الام مقدسة وعزيزة
موقع شبكة كربلاء المقدسة
منذ 8 سنواتالام عزيزة ومقدسة ؛ لان قلب الام هو ينبوع لاجمل واعذب وانقى العواطف الانسانية ، قلب الام يفيض بالمحبة الالهية وهي التي تغذي طفلها من هذا الينبوع وتمنحه الحياة .
ان كلمة الام هي كلمة عزيزة وجليلة لانها تربي الانسان والانسانية ، فلولا وجود الام لقضت احداث الزمن على هذا الانسان وبالتالي على البشرية باسرها .فالام هي التي ضحت بنفسها من اجل ان يعيش طفلها بسعادة وينمو ويكبر وهي التي تشقى وتسهر الليالي وتتحمل انواع المصاعب والعناء لكي تحافظ على طفلها من بلايا الدهر وحوادث الايام وهي التي تبقى جائعة ظمانة من اجل ان ياكل طفلها ويشرب ويعيش مرتاحا والاهم من ذلك كله ، فهي تستلذ بكل هذه التضحية وهذا البذل والعطاء والمحبة والخدمة والايثار وتشعر بالسعادة والنشاط والفرح . فهل يجب ان نقول للام : « عليك ان تحبي طفلك » ؟ كلا ! لا ضرورة ان نقول لها ذلك ، لان مشاعر واحاسيس الام ومحبتها لاولادها هي امور غريزية اودعها الله سبحانه وتعالى في قلب الام . المحبة التي في قلب الام هي قانون الخلقة الحكيم ، وان الله العليم الحكيم جعل هذا الينبوع وهذه العين الفياضة في قلب الام وصدرها لكي يرضع طفلها مع حليبها وينمو مع مشاعر العاطفة والمحبة والنظرة والبسمة ، اي ان ينمو جسمة وتتسامى روحه وتسكن وتهدا . حتى الحيوانات التي لا تشاهد بينها مظاهر التعاون واواصر الصداقة والمحبة ـ فان لديها غزيزة الامومة حيث ان انثى الحيوان هي ام حنونة ومضحية . اذن فليست هناك ضرورة بان نوصي الام ان تظهر المحبة لأطفالها واولادها . ولكن من الضروري ان نوصي الامهات لكي يعرفن قدر هذه العاطفة والمحبة الالهية ويثمن هذه الجوهرة السماوية بان يظهرن ويبدين هذه العاطفة والمحبة تجاه اولادهن من خلال تقبيلهم والنظر اليهم والابتسام في وجوههم والتقرب اليهم وايضا من خلال الكلام والعمل وعليهن ان يزدن من محبتهن تجاه اولادهن . حيث ان رسول الاسلام العظيم ومربي الاسلام المبعوث من قبل الله قد اوصانا باظهار المحبة لاولادنا وصغارنا وقال : (اكثروا من قبلة اولادكم فان لكم بكل قبلة درجة في الجنة مسيرة خمسمائة عام) (1) .
ويقول الامام جعفر الصادق عليه السلام : (ان الله ليرحم العبد لشدة حبه لولده) (2) .
وقال ابو عبدالله عليه السلام : وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبل الحسن والحسين عليهما السلام . فقال الاقرع بن حابس : ان لي عشرة من الولد ما قبلت احدا منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (من لا يرحم لايرحم) (3) . وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كل صباح يقبل اولاده واحفاده وكان صلى الله عليه وآله وسلم يقول ما مضمونه : « اذا احببتم احدا فصارحوه بمحبتكم واظهروا محبتكم له لان ذلك يقوي العلاقات بين الافراد ويزيد من المحبة ويخلق الالفة والصفاء والطمانينة » (4) .
ومن الضروري ان نوصي الام بان تظهر المحبة بالشكل الصحيح وبالقدر اللازم لتروي بذلك ظما اولادها (في مرحلة الطفولة وفي مرحلة الكبر) وتجعلهم يشعرون بالاستقرار والهدوء وتنمي في داخلهم براعم التقدم والرقي . يجب على الام ان تنتبه الى ان النقص في المحبة وفقدان العاطفة هو اكثر الما من الجوع واكثر حرقة من الظما ، ان فقدان العاطفة والمحبة تجاه الابناء يؤدي الى ذبول براعم النمو واضمحلال دعائم الشخصية عندهم ويجعلهم يصابون بالكابة والخمول . لاحظوا الرسالة التالية :
الرسالة : . . . تحية لكم ولجميع الاخوة والاخوات الذين يجدون ويسعون من اجل تحقيق مستقبل اكثر اشراقا ووطن اكثر تقدما وازدهارا وشعب اكثر سلامة ونشاطا وحيوية . قبل ان ادخل في صلب الموضوع اريد ان اعرف عن نفسي . انا فتاة شابة اسمي . . . ابلغ من العمر . . . واسكن في مدينة . . . منذ ان عرفت الوعي واسرتي تعاني من التشتت ويسود اسرتي جو من التربية الخاطئة غير الصحيحة . اشعر بشيء في اعماقي يقض مضجعي ويعذبني وكاني اشعر بان شيئا ما ينقصني في وجودي ولكني كنت عاجزة عن فهم ذلك الاحساس المؤلم فهما واضحا حتى ادركت بعد فترة بانني ـ نتيجة للخلافات الموجودة بين والدي ووالدتي وانفصالهما عن بعضهما والنتائج السيئة التي ترتبت على هذا الانفصال ـ انسانة مريضة نفسيا اعاني من التعب والكابة . ان تشتت الاسرة له بالتاكيد عواقب ونتائج اخرى اكثر مرارة واقسى وقد ذقت بنفسي جميع هذه الماسي والصعوبات كلها وبشكل مستمر ومتواصل . . .
وتمر الان . . . سنوات على طلاق والدتي وقد تحولت من طفلة بريئة وطاهرة الى شابة منهكة كئيبة وفي نفس الوقت متمردة وغاضبة . . . اسمحوا لي ان اتحدث قليلا عن والدتي : ان والدتي تنظر اكثر ما تنظر الى نمط حياة خالتي (اختها) وكانت تطلب من والدي ـ وهو رجل كادح ـ بامتلاك نفس الاشياء التي تتمتع بها اختها ، كالسفر وحضور الحفلات وتبادل الدعوات كما كانت والدتي تطلب من والدي ان يشتري لها نفس الملابس والمجوهرات والحلي التي كانت موجودة عند اختها وكانت والدتي تشكو باستمرار من العيش مع والدي وتعرب عن تذمرها وعدم رضاها وكانت تقول : لماذا تملك اختي كل تلك الاشياء ولا املك انا شيئا منها ؟! هل انا اقل منها شانا ؟! وكانت والدتي تتحسر وتحترق لان اختها تعيش في المستوى الفلاني وان زوجها يعرف قدرها . . . لقد تخلت والدتي عن جميع واجباتها ومسؤولياتها وكانت تمتنع حتى عن اظهار اقل قدر من المحبة والحنان لولديها ولاسيما انا التي كنت ابنتها . . . واخيرا طلبت والدتي الطلاق وذهبت وتركتنا وحيدين وبالطبع فهي لم تحقق حتى الان ما كانت تصبو اليه . . .
قبل كل شيء اقول هل من الصحيح ان نطلق تسمية الام، هذه التسمية المقدسة على هذه المراة الشيطانية ؟! والنقطة الاخرى هي ان النظر الى ما عند الاخرين والى اسلوب معيشتهم والتحسر على ما يملكونه من ثروة ومال وحياة مرفهة ، يعمي بصيرة الانسان ويجعل ينبوع العاطفة والمحبة لديه يجف وينضب وتكون نتيجة ذلك ان مثل هذه المراة ومن اجل ان تحقق احلامها وامالها في الوصول الى الثروة والذهب والمجوهرات تنزع عن صدرها جوهرة الامومة المقدسة الفريدة من نوعها وتنقض عهد الزواج المقدس وتتخلى عن رباط الزوجية وتحطمه وتنسلخ عن محيط اسرتها واولادها وتترك اولادها واطفالها الابرياء وحيدين ليس لهم من يحميهم وياويهم وتتجه الى صحراء الجفاء القاحلة املا في الوصول الى سراب الماء وفي نهاية المطاف تبقى مثل هذه المراة وحيدة منهكة وحزينة لا ماوى لها . يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (من لم يتعز بعزاء الله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات ومن اتبع بصره ما في ايدي الناس طال همه ، ولم يشف غيظه . ومن لم يعرف ان لله عليه نعمة الا في مطعم ومشرب قصر اجله ودنا عذابه) . يقول تبارك وتعالى في القران الكريم : «ولا تمدن عينيك الى ما متعنا به ازواجا منهم زهرة الحياة الدينا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وابقى» (5) .
فمثل هذه المراة ومن اجل ان تحقق امالها وتطلعاتها اما انها تضغط على زوجها وتحمله اكثر من طاقته وتنغص بذلك حياة الاسرة وتجعلها مرة . واما انها تنسلخ وتبتعد عن زوجها واولادها وبيتها وفي كلتا الحالتين فهي تثير غضب الجبار ، حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (من كانت له امراة ولم توافقه ولم تصبر على ما رزقه الله وشقت عليه وحملته ما لم يقدر عليه لم يقبل الله لها حسنة تتقي بها النار وغضب الله عليها ما دامت كذلك) (6) .
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « خير نسائكم الولود الودود الستيرة العفيفة العزيزة في اهلها الذليلة مع بعلها الحصان مع غيره ، التي تسمع له وتطيع امره ، اذا خلا بها بذلت ما اراد منها » (7) .
وحبذا لو قرات والدتك هذه السطور وهذا الكلام القيم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لتدرك وتعي الاحساس المؤلم بالتشرد والضياع الذي تشعر به ابنتها وحبذا لو استمعت الى نداء الضمير وعادت الى بيتها معززة مكرمة لتضيء اكنافة وكل زاوية من زواياه بوجودها ومحبتها . وتبلسم جراح اولادها ويا حبذا لو سمعت هذه الام ماتقوله ابنتها :
بقية الرسالة : . . . نعم ! ان الاحساس الوحيد الذي يؤلمني هو احساسي بالتشرد والضياع وفقدان المحبة ولاسيما المحبة من جانب والدتي بالذات . اما والدي فرغم انه رجل طيب وكادح فهو منهمك في العمل والسعي ، حيث يخرج من البيت في الصباح الباكر ويعود في وقت متاخر من الليل وهو تعبان ومنهك ، وبالتالي فنحن نعيش وحيدين تماما . . . في البداية لم اكن اهتم بهذه التغيرات وبهذا القلق والاضطراب لاني كنت اتصور ان بالامكان العيش بدون ام وبدون محبتها وحنانها وعطفها . ولكن الان ارى بان نفسيتي وشخصيتي قد تحطمت ووصلت الى قمة الياس والاسى ، لقد حل في وجودي الضعف وعدم الارادة بدل الايمان والسعي والعمل . . . اشكركم كثيرا على قراءتكم لرسالتي واصغائكم لكلامي واني انتظر توجيهاتكم وارشاداتكم لاني ليس لي شخص حنون ومخلص اتحدث معه واستشيره لا في داخل البيت ولا في خارجه . . .
يا حبذا لو كان هناك شخص مصلح وانسان واع حلال للمشاكل (احد الاقارب او الجيران او احد الاصدقاء) يخطو في طريق الخير ويقوم بعملية اصلاح ذات البين لان : « صلاح ذات البين افضل من عامة الصلاة والصيام » (8).
اما انت ايتها الاخت الكريمة المرهفة الاحساس والمشاعر :
1ـ لا تسمحي ابدا للياس والقلق ان يتغلبا عليك . اكتشفي القدرات والامكانات التي اودعها الله فيك وكوني واثقة من انك ومن خلال تلك القدرات والامكانات ، بامكانك التعويض عن كل ذلك الجفاء وعدم المحبة من جانب والدتك . استعيدي بالاتكال على الله والطافه الخفية شخصيتك الانسانية السامية وابني مستقبلك باروع واعظم ما يمكن وكوني على ثقة بان الصعوبات التي تمرين بها هي صعوبات عابرة وستمر مر السحاب وعندما تتزوجين رجلا امينا وفيا وعاقلا فان كل هذا القلق سيتحول الى نشاط وفرح . اتكلي على الله واطلبي منه العون وكوني على ثقة بان الله الذي خلقك وسواك لن يتركك وحيدة دون ماوى ولا معيل .
2ـ لا تبقي وحدك في المنزل ، اشغلي نفسك بعمل مفيد ، ترددي على احد المساجد النشطة القريبة من منزلك واقيمي علاقات تعارف مع رواد هذا المسجد من الاخوات المؤمنات ولا سيما مع الاخوات التعبويات اللواتي يقمن بتقديم الخدمات والمساعدات للاخرين . عليك ان تصادقيهن وترافقيهن وان تبني حياتك ومستقبلك بقلب مفعم بالامل والرجاء بالله سبحانه وتعالى وبكل ثقه واطمئنان .
* * *
كما اوصي اخواتي العزيزات في المساجد ان يستقبلن مثل هؤلاء الاخوات اللواتي ياتين الى المساجد دون سابق معرفة وان يرحبن بهن في صفوفهن بمزيد من المحبة ويعملن على مساعدتهن وحل مشاكلهن والاهتمام بهن .
وانت ايتها الاخت الكريمة التي كتبت لي هذه الرسالة ، اعرب عن شكري وتقديري لك وارغب في استلام رسائل اخرى منك في المستقبل ـ اتمنى لك التوفيق .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بحار الانوار ، ج 104 ص 99 وسائل الشيعة الجزء 21 ص 485 .
(2) وسائل الشيعة ، ج 21، ص 583 .
(3) وسائل الشيعة ، ج 21 ، ص 485 .
(4) مستدرك وسائل الشيعة ج 2 ص 67 .
(5) تفسير الصافي ، ذيل الاية 131 سورة طه .
(6) بحار الانوار ، ج 103 .
(7) بحار الانوار ، ج 103 ص 239 باب 60 ح 50 .
(8) نهج البلاغة ، ص 565 رقم 285 ط الاعلمي ـ بيروت .
التعلیقات