زواج المتعة عند الشيعة
السيد حسين الهاشمي
منذ شهرمقدمة
مع حلول شهر ربيع الأول، يتبادر إلى أذهان معظم المؤمنين اليوم التاسع من هذا الشهر، الذي يُعد عيداً للمؤمنين ويوم فرح وسرور، ويوم الموالاة لأهل البيت عليهم السلام، والبراءة من أعدائهم. فقد قال الشيخ القمي في كتابه: « اليوم التاسع عيد عظيم وهو عيد البقر. وروي أن من أنفق شَيْئاً في هذا اليوم غفرت ذنوبه. وقيل يستحب في هذا اليوم إطعام الاخوان المؤمنين وإفراحهم والتوسُّع في نفقة العيال ولبس الثياب الطيِّبة وشكر الله تعالى وعبادته. وهو يوم زوال الغموم والأحزان وهو يوم شريف جداً. واليوم الثامن من الشهر كان يوم وفاة الامام الحسن العسكري عليهالسلام ، فهذا اليوم يكون أوّل يوم من عصر امامة صاحب العصر أرواح العالمين له الفداء ، وهذا ممّا يزيد اليوم شرفاً وفضلاً» (1).
وقد روي عن الإمام العسكري عليه السلام في فضل هذا اليوم:
« قال أحمد بن اسحاق القمي: إني قصدت مولانا أبا الحسن العسكري عليه السلام مع جماعة إخوتي كما قصدتماني بسرمن رأى، فاستأذنا بالدخول عليه فأذن لنا، فدخلنا عليه صلوات الله عليه في مثل هذا اليوم وهو يوم التاسع من شهر ربيع الأول وسيدنا عليه السلام قد أوعز إلى كل واحد من خدمه أن يلبس ما يمكنه من الثياب الجدد، وكان بين يديه مجمرة يحرق العود بنفسه، قلنا : بآبائنا أنت وأمهاتنا يا ابن رسول الله! هل تجدد لأهل البيت في هذا اليوم فرح؟ فقال : وأي يوم أعظم حرمة عند أهل البيت من هذا اليوم؟!. ولقد حدثني أبي عليه السلام أن حذيفة بن اليمان دخل في مثل هذا اليوم وهو التاسع من شهر ربيع الأول على جدي رسول الله صلى الله عليه وآله، قال حذيفة : رأيت سيدي أمير المؤمنين مع ولديه الحسن والحسين عليهم السلام يأكلون مع رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يتبسم في وجوههم عليهم السلام ويقول لولديه الحسن والحسين عليهما السلام : كلا هنيئا لكما ببركة هذا اليوم، فإنه اليوم الذي يهلك الله فيه عدوه وعدو جدكما، ويستجيب فيه دعاء أمكما.كلا! فإنه اليوم الذي يقبل الله فيه أعمال شيعتكما ومحبيكما.كلا! فإنه اليوم الذي يصدق فيه قول الله ﴿ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا ﴾. كلا! فإنه اليوم الذي يتكسر فيه شوكة مبغض جدكما.كلا! فإنه يوم يفقد فيه فرعون أهل بيتي وظالمهم وغاصب حقهم.كلا! فإنه اليوم الذي يقدم الله فيه﴿ إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ ﴾ فيجعله ﴿ هَباءً مَنْثُوراً ﴾...» (2).
وبهذه المناسبة قررنا أن نكتب لكم عن أحدى البدع التي ابتدعها الغاصبون لخلافة أميرالمؤمنين عليه السلام وهي بدعة تحريم متعة النكاح.
تحريم متعة النكاح
روى الطبري من علماء السنة قول عمر بن الخطاب: « ثلاث كن على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم وأنا محرمهن و معاقب عليهن: متعة الحج، و متعة النساء، وحي على خير العمل في الأذان» (3)، وروى مسلم عن جابر بن عبدالله الأنصاري: « لما ولي عُمرُ بنُ الخطَّابِ خطَب الناسَ فقال : إنَّ القرآنَ هو القرآنُ، وإنَّ الرسولَ هو الرسولُ، وإنما كانتْ مُتعَتانِ على عهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : فأنا أَنهى الناسَ عنهما وأُعاقِبُ عليهِما إحداهما متعةُ الحجِّ، فافصِلوا حجَّكم مِن عمرتِكم فإنه أتمُّ لحجِّكم وأتمُّ لعمرتِكم، والأُخرى : متعةُ النساءِ، فلا أقدرُ على رجلٍ تزوَّج امرأةً إلى أجلٍ إلا غيبتَه في الحجارةِ» (4)، فقد اعترف هو بنفسه أن متعة النكاح كانت محلّلة وجائزة في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والذي حرّم هذه المتعة بنفسه ومن جانب نفسه حرّم متعة النكاح ولم يكن هذا التحريم من قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يكن أيضا من قبل الله سبحانه وتعالى. بل كان تحريم متعة النكاح من البدع التي ابتدعها.
ادلة مشروعية متعة النكاح
نكاح المتعة من الأمور الجائزة عند الشيعة والتابعين لأهل البيت عليهم السلام ولم يدلّ دليل في القرآن الكريم أو عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو عن أئمة أهل البيت عليهم السلام حول تحريم متعة النكاح. بل توجد أدلة متقنة لتحليل وجواز متعة النكاح عن القرآن الكريم والروايات المنقولة عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة المعصومين عليهم السلام. فنذكر بعض هذه الأدلة.
الأول: آية متعة النكاح في القرآن الكريم
إن الله سبحانه وتعالى أنزل آية حول جواز نكاح المتعة في القرآن الكريم حيث قال:
﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ (5)
ففي فقرة ﴿ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ﴾، بيّن الله سبحانه وتعالى بشكل واضح جواز متعة النكاح لجميع المسلمين ولم ينسخ هذه الآية الكريمة ولم ينه النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عن العمل بهذه الآية الكريمة. فقد قال عمران بن حصين: « أُنْزِلَتْ آيَةُ المُتْعَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَفَعَلْنَاهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يُنْزَلْ قُرْآنٌ يُحَرِّمُهُ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا حَتَّى مَاتَ، قَالَ: رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ» (6)، ولا يمكن لأحد أن يقول أن هذه الفقرة من الآية الكريمة ليست حول متعة النكاح. لأن كثيراً من الصحابة والتابعين، كابن عباس ومجاهد وابن مسعود، قرأوا هذه الآية الكريمة، بهذا النحو:﴿ فَمَا اِسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إِلَى أَجْلِ مُسَمًى فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ (7)، لأن ذكر « إِلَى أَجْلِ مُسَمًى» تجعل الآية مختصة لمتعة النكاح. لأن المدة والأجل ليست في النكاح الدائم.
الثاني: الروايات المذكورة في كتب العامة
وردت روايات متعددة حول حلية متعة النكاح في كتب العامة وفي بعض هذه الروايات، استدلالات جميلة حول جواز نكاح المتعة. فقد روي عن إبن أبي مليكة: « قال عروة بن الزبير لابن عباس: أهلكت الناس! قال: وما ذاك؟ قال تفتيهم في المتعتين وقد علمت أن أبا بكر وعمر نهيا عنهما، فقال: ألا للعجب! إني أحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحدثني عن أبي بكر وعمر» (8).
ومن أهم الروايات التي يمكننا الاستفادة منها في تحليل متعة النكاح هي محادثة يحيى بن أكثم مع شيخ بالبصرة في واقعة وهي: « قال يحيى بن أكثم لشيخ بالبصرة: بمن اقتديت في جواز المتعة؟ قال: بعمر بن الخطاب ، فقال: كيف و عمر كان أشد الناس فيها؟ قال: لأن الخبر الصحيح أنه صعد إلى المنبر فقال: إن اللّه و رسوله قد أحلا لكما متعتين و إني محرمهما عليكم، و أعاقب عليهما. فقبلنا شهادته و لم نقبل تحريمه» (9)، وأيضا ورد محادثة عبدالله بن الزبير مع عبدالله بن عباس: « عيّر عبد اللّه بن الزبير عبد اللّه بن عباس بتحليله المتعة فقال له: سل أمك كيف سطعت المجامر بينها و بين أبيك. فسألها فقالت: ما ولدتك إلا في المتعة. وسئل عن المتعة فقال: الذئب يكنى أبا حيدة أي ذلك حسن الإسم قبيح الفعل» (10)، وهذا التحريم كان من أقبح الأفعال نتيجة في الأمة الإسلامية. فقد قال أميرالمؤمنين عليه السلام لإبن عباس:
« لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شَقِيٌّ» (11) (12).
الثالث: افتاء بعض علماء العامة بحلية متعة النكاح
إن بعض علماء العامة أفتوا بحلية متعة النكاح رغم النهي الوارد عن هذه المتعة في كتبهم. فهذا بنوعه يدلّ على أن هذا التحريم ليس في محله وهو بدعة غير وارد في الشريعة الإسلامية. فقد قال مالك بن أنس أحد علماء العامة وزعيم مكتب المالكي: « وَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَشْرُوعًا فَيَبْقَى إلَى أَنْ يَظْهَرَ نَاسِخُهُ وَاشْتَهَرَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ تَحْلِيلُهَا وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ وَمَكَّةَ» (13)، فهذا يدلّ على أن مالك بن أنس لم ينفرد بتحليل متعة النكاح. بل إنّ صحابة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم من أهل اليمن ومكة أيضا قائلون بهذا.
يتضح من جميع ما سبق أن قول الحق هو قول أهل البيت عليهم السلام، الذي اتبعه الشيعة، وهو تحليل متعة النكاح. وبالتالي، فإن تحريمها يُعد بدعة في الشريعة الإسلامية
رزقنا الله المولاة لأوليائه والبرائة من أعدائه.
1) مفاتيح الجنان (للشيخ عباس القمي) / المجلد: 1 / الصفحة: 383 / الناشر: مجممع إحياء الثقافة الإسلامية – قم / الطبعة: 1.
2) بحار الأنوار (للعلامة محمد باقر المجلسي) / المجلد: 31 / الصفحة: 122 / الناشر: دار الرضا – بيروت / الطبعة: 2.
3) إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات (للشيخ حرّ العاملي) / المجلد: 3 / الصفحة: 403 / الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات – بيروت / الطبعة: 2.
4) صحيح مسلم (لمسلم بن الحجاج النيشابوري) / المجلد: 2 / الصفحة: 885 / الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت / الطبعة: 2.
5) سورة النساء / الآية:24.
6) صحيح البخاري ( لمحمد بن اسماعيل البخاري) / المجلد: 6 / الصفحة: 27 / الناشر: دار طوق النجاة – بيروت / الطبعة: 1.
7) المستدرك على الصحيحين (للحاكم النيشابوري) / المجلد: 2 / الصفحة: 334 / الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت / الطبعة: 2.
8) كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال (للمتقي الهندي) / المجلد: 16 / الصفحة: 519 / الناشر: مؤسسة الرسالة – بيروت / الطبعة: 5.
9) محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء (للراغب الإصفهاني) / المجلد: 2 / الصفحة: 235 / الناشر: دار مكتبة الهلال – بيروت / الطبعة: 1.
10) محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء (للراغب الإصفهاني) / المجلد: 2 / الصفحة: 234 / الناشر: دار مكتبة الهلال – بيروت / الطبعة: 1.
11) تفسير الطبري (لمحمد بن جرير الطبري) / المجلد: 8 / الصفحة: 178 / الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت / الطبعة: 1.
12) الدر المنثور (لجلال الدين السيوطي) / المجلد: 2 / الصفحة: 486 / الناشر: دار الفكر – بيروت / الطبعة: 1.
13) تبيين الحقائق (لعثمان بن علي الفخر الدين الزيلعي) / المجلد: 2 / الصفحة: 115 / الناشر: المطبعة الكبرى الأميرية – القاهرة / الطبعة: 1.
التعلیقات