دور المرأة بين الأخت والزوجة: حماية و محبة
الاسرة في الاسلام
منذ 7 ساعاتهل فكّرتِ يومًا في سرّ هذه العاطفة الدافئة التي تميّز قلب المرأة؟
إنّها عاطفة تتجلّى في صورٍ متعدّدة: الأخت الحنون التي تظلّل إخوتها بحمايتها، الزوجة الوفية التي تمنح زوجها السكينة وتؤسّس بيتًا عامرًا بالمودّة، والأم التي تبقى القلب النابض للأسرة.
القرآن الكريم والسيرة المباركة لنساء أهل البيت عليهم السلام تقدّم لنا أروع النماذج لهذه الأدوار، لتبقى المرأة ركنًا أساسياً في بناء المجتمع. فتعالي نغوص معًا في هذه الرحلة لنكتشف كيف جعل الإسلام للمرأة مكانةً سامية لا تضاهيها أيّ حضارة أخرى.
بِصِفَتِها أُخْتًا
الأختُ داعمةٌ لأخيها.
شعورٌ غامضٌ وعجيبٌ جدًّا يظهر في كيان الأخت، إضافةً إلى حفظ رابطة الدم والأخوّة مع إخوتها وأخواتها الآخرين؛ ذلك الشعور هو أن تُظلِّلَهم، وأن تنشر مظلّة حمايتها عليهم، وأن تساندهم، وتسعى بإخلاصٍ وحنانٍ لتأمين حاجاتهم.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله عن الروح الداعمة للبنت:
« نِعْمَ الْوَلَدُ الْبَنَاتُ؛ مُلْطِفات، مُجَهِّزات، مُؤنِسات، مُبارَكات، مُفَلّيات » (١).
شعورُ الأُخوّة يظهر مع الأخت منذ الطفولة، وهو ملازم لها في بيت أبيها. وأعلى مثالٍ على كمال هذا الشعور ودور الأخت في حماية أخيها، تجلّى في سيّدة كربلاء زينب الكبرى عليها السلام. فقد كان حضورُها بجانب سيّد الشهداء لا لأجل العقيدة والتكليف الإلهي فحسب، بل أيضًا بدافع شعور الأُخوّة.
ومن الأخوات اللاتي أدَّين هذا الدور أيضًا أمّ كلثوم. فقد قامت مثل أختها زينب، فخاطبت أهل الكوفة بخطبةٍ ناريّةٍ أوقعتهم في الحيرة والندامة، وأدّت دورها كالأم في حماية أخيها.
القرآن الكريم يصوّر دور الأخت في قصّة موسى عليه السلام أجمل تصوير. حينما أمر الله أُمَّه يوكَابد أن تلقيه في اليمّ:
﴿أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي﴾ (2)
وبعد أن وضعتْه في التابوت وألقته في النيل، أمرت ابنتها الذكيّة أن تتبعه. فتسلّلت الأخت الشجاعة إلى قصر فرعون، وحينما كانوا يبحثون عن مرضعةٍ للطفل، قالت بلطفٍ وحنان:
﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا﴾ (٣).
فبهذا عاد موسى إلى حضن أمه، وتجلى الدور الإلهي للأخت في هذه القصّة.
بِصِفَتِها زَوْجَةً
الإسلام أعطى للمرأة بصفتها زوجةً أهميّةً عظيمة؛ حتى إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله جعل ثواب رعاية المرأة لزوجها مساوياً لثواب المشاركة في الجهاد ونيل مقام المجاهد مع النبي. وذلك لأنّ رعايتها لزوجها وأسرتها تساهم في بنائهم، وبناء الأسرة يعني بناء المجتمع (٤).
وفي هذا الجزء نتناول دور المرأة بصفتها زوجة.
الزوجة، حافظَةُ الأُسْرَة
المرأة بصفتها زوجة هي المثال الحقيقي لقوله تعالى: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ﴾ (٥).
فاللباس يحمي الإنسان من البرد والحرّ ومن الأخطار، ويستر عيوبه، ويكون زينةً له. وهكذا الزوجة: تحفظ زوجها وأولادها، وتمنحهم بيتًا مليئًا بالصفاء والطمأنينة، وتحميهم من الأخطار، وتسدّ الفراغات الفكرية والعاطفية.
مواساة الزوج
من أدوار الزوجة المهمّة مواساةُ الزوج والتضحية لأجله. فالزوجة الصالحة تكون رفيقةً لزوجها في شدائد الحياة.
ومن أوضح الأمثلة سارة زوجة إبراهيم عليهما السلام. فقد رأت ألم زوجها بسبب عدم الإنجاب، فأهدته جاريتها هاجر ليتزوّجها، لعلّ الله يرزقهما ولدًا. وبعد زمن قصير وُلد إسماعيل. وهذا أسمى مثالٍ على مواساة الزوجة وتضحيتها من أجل راحة زوجها.
الزوجة الصالحة، بابُ البيت
الزوجة الصالحة هي بمثابة باب البيت.
ونرى ذلك في قصّة زوجة إسماعيل عليهما السلام. عندما عاد إبراهيم لزيارة ابنه، لم يجده، فسأل زوجته، فأجابت بأدب، وشكرت الله على حياتها مع زوجها، فسرّ إبراهيم عليه السلام بها، ثم قال لابنه بعد عودته: "احفظ باب بيتك"، أي الزم هذه الزوجة الصالحة (٦).
راحة الزوج
المرأة تهيّئ لزوجها السكينة بإنشاء بيتٍ مؤمنٍ طاهرٍ، وتربية أولادٍ صالحين. وقد قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ (٧).
وروي عن الإمام الرضا عليه السلام: « اعلَم أنّ النساءَ شتّى، فمنهنّ الغنيمة والغرَامة، وهي المُتحبِّبة إلى زوجها والعاشقة له » (٨).
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله: « خيرُ نسائكم ... ألطَفُهنّ بأزواجهنّ، وأرحمُهنّ بأولادهنّ » (٩).
الزوجة، سبيلُ الجَنّة
القرآن أشار إلى أنّ الزوجة الصالحة تستر عيوب زوجها وتزيّنه (١٠). وبهذا تكون سببًا في دخول كليهما الجنّة، حيث يقال لهما: ﴿ سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ (١١).
النتيجة
من خلال استعراض دور المرأة كأختٍ حامية، وزوجةٍ رحيمة، وأمٍّ عطوفة، يتّضح أنّ الإسلام منحها أرفع المقامات في الأسرة والمجتمع. هذه الأدوار ليست مجرّد عواطف عابرة، بل هي رسالة إلهية تتجسّد في حياتها اليومية. وبهذا يظهر جليًّا أنّ الإسلام أكثر من أيّ فكرٍ بشري آخر قد كرّم المرأة وأعلى شأنها.
أسئلة وأجوبة
س١: ما هو أبرز شعور تتميّز به الأخت؟
ج١: شعور الحماية والمساندة والحنان لإخوتها.
س٢: كيف وصف النبيّ صلى الله عليه وآله البنات؟
ج٢: قال: « نِعْمَ الْوَلَدُ الْبَنَاتُ... مؤنسات مباركات ».
س٣: ما هو دور الزوجة في الأسرة بحسب القرآن الكريم؟
ج٣: هي لباس لزوجها، تحفظه وتؤمّن له السكينة.
(ترجمة كتاب "الدور التاريخي للمرأة من منظور القرآن" تأليف السيّد إبراهيم حسيني، من الصفحة 44 إلى الصفحة 51.)
1. الكافي / الكليني / المجلد : ٦/ الصفحة : ٥.
2. طه : ۳۹.
3. طه : ٤٠.
4. الأمومة كمال المرأة / نفيسة سامي الدبّوني / الصفحة : ١٨٣.
5. البقرة : ١٨٧.
6. تفسير الميزان / المجلد : ١ / البقرة : ١٢٥.
7. الروم : ٢١.
8. مستدرک الوسائل / محدث نورى / المجلد : ١4 / الصفحه : ۱۶۱.
9. وسائل الشيعة / الشيخ حر العاملي / المجلد : ٢٠ / الصفحة : ٣٧.
10. ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ﴾ / البقرة : ١٨٧.
11. الرعد : ٢٤.
التعلیقات