اليوم العالمي للأطفال : المراحل الثلاثة لتربية الأولاد حسب الشريعة وعلم النفس
السيد حسين الهاشمي
منذ 3 ساعاتاليوم العالمي للأطفال مناسبة إنسانية ودينية وتربوية في آنٍ واحد، تهدف إلى تسليط الضوء على حقوق الطفولة وضرورة توفير بيئة آمنة وصالحة لنموّهم الجسدي والعقلي والروحي. فالأطفال هم أساس المستقبل، وبصلاحهم تُبنى الأمم، وبإهمالهم تُصاب المجتمعات في عمقها القيمي والأخلاقي. ومن هذا المنطلق، جاءت الشريعة الإسلامية قبل أن تُقرّ المواثيق الدولية بقرون، لتُؤكّد على كرامة الطفل وحقّه في التربية والرعاية والتعليم.
تتلاقى هذه الرؤية الإسلامية العميقة مع ما توصّل إليه علم النفس التربوي الحديث، الذي يرى أن بناء شخصية الطفل يمرّ بثلاث مراحل أساسية، لكلّ منها خصائصها النفسية ومتطلّباتها التربوية. فالمرحلة الأولى هي مرحلة الطفولة المبكرة التي تسمى في الروايات بمرحلة السيادة التي تحتاج إلى الحنان والأمان. تليها مرحلة التمييز والتقليد التي تسمى في الروايات بمرحلة الإطاعة حيث يبدأ الطفل في تشكيل هويّته السلوكية. ثم مرحلة المراهقة المسمى في الروايات بمرحلة الوزارة التي تتطلب فهماً ناضجاً وتوجيهاً رشيداً نحو الاستقلال والوعي بالذات والمسؤولية.
ولهذا قمنا بالكتابة عن المراحل الثلاثة لتربية الأولاد حسب الروايات المروية عن المعصومين عليهم السلام وعلم النفس.
روايات المراحل الثلاث
وقد نقلت عن المعصومين عليهم السلام رواياتٌ تحدّد هذه المراحل الثلاث لتربية الطفل، وسنعرضها ثم نتناول كل مرحلة بالتفصيل، مرحلةً بعد أخرى.
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: « الولد سيّد سبع سنين، وعبد سبع سنين، ووزير سبع سنين، فان رضيت خلائقه لاحدى وعشرين والاّ فاضرب على جنبه فقد أعذرت الى اللّه تعالى » (1).
وقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: « يُرخَى الصَّبى سَبعاً وَيُؤَدَّبُ سَبْعاً وَيُسْتَخْدَمُ سَبْعاً وَمُنْتَهَى طُولِهِ فِي ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَعَقْلِهِ فِي خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً وَمَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ فَبِالتَّجَارِبِ » (2).
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام: « دع ابنك يلعب سبع سنين، ويؤدّب سبعا، والزمه نفسك سبع سنين. فإن أفلح والاّ فاله فانّه لا خير فيه » (3).
المرحلة الأولى: مرحلة السيادة واللعب
قد يتوهم أنه في هذه المرحلة ينبغي ترك الطفل ليلعب، فيظنّ بعض الناس أنّه لا ينبغي أن يكون في هذه الفترة أيّ برنامجٍ تربوي. ولكن الأمر ليس كذلك. فإنّه يجعل التربية ملازمة للحياة منذ بدايتها، فبعد الولادة أيضاً توجد تربية، غير أنّ أسلوبها يختلف في هذه المرحلة. فالطفل في هذه السنّ لا يمتلك بعدُ الاستعداد لتلقّي الأوامر والنواهي أو القيام بالتحليل العقلي، ولذلك يجب أن تكون تربيته من خلال اللعب.
خصوصيات الطفل في المرحلة الأولى
لهذه المرحلة، خصوصيات منفردة. فيجب على الآباء التوجه إلى هذه الخصوصيات في أطفالهم حتى يمكنهم تربيتهم بشكل صحيح. لكن الخصوصية الأهم في هذه المرحلة هي الميل إلى اللعب.
الميل إلى اللعب
من الميول الفطريّة الموجودة في الطفل والتي يجب الالتفات إليها والاستجابة لها استجابةً مناسبة، ميله إلى اللعب. وأوّل توصيةٍ تربويّةٍ يقدّمها الإمام الصادق عليه السلام في هذه المرحلة من حياة الطفل هي أن اتركوه في السبع سنين الأولى، لأنّ الطفل في هذه الفترة يحتاج إلى أن يلعب. فقد قال عليه السلام: « الْغُلَامُ يَلْعَبُ سَبْعَ سِنِينَ » (4). اللعب من ضروريات حياة الطفل، والاعتقاد بأنّ وقت الطفل يضيع عبثاً أثناء اللعب هو اعتقادٌ باطل. فاللعب في هذه المرحلة يُسهم في نموّ الطفل الجسدي والعقلي والنفسي، كما يُساعد على تعديل وإشباع ميوله وحاجاته العاطفية. اللعب بالنسبة للطفل هو بمنزلة التنفّس ضرورةً وحاجةً حيوية، ولذلك لا ينبغي منع الطفل من حركاته وشقاوته ولعبه الطفولي. ولهذا قال الإمام الكاظم عليه السلام: « تُسْتَحَبُّ عَرَامَةُ الصَّبِيِ فِي صِغَرِهِ لِيَكُونَ حَلِيماً فِي كِبَرِهِ، ثُمَّ قَالَ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إِلَّا هَكَذَا » (5).
بالنظر إلى خصوصية هذه المرحلة، من الضروري تجنّب أيّ نوعٍ من الإكراه في إلزامهم بأداء الواجبات أو الأوامر والنواهي الدينية، أو إجبارهم على حفظ القرآن بشكل قسري. فالتعليم الديني الرسمي في هذه السنّ قد يسبّب اضطراباً خطيراً في مسار التربية الدينية للطفل.
المرحلة الثانية: مرحلة الإطاعة والتأديب
يسمّي النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم المرحلة الثانية من حياة الطفل، الممتدّة من سنّ السابعة حتى الرابعة عشرة، بهذه التسمية، بـمرحلة الطاعة.في هذه المرحلة تظهر تغيّرات ملحوظة في نموّ الطفل ونفسيّته؛ فـجسده يقوى، وإدراكه ينمو، ويصبح قادراً على تمييز الخير من الشرّ، غير أنّه لم يبلغ بعدُ النضج العقلي الكافي، ولذلك ينبغي أن يكون تحت إشرافٍ ورقابةٍ وتوجيهٍ كاملٍ من الأب والأمّ. ولهذا قال أميرالمؤمنين عليه السلام حول تربية الأطفال في هذه المرحلة: « إِنَّمَا قَلْبُ الْحَدَثِ كَالأَرْضِ الْخَالِيَةِ ـ مَا أُلْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيْءٍ قَبِلَتْه ـ فَبَادَرْتُكَ بِالأَدَبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسُوَ قَلْبُكَ ـ ويَشْتَغِلَ لُبُّكَ لِتَسْتَقْبِلَ بِجِدِّ رَأْيِكَ مِنَ الأَمْرِـ مَا قَدْ كَفَاكَ أَهْلُ التَّجَارِبِ بُغْيَتَه وتَجْرِبَتَه » (6).
خصوصيات المرحلة الثانية
إنّ للأطفال في المرحلة الثانية خصوصيات منفردة.
قبول التأديب والإطاعة
قابلية التهذيب والطاعة من الخصائص البارزة لهذه المرحلة. وبناءً على هذه الخصوصية، تُعَدّ هذه الفترة بداية التربية الرسميّة للأطفال. ولهذا قال أميرالمؤمنين والإمام الصادق عليهما السلام: « وَيُؤَدَّبُ سَبْعاً ». (7). لأنّ الطفل في هذا السنّ قد بلغ النضج الجسدي والفكري والعاطفي اللازم لتقبّل الأدب، وأصبح قادراً على تمييز الخير من الشرّ. إنّ الطاعة وقوّة التمييز هما من الأدوات الأساسيّة للتربية، والطفل في هذه المرحلة يمتلك كلتا الأداتين.
قابلية التعليم
الصفة الثانية للطفل في هذه المرحلة هي استعداده لتلقّي العلم والتعلّم، وتُعَدّ هذه الفترة بداية التعليم والتعلّم الرسمي للطفل. ولهذا قال الإمام الصادق عليه السلام: « ويتعلم الكتاب سبع سنين » (8).
التعليم والتأديب في هذه المرحلة مهمة جدا إلى درجة أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم حذّر المؤمنين من هذا الأمر. فقد روي عنه صلى الله عليه وآله: « أنه نظر إلى بعض الأطفال فقال: ويل لأطفال آخر الزمان من آبائهم. فقيل: يا رسول الله، من آبائهم المشركين؟ فقال: لا من آبائهم المؤمنين، لا يعلمونهم شيئا من الفرائض، وإذا تعلموا أولادهم منعوهم، ورضوا عنهم بعرض يسير من الدنيا، فأنا منهم برئ وهم مني براء » (9).
المرحلة الثالثة: مرحلة الوزارة والاستخدام
يسمّي النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله المرحلة الثالثة من حياة الإنسان بـ«مرحلة الوزارة»، وتمتد هذه المرحلة من سن الرابعة عشرة حتى إحدى وعشرين سنة، وتُعرف أيضًا باسم مرحلة البلوغ. وقد فسّر أكثر اللغويّين كلمة «البلوغ» بمعنى الإدراك والوصول. والبلوغ مرحلةٌ حسّاسةٌ تحدث فيها تغيّراتٌ جسديّةٌ مصحوبةٌ بنموٍّ عقليٍّ وفكريّ. إنّها مرحلةٌ غامضةٌ ومليئةٌ بالأسرار، حيث تكون التحوّلات الجسديّة والعاطفيّة والعقليّة فيها شديدةً إلى درجةٍ جعلت بعض علماء النفس يُسمّونها مرحلة العاصفة والزلازل والأزمات.
خصوصيات المرحلة الثالثة
لهذه المرحلة الحساسة خصوصيات شتى.
نمو الاحساسات والعواطف
أول خصوصية لهذه المرحلة هي نموّ العواطف والمشاعر بشكل سريع وفجائي. ومن بين المشاعر التي تزدهر بسرعة، هي المشاعر الدينية، حيث تنشأ الميول الإيمانية لدى الفرد ويصبح لديه ميل فطري نحو الدين.
الميل إلى الصلاح
الخاصية الأخرى للمراهقين في هذه المرحلة هي الميول الفطرية والداخلية نحو الطهارة والفضيلة والعدل والإنصاف وأداء الأمانة والوفاء بالعهود والصدق والاستقامة. ولهذا، يتألّمون من أيّ سوء تصرّف أو سوء خلق من الآخرين. إنّ الميل الفطري نحو الإيمان والأخلاق في هذه المرحلة يُعدّ من أفضل وأهم القواعد التربوية لجيل الشباب. ويجب على المربّين الاستفادة من هذا الميل الفطري والجاذبية الروحية في عملية التربية.
الاستعداد للمشورة
الخاصية الثالثة لهذه المرحلة، وفقًا لتوجيهات الإمام الصادق عليه السلام هي الوصول إلى مقام الوزارة والمشاورة، وشرط ذلك مرافقته ومصاحبته. فقد قال الإمام عليه السلام: « والزمه نفسك سبع سنين ». كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتصرّف هو بنفسه مع الشباب بأخلاق حسنة ومرغوبة، وكان يوصي الآخرين أيضاً بالمعاملة الحسنة مع الشباب ويقول: « اوصيكُمْ بِالشُّبّانِ خَيْرا فَاِنَّهُمْ اَرَقُّ اَفـْئِدَةً اِنَّ اللّه َبَعَثَنى بَشيرا وَ نَذيرا فَحالَـفَنِى الشُّبّانُ وَ خالَفَنِى الشُّيوخُ، ثُمَّ قَرَاَ «فَطالَ عَلَيْهِمُ الاَمَدُ فَقَسَتْ قُلوبُهُمْ» (10).
كانت هذه بعض الروايات والتوجيهات النفسية المتعلقة بالمراحل الثلاث لتربية الطفل، ونأمل أن تكون قد أفادتكم.
1) سفينة البحار (للشيخ عباس القمي) / المجلد: 8 / الصفحة: 580 / الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر – قم / الطبعة: 1.
2) من لا يحضره الفقيه (للشيخ الصدوق) / المجلد: 3 / الصفحة: 493 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 2.
3) سفينة البحار (للشيخ عباس القمي) / المجلد: 8 / الصفحة: 579 / الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر – قم / الطبعة: 1.
4) الكافي (لمحمد بن يعقوب الكليني) / المجلد: 6 / الصفحة: 47 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
5) الكافي (لمحمد بن يعقوب الكليني) / المجلد: 6 / الصفحة: 51 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
6) نهج البلاغة (للسيد الشريف الرضي) / المجلد: 1 / الصفحة: 393 / الناشر: دار الكتب اللبناني – بيروت / الطبعة: 1.
7) من لا يحضره الفقيه (للشيخ الصدوق) / المجلد: 3 / الصفحة: 493 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 2.
8) وسائل الشيعة (للشيخ حر العاملي) / المجلد: 15 / الصفحة: 194 / الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت / الطبعة: 1.
9) مستدرك الوسائل (للشيخ حسين النوري) / المجلد: 15 / الصفحة: 164 / الناشر: مؤسسة آل البيت – قم / الطبعة: 1.
10) سفينة البحار (للشيخ عباس القمي) / المجلد: 2 / الصفحة: 176 / الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر – قم / الطبعة: 1.







التعلیقات