فاطمة الزهراء (عليها السلام).. قدوةٌ خالدةٌ لكلّ امرأةٍ
نساء خالدات
منذ 11 ساعة
إنّ المرأة المسلمة في عصرنا الحاضر تواجه تحدّياتٍ كثيرة في بناء شخصيّتها والمحافظة على قيمها الإنسانيّة والدينيّة. وهي تحتاج إلى قدوةٍ صالحةٍ تقتدي بها في العلم والعمل، في العفّة والجهاد، في العبادة والعطاء. وليس في تاريخ البشريّة نموذجٌ أكمل وأسمى من السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، التي جمعت بين أنوثةٍ طاهرةٍ وروحٍ مجاهدةٍ وعقلٍ مضيءٍ بالإيمان. فدراسة حياتها ليست مجرّد معرفةٍ تاريخيّة، بل هي طريقٌ لإحياء روح الكرامة والوعي في كلّ امرأةٍ مؤمنةٍ في هذا الزمان.
فاطمة القدوة التي لا مثيل لها
إنّ فاطمة الزهراء (عليها السلام) بنتُ النبيّ الكريم بلا شكّ من النماذج الفريدة في تاريخ الإسلام. فقد أدّت في كلّ مرحلة من حياتها أفضل الأعمال وأكمل الأدوار. ولهذا فإنّ حياة السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) تُعَدُّ درساً عمليّاً للنساء الحرائر اللواتي يطلبن الكرامة والحرّيّة. وسنشير إلى بعضٍ من هذه النماذج.
فاطمة الكوثر
إنّ مقام السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) عظيمٌ جدّاً، حتّى إنّ الله تعالى أنزل سورةً باسمها وهي سورة «الكوثر». والكوثر على وزن «فوعل» بمعنى الشيء الذي شأنه أن يكون كثيراً، أي الخير الكثير.
وإن كان المفسّرون قد اختلفوا كثيراً في معنى الكوثر، إلّا أنّه بالنظر إلى آخر السورة حيث قال تعالى: «إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ»، ومع ملاحظة أنّ كلمة «الأبتر» في ظاهرها تعني العقيم، يتّضح أنّ المقصود من الكوثر هو كثرة الذرّية التي وهبها الله تعالى للنبيّ الكريم صلى الله عليه وآله، والبركة التي جعلها في نسله، أو أنّ المقصود هو الخير الكثير وكثرة الذرّية معاً، لأنّ كثرة الذرّية هي إحدى مصاديق الخير الكثير.
وقد وردت روايات كثيرة بأنّ سورة الكوثر نزلت جواباً على العاص بن وائل، حينما عيّر رسول الله صلى الله عليه وآله بالعُقم، وكان ذلك بعد وفاة القاسم وعبد الله ابني رسول الله صلى الله عليه وآله. (١)
إنّ تشريف فاطمة الزهراء (عليها السلام) بلقب «الكوثر» إنّما هو لأنها كانت الحاملة للكثرة والبركة والخير في نسل النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله.
فاطمة أمّ أبيها
بعد وفاة أمّها، كانت السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) دائماً إلى جانب أبيها، تسنده وتدافع عنه وعن أهدافه السامية. ومن هذا الطريق لُقّبت من قِبَل أبيها بلقب «أمّ أبيها».
فهي البنت التي أدّت دور الأمّ بأفضل صورةٍ وأكملها تجاه أبيها، وقد قامت بهذا الواجب بحبٍّ وإخلاصٍ وحنانٍ ما استطاعت إليه سبيلاً.
إنّ نيل السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) مقامَ «أمّ أبيها» يمكن تفسيره بدليلين:
الأوّل: التفسير الظاهري للّفظ، أي العناية والرعاية الخاصّة التي كانت تبديها تجاه أبيها منذ طفولتها وبعد وفاة السيّدة خديجة، واستمرّ هذا الاهتمام خلال حياتها مع الإمام عليّ عليه السلام في البيت المجاور لبيت النبيّ صلى الله عليه وآله، حيث كانت تواسي أباها وتؤنسه وتعتني به حتّى وفاته.
الثاني: أنّ نسل النبيّ صلى الله عليه وآله انحصر في أولاد فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فهي التي ربّت أولاداً صالحين، ومهّدت لهم طريق الإمامة، وجعلت بقيامها بدورها العظيم إقامةَ دولة الحقّ الإلهي ممكنة.
إنّ الدور الثاني للسيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) كان ظاهراً في أمومتها لأبناء عليّ عليه السلام، ولكنّ دورها الحقيقي كان في تأسيس الأسس التي حفظت نسلَ النبيّ، وحياة الرسالة، وأهداف الوحي الإلهي.
نزول الملَك على فاطمة الزهراء (عليها السلام)
من الخصائص المميّزة للسيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) أنّ الملَك الإلهي كان ينزل عليها.
فقد رُوي عن الإمام أبي عبد الله جعفر الصادق (عليه السلام) أنّه قال: « إِنَّ فَاطِمَةَ عليها السلام مَكَثَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله خَمْسَةً وَ سَبْعِينَ يَوْماً وَ كَانَ دَخَلَهَا حُزْنٌ شَدِيدٌ عَلَى أَبِيهَا وَ كَانَ يَأْتِيهَا جَبْرَئِيلُ عليه السلام فَيُحْسِنُ عَزَاءَهَا عَلَى أَبِيهَا وَ يُطَيِّبُ نَفْسَهَا وَ يُخْبِرُهَا عَنْ أَبِيهَا وَ مَكَانِهِ وَ يُخْبِرُهَا بِمَا يَكُونُ بَعْدَهَا فِي ذُرِّيَّتِهَا وَ كَانَ عَلِيٌّ عليه السلام يَكْتُبُ ذَلِكَ » (۲).
الممرّضة لأبيها
كانت السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) كالممرّضة الحنون، لا تفارق أباها في أحلك الظروف.
وفي معركة أُحد، رُوي: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله يوم أحد وكسرت رباعيته ، وهشمت البيضة على رأسه ، وكانت فاطمة بنته تغسل عنه الدم وعلي بن ابي طالب يسكب عليها بالمجن ، فلما رأت فاطمة أن المآء لا يزيد الدم إلا كثرة أخذت قطعة حصير فأحرقته حتى إذا صار رمادا ألزمته الجرح فاستمسك الدم (3).
حجّيّة موقف فاطمة الزهراء (عليها السلام) عند المعصومين
إنّ الإمام عليّ (عليه السلام) إنسانٌ كامل ومعصوم، وجميع أقواله حجّة. ومع ذلك، كان يستشهد بكلام زوجته فاطمة الزهراء (عليها السلام) لإثبات الحقّ.
فقد أوصى الإمام الناس قائلاً: « مروا أهاليكم بالقول الحسن عند الميت، فإن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله لما قبض أبوها عليهما السلام أشعرها بنات هاشم فقالت: اتركوا الحداد وعليكم بالدعاء » (4).
وتمسّك الإمام عليّ (عليه السلام) بأقوال السيّدة الزهراء (عليها السلام) يدلّ على أنّه كما يعتبر كلامه حجّة، يعتبر كلامها أيضاً حجّةً شرعيّة، وهذا يُظهر عظمة السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) ورفعة مقامها.
القدوة للنساء في جميع الميادين
إنّ الحياة الاجتماعيّة والسياسيّة للسيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) من أعظم النماذج التي تستحقّ الدراسة.
فكما كانت (عليها السلام) متقدّمة في العلم والأخلاق والعبادة والتربية وسائر القيم الإنسانيّة والدينيّة، كانت أيضاً متميّزةً في المجالين السياسي والاجتماعي، حيث برزت شخصيّةٌ فاعلة ومؤثّرة.
وبناءً على ذلك، فإنّ حياتها السياسيّة، وسلوكها في ميدان المجتمع، يُشكّلان قدوةً صالحةً لعاشقي مدرستها، ونشير إلى ذلك بإيجاز.
الميدان الاجتماعي
إنّ اهتمام فاطمة الزهراء (عليها السلام) بالقضايا الاجتماعيّة أمرٌ معروف، فقد شاركت بفعاليّة في مبايعة النبيّ (صلى الله عليه وآله) وفي الهجرة إلى المدينة.
وكانت تكثر من الصدقات والإيثار، وتُعين الفقراء والمحتاجين في المجتمع الإسلامي، وكانت تدعو للآخرين في صلواتها الليليّة وتُقدّمهم على نفسها.
ومن أبرز الشواهد على مكانتها الاجتماعيّة نزول سورة «هل أتى» أو «الدهر» في شأنها وشأن أهل بيتها، حين مرض الحسن والحسين (عليهما السلام)، فنذر النبيّ (صلى الله عليه وآله) وعليّ (عليه السلام) وفاطمة (عليها السلام) الصومَ ثلاثة أيّام، وعند الإفطار تصدّقوا بطعامهم على المسكين واليتيم والأسير رغم شدّة الجوع والعطش.
قال تعالى: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا) (5).
التمريض في ميدان الحرب
خلال حياتها، كانت السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) تؤدّي واجباتها في البيت وتربية أولادها، ومع ذلك كانت تخرج عند الحاجة إلى ميادين الجهاد لتُساعد المجاهدين وتقوم بالأعمال الخدميّة والإسعافيّة.
فقد حضرت (عليها السلام) في معركة أُحد، وداوت جراح رسول الله (صلى الله عليه وآله) عندما أُصيب بجراحٍ بالغة. وكان الإمام عليّ (عليه السلام) يحمل الماء بسلاحه، وهي تغسل جراح أبيها.
وبعد معركة أُحد، جلست فاطمة الزهراء (عليها السلام) مع صفية بنت عبد المطلب، أخت حمزة سيّد الشهداء، عند جسد حمزة الممزّق، تبكي عليه وتُواسي أهلَه.
كما شاركت الزهراء المرضيّة (عليها السلام) في معركة الخندق الحاسمة، وقد سُمّي أحد المساجد السبعة في منطقة الخندق باسم «مسجد فاطمة الزهراء (عليها السلام)» تخليداً لوجودها المبارك هناك.
وشهدت أيضاً فتح مكّة، فكانت حاضرةً تُعين أباها وزوجها في ذلك النصر العظيم.
الخاتمة
لقد كانت السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) مثالاً نادراً في العلم والعبادة والتربية والسياسة والخدمة الاجتماعيّة. فهي لم تكن ابنة نبيٍّ فقط، بل كانت مدرسةً إلهيّةً تسير على نهج الرسالة. وإذا اقتدت نساء اليوم بها في الصبر والعفّة والعطاء، فإنّ المجتمع سيتطهّر من الظلم والفساد ويزدهر بالإيمان والعمل الصالح.
فلنقرأ حياة السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) قراءةَ وعيٍ وإلهام، لا مجرّد عاطفةٍ ومأساة.
ولنحوّل سيرتها إلى برنامجٍ عمليٍّ في حياتنا؛ في البيت، وفي العمل، وفي المجتمع.
ولتكن كلّ امرأةٍ فاطميّةٍ رسالةَ نورٍ تذكّر العالم بأنّ الكرامة والرحمة والإيمان يمكن أن تجتمع في قلبٍ واحد.
أسئلة وأجوبة
١. من هو الذي عيّر النبيّ صلى الله عليه وآله بالعُقم فنزلت سورة الكوثر؟
العاص بن وائل.
٢. لماذا لُقّبت السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) بلقب «أمّ أبيها»؟
لأنّها كانت ترعى أباها النبيّ (صلى الله عليه وآله) بعطفٍ وحنانٍ كالأمّ، واهتمّت به منذ طفولتها إلى وفاته.
٣. ما هو الدليل على نزول الملَك على فاطمة الزهراء (عليها السلام)؟
رُوي أنّ جبرائيل (عليه السلام) كان ينزل عليها بعد وفاة النبيّ (صلى الله عليه وآله) ليعزّيها ويُخبرها بما سيجري في ذريّتها.
٤. كيف ساعدت السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) أباها في معركة أُحد؟
كانت تغسل الدم عن وجهه الشريف وتوقف النزيف بوضع رماد الحصير على الجرح.
٥. ما هي السورة التي نزلت في شأن فاطمة الزهراء (عليها السلام) وأهل بيتها عندما تصدّقوا بطعامهم؟
سورة الإنسان (الدهر)، الآيات ٧ إلى ١٠.
1. السيّد محمد حسين الطباطبائي / الميزان في تفسير القرآن / المجلد: ٢٠ / ذيل سورة الكوثر.
2. الكافي، محمد الكليني / الطبعة الإسلاميّة / المجلد: ١/ الصفحة: ٤٥٨.
3. بحار الأنوار/ العلّامة المجلسي / المجلد: ٢٠ / الصفحة: ٣١.
4. تحف العقول/ ابن شعبة الحرّاني/ الصفحة: ١٠٨.
5. سورة الإنسان : الآيات ٧ ـ ١٠.









التعلیقات