(٢) عناية الإسلام بالجانب التربوي بين الزوجـين
عبّاس الذهبي
منذ 9 سنواتد ـ الانصاف والعدل :
الانصاف من العوامل التربوية التي
تديم المحبة
وتوجب الأُلفة بين الزوجين ، يقول أمير المؤمنين عليه السلام : « الانصاف يستديم المحبّة » (1) ، ويقول أيضاً : « الانصاف يرفع الخلاف ويوجب الائتلاف » (2) ، ومن يطالع كتابه عليه السلام الذي أرسله إلى الأشتر لما بعثه إلى مصر ، يجد أنه يشير فيه صراحة إلى أن عدم الانصاف يؤدي إلى الظلم : « ... أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ، ومنخاصة أهلك ، ومن لك فيه هوى من رعيتك ، فإنّك إلاّ تفعل تظلم .. » (3).
وهناك دعوة ملحة للعدل بين النساء لمن يتزوج بأكثر من امرأة وتحذير من مغبة الظلم لهما أو لإحداهما ، ورد ذلك في آخر خطبة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم التي تضمنت تعاليم تربوية عديدة منها ـ في ما يتصل بهذه الفقرة ـ قوله : « .. ومن كانت له امرأتان فلم يعدل بينهما في القسم من نفسه وماله ، جاء يوم القيامة مغلولاً مائلاً شقه حتى يدخل النار » (4).
هـ ـ تقسيم العمل وبيان الأدوار :
وهما من الأساليب الناجحة في إدارة أمور الاُسرة ، فالرجل عليه العمل والكسب خارج البيت لتوفير سبل العيش الكريم للعائلة ، والمرأة تضطلع بمهمة إدارة المنزل ورعاية الأطفال.
وتروي لنا مصادرنا التراثية حالة التعاون وتقسيم العمل الرائعة بين فاطمة الزهراء والإمام علي عليهما السلام ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « كان أمير المؤمنين يحطب ويستقي ويكنس ، وكانت فاطمة تطحن وتعجن وتخبز » (5).
لقد قامت فاطمة عليها السلام بأداء واجباتها المنزلية خير قيام ، وخير شاهد على ذلك ما أفاده زوجها أمير المؤمنين عليه السلام بحقها عندما قال لرجل من بني سعد : « ألا أحدّثك عني وعن فاطمة ، إنّها كانت عندي ، وكانت من أحب أهله إليه ـ أي للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ـ وإنّها استقت بالقربة حتى أثّرت في صدرها ، وطحنت بالرحى حتى مجلت يداها ، وكسحت البيت حتى اغبرّت ثيابها ، وأوقدت النار تحت القدر حتى دكنت ثيابها ، فأصابها من ذلك ضمار شديد » (6).
ثم إنَّ الإسلام لا يحرّم العمل على المرأة ، كما يزعم بعض الناس ، بل يفضل ان تعمل المرأة في بيتها صيانةً لها ، والإسلام يُشجع المرأة أن تزاول الاعمال المنزلية لكي تساهم في دعم اقتصاد العائلة وتخفف العبء عن كاهل الزوج عند الضرورة ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « مروا نساءكم بالغزل ، فإنّه خير لهنَّ وأزين » ، ويقول أيضاً : « المغزل في يد المرأة الصالحة كالرمح في يد الغازي المريد وجه الله » (7).
د ـ عدم إلحاق الضرر :
فقد ورد في الحديث تحذير شديد للزوجين من العواقب المترتبة على إلحاق الضرر من قبل أحدهما بالآخر ، قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : « من كان له امرأة تؤذيه لم يقبل الله صلاتها ولا حسنة من عملها حتى تعينه وترضيه وإن صامت الدهر .. وعلى الرجل مثل ذلك الوزر إذا كان لها مؤذياً ظالماً » (8).
ومن الخطابات الموجهة للزوجة خاصة ، قول الإمام الصادق عليه السلام : « ملعونة ملعونة امرأة تؤذي زوجها وتغمّه ، وسعيدة سعيدة امرأة تكرم زوجها ولا تؤذيه ، وتطيعه في جميع أحواله » (9).
ومن الخطابات الموجّهة للزوج في هذا الصدد قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : « ومن أضرَّ بامرأة حتى تفتدي منه نفسها ، لم يرضَ الله تعالى له بعقوبة دون النار ؛ لأنَّ الله تعالى يغضب للمرأة كما يغضب لليتيم » (10).
والملاحظ أن السيرة النبوية في الوقت الذي توصي فيه الرجال بالرِّفق وعدم إلحاق الضرر بالنساء ، كما قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : « أوصيكم بالضعيفين : النساء وما ملكت أيمانكم » (11) ، كذلك توصي النساء بالرفق بالازواج وعدم تكليفهم فوق طاقتهم وبما يشق عليهم ، بدليل قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : « .. ألا وأيّما امرأة لم ترفق بزوجها ، وحملته على ما لا يقدر عليه وما لا يطيق ، لم يقبل منها حسنة ، وتلقى الله وهو عليها غضبان » (12).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) غرر الحكم ح 1076.
2) غرر الحكم ح 1702.
3) تحف العقول : 127.
4) عقاب الأعمال ، للصدوق : 333 / 1 باب يجمع عقوبات الأعمال.
5) تنبيه الخواطر 2 : 79.
6) علل الشرائع ، للصدوق : 366 باب 88 علة تسبيح فاطمة عليها السلام.
7) مكارم الأخلاق : 238.
8) وسائل الشيعة 14 : 116 / 1 باب 82.
9) بحار الأنوار 103 : 253 عن كنز الفوائد للكراجكي : 63.
10) عقاب الأعمال ، للصدوق : 334 باب يجمع عقوبات الأعمال.
11) تحف العقول : 120 من وصايا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
12) تنبيه الخواطر 2 : 262.
التعلیقات