العِفّة في اللّباس: جمالٌ يُصون المرأة
احكام المراة والاسرة
منذ ساعةفي زمنٍ تتسابق فيه الموضات وتتغيّر مفاهيم الحياء، تبقى العفّة في اللّباس من أهمّ علامات الإيمان، ودليلًا على وعي المرأة بنفسها وقيمتها. الحجاب ليس مجرّد قطعة قماش، بل رسالةُ طُهرٍ تُعلن أنّ للمرأة مكانةً محفوظة وكرامةً لا تُمسّ. فحين تختار المرأةُ الاحتشام، فهي لا تحرم نفسها من الجمال، بل تختار الجمال الذي يحميها ويزيدها وقارًا ونورًا.
العِفّة في اللّباس
إنَّ حُكمَ وُجوبِ التستر من أرقى الأحكام في شريعة الإسلام. فالحجاب سببٌ في حفظ الأخلاق، وهو صورةٌ من صور التقوى والعِفّة. ومن أهمِّ أسباب تشريع الحجاب، ضبطُ غريزةِ الشهوة عند الإنسان، ومنعُ انتشار الفاحشة والفساد في المجتمع.
يأمرُ القرآن الكريم في شأن ضبط هذه الغريزة – التي هي من الواجبات الأساسية للمؤمنين – بالاعتدال وعدم التعدّي، وأولُ خطوةٍ في هذا الطريق هي حفظُ الحدود بين الرجل والمرأة، وهذا يتحقّق في البداية باللباس المناسب؛ لأنّ التبرّج أو قلّة الاحتشام من الأسباب التي تؤدّي إلى انحراف الفرد ثمّ المجتمع. ويمكن أن يقع هذا الانحراف من الرجال أو النساء على حدٍّ سواء.
يقول الله تعالى في سورة النور:
﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ (۱).
في هذه الآية، لا ينهى اللهُ الرجالَ عن النظر بشهوةٍ فقط، بل يأمرُهم أيضًا بالاحتشام، ويُوجّه النبيَّ صلى الله عليه وآله أن يُبلّغ هذا الحكم للمؤمنين. والمقصود من «حفظ الفروج» في الآية – بحسب الروايات – هو سترها عن نظر غير المحارم.
قال الإمام الصادق علیه السلام: « كل آية في القرآن في ذكر الفروج فهو من الزنا إلا هذه الآية، فإنها من النظر، فلا يحل لرجل مؤمن أن ينظر إلى فرج أخته ولا يحل للمرأة أن تنظر إلى فرج أخيها » (۲).
في تتمّة الآية، يُشير اللهُ تعالى إلى فلسفة الحجاب والعفّة، ويعتبرها سببًا للطهارة والبُعد عن الذنوب والفساد. ثمّ في الآية التالية يأمر اللهُ نبيَّه صلى الله عليه وآله أن يُبلّغ هذا الحكمَ نفسه للنساء المؤمنات، فيقول تعالى: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ﴾ (٣).
إنّ الحجاب المفروض على النساء جاء بتأكيدٍ أكبر، وذلك بسبب طبيعة تكوينهنّ الجسدي، وأيضًا لأنّ الميل إلى الزينة والتجمّل وحبّ الجمال أكثرُ في النساء، لذلك خُصِّصت آياتٌ متعدّدة لهذا الموضوع.
كلمة «خُمُر» في قوله تعالى: «وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ» تعني الغطاء أو المقنعة التي تغطّي بها المرأة رأسها وصدرها. وتشير الآية إلى أنّ النساء قبل نزولها كنّ يلقين طرف خمارهنّ على الكتفين أو خلف الظهر، فكان يظهر شيء من العنق أو الصدر. فجاء الأمر الإلهي أن يُحافظن على سترهنّ الكامل، وألاّ يُظهرن زينتهنّ.
والمقصود بالزينة في الآية هو الحُليّ كالقلادة والخاتم وما شابه ذلك، عندما يكون ظاهرًا على الجسد، ولذلك لا يجوز للنساء أن يُظهرن الزينة التي تكون عادةً خفيّة، حتى وإن لم يظهر الجسد نفسه.
وفي آيةٍ أخرى، يأمر اللهُ تعالى نبيَّه صلى الله عليه وآله وسلم أن يُعلن حكمَ الحجاب لزوجاته وبناته ونساء المؤمنين، فيقول سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ (٤).
قال العلّامة المجلسي رحمه الله في تفسير هذه الآية:
«إنّ النساء كنّ يخرجن إلى المسجد ويصلّين خلف رسول الله صلى الله عليه وآله، فإذا كان الليل وخرجن إلى صلاة المغرب والعشاء والغداة، يقعد الشابّ لهنّ في طريقهنّ فيؤذونهنّ ويتعرّضون لهنّ، فأنزل الله هذه الآية» (٥).
أما كلمة «الجلباب» فهي ثوبٌ واسعٌ أكبر من الخمار وأصغر من العباءة، تلبسه المرأة عادةً لتغطّي به رأسها وعنقها وصدرها، خصوصًا عند خروجها من المنزل.
وفي قوله تعالى: «يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ»، يأمر اللهُ النساءَ أن يُرخين أغطيتَهنّ على أنفسهنّ ليُغطّين أعناقَهنّ وصدورَهنّ تمامًا حتى لا يُرى منهنّ شيء.
ثمّ يذكر اللهُ تعالى الحكمةَ من هذا التشريع، فيقول إنّ هذا الحجاب الكامل والعفيف يجعل النساء معروفاتٍ بالعفاف والطهارة، فلا يجرؤ أحدٌ على التعرّض لهنّ، وبهذا يتحقّق لهنّ الأمان.
والأمن من أهمّ وأبسط الحاجات الإنسانية، فإذا فقده الناس في حياتهم اليومية – في الشارع أو في العمل أو في المدرسة – شعروا بالخوف والاضطراب شيئًا فشيئًا حتى يُصابوا بالتوتّر النفسي.
والنساء بطبيعتهنّ، بسبب خصائصهنّ الشخصية ومكانتهنّ الاجتماعية، أكثرُ حاجةً إلى هذا الشعور بالأمان؛ لأنّ في المجتمعات البشرية دائمًا رجالًا يفتقدون التربية الأخلاقية السليمة، يبحثون عن فرصةٍ لإيذاء النساء أو استغلالهنّ أو التعرّض لهنّ بسوء.
ومن الأسباب التي تُضعف هذا الأمان وتُعرّض النساء للأذى، قلّة الاحتشام أو عدم ارتداء اللباس المناسب؛ لأنّ ذلك يُثير غرائز بعض الرجال ويُسبّب حالةً من عدم الاستقرار والأمان في المجتمع.
الأمرُ بالعفّة موجَّهٌ إلى جميع المسلمين
إنّ اللهَ تعالى قد ألزمَ جميع المؤمنين – رجالًا ونساءً – بستر أجسادهم وصونها، فقال سبحانه: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) (٦).
وقال أيضًا: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) (٧)
ومع ذلك، يبدو أنّ الأحكام والتوجيهات الإسلامية في هذا المجال تتوجّه أكثر نحو النساء. والسبب في ذلك واضح، لأنّ المرأة مظهرُ الجمال والزينة، ومن هذه الجهة تكون الحاجة إلى الحجاب والستر عندها أشدّ وأعظم.
فالتركيبُ الجسديّ والنفسيّ والأخلاقيّ والفِطريّ للمرأة يجعل الحياء عندها أكثرَ بروزًا واهتمامًا في نظر الشريعة. قال الإمام الصادق عليه السلام: «الحياء عشرة أجزاء، تسعة في النساء وواحد في الرجال» (٨)
إنّ العفّة في المرأة وسيلةٌ لرفعتها وتكريم شخصيّتها في نظر الآخرين، حتى في عيون الرجال ضعفاء النفس أو الميالين للشهوة. غير أنّ العفاف لا يختصّ بالنساء، بل هو مطلوبٌ من الرجال أيضًا. إلاّ أنّ التأكيد على عفّة المرأة جاء لأنّ الرجل – بما لديه من قوّةٍ جسديّة – قد يظلم المرأة أو يتعدّى عليها خلافًا لإرادتها.
وعلى ما بُيّن سابقًا في معنى العفّة وحقيقتها، فهي حالةٌ نفسيّة في الإنسان تمنعه من غلبة الشهوة عليه. ومن أوضح مظاهر العفاف ما يكون في العلاقة بين الرجل والمرأة، والمقصود به التزام الحجاب الشرعي، وضبط النظر، والابتعاد عن التبرّج أمام غير المحارم.
وهذا التكليف لا يختصّ بالنساء، بل هو أمرٌ إلهيٌّ موجَّهٌ إلى جميع المسلمين رجالًا ونساءً.
الخاتمة
إنّ العفّة ليست حجابًا للجسد فحسب، بل هي حجابٌ للقلب والعقل والسلوك. المرأة العفيفة تُربّي جيلًا طاهرًا، وتبني مجتمعًا آمنًا.
فلنبدأ من أنفسنا، ولنجعل الحياء زينتنا في البيت، وفي الشارع، وفي العمل.
ليكن حجابكِ إعلانًا عن إيمانكِ، لا عن خوفكِ.
أسئلة وأجوبة
س1: لماذا يأمر الإسلام الرجال والنساء معًا بالعفاف؟
ج: لأنّ العفّة تحمي الإنسان من الوقوع في الفاحشة، وهي طريقٌ لحفظ كرامة المجتمع وأمنه، وليس خاصًّا بجنسٍ دون آخر.
س2: ما الفرق بين خمار المرأة وجلبابها؟
ج: الخمار غطاء الرأس والصدر، أمّا الجلباب فهو ثوبٌ واسع يُغطّي الجسد عند الخروج، وهو أكبر من الخمار وأصغر من العباءة.
س3: هل الحجاب يُقيّد حرّية المرأة؟
ج: أبدًا، بل يمنحها حرّيةً حقيقيةً في أن تُرى بعقلها وأخلاقها، لا بجسدها وزينتها.
س4: كيف يُحقّق الحجاب الأمن للمرأة؟
ج: لأنّه يُظهرها بصورةٍ محترمة، فيمنع ضعاف النفوس من التعرّض لها، فيسود الأمان في المجتمع.
س5: هل العفّة تُطلب من الرجال أيضًا؟
ج: نعم، فالعفاف خُلُقٌ للمؤمنين جميعًا، والرجل مأمورٌ بغضّ البصر وضبط الشهوة كما المرأة مأمورة بالحجاب والحي.
1. نور : ۳۰.
2. بحارالانوار / العلامة المجلسي / الطبعة موسسة الوفاء / المجلد: ۱۰۴ / الصفحة: ٣٣.
3. نور : ٣١.
4. احزاب: ٥٩.
5. بحارالانوار / العلامة المجلسي / الطبعة موسسة الوفاء / المجلد: ۱۰۴ / الصفحة: ٣٣.
6. نور : ٣٠.
7. نور : ٣١.
8. مكارم الاخلاق / الطبرسي، رضي الدين / المجلد : 1 / الصفحة : 201.








التعلیقات