » (٥).
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : « ركعتان يصليها متزوج أفضل من سبعين ركعة يصليها أعزب » (٦).
وعن أبي الحسن عليه السلام قال : « جاء رجل إلى أبي جعفر عليه السلام فقال له : هل لك من زوجة؟ قال : لا ، فقال أبو جعفر عليه السلام : لا أحب أن لي الدنيا وما فيها وأن أبيت ليلة وليس لي زوجة ، ثم قال : إن ركعتين يصليهما رجل متزوج أفضل من رجل أعزب يقوم ليله ويصوم نهاره » (٧).
ولعلَّ الوجه في هذا التفاضل أنّ الأعزب يكون عرضة لضغط الغريزة الجنسية فيشغل الجنس حيزاً كبيراً من تفكيره ويكون محوراً لاهتمامه ، الأمر الذي ينعكس ـ سلباً ـ على عبادته ، التي تكتسب فضيلتها وكمالها من التوجه الكلي نحو المعبود ، والابتعاد عمّا سواه.
وهناك من تضيق عدسة الرؤية لديه أو يفهم الدين فهماً قاصرا ، فيرى أنّ الرهبانية تكسب الإنسان فضلاً وكمالاً ، كما هو الحال عند بعض النصارى وأهل التصوف ، ولكن أهل البيت عليهم السلام يرفضون هذا الفهم القاصر ، فقد ورد عن الإمام الرضا عليه السلام : « إنَّ امرأة سألت أبا جعفر عليه السلام فقالت : أصلحك الله إنّي متبتلة ، فقال لها : وما التبتل عندك؟ قالت : لا أريد التزويج أبداً ، قال : ولِمَ؟ قالت : ألتمس في ذلك الفضل ، فقال : انصرفي فلو كان في ذلك فضل لكانت فاطمة عليها السلام أحقُّ به منك ، إنّه ليس أحد يسبقها إلى الفضل » (٨).
٤ ـ الطهارة المعنوية :
فممّا لا ريب فيه أنّ الزواج عامل مساعد على التطهّر من الآثام كالزنا واللواط وسائر أشكال الانحراف عن الطريق المستقيم ، ومن أجل ذلك قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : « من سرّه أن يلقى الله طاهراً مطهّراً ، فليلقه بزوجة صالحة » (٩).
فالزواج هو الطريق الطبيعي لرفد الاُمة بعناصر شابة ، تجدد حيويتها ، وتقوم على أكتافهم نهضتها وصيرورة تقدمها ، ولذلك نلاحظ أنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد أفصح أكثر من مرّة عن رغبته في كثرة أفراد أمته ، ومن ذلك قوله : « تناكحوا تكاثروا فإنّي أُباهي بكم الاُمم يوم القيامة حتى بالسقط » (١٠).
٥ ـ زيادة الرزق وحسن الخلق :
لقد طمئن الله تعالى الذين يخشون الدخول في عش الزوجية خوفاً من الفقر وما يوجبه من النفقة ، قائلا : ( وأنكِحُوا الأيامَى مِنكُم والصَّالِحينَ مِنْ عِبَادِكُم وإمائكُم إن يكُونُوا فُقَراءَ يُغنِهِم اللهُ مِن فَضلِهِ واللهُ واسعٌ علِيمٌ ) (١١).
( وهو وعد جميل بالغنى وسعة الرزق ، وقد أكّده بقوله ( واللهُ واسعٌ عليمٌ ) والرزق يتبع صلاحية المرزوق بمشيئة من الله سبحانه ) (١٢).
وفي حديث الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ما يقشع غيوم الهموم التي تتراكم في النفوس خوفاً من أعباء الزواج ، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم : « التمسوا الرزق بالنكاح » وأيضاً قوله صلى الله عليه وآله وسلم : « تزوَّجوا النساء ، فإنهنَّ يأتين بالمال » (١٣).
وفي حديث ثالث يكشف لنا فيه عن معطيات اُخرى معنوية للزواج إضافة إلى المادية عندما قال صلى الله عليه وآله وسلم : « زوّجوا أياماكم (١٤) فإنَّ الله يُحسن لهم في أخلاقهم ويوسّع لهم في أرزاقهم ويزيدهم في مروّاتهم » (١٥).
وفي هذا الصدد يقول الإمام الصادق عليه السلام : « من ترك التزويج مخافة الفقر فقد أساء الظن بالله عزَّ وجلَّ » (١٦) إنطلاقاً من الآية المتقدمة التي تتضمن وعداً جميلاً بالمدد والمعونة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١) المحجة البيضاء / الكاشاني ٣ : ٥٤ مؤسسة الأعلمي ط٢.
٢) كنز العمال ١٦ : ٢٧٦ / ٤٤٤٤١.
٣) جامع الأخبار : ٢٧١ / ٧٣٧ ، كنز العمال ١٦ : ٢٧١ / ٤٤٤٠٧.
٤) تحف العقول : ١٠٥.
٥) جامع الأخبار : ٢٧٢ / ٧٤١.
٦) ثواب الاعمال : ٦٢.
٧) مكارم الأخلاق : ١٩٧.
٨) أمالي الطوسي ١ : ٣٨٠. وبحار الأنوار ١٠٣ : ٢١٩.
٩) مكارم الأخلاق : ١٩٧.
١٠) المحجة البيضاء ٣ : ٥٣.
١١) سورة النور : ٢٤ / ٣٢.
١٢) تفسير الميزان ٥ : ١١٣.
١٣) مكارم الأخلاق : ١٩٦.
١٤) الأيامى : جمع أيّم ، وهو الذكر الذي لا اُنثى معه والاُنثى التي لا ذكر معها ، تفسير الميزان ٥ : ١١٢ ـ ١١٣.
١٥) نوادر الراوندي : ٣٦ ، بحار الأنوار ١٠٣ : ٢٢٢.
١٦) مكارم الأخلاق : ١٩٧.
التعلیقات